}

كيف حصل ش. عجنون على نوبل للآداب؟

أنطوان شلحت أنطوان شلحت 17 يناير 2017
آراء كيف حصل ش. عجنون على نوبل للآداب؟
بهو نوبل

نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية (12/1/2017) قراءة موسعة في وثائق أرشيفات أكاديمية نوبل السويدية المتعلقة بمنح جائزة نوبل للآداب إلى الكاتب الصهيوني شموئيل يوسف عجنون عام 1966. ومعروف أن هذه الأرشيفات تظل طيّ السرية التامة لمدة خمسين عامًا. وانفردت الصحيفة بفعل ذلك لكون مؤسسها وورثته من أسرة شوكن هم أصحاب امتياز نشر أعمال هذا الكاتب في حياته وبعد مماته.

وكشفت هذه القراءة، فيما كشفت، عن عدة أسرار كانت حتى إماطة اللثام عن تلك الأرشيفات خفيّة، وفي مقدمها أن ترشيح عجنون لهذه الجائزة - التي تُعدّ الأرفع عالميًّا - اكتسب "زخمًا" بعد وقوع الهولوكوست في أوروبا، ولاحقًا تمكّن من الفوز بها بعد قيام دولة الاحتلال الإسرائيلية حيث تجنّدت مؤسسات هذه الدولة للدفع قدمًا بهذا الترشيح.

ووفقًا للأرشيفات طُرح اسم عجنون كمرشح لهذه الجائزة أول مرة عام 1934 بعد ترجمة روايته "طلعة العروس" (The Bridal Canopy) إلى اللغة الإنكليزية (تحكي الرواية قصة رجل يهودي من محافظة غاليتسيا البولندية يتجوّل بين القرى اليهودية ليجد عريسًا لابنته). ووقفت "الجامعة العبرية" في القدس في طليعة المؤسسات التي طرحت اسمه، بالإضافة إلى ناشره. ولاحقًا انضمت إليهما وزارة الخارجية الإسرائيلية، وسفراء دولة الاحتلال في السويد، وجميع الذين أشغلوا منصب الحاخام الرئيسي لليهود في السويد.

وبصورة رسمية قُدّم ترشيح عجنون لهذا الجائزة في أعوام 1947 و1949 و1951 و1965. وفاز بالجائزة عام 1966 مناصفة مع الكاتبة اليهودية السويدية نللي زاكس.

تُظهر الأرشيفات كذلك أن ثلاثة أشخاص وقفوا بقوة وراء منح عجنون هذه الجائزة، وهم إيويند يونسون، عضو لجنة الجائزة والذي فاز بها فيما بعد في عام 1974، ورئيس لجنة الجائزة أندرز أوسترلينغ، والكاتب السويدي آرثر لوندكفيست. 

وقد أصبح لوندكفيست (1906- 1991) عضوًا في الأكاديمية السويدية منذ عام 1968. وكانت له في خمسينيات وستينيات القرن العشرين الفائت ميول للمجموعات اليسارية في السويد. وفي عام 1958 حصل على جائزة لينين للسلام. كما كان يهوى السفر وزار بلدانًا كثيرة في شتى أنحاء العالم، وكل سفرة وفرت له مادة لتأليف كتاب. وشمل هذا سفرة إلى دولة الاحتلال وتأليف كتاب عنها بعنوان "الحلم بين يديك" ضمنه فصلًا خاصًا عن عجنون.

أما أوسترلينغ فقد كان من أشد "المعجبين" برواية عجنون "مسافر يميل ليبيت" (عن يهودي يرجع إلى بلدته من فلسطين بعد الحرب العالمية الأولى لكنه سرعان ما يقرّر مغادرتها والعودة إلى القدس) والتي قرأها بعد أن ظهرت بترجمة ألمانية في عام 1964 وكتب مقالًا إطرائيًا عنها في صحيفة "ستوكهولمس تيدنينغن" (1/8/1965) وصفها فيه بأنها "رواية فلسفية عظيمة". 

ثمة إشارة ذات دلالة بليغة في الأرشيفات إلى شهادة كتبها عضو الأكاديمية السويدية بير هلستروم في 11 أيار/ مايو 1948، وجزم فيها أن عجنون لا يستحق الجائزة كونه يكتب في أعماله كافة عن حياة دينية منغلقة ويبذل كل ما لديه من ملكة أدبية كي يمنحها تأويلًا يتجاوز ما هي عليه حقًّا، والأهم من ذلك أنه لا يترك أي بصمة فنية متميزة. وفي ضوء هذا، على ما أكد هلستروم، لا يبدو أن جمهور القراء الكوني الذي يولي جائزة نوبل الثقة سيكنّ التقدير لقرار منحه الجائزة. بيد أن هذا التقييم انقلب رأسًا على عقب بعد "تفاعلات" عديدة ذُكرت سالفًا، وكان في صلبها تجنّد أعضاء من الأكاديمية وضغوط مؤسسات دولة الاحتلال وتسريع عملية ترجمة أدبه عجنون إلى اللغات الأجنبية. 

تنضم هذه الكشوف إلى أخرى يصعب حصرها ترتبط بكواليس جائزة نوبل.

وكان آخر هذه الكشوف ورد ضمن كتاب "سيكرتري أوف بيس" الذي ألّفه الأمين العام السابق للجنة جائزة نوبل للسلام جير لوندستاد (2015)، وكشف فيه التفاصيل الخفية للجوائز التي قدمت في السنوات القليلة الفائتة ومن بينها تلك التي مُنحت للرئيس الأميركي باراك أوباما في عام 2009 قبل أن يفعل أي شيء يُذكر لسلام العالم. وأشار إلى أن الجائزة قوبلت بانتقاد كبير حتى في الولايات المتحدة باعتبارها مبكرة للغاية، إذ أتت بعد تسعة أشهر فقط من تولي أوباما مهمات منصبه، ناهيك عن أنها لم ترق إلى آمال اللجنة.

وحدّد لوندستاد الشخصيات التي قررت لمن تذهب الجائزة، إبان فترة وجوده في اللجنة بصفته مديرًا لأكاديمية نوبل خلال الفترة بين 1990 و2015، التي حضر فيها اجتماعات اللجنة التي تتشكل من خمسة أعضاء، لكن لم يكن له حق التصويت.

ويذكر كثيرون أن لجنة هذه الجائزة اتهمت لوندستاد في حينه بـ"خيانة الأمانة"، وبأنه "انتهك من عدة نواح تعهده بالسرية" برغم اتفاق بهذا الشأن وُقّع معه في عام 2014.

وقبل كتاب لوندستاد أصدر الكاتب الصحافي الفرنسي أنطوان جاكوب كتابًا بعنوان "تاريخ جائزة نوبل" عن دار نشر "فرانسوا بوران" (2012)، كشف فيه كواليس اختيار الفائزين بالجوائز وخاصة جائزتي نوبل للآداب والسلام، والمناقشات والمعارك الداخلية في لجان نوبل المختلفة، وبين الخمسة المسؤولين عن اختيار الفائزين بجائزة نوبل للسلام، والتي تختفي وراء قائمة الفائزين المحفورة في التاريخ. وأشار إلى أن تحديد الفائزين يتم بناء على القناعات الشخصية لأعضاء الهيئات التي تمنح الجوائز.

وتدل الأرشيفات التي أميط عنها اللثام بشأن عجنون، كما المقولات الرئيسية للكتابين السالفين، على أن جائزة نوبل ولا سيما للآداب والسلام تُمنح في المعتاد تحت وطأة انحياز سياسي مسبق البرمجة والأدلجة، بما يحتّم أن نكرّر الاستنتاج القائل إن ليس كل من حصل على نوبل للآداب أكثر قيمة ممن لم يحصل عليها.

ومثلما ينطبق الأمر على نوبل، فإنه ينسحب على أي جائزة أخرى، إنما من دون تعميم على كل من يفوز بها، وبدون قصد التقليل من أهمية الجوائز في بعض الأحيان إن لم يكن في معظمها.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.