}

الغَائِبونْ

رأفت حكمت 30 ديسمبر 2018
شعر الغَائِبونْ
لوحة للفنان المصري السنباطي

1

بيتنا..

الذي غادرناه قبلَ خمسةِ أعوامٍ تركناه في مهبّ الحربِ

تهدّم نوعًا ما.

 

لكنّ ياسمينةً بيضاء

عرّشتْ على جدارهِ الغربيّ كمحاولةٍ لطيفةٍ

للتّخفيفِ من قسوةِ المشهدِ.

 

في الأمسِ..

زرتُ البيتَ وحدي..

لا أحدًا منكم هناكَ..

فقط ضحكاتكم..

تركض بين غرفِهِ الّتي احترقت

 

يُكمل أبي:

 

ما إن اقتربتُ من بابِ البيتِ حتى التفتتْ إليّ بلحظةٍ واحدةٍ كلّ جُدرانهِ المُهشّمةِ..

كأنّها شعرَتْ

أن أحدًا ما.. قد رَجِع.

 

وحدَها البيوتُ المُهدّمةُ

كي لا نُلاحظَ حُزنَها

.. توهمُنا بالياسمينِ المعرّشِ على حُطامها

أنْ ليسَ في المشهدِ لونًا أحمر.

 

2

النّسيانُ عادتُنا السّيئة..

تقولُ سمكةٌ كبيرةٌ لصغارِها

بينما أطارد في داخلي

قطعانًا من الذكريات.

 

كلّ الذّكرياتِ في داخلي

أسماكٌ صغيرة..

تسبحُ في فراغيَ الشّاسِع..

أَرمِي لها الأرقَ فُتاتًا فُتاتًا

حتّى يَطِفَّ القلبُ بها..

وتَطفو على سطحهِ وجوهُ الغائبين.

 

الغائبونَ..

فشلُ الشِباكِ في اصطيادِ الماء

والغيابُ..

ثقبٌ في سَفرِ الزّوارِق..

 

3

عقارب السّاعة كالأجنحة

.. دورانها

رفرفة النّوارس المسافرة، ببطءٍ..

 

أتحدّث بفلسفةِ الخائف..

أنا خائفٌ.

 

اللّوحةُ الزيتيّة..

كم كانَ رسّامُها يأكلُه خوفُه من مرور الوقتِ..

 

حاولتُ في الفترة الأخيرة رسم خوفي..

أبدأ بخطٍّ مستقيمٍ لثانيتين فقط ثم أضيعُ مع يدي

في دوّامةٍ على الورق.

 

الخوفُ،

انقباضٌ يجتاحكَ من الداخل.

 

تعلّمت في الهندسةِ

أنّ الأحمالَ الزّائدةَ فوقَ الأعمدةِ تسبّب تحنيبًا في جسم العمودِ.

 

تحنّبهُ..

(تقوّسه من الوسط وانحناؤهُ) خوفهُ من الانتظار..

عدتُ للفلسفةِ مجدّدًا.

 

في داخلي مسمارٌ معدنيّ مُلتوٍ من فرطِ الدّقّ فوقَ رأسه..

تكّاتُ السّاعة على حائطٍ في غرفتي..

صوتُ الدّقِّ على المسمار.

 

*شاعر من سورية

قصائد اخرى للشاعر

شعر
30 ديسمبر 2018

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.