}

ماجد أبو شرار: الأمس كأنه اليوم

صقر أبو فخر صقر أبو فخر 11 أكتوبر 2017

ستُّ وثلاثونَ سنة مرتْ على اغتيالِ ماجد أبو شرار. يا للأسى! لقد تطاول هذا الزمان كثيرًا لا لنشهد أحلامنا وقد تحقق ولو بعضُها، بل لنرصدَ موتَنا الزاحفَ إلينا في كل يوم. ولو عاش ماجد أبو شرار حتى يومنا هذا لكان شهد الأهوالَ كما شهدناها، ولربما كتب مذكراته، وكثيرًا من الأدب الجميل.

ماجد أبو شرار أديبٌ في الأصل، وصاحبُ أحلام. لكنه مثل معظم الفلسطينيين سياسي بالضرورة، غير أن السياسة الثورية التي انخرط فيها غوّرت معين الإبداع لديه، وألجأته إلى النضال اليومي بدلًا من الانصراف إلى التأمل والكتابة. وأخال أن ماجد بدأ يكتبُ القصةَ القصيرة مبكرًا، وراح ينشر قصصه في مجلة "الأفق الجديد" منذ سنة 1960 فصاعدًا، واستمر في ذلك حتى سنة 1966، وهي فترةٌ عاصفة جدًا في حياة الفلسطينيين؛ ففيها وقع الانفصالُ السوري عن الجمهورية العربية المتحدة، وأُسست م. ت. ف.، وبدأت حركة فتح تنتشر في صفوف اللاجئين تمهيدًا لإعلان الكفاح المسلح الذي سمع العالم به في مطلع كانون الثاني/ يناير 1965.

لم يكن ماجد أبو شرار بعيدًا عن هذه الأجواء على الإطلاق، وحتى الكتابة لديه كانت وسيلة للتعبير عن تطلعاته. فما إن واجه التحديَ الأكبر في حياته في سنة 1967، أي الاحتلال الاسرائيلي، حتى أيقن أن لا مناص من المقاومة المسلحة، فالتحق بحركة فتح، وبرهن أن قلمه "قلم رصاص" على ما كان يردد دائمًا ياسر عرفات في حضور الكُتاب والمفكرين والصحافيين.

الواقعية والمسؤولية

المعروف أن ماجد أبو شرار كان يساريًا في حركة فتح. وهو، في تاريخه السياسي، كثيرًا ما اختلفَ مع يساريين آخرين قادهم الغلّوُ، إلى الانشقاق في سنة 1983. أما هو، كيساري، فقد وقف إلى جانب البرنامج المرحلي، أو برنامج النقاط العشر في سنة 1974 بشرط عدم الصلح أو الاعتراف أو التفاوض مع إسرائيل. وكان في الأحوال الصعبة يتخذ المواقف الحاسمة والمسؤولة؛ ففي سنة 1978، حين تسربت مجموعات عسكرية تابعة لصبري البنا (أبو نضال) إلى لبنان، وتمركزت في مناطق عدة من لبنان الجنوبي بعدما مهد السبل لها كل من ناجي علوش وأبو داود، تحركت فتح لاعتقال أفراد تلك المجموعات، واعتقلت في السياق نفسه ناجي علوش وأبو داود، فاحتج كثيرون على الاعتقال، وكان من بينهم ماجد أبو شرار الذي سعى إلى تهدئة الأمور حفاظًا على وحدة الحركة بعدما هدد البعض باللجوء إلى الاستقالة.

تأثر اليساريون في حركة فتح، وفي الفصائل الفلسطينية الأخرى، ومنهم ماجد أبو شرار، بالماركسية الثورية، وبتجارب الثورة الفيتنامية  والثورة الصينية والثورة الكوبية والتوبا ماروس وغيفارا وهوشي منه والجنرال جياب وغيرهم، بينما تأثر المؤسسون الأوائل لحركة فتح بالثورة الجزائرية على سبيل المثال. وظلت الماركسية في صفوف الفلسطينيين حالة خارجية، ولم تتغلغل في عميق وعيهم، وتحولت ملجأ أيديولوجيًا بعد أن خلخلت هزيمة 1967 ركائز الفكر القومي العربي بوجهيه الناصري والبعثي. وبهذا المعنى لم ينشأ اليسار الفلسطيني، وحتى اليسار العربي الجديد، من رحم اليسار التقليدي، أي اليسار الشيوعي، بل نشأ من رحم الحركة القومية العربية، ومن رؤوس بعض المثقفين الذين درسوا في فرنسا وإنكلترا، وتأثروا بالاتجاهات العالمثالثية، ولا سيما الماوية.

أما اليسار في حركة فتح، وكان ماجد أحد أبرز أسمائه، فكان راديكاليًا إلى حد كبير، أي أنه كان ثوريًا ديمقراطيًا يعتنق فكرة الكفاح المسلح، ويناهض التسويات السياسية المعروضة آنذاك، ويتبنى مضامين قومية عربية ويسارية معًا. وكان ماجد إلى جانب رفاقه أمثال حنا ميخائيل (أبو عمر) والياس شوفاني ومنير شفيق ويحيى يخلف وحنا مقبل وناجي علوش وأبو داود ومحمد أبو ميزر(أبو حاتم) ونزيه أبو نضال وخالد أبو خالد وغيرهم، أكثرهم واقعية، وأبعدهم مسؤولية، وأشدهم حرصًا على وحدة حركة فتح، وقيدومهم في منع أي انشقاق او انقسام. وحين كان هاني الحسن يردد أن يمين فتح يعني ساعدها الأيمن، كان ماجد أبو شرار يبرهن أن اليساريين أمثاله هم الساعد الثاني.

موت لا يشبه موت الآخرين

ترحّل ماجد أبو شرار كثيرًا في مدائن العالم العربي، فمن دورا في الخليل إلى غزة، ثم إلى الإسكندرية والكرك والدمام، فإلى عمان ودمشق وبيروت قبل أن تغتاله الاستخبارات الإسرائيلية، فيعود إلى مثواه الأخير في بيروت.

من اغتال ماجد أبو شرار في التاسع من تشرين الأول/ أكتوبر عام 1981؟ الموساد هو مَن اغتاله بالتأكيد. لكن، من سهّل للموساد اكتشاف مكانه خصوصًا إذا علمنا أنه وصل إلى روما بجواز سفر معين وباسم محدد، ونزل في فندق فلورا بجواز سفر مختلف وباسم آخر؟

بعد ست وثلاثين سنة على ذلك اليوم الحالك لم يُكشف السرُّ بعد، ولم يُزح النقابُ عما جرى في روما آنذاك حين كان ماجد يشارك في ندوة لنصرة الشعب الفلسطيني إلى جانب روجيه غارودي وفانيسا ريدغريف والمطران إيلاريون كبوجي. وباغتياله بات ماجد أبو شرار شوطًا أصيلًا في سلسلة طويلة من الشهداء الكُتاب أمثال عبد الرحيم محمود وكمال ناصر وغسان كنفاني ووائل زعيتر وعز الدين القلق ونعيم خضر، ومحمود الهمشري ومحمد أبو دية وعلي فودة وناجي العلي... والقائمة تطول.

في حضرة الغياب

لم يكن ماجد أبو شرار مثقفًا معزولًا، بل عاش بين أبناء شعبه يومًا بيوم، وكان خلاصة زاهية للأديب الحالم وللمناضل والقائد السياسي. والحقيقة الجلية أنه كان سياسيًا بمخيلة أديب، ومناضلًا بروح وثّابة، أي بروحِ شاعر غاضب، وكاتبًا نقديًا برهافة فنان. وها نحن، في حضرة ذلك الغياب الفاجع نستعيد من صديقه الغائب محمود درويش صاحب ديوان "في حضرة الغياب" رثاءه الجميل.

صباحُ الخير يا ماجدْ

صباح الخيرْ

قم إقراْ سورةَ العائدْ

وحُثَّ السيرْ

إلى بلد فقدناهُ

بحادث سيرْ

* * *

صباحُ الوردِ يا ماجدْ

صباحُ الوردْ

قم إقرأْ سورة العائد

على بلد حملناهُ

كوشم اليدْ

* * *

صباحُ الخير يا ماجدْ

قم إقرأْ سورة العائدْ

وصُبَّ الفجرْ

على عمر حرقناه لساعة نصرْ

* * *

صباحُ الخيرِ يا ماجدْ

قم إشرب قهوتكَ

واحمل جثتكَ

إلى روما أخرى.

* * *

لم تكن روما الأخرى غير بيروت المنهكة بالحرب في سنة 1981، والتي حاولت اسرائيل تدمير مقر ياسر عرفات في تموز/ يوليو من ذلك العام، والتي كانت تستعد لحرب طويلة ولغزاة برابرة في حزيران/ يونيو 1982. وها هو ماجد أبو شرار ينام اليوم في بيت لا يزوره فيه أحد، وقلما يزور أحدًا.

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.