}

عن القعيد وابتسامة الرئيس وتجديد الخطاب الديني

هشام أصلان 22 نوفمبر 2018
آراء عن القعيد وابتسامة الرئيس وتجديد الخطاب الديني
يوسف القعيد

عُرف عن الروائي المصري يوسف القعيد، شأن كثيرين في تاريخ الثقافة المصرية والعربية، حُبه للرؤساء وانتماؤه، دائمًا وأبدًا، إلى صف جنود الدولة في المجتمع الثقافي. لكن بعض السمات الشخصية تميّزه عن زملائه من هؤلاء الجنود، ومن سماته تلك قدرة الثبات على الموقف مهما تغيّرت الظروف، ومهما بطشت الدولة، سواء بالملفات التي تعني المثقف مباشرة، كملف الرأي وحرية التعبير عنه، أو الملفات التي تعنيه بشكل غير مباشر، كحق أي مواطن في الحياة. من سماته أيضًا القدرة على تطوير نفسه وأدواته، ما يظهر بتجلّ على مبادراته في الفترة الأخيرة لإبداء مهارات نوعية في لعب دوره، وصار مؤهلًا، بجدارة، في الاحتفاظ بمكانته ووظائفه شبه الرسمية في شبه الدولة.

وبعد مقاله المُذهل، منذ شهور، والذي أثار به جدلًا كبيرًا حينما شرح كيف جدد الرئيس السيسي في البلاغة اللغوية، بحديثه في أحد المؤتمرات عن كيف "أكل المصريون من الجوع وشربوا من العطش"، ها هو ذا يتفوق على نفسه ثانية، ويُتحفنا هذا الأسبوع بتصريحات صحافية يطالب فيها بترجمة خطاب الرئيس في مناسبة المولد النبوي لتوزيعه على العالم حتى يستفيد منه الإسلام والمسلمون على أطراف البسيطة المترامية.

استطاع القعيد نشر حضوره الإعلامي على حالة الاحتفالية الدينية الرسمية ببراعة، حتى أنك كلما وضعت كلمات بحث على"غوغل" لتقرأ ما قاله الرئيس السيسي في خطابه، ستظهر لك روابط تصريحات القعيد وليس الرئيس! بصعوبة ستجد سطرًا أو اثنين: "إننا جميعًا في يوم من الأيام سنتقابل أمام الله عز وجل، وسنُحاسب على كل كلمة تلفظنا بها، وكل فعل قمنا به".

صاحب "الحرب في بر مصر"، والحاصل على جائزة الدولة التقديرية في الآداب، قال في مداخلة، نقلتها أغلب الصُحف، إن "كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسي في المولد النبوي لها دلالات واضحة في تجديد الخطاب الديني، والرئيس أدخل العلماء والمثقفين في مسألة التجديد"، مضيفًا: "دخول المثقفين في التجديد سيثري الأمر ومهم جدًا، والمهم تنفيذه على أرض الواقع، والرئيس السيسي دعا إلى التنوع واحترام الاختلاف في الرأي، وهذا يمثل ديمقراطية الإسلام".

القعيد أيضًا، وفق ما نقلته وسائل الإعلام، "مبسوط" من تعامل السيسي "بابتسامة دائمة في كلامه مع الناس"، وتابع: "باعتباره رجلًا يدير الدولة فإنه يرى ما لم يره أي مواطن، وخطاب اليوم ينزل بالدين من السموات العُلا إلى التعاملات اليومية للناس على الأرض". ذلك قبل أن يتفتق ذهنه ويطلب من الكاتب الصحافي المعروف ورئيس هيئة الاستعلامات ضياء رشوان "طباعة وترجمة خطاب الرئيس السيسي، وإرسال الترجمة لسفارات مصر في العالم، لأنها مهمة جدًا في صالح الإسلام والمسلمين".

مثقفون كُثر يُسعدهم الرئيس بكلامه، لكن القعيد أكثرهم سعادة وتفاعلًا، ربما بصفته نائبًا عنهم في البرلمان.

وبعيدًا عن هذا المدخل، أو لنقُل الفقرة الكوميدية، يصدّق عدد معقول من المثقفين المصريين أن هناك أملًا في تحقيق تجديد الخطاب الديني، ذلك المصطلح الذي انتشر في العامين الماضيين، ويصدقون أن هذا من الممكن تحقيقه من دون خسائر يتجلى شيء منها في الاصطدام بثوابت المجتمع وليس المؤسسة الدينية فقط.

وأنت بينما تنظر إلى المنطقة التي ينطلق منها كثير من المثقفين المعروفين، في نقاشاتهم حول مسألة التنوير والصراع مع الظلاميين أو المتشددين، تجدهم ينطلقون في التعارك حول كيف أن الإسلام بريء من أفكار المتشددين الذين يجبرون المرأة على الحجاب أو يهاجمون حرية الحياة والتعبير والإبداع، أو كيف أن القرآن الكريم لم يذكر، في ما ذكر، شيئًا عن فرضية الحجاب، ويسترسلون أحيانًا في شرح التفسير اللغوي للآيات القرآنية التي يعتمد عليها الشيوخ في تأكيد آرائهم. وتتفاجأ بأن هؤلاء صاروا يدافعون عن فهمهم لما يقصده القرآن وما يتيحه الإسلام، وليس عن حرية العقيدة والفكر والحياة، وكأن الواحد منهم يختلف مع المتشددين على مدى تشددهم، وليس على تدخلهم في حياة البشر. صار التنويريون يتعاركون على مساحة التسامح في الإسلام وصدق بعض الأحاديث النبوية من عدمه، بعدما كانت المعركة الأساسية هي فصل الدين عن الدولة وعدم وضعه في مواجهة الفنون والعلوم حتى تتقدم الدنيا، في خطاب انجرّ ليقف على أرض واحدة مع خصومه، يختلفان فقط على بعض التفاصيل ليس أكثر. ولا ينسون، طبعًا، لوم المؤسسة الدينية الرسمية على عدم وضعهم في اعتبارها وهي تجدد خطابها المزعوم، ويداومون على نصحها بأن رجال الأزهر وحدهم لن يكونوا مفيدين، ولا بد لهم من الاستعانة بالمفكرين والأكاديميين والمبدعين!

هكذا أعلنت مؤسسة الأزهر، منذ فترة، عن وثيقتها الشهيرة، التي صدرت بعد نحو عام من اللقاءات والاجتماعات المنتظمة، شاركت فيها أسماء ثقافية معروفة، مثل صلاح فضل ومصطفى الفقي والسيد ياسين وسكينة فؤاد وسناء البيسي، مع أسماء من المؤسسة الدينية أشهرها أحمد عمر هاشم، أحد المُحرضين الرئيسيين في الأزمة الكبيرة التي أثارتها رواية "وليمة لأعشاب البحر"! لحيدر حيدر، ومع ذلك عليك الاقتناع بأن هذه "جهود متواصلة لمكافحة الإرهاب والأفكار المتطرفة!".

مقالات اخرى للكاتب

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.