}

العظماء لا ينالون "نوبل"!

ساري موسى 4 أكتوبر 2017
آراء العظماء لا ينالون "نوبل"!
تولستوي

"العظماء الذين لم يكونوا كذلك أبدا" هو عنوان مقال لغابرييل غارسيا ماركيز، يتناول فيه بنَفَس ساخر أحقية الأدباء الذين سبقوه بالفوز بجائزة نوبل. يستغرب الكاتب الكولومبي كيف مُنحت الجائزة في حياة ليو تولستوي عشر مرات دون أن تلتفت إليه، وكيف استثنيت قامات أدبية بعلو هنري جيمس ومارسيل بروست وخورخي لويس بورخيس، على حساب أسماء أخرى نُسيت أعمالها بعد سنوات قليلة من تتويجها على عرش الأدب العالمي، منها من لا يعتبر نفسه أديبا، وبعضها لم يكن كذلك بالفعل، مثل رئيس الوزراء البريطاني في فترة الحرب العالمية الثانية وينستون تشرشل. ليست الانتقادات لاختيارات لجان التحكيم محدودة بفترة زمنية، إذ استمرت بعد مقال ماركيز ومن أسماء لا تقل وزنا عنه. ماريو فارغاس يوسا كان أبرز المنتقدين لفوز "المغني" الأميركي بوب ديلان السنة الماضية، إذ تخوَّف أن تُمنح نوبل للأدب في سنة قادمة إلى لاعب كرة قدم. الكاتب البيروفيّ انتظر سنوات طويلة على قائمة الترشيحات، وهذا له أمثلة عديدة في السنوات الأخيرة، اخترقهم ديلان بغرابة شديدة لدرجة بدا معها أنه هو نفسه غير مصدق للخطأ الحاصل. اعتبروه شاعرا. صحيح أن الرجل يكتب كلمات أغانيه، وقد تكون كلمات مؤثرة في أغان جميلة، لكن أن يكافأ عنها بنوبل للآداب؟ هذا يشبه ربما فوز توماس سانتيانا بها، مغني المارياتشي في المسلسل المكسيكي (يتفوق على ديلان بأنه كان يغني ممتطيا حصانا راقصا)، أو فوز إدواردو غاليانو بجائزة الكرة الذهبية عن كتابه "كرة القدم بين الشمس والظل"، أو شيء آخر غير منطقي مثل هذا. لكن، هل اعتبرت لجنة تحكيم الجائزة أنها حلت باختيارها ديلان مشكلتي انتقادين طاولا الجائزة في السنوات الأخيرة، وهما أولا إقصاء الشعراء، وثانيا إقصاء الأدباء الأميركيين؟ أدونيس يقول إنه لم يعد ينتظر بعد انتظاره لعقود. كان قريبا يوم فاز نجيب محفوظ عام 1988، ثم في 2011 عندما كرمت الأكاديمية السويدية مواطنها الشاعر توماس ترانسترومر. فيليب روث ظل من أبرز المرشحين ولم يكن تقاعده عن الكتابة ليمنع فوزه، فالقاصّة الكندية أليس مونرو فازت في سنة 2013 رغم تقاعدها، جويس كارول أوتس ما زالت تنشر وتنتظر.

عام 2015 لم يكن إعلان فوز البيلاروسية سفيتلانا ألكسييفيتش مفاجئا، لكن النمط الذي اعتمدته في كتاباتها، نمط "الأصوات المتعددة" كما تمت تسميته، يظل غير مألوف في الوسط الأدبي، إذ هو أقرب إلى العمل الصحافي التوثيقي منه إلى الأدبي التخييلي، تقوم الكاتبة من خلاله بتسجيل أقوال عدد كبير من الناس الذين شهدوا الواقعة التي تكتب عنها أو من على صلة بمن فقد أو قتل فيها (كارثة تشيرنوبل النووية، أهالي الجنود الروس المقتولين في أفغانستان...) وتوردها في مقاطع قصيرة.

على عكس ألكسييفيتش التي نقلت الصحافة إلى الأدب، قام ماركيز بنقل الأدب إلى الصحافة منذ عمل صحافيا في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، داعيا إلى تحويل التقرير الصحافي إلى شكل من أشكال الكتابة الأدبية، وتعتبر هذه دعوة رائدة، تصح اليوم أكثر من أي وقت مضى، فلماذا سيقرأ الناس الصحف إن كانت ستكتب بلغة جامدة كالتي يمكن أن يسمعوها في الراديو أثناء قيادة السيارة، وعلى التلفزيون معززة بالمشاهد والصور؟   

بالعودة إلى تخوّف يوسا، وباستلهام النَّفَس الساخر لمقال ماركيز، يغدو من حقنا أن نعزز قائمة ترشيحات هذا العام باسم الشاعر البرازيلي المُجدد رونالدو دي أسيس موريرا، المعروف أكثر باسمه الأدبي اللامع على ظهر قميصه المتعرّق: رونالدينيو، الذي كان يوقّع قصائد مرهفة في الملعب، تؤثر بشكل مباشر في ملايين القلوب، مع أنه كان صعب القراءة من قبل خصومه ونقّاده، حتى نحن الذين نشاهد إلقاءه عبر الشاشة كنا نحتاج إلى قراءات تالية بطيئة ومتهملة كي نستوعب ما جرى.

ماذا؟ مارادونا؟ بيليه؟ ميسي؟... حسنا، الخيارات عديدة. 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.