}

هنا لا ينامُ أحد

هشام فهمي 23 أغسطس 2017
شعر هنا لا ينامُ أحد
عمل للفنان السوري خالد التكريتي


كل حياتي حدثت في النوم.

 لذلك عندما أستيقظ يلاحقني الماضي بقوة. كل ما يحدث الآن هو ماضٍ إلى حتفه. الأضواء الكاشفة تردم الواقع تحت الأنقاض المشعّة والألوان تسقط كقطرات زيت غليانة على لحم طريّ. النهار هروبنا المستمرّ نحو ما يحدث. في النوم تتحدّد كل المخطّطات الإجرامية لليومي.

كل حياتي حدثت في النوم.

للأسف، إدارة إنتاج النوم الضخمة لا تُبرمج الشمس.

ثمة أفلام قديمة يحمّضها الظلام، لُفّت كعروق مفصودة في بكرات أعلى البرج. ثمة أيضا قطعان ضائعة وحيوانات نافقة ورغبات تتأوّه مثل ذئاب بعواطف مجروحة. 

 

كل حياتي حدثت في النوم.  

لكنها لم تنم أبدا.

كابَدَت الكثير من الأرق التجريدي. النوم العميق لا يخطُر على بال الليل. في النوم أستطيع أن أخرج من الحياة. أن أتجوّل في الشوارع. يمكنني أن أعثر على مسدّس فوّهته ملتهبة أضعه بين اللحم ورباط السروال الجلدي أبصق فترنّ رصاصات فارغة على الأرض. في الطرف الآخر شرطي غارق في دماء تغلي أمام باب "البيسترو".

 

كل حياتي حدثت في النوم.

وعندما أستيقظ يكون قد انتهى كل شيء ليبدأ:

 

  • أحداث عالقة بالثياب بعد الخروج من حفرة السرير.
  • ريح تدفع بصدرها أغصان الأشجار على لوحة زيتية.
  • موسيقى تغمض عينيها عند مرور جرّافات الثلج.
  • جريدة مطويّة تحت الباب تلفّ رأس رجل لا تاريخ له.

  

هنا لا ينام أحد.

 العيون تُمشّط الظلام كمصابيح حرّاس الغابات اليدويّة. الجسد يعمل بتوقيت كلّي. يفتح حسابا بنكيا تحسّبا للماضي وهو يتربّص بالخطوة. يكون وقتها قد حفر نفقا في الطابق السّفلي للبرج السّماوي. لا تفزعه جرذان ضوئية تنغل تحت أقدامه. كل هذه البواليع تصبّ في قلب امرأة سيعرفها عندما كان مقاتلا منخرطا في صفوف شركة Adam inc.

 

في النوم أسكر حقبة طويلة.

أسكر تحت الجسر مع بهائم من المعدن يتبادلون عيارات إشعاعية. لا يعنيني ذلك اللحظة لأن النوم مستغرق في النوم ورأسي يرفرف بحراسة جويّة لصيقة. سأصعد لأرى الاحتفالات الألفية تقام بالقرب من مسرح الشّر. سكرت باليقين الزائد في الدّم. لا أحد يعرفني في المدينة. لا أحد. لكنهم رأوا خريطة الدماغ على الشاشة المركزية.

 نادتني صورتها وهي تتذبذب في الفراغ. صوتها يلمس كتفي وأنا أصعد بمشقّة. أخزّن مشاهد كثيرة ترتسم في الفراغ:

 أحقاد تعبر كسيّارات طائرة.

 غرف محفورة في الجلد يخبط العميانُ جدرانَها بجباههم.

 ضغائن طيفية.

اليومي يركض بأقدام حفيانة وراء اليومي.

 لغات تتسرّب كغازات من أفواه الحمقى.



أتوقّف عن الموت قليلا.

 

الإصرار يشبه تماما حياة على كرسي متحرك مقذوف من الخلف في طريق سيّار. أنظر إليها مخطوفا بالإشارات التفاعليّة. وجهها يتحوّل إلى كتاب رقمي ألمس صفحاته بالسّبابة فأقرأ:

عندما تستيقظ ستجد أن الحياة لا حياة لها أصلا

عشنا طويلا في المسجّل الرقمي للبؤبؤ

الحرب الجديدة ذكاء الموت القادم

 اخترنا بُعدا آخر

لكننا ما زلنا نصل

الزمن يحاول الوصول إلينا.



*شاعر من المغرب يقيم في كندا

 

قصائد اخرى للشاعر

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.