}

تعشيبٌ في حديقةِ البهجةِ

نضال برقان نضال برقان 2 ديسمبر 2017
شعر تعشيبٌ في حديقةِ البهجةِ
لوحة للفنان السوري سامر اسماعيل

تدخلُ السيدةُ الحمامَ كما تدخلُ غيمةٌ في قصيدةٍ، تتركُ الجسدَ يتفتَّحُ في مهبِّ المرآةِ، ثم تفتحُ (صندوقَ البهجةِ)، تُخرِجُ حلاوةَ السكَّرِ، وتقلِّبُها حتى تستيقظَ، تلمعُ شهبُ شهوةٍ في الرأسِ، تعملُ السيدةُ كأنْ لمْ ترَ شيئًا، تعوي ذئابُ شبقٍ في الشرايين، تعملُ السيدةُ كأنْ لمْ تسمع شيئًا، ثم تبدأُ تعشيبَ الحديقةِ من كلِّ شيءٍ، إلا مِن أعشابِ الرغبة..

***

بِمجردِ انتقالِها من رفٍّ في البقالةِ، إلى رفٍّ في حمامِ السيدةِ، حلاوةُ السكّرِ لم تعدْ تطاردُ روائحَ أسلافِها، عبر خيالاتِ الغابةِ، أو مجازاتِ السحابةِ، هي الآنَ لا ترغبُ في شيءٍ، سوى أن يُفتحَ صندوقُ البهجةِ، لتمارسَ حياتَها الجديدةَ: أن تفقدَ صوابَها بينما تتعاشقُ مع جسدِ السيدة.

***

بِمثابةِ مهرجانٍ للبصِّ، هكذا كانَ حَمّامُ السيدةِ، التي كانت تتركُ البابَ، في العادةِ، مواربًا، مراعاةً لِفضولِ الشرفةِ والنافذةِ ونبتةِ "كف الهوى"، ورأفةً بِبصّاصاتٍ أخرياتٍ، للتوِّ تعلمنَ المسيرَ في دروبِ الشبق.

***

بعدَ كلِّ استخدامٍ، كانت السيدةُ تأخذُ حلاوةَ السكّرِ، وتدسُّها في ترابِ الحديقةِ، تلكَ التي ردَّت الجميلَ بِجميلٍ، وراحت تبعثُ رائحةَ السيدةِ، صباحًا ومساءً، في أرجاءِ المدينة.

***

هل تتألمين؟ كنتُ أسألُ، وكانت أحصنةُ الشهوةِ تضربُ بِأرجلها الأرضَ، حتى جرحَت جبينَها. هل تتألمين؟ كنتُ أسألُ، وكانت رياحُ الشّهوةِ تهجمُ، حتى خلعَتْ دغلَ الحيطةِ من جذورِهِ، وطوّحته في غيابةِ الجحيم. هل تتألمين؟ كنتُ أسألُ، وكانت ينابيعُ مياهٍ حارّةٍ تتفجَّرُ في الصدرِ، حتى ضجَّتْ عيونُ السماءِ بِالصراخ.

***

يا رحماتُ.. أيُّ ألمٍ سيفلُقُ قلبي، عما قليلٍ، عندما تغادرين وتتركيني في عتمةِ الحمّام، مجرّد صندوقٍ منزوعِ البهجة، أيتها السيدة.

عمّان، تموز، 2017


*شاعر من الأردن

قصائد اخرى للشاعر

شعر
18 مارس 2018
شعر
28 فبراير 2018

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.