}

الزّرقةُ لونُ الفقدِ

سوار ملا 20 أبريل 2018
شعر الزّرقةُ لونُ الفقدِ
لوحة للفنان عمر الفيومي

بسرعة الخوف

 

بسرعةِ الخوفِ

تمرّ أيُّها الوقت

تاركاً خلفكَ

ظلالاً

أرتديها، على عجلٍ،

وأعبرُ بها ما بقي من فجركَ الباهت،

منتظراً ما سينجو من العتمةِ التي تموتُ

ليلجَ صباحاتك الشاحبة، الصفراء،

كأنها

جلود مرضى

القرون الغابرةِ.

 

*

 

تمرُّ

بأسىً خرافي

وأنا ممدَّدٌ، كأيِّ عاجزٍ،

أسفل سماء باردة.

قلقاً أتفكَّرُ

في الغايةِ التي أسعى إليها، من خلالِ عبورِك،

الغاية التي لن أصلها قطّ

لأنَّها، حينئذ، لن تعود غايتي.

 

*

 

تمرُّ

مرتبكاً

كفقدان الذاكرةِ

آنَ تحترقُ الذكرياتُ في وعاءِ القسوةِ؛

تمرُّ

ثقيلاً

كالأنفاسِ المكتومة

المنتفخة

في أجساد الموتى،

الذاهبة إلى اللبسِ والشّك؛

 

*

تمرُّ

بسرعةِ الخوف

بأسى خرافيٍّ

بثقلِ أنفاس مكتومةٍ

بحيرةِ ذاكرةٍ مفقودة؛

 

*

 

تمرُّ

من صباحات صفراء سقيمةٍ

إلى

عتمةٍ بشحوبِ الأسى؛

تمرُّ، أيُّها الوقت، متحرّكاً كنوّاسٍ

بين الألمِ والفقدان؛

بين العلّة والعدم؛

بيني وبين الموت.

 

ضفة نهر غريب

 

على ضفَّةِ النَّهرِ الغريبِ

أكاد أختنقُ بزفراتِ الموتى الملتهبة.

الجسرُ الوحيدُ، المنتصبُ كالمشيئةِ،

هو يدُ الحياةِ الممتدَّة

من الموتِ حتى الموت.

 

المياهُ قبورٌ ذائبةٌ

 تتدفَّقُ صوبَ أزرقِ البحرِ؛

الزّرقةُ لونُ الفقدِ.

الأسماكُ نطافُ من لم يولدوا،

من فضّلوا الغياب إلى الأبدِ،

والسَّماءُ، هذا الخمارُ الشفاف على وجهِ الأَرْضِ،

مأوى أحلامٍ لن تتحقَّقَ أبداً،

ستارةُ الفشل على نافذة العالم.

 

على ضفة النهر الغريب

أستنشقُ أنفاسَ الموتى

أسيرُ بجانبِ القبورِ الذاهبة إلى أزرق البحرِ

متأمّلاً أحلاماً صارت سحباً رقيقة زرقاء

وأسماكاً تحومُ أسفلَ يدِ الحياة

الممتدّة من الموت حتى الموت.

 

 

يد

 

لا أحدَ في البيتِ سواي

مُذ وصلت العتمةُ.

أتمشَّى في الممرّ الضيّق، رواحاً وجيئةً.

أتذكَّر ما لم أعشه، تحضرُ إليّ صورُ أشخاص أجهلهم،

فأضغطُ بسبابتي على جبهتي بقوَّةٍ

محاولاً إبعادَ الخيالَات الكاذبة.

أستنشقُ، بعمق، بخاراً حارّاً يصعدُ من ماءٍ يغلي،

تتعرَّق جبهتي ويبرزُ وريدٌ في عنقي.

أهدأ، يرتاحُ جهازي التنفّسي،

تدمع عيني السقيمةُ الحولاء

وتُغرِق مساماتي المنتفضةُ وجهي بالماءِ،

وجهي سمكةٌ تعومُ في بحرٍ من عَرَق مالحٍ

 تجفّفه على مهل أنفاسي الطويلةُ

كرياحِ قادمة من سهولٍ فسيحةٍ.

أتعبُ فأُسرُّ؛

ألجُ وحدتي، كمن يدخلُ غابةً مهجورة،

أعشابها ذكرياتٌ من نبتةِ المرارةِ، وشجرها هياكل عظمية لأحبّة ماتوا، بغتةً.

أصنع شاياً بالنعناعِ والفلفل، أطْفِئ الضوءَ الأبيض،

أجلسُ أمام النافذة المقفلةِ، أزيل الستار الخفيف،

وأنظر إلى عيونِ الليلِ الجاحظةِ، مذهولاً من يدٍ

أحسّ بدفئها يلامسُ جلدي طيلة الوقتِ.

أتساءلُ، مليئاً بالحيرةِ والغبطة:

يدُ من هذه التي في يدي كلّما كنتُ وحيداً،

دفءُ من هذا الذي يغمرُني

كلّما اشتعلَت الظُلمة القارسةُ

وخفت صوتُ

الحياةِ؟

أعرفُ، لكنّي أخافُ.

وحسب أخاف،

لا شيءَ غير الخوفِ يجعلني أقف ثانيةً

لأتمشّى في الممرّ الضيّق، جيئةً وذهاباً، وأتذكّر ما لم أعشه، كأنّي سواي، كأنّي أنتَ أيُّها الغريب.

ماذا تفعلين في وحدتي

أيتّها اليد الدافئة في العتمةِ؟

أيّتها اليد الناعمة في الليلِ، المتحرّكة بليونة غيمةٍ في الربيعِ،

أسيصلُ، يوماً، جسدك الغائب كالحقيقةِ؟

 

أيُّها الدفءُ القابعُ في الصمتِ كبحيرةٍ

أين نهر كلماتك الغزير؟

 

أين ضيّعتِ صوتكِ الشجيّ

أيُّتها الحياة

المنطفئة

كقمرٍ

في ضبابِ الفجرِ؟

 

لا أحدَ يدرك أين مضى الآخرون،

أين اختفوا، هكذا فجأةً،

أيُّها الموت

المتوسِّد خاصرةَ الأَرْضِ كالعشَّاقِ،

السهران طوالَ الوقت

كالمراهقين،

الفائض النّشاط كالقتلِ

أو الخديعة؟

قصائد اخرى للشاعر

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.