}

مِنَح التفرغ الإبداعي: تأمّلات في التجربة الأردنية

عمر شبانة عمر شبانة 22 مارس 2017
آراء مِنَح التفرغ الإبداعي: تأمّلات في التجربة الأردنية
من أعمال الفنان الأردني محمود طه

 

تعيش وزارات الثقافة العربية، عمومًا ومع استثناءات نادرة، قدرًا من الفوضى البرامجيّة، ينجم عنها تقلّب في حجم ونوع "المنجز" الثقافي والإبداعي، بحيث تنتفي صفة مُراكمة الإنجازات.

وفي ظلّ غياب قوانين وأنظمة محدّدة وثابتة تحكم عمل الوزارة، يتعلّق الأمر، في غالبية الأحيان، بـ"شخص" وزير الثقافة، وبعلاقاته وعالمه الذي يدور فيه. ومعلوم أن أيّ وزير، يرتبط وجوده وبقاؤه بوجود "منظومة" وزارية يقودها مايسترو يبقى في موقعه ما بقي رأس النظام الحاكم راضيا عنه. وهكذا، فهي سلسلة تنطوي على مواقف وسياسات لا علاقة مباشرة لها بالثقافة.

في الحياة الثقافية الأردنية، مثلا، جرت قبل أيام إعادة تفعيل "منحة التفرّغ الإبداعي"، وهي تجربة رائدة في الأردن استمرّت بين عامَي (2006 و 2013)، وأثمرت عددًا من الإنجازات الأدبية والفنية لمبدعين أردنيين. تعود المنحة بعد أربع سنوات من تعطيلها من قبل وزير(ة) الثقافة السابقة، التي أعلنت حينذاك حالة من "التقشّف" دفعتها لإعادة ما يقارب نصف مليون دينار إلى خزينة الدولة، بدعوى عدم وجود مشاريع ثقافية تستحق الصرف. وهذا سلوك مرتبط برؤية الوزيرة، بل قُل بمزاجها، وليس بقانون أو نظام، وليس بحرص على ميزانية الدولة التي تعاني في مواقع كثيرة، ليست الثقافة أحدها. فالأمر يتعلّق بوجود ترابط، جذريّ وعميق، لدى الوزير، بين ما هو إداري وما هو ثقافيّ.

في مبرّرات إعادة تفعيل المنحة المذكورة، عبر "مشروع التفرغ الإبداعي الثقافي الأردني 2017"، وقد جاءت مع وزير جديد، ومع تعيين أمين عامٍّ جديد للوزارة، ترى الوزارة أن هذه المنحة "تفتح الباب إلى شكل من أشكال تشجيع الإبداع"، وهذا هدف لا يجوز أن يكون مرتبطا بظرف عابر. ففي ظروف طارئة، تستطيع وزارة الثقافة الحريصة على هذا التشجيع، أن تبادر، كما بادرت اليوم "بإعادة إحياء المنحة" بشكل يتناسب مع معطيات الواقع الثقافي، من خلال إصدار نظامٍ جديدٍ وتعليمات تنفيذية جديدة، ترتقي بالمشروع، وتعمّق الأهداف الحقيقية له؛ لتقديم منتج إبداعي متميز يُشكّل إضافة نوعية في مختلف المستويات". بحسب بيان الوزارة الذي يعلن عن إعادة المنحة.

بخصوص عمل وزارة الثقافة الأردنية، ثمّة مؤشّرات دائمة إلى أن الفاعلية الحقيقية، والأكثر دوامًا في الوزارة، هي لأمين عامّ الوزارة، الذي غالبًا ما "يعاصر" وزراء عدّة، يأتي واحدهم لشهور، وربما أسابيع، ويمضي، فيما الأمين العامّ باقٍ. وقد شهدت وزارة الثقافة الأردنية عددًا من الحالات التي تؤكد هذا الانطباع. واليوم، إذ يتسلّم هذا الموقع كاتب، روائي وقاصّ ومسرحيّ، فإنّ لدى المثقّفين والمبدعين الأردنيّين شعورًا، وربّما تمنيّات، بأنّ ثمة تغييرًا حقيقيّا سيجري.

إنّ أيّ وزارة للثقافة، يتعلّق وجودُها ودورُها بقدرتها على "المراكمة"، ولو نظرنا إلى هذا الدور في الساحة الثقافيّة الأردنية، الرسميّة تحديدًا، لوجدنا أن حجم المُنجَز ونوعيّته لم يتغيّر كثيرًا، منذ كانت العملية الثقافية مرتبطة بما كان يُعرف بـ"دائرة الثقافة"، في السبعينيات، حتّى اليوم، هذا إذا لم نقُل إنّ تلك البدايات "التأسيسية" كانت تنطوي على سمات العفوية، بإيجابيّاتها وسلبيّاتها. 

وعلى سبيل المثال، لو استعرضنا مجلّات أصدرتها الوزارة العتيدة، لوجدنا أنموذجًا للتقلّبات وانعدام الثوابت، وما من ثابت سوى مجلّة "أفكار" التي مرّ على إصدارها أكثر من خمسين عامًا. لكن، حتّى هذه المجلة، لم تسلم من التقلّبات، بل شهدت الكثير من التغييرات، تتعلق بدمجها مع مجلات فنية أخرى حينا، أو بتغييرات على مستوى هيئة التحرير حينا، ما يعني تغييرا في الشكل والمضمون، أو برفع أو تخفيض مكافآتها المالية حينا آخر، وهكذا، فضلًا عن الجانب المتعلّق بتوزيع المجلة، وضعف حركة التوزيع، ما يجعلها تتراكم، مثل غالبية إصدارات الوزارة، في مخازنها، رغم أنها باتت، في مرحلتها الأحدث، أحدث وأقرب إلى روح المجلات الثقافية.

وأخيرا، وفي ما يتعلّق بمنحة التفرّغ ذاتها، فالأمر لا يتوقّف على القيمة المادية (المالية) للمنحة، بل يمكن الحديث عن "آليات" منحها أيضًا. فنحن هنا حيال منحة قدرها خمسة عشر ألف (15000 دينار أردني، حوالي عشرين ألف دولار) للمنحة التي مدّتها سنة، ونصف القيمة لنصف سنة، وربع القيمة لثلاثة أشهر. والسؤال الأوّل: هل ثمّة عمل إبداعيّ قابل للإنجاز خلال ثلاثة أشهر؟ فربّما تكفي المدّة لإنجاز عمل فنيّ تشكيليّ، أو أغنية، لكن ماذا لو كان عملًا أدبيّا، شعريّا أو روائيّا؟

إجمالًا، يتعلّق الأمر كلّه بوجود كادر على قدر من الكفاءة، الإدارية/ البيرقراطيّة والفنية، وفي اعتقادي أن الساحة الثقافية الأردنية، وكذلك الساحات الثقافية العربية، تحتوي الكثير من الخبرات والكفاءات القادرة على إدارة مشاريع ثقافية ذات إنتاجية عالية، لتكون الشراكة بين المؤسسة الثقافية الرسمية، والمؤسسات الأهلية والشعبية، والمبدعين الأفراد، أشدّ فاعلية مما هي عليه.

 

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.