}

"كتارا" في طبعتها الثانية: ما هي حيثيات الفوز بالجائزة؟

معن البياري معن البياري 16 أكتوبر 2016

لم يُعلن رئيسٌ للجان التحكيم، أو منسّقٌ لها، أو ممثلٌ عنها، بياناً بشأن كل هذه الروايات التي اختارها المحكّمون فائزةً من بين 234 رواية عربية طبعت في العام 2015، وتقدّمت للتنافس على الجوائز الخمس




أن تتنافس 732 رواية، أُنجزت كلها في عام واحد (2015) على جوائز كتارا للرواية العربية الخمس، في دورتها الثانية، في فئة الرواية غير المنشورة، كلٌّ منها 30 ألف دولار، وعلى الأنسب من هذه الخمس للتحويل إلى عمل درامي (100 ألف دولار)، فذلك يعني أن الهوس بكتابة الرواية في بلادنا العربية لافتٌ إلى مدىً مثير، وهذا يبعث على بعض الغبطة، عندما يدلّ على انتعاشٍ طيب لكتابة الرواية ومقروئيتها عربياً، غير أنه أيضاً يبعث على تحسّبٍ مشروع، إذ قد يؤشّر هذا العدد إلى استسهالٍ ظاهرٍ في كتابة الرواية. ويمكن القول (أو الزعم؟) إن الجوائز التي تزايدت، في غير بلد عربي، لتكريم الرواية ساهمت في الأمرين. وإذ بادرت المؤسسة العامة للحي الثقافي (كتارا) إلى طباعة الأعمال الروائية الخمس التي نالت جوائز الدورة الأولى في العام الماضي، وكان قد تم التقدّم بها غير منشورة، فإن الصحافة الثقافية العربية مطالبةٌ بالتخفّف من كسلها، ومن اللحاق التقليدي وراء الأسماء المكرّسة والأعمال المتيسرة، فتلتفت بالنقد والتحليل والإضاءة إلى روايات المصري سامح الجبّاس والأردني جلال برجس والعراقية ميسلون هادي والمغربيين زكريا أبو ماريا وعبد الجليل الوزاني التهامي، وقد صارت متوفرة، (وبالإنكليزية والفرنسية أيضاً).

تعرّفنا، مساء الأربعاء (12 أكتوبر/ تشرين الأول 2015)، إلى خمسة أسماء جديدة، وصلت أعمالهم غير المنشورة من بين تلك الـ 732 رواية إلى منصّة التكريم على مسرح دار الأوبرا في "كتارا" في الدوحة. لم يُشر عريف الحفل إلى جنسيّاتهم، وهو يعلن أسماءهم، غير أن واحداً منهم تقدّم إلى مصافحة مدير عام مؤسسة الحي الثقافي (كتارا)، خالد السليطي، بتمهل وتمايلٍ طريف، وهو يحمل علماً صغيراً لبلاده (السودان)، فحظي بتصفيقٍ حار من الحضور. الأمر الذي كرّره، وبإيقاعٍ ظريف، عندما فوجئ، غير مصدّقٍ، بإعلان اسمه فائزاً بجائزةٍ لروايته باعتبارها الأنسب بين الروايات الخمس للتحويل إلى عمل درامي، واسمها "جينات عائلة ميرو"، واسمه علي الرفاعي. وقد أبلغ الصحافة أنه لم يتوقع الفوز، وأنه حزينٌ من أجل الذين لم يفوزوا (!).

زملاء الرفاعي في هذا الفوز هم الجزائري سالمي الناصر (الألسنة الزرقاء)، والعراقي سعد محمد رحيم (ظلال الجسد)، والمغربي مصطفى الحمداوي (ظل الأميرة)، واليمني محمد العمران (مملكة الجبال العالية). وجميعهم موعودون، كما تم إيفاء "كتارا" بالالتزام لزملائهم في الدورة الأولى، بطباعة أعمالهم هذه، ونشرها بالعربية والإنكليزية والفرنسية.

مع الأهمية الخاصة للاحتفاء بنصوصٍ لمواهب وكفاءاتٍ في كتابة الرواية، غير معلومة تماماً للإعلام الثقافي العربي، وهو ما تقوم به جائزة كتارا، كان من بالغ الضرورة أن يتم إعلان حيثيات فوز هذه النصوص، وكذا فوز أعمال فئة الروايات المنشورة، وذلك بتوفير إيجاز مختصر عن كل رواية، يتوفّر على ما رآه المحكّمون أسباباً لتميّزها جعلتهم يختارونها للفوز بأضخم جائزة للرواية العربية، مادياً وعلى مستوى أعداد المشاركين المنافسين. لم يتوفّر هذا الأمر، كما لم يتوفر في الدورة الأولى. ولذلك، ومع التهنئة الواجبة للفائزين جميعا، كان مهماً، لتأكيد الموضوعية وأعلى مراتب الشفافية، أن يتم تيسير هذا الأمر من تقارير المحكّمين الذين انتهى إليهم الحكم بأحقية هذه الروايات دون غيرها بالفوز.

مع شحّ المعلومات عن الفائزين الخمسة بجوائز فئة الرواية غير المنشورة، والذين تم إشهار أسمائهم في تظاهرة "كتارا" لأول مرة، كان الفائزون الخمسة بجوائز الرواية المنشورة (60 ألف دولار لكل منها) من أصحاب الحضور المعلوم في فضاء الرواية العربية. وهم اللبنانيان، إيمان حميدان (خمسون غراماً من الجنة)، وإلياس خوري (أولاد الغيتو "اسمي آدم") والفلسطينيان إبراهيم نصرالله (أرواح كليمنجارو)، ويحيى يخلف (راكب الريح)، والمصري ناصر عراق (الأزبكية) والذي نال أيضاً جائزة الرواية الأنسب للتحوّل إلى عمل درامي (200 ألف دولار)، والذي نقل بصدده عن مدير عام مؤسسة الحي الثقافي (كتارا)، خالد السليطي، قوله، في مجالس خاصة، إنّ فوز عراق بالجائزتين الكبيرتين دليلٌ يؤكّد موضوعية "كتارا" في تنظيمها جائزتها للرواية العربية، بالنظر إلى أن الروائي المصري صاحب مواقف حادّة ومعلنة من دولة قطر، لأسبابٍ سياسيةٍ تتعلق بمناصرته النظام المصري الحاكم.

لم يُعلن رئيسٌ للجان التحكيم، أو منسّقٌ لها، أو ممثلٌ عنها، بياناً بشأن كل هذه الروايات التي اختارها المحكّمون فائزةً من بين 234 رواية عربية طبعت في العام 2015، وتقدّمت للتنافس على الجوائز الخمس، فلم تتوفّر للإعلام المقتضيات التي رآها المحكّمون في هذه الأعمال أسباباً للفوز، جعلتها تتفوّق على غيرها، في المستويين، الجمالي والفني، وغيرهما. وبشأن الدراسات النقدية الخمس التي فازت بجوائز فئتها التي استجدّت في هذه الدورة (15 ألف دولار لكل فائز)، فلم يعرف أحدٌ ماذا كانت عناوينها، وأيّ الموضوعات بحثت، وما المزايا التي اشتملت عليها، وجعلتها تستحق جوائزها من بين 38 دراسةٍ تقدمت للمنافسة. وتم الاكتفاء بتكريم أصحابها على منصة التتويج، وهم السوري حسام سفان والمغاربة زهور كرام ومحمد بوعزة وإبراهيم الحجري وحسن المودن.



ومع التنويه اللازم للجهود التي قامت بها مؤسسة كتارا في تكريم الرواية العربية والدرس النقدي، وكذلك للمبادرة المحمودة في توفير الروايات الفائزة منشورةً بالإنكليزية والفرنسية، وكذلك إصدار كتبٍ تتعلق براهن الرواية العربية وتاريخها، ومنها كتاب للروائي والباحث أحمد عبد الملك عن الرواية القطرية، ومع التهنئة الواجبة للفائزين جميعاً، على جدارتهم بالجائزة، إلا أن القائمين على الجائزة التي صارت تحوز الانتباه الأوسع عربياً مدعوون إلى تلافي الأمر المشار إليه، ولا سيما أنه كان ماثلاً أيضاً في الدورة الأولى، وذلك بتيسير حيثيات الفوز، وإنْ بإيجاز، وإذاعتها، مرفقةً بأسماء أعضاء لجان التحكيم. وإذ تم الأخذ بالصيغة نفسها التي اتبعت العام الماضي، وهي تنويع اللجان إلى ثلاث مراحل، الأولى تفرز من بين العدد الكبير للنصوص المتنافسة ثلاثين عملاً (كما قيل وتردد)، تؤول إلى لجنةٍ أخرى (من أعضاؤها؟)، تنتهي حصيلتها إلى لجنةٍ ثالثة، فإن هذا التقسيم لم تتبيّن تفاصيله، ولم يتم إيضاحه، وتبيان أعضاء كل لجنة، ولا شرح مسوّغات الأخذ به. والمأمول أن تكون أعمال الدورات السنوية المقبلة أكثر تعييناً لكل هذه التفاصيل، وأكثر توضيحاً، فلا يكفي أن يكرّر المدير العام لمؤسسة الحي الثقافي (كتارا)، خالد السليطي، والمشرف العام على الجائزة، خالد السيد، أنه تم الالتزام بشروط الموضوعية والنزاهة والمصداقية في مسار عمل التحكيم ولجانه، فالأدعى أن يجري العمل بالمعهود في هذا الشأن في مختلف الجوائز العربية والعالمية، من حيث إشهار الحيثيات التي توفرت في النصوص الفائزة.


يُضاعف من أهمية التشديد على هذا الأمر، والذي يُؤتى عليه هنا، من باب الحرص على أعلى مراتب الموضوعية لجائزة كتارا، أن الجائزة الخاصة بالروايتين (منشورة وغير منشورة) اللتين نالتا جائزتي الأنسب للدراما، واكبها التباسٌ كثير، من حيث عدم دراية الإعلام باللجنة التي اختارتهما. وإذا صحّ ما بلغ إلى علم صاحب هذه السطور عن عدم قراءة أحد أعضاء هذه اللجنة (قيل إنهم ثلاثة) رواية "الأزبكية" (ناصر عراق)، لأنها لم تمرّ عليه، فإنه يصير مسوّغاً أن يتم الحديث عن خللٍ في الأمر. ما هي بالضبط آلية التحكيم المأخوذ بها في هذه الجائزة؟ حدث العام الماضي أن ناقداً سينمائياً معروفاً كان أحد أعضاء لجنة هذه الجائزة أبلغ صاحب هذه الكلمات أن الرواية الفائزة "مملكة الفراشة" (واسيني الأعرج) لم يطلع عليها، ولم تمرّر إليه.

والظاهر أن مؤسسة كتارا تستشعر ما يواكب جائزة رواية الدراما من التباساتٍ، إذ أعلن خالد السيد أنه سيتم، بدءاً من الدورة الثالثة العام المقبل، فصل هذه الجائزة عن جائزة الرواية العربية، فلن تكون اللتان تحوزان عليها من بين الروايات الفائزة الخمس المنشورة، والخمس الأخرى غير المنشورة، بل في فئةٍ خاصة بالتنافس عليهما، ويتم الإعلان عن الروايتين في إشهارٍ منفصل عن الاحتفالية السنوية. وليس في الوسع، هنا، غير تثمين هذا التعديل الجوهري، والذي ينزع عن الرواية الفائزة بهذه الجائزة الاعتبار الذي يشيع عنها أنها الأهم والأميز والأفضل، فالبديهي أن شروط الدراما مغايرةٌ عن شروط الرواية، وأن العمل السردي الروائي الأعلى قيمةً في البناء، وفي المستوى الجمالي، ليس شرطا أنه بالضرورة الأنسب للدراما، والعكس صحيح.

ويعني التعديل المعلن عنه هذا أن جائزة كتارا للرواية العربية تعمل على تصحيح ما يخدشها من ملاحظات، وهذا محمودٌ، الأمر الذي يشجّع على الإلحاح، هنا، على وجوب إعادة النظر بآلية التحكيم، وعمل لجانه واختصاصاتها وإشهار خلاصاتها. وفي الوسع أن يُسأل، في هذا المقام، عن الجهد الذي قامت به المنظمة العربية للثقافة والعلوم (إلكسو)، والتابعة لجامعة الدول العربية، في شأن التحكيم واختيار أعضاء لجانه (أغلبهم أساتذة جامعيون!)، في إطار الشراكة التي كان قد تم إعلانها بين مؤسسة كتارا وهذه المنظمة، وقد أفاد القائمون على الجائزة أن هذه الشراكة جاءت لتوفير غطاءٍ عربي للجائزة، وهو ما تعزّز في اعترافٍ بها في اجتماع لوزراء الثقافة العرب في الرياض أخيراً. وإذ تعتبر مؤسسة كتارا هذا الأمر إنجازاً تحتفي به، إلا أنه، في حسبةٍ أخرى، من لزوم ما لا يلزم.

 

مقالات اخرى للكاتب

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.