تستوقفك عصابة مسلحة في الشارع، وبأعصابٍ باردةٍ يزعق زعيمها:
ـ شخلل...
وقبل أنْ تحتجَ، أو تفكرَ في مقاومتها، يلزمك نِداءٌ داخليٌّ هامسٌ: أنْ شخلل، وأعطهم ما يريدون، معللاً السبّب:
ـ كاتبٌ محترمٌ أنت، وهؤلاء ليسوا سوى مرتزقة. وبحدّةٍ هذه المرّة:
ـ عيب.
في شارعٍ آخر، يستوقفك ضابطٌ، ثمّ يقودك إلى المخفر، ويشرع في استجوابك:
ـ لماذا لا تمسح الشعارات المكتوبة على حيطان حارتك، وأنت تعلم علماً تاماً، أنّها شعارات مغرضة، تمس شخص الرئيس، وتوهن عزيمة الأمة؟
النداء الهامس ذاته يجعلك تعدل عن إجابتك، الّتي ادخرتها ليومٍ كهذا:
ـ أنت كاتبٌ محترمٌ، وهذا رجل سلطة، تافه بكلّ المقاييس، ولن يفهمَ ما ستقول، وبحدّةٍ أيضاً:
ـ عيب.
مطأطئ الرأس تدلي بما يريد منكَ قوله، ثمّ توقع على محضرٍ، تتعهد فيه بالتطوّع لمسح الشعارات المكتوبة على حيطان حارتك، وحيطان الحارات المجاورة.
تُحبّ، وتخفق، وهذه قصّة أخرى!
وهكذا:
تُهان من أجل رغيف، وتبكي بصمت. تُهان في الحافلة، وتبكي بصمت. تُهان في البيت، وتبكي بصمت. تُهان في العمل، وتبكي بصمت. تُهان في المقهى، وتبكي بصمت. تُهان في الشارع، وتبكي بصمت.
تُهان وأنت غاد، وتبكي بصمت. تُهان وأنت رائح، وتبكي بصمت. تُهان وأنت متذمر، وتبكي بصمت. تُهان وأنت مستكين، وتبكي بصمت. تُهان وأنت تلقي نظرة على الجثث، وتبكي بصمت. تُهان وأنت تلقي نظرة على السجن المركزي، وتبكي بصمت. تُهان لأنك أصبحت رقماً، وتبكي بصمت. تُهان وأنت ناجح، وتبكي بصمت. تُهان وأنت فاشل، وتبكي بصمت. تُهان وأنت وطني، وتبكي بصمت. تُهان وأنت جبان، وتبكي بصمت. تُهان وأنت شجاع، وتبكي بصمت. تُهان وأنت ملحد، وتبكي بصمت. تُهان وأنت مؤمن، وتبكي بصمت. تُهان وأنت حر، وتبكي بصمت. تُهان وأنت عبد، وتبكي بصمت.
تُهان لأنك أحببت، وتبكي بصمت، تُهان لأنك أحببت، وتتمزق بصمت، تُهان لأنك أحببت، وتهيم بصمت، تُهان لأنك أحببت، وتحترق بصمت، تُهان لأنك أحببت، وتنفجر بصمت، تُهان لأنك أحببت، وتتبخر بصمت، تُهان لأنك أحببت، وتنطفئ بصمت، وتُهان لأنك لم تظفر بمن أحببت، وتبكي بصمت، تُهان لأن الأقوى نفوذاً سلبها منك، وتبكي، وتتمزق، وتهيم، وتحترق، وتنفجر، وتتبخر، وتنطفئ... بصمت.
كلّ هذا، وذلك النداء الداخليّ، الهامس، المحترم، لا يكف عن القول:
ـ عيب أنت كاتبٌ محترمٌ.
أيّها النداء الجبان:
ـ كنتُ كاتباً، وجعلتَ مني حَائطاً.

* قاص كردي من سورية.