}

عندما يغني الحب

 

هذا الصباح الخريفي، الماكر الحفيف     

وهذا المطر القوي الأريج  

هذا السكون المدوي، السادر في حزنه، دون غيمة واحدة   

وهذه الياسمينة البهية في أقصى الحديقة، المستكينة إلى دفء نجومها البازغة من عتم التراب.
 

ينذر بأشياء كثيرة

أو ربما يذكر بأشياء كثيرة 

متناقضة القبول 

حزينة الحضور

أحتار على أي نوتة أدوزنها 

أهو الحب؟

أهو أنت؟ 

 

 

كل مساء 

أخرج من بيت القصيدة

أنا جنية الشعر، المجبولة بسحر التمائم، أطوف في سماء ليلك، حافية القدمين، وعند شهقة الفجر الأولى، ألملم كل أشيائي، وآوي إلى محارتي المرمية في أعماق البحر منذ قرون.

ولأنني معك، أتأرجح دائما، بين قبولين ومتناقضين. 

خيالاتك الجامحة، كيف أُهدهدها؟

وإدمانك الشوق، كيف أُدوزنه؟  

أقرأ كل التعويذات التي أعرف، أنتعل عصاي السحرية، وأهزها عكس الزمن 

فأعود صبية جميلة

وأغني الحب معك.

 

 

ينهمر الشوق على قلبي

كما ينهمر المطر على تلك المدينة  

وما بال ذلك العصفور المشاغب 

لا يكف على أن ينقر على شباكي؟

يراودني 

يغويني 

يزقزق في قلبي

أهي انتكاسة شوق في هذا النهار الممعن في شتائه؟

أم هي انتكاسة شوق أبدي؟

أبدي الوجع ...

 

 

ولأننا تداولنا لغة تنتمي إلينا

وتعويذات لا تشبه شيئًا إلا جنوننا.   

لهذا

احذر من براءة الحروف، ومن مكر الكلمات، فهي حبلى بألف معنى  

ففي كل مفردة منها، وفي كل تفصيل من تفاصيلها الصغيرة جدًا، قد ينفجر لغم شوق صغير 

إليك. 

 

تلك اللحظة الجميلة كفراشة  

العذبة كتدفق نهر صغير   

أتت فجأة كهبة ريح، لكنها كافية لإيواء عصفور الشوق، أمام دهشة اعتراف متيم، متكبر، خجول.    

 

ربما هي مجرد انتكاسة ربيعية 

باغتتني هذا الصباح 

عندما أومأت لي زنابق الربيع البنفسجية، على استحياء، برائحتها، من عند حديقة الجيران، 

ذكرتني 

بحقول واسعة من زنابق الربيع، رميتها يومًا على بابي، متباهيًا، 

باستعادة ما كان 

رائحة الحب. 

 

 

وفي

عمق الغابة، في شحوبها، في وحدتها، في ضجرها، أتوغل بعيدًا، ثم أتلاشى.

لا زمن هناك، لا مدى، لا صوت، لا ضوء، لا سماء، لا حلم، لا سؤال، لا حقيقة، لا شيء

أنت لست هناك، 

أنت لست هنا ..  

أين أنت؟

 

 

يحدث أحيانًا وفي هدأة الليل وأشجان القمر،  

يعبر شيء ما من الطرف الآخر، شيء غامض كالحنين، كرفة جناح عصفور صغير، يلمس قلبي برفق، يعانق روحي بألفة

أبتسم له بحنان، أعرفه 

هو توأم روحي.

 

 

صباح الخير 

تزرعها في فجري الندي

شتلة برية مجنونة الرغبات    

أستلمها بتأنٍ

كما هي 

لا أبحث عن المعنى أو اللفظ 

أستسلم فقط، لما تشيعه في نفسي من غوى،  

كما يليق بمزاج عاشق، غير آبه بتشذيب المعنى أو اللفظ.


ما همّني  

أنا التي أعيش في خدر الكلمات ومنها أطل.

تزرع حروفها في دمي، وشمًا أبديًا، عصي الاقتلاع.      

 

في حرف الصاد البهي، رنين، تتزاحم فيه أجراس غامقة الإيقاع، لينة طيعة، هانئة، كما في خدر غيمة.
وفي حرف الباء الممتدة، زفرات من براري شوق، قوية الأريج، حفيفها ماكر. لكنها تحن بقوة إلى انسكاب المطر في عمق الجذور.

أما حرف الحاء الجميل، يذگّر بمواويل طويلة، وحزينة لحب وعتَابا، تُهمي رُطَبًا وطِيبًا في فضاءات ليالي "بلادي" الصيفية الحارة،

فأبكي.  

     

 

حين أفقد حريقي 

حين أفقد غضبي 

حين أفقد شوقي

وحين أكف عن أن أكون أنا

حين أكف أن أحلم بأن أنسكب مطرًا في جذورك 

وحين أكف أن أحلم بأن أرسمك قلادة نجوم في سماء عمري.  

حين أتوقف عن كل هذا

سألملم كل ما اختبأ في حروف أشرقت بخرافة اللهفة الأولى. سأجمع كل ما توارى من كلمات كتبها وجه الغيم على أديم عمري، وكل الكلمات المبللة بعطر اشتياقنا، والتي لم نقلها. كل المعاني المغموسة بلذة الحرمان والتي اختبأنا وراءها. كل المشاعر كومضة فجر في عبورها الأول والتي سكنت قلبنا والعظام. وأطفأ النور عن البيت الذي لطالما ضحكت فيه لنا النجمات، ولطالما سكبنا الدفء شموعًا تشرق في حناياه، وأرحل.

  

 

لا أشجار هناك في الغابة القريبة، ولا خمائل ولا عصافير  

ولا مياه في البحيرة العميقة، ولا بجعات ولا نوارس 

حتى ولا ثلج على قمم الجبال العالية، ولا شمس في السماء 

وفي قلبي الساكن كالكهف المسحور، لا جنيات أحلام ولا عرائس إلهام هناك. 

لا حروف ولا نقاط، ولا فواصل ولا استفهام 

لا شيء 

حتى ولا أنت.

 

مقالات اخرى للكاتب

قص
8 نوفمبر 2017
يوميات
6 سبتمبر 2017

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.