}

صبي أسمر وحمائم بيض

علي السباعي 8 أكتوبر 2017

خوف

شــابةٌ حلوةٌ خرساء، تقدم لخطبتِها
شــابٌ أخرس، رفضـت الاقترانَ به،
مخافة أن يبكي طفلهُما وهما نائمـان.


سؤال

جلس بقربي "عربنجي" ... صاحب فرس كميت جميل ...
رشيق جــدا ... سألتهُ ونحــنُ نحتسي الشايَ فــي المقهى: 
- كيف تقضي يومَك؟
أجاب:
- أستيقظُ فجرا ... أطعِمُ فرسي ... أسقيها الماء ... أضع عليها
"جلالها" ... اربطها إلى العربة واذهب إلى العمل ... ظهرا ...
آخذها إلى نهرِ الفراتِ ... أفتحُ عنها العربةَ وأبدأُ بغسلها ...
آخذها إلى المنزل لأعلفها ... أتركها تستريح ... عصرا ... أربط
عليها العربة وأذهب للعمل ... مساءً ... أؤوب بها إلى المنزل ...
أفتحُ عنها العربة ... أدلكها ... أعلفها ... أسقيها الماء ... أنتظرها
حتى تنام ... ساعتها أذهبُ إلى أهلي.
قلت له:
- هذه حياة الفرس ... أين هي حياتك؟

عراقية

سمراءٌ مُتشِّحَةٌ بالســـواد ... تجلسُ أمــام إحــدى بواباتِ القصــرِ الجمهــوري ... تضعُ دميةً بلاستيكيةً في حضنِها ... تُناغيـها ... تُناغيهــا بلا مَلــلٍ ... سألــتُ عنهــا ... قالـــوا : "إن القـوات الأميركيــة قَتَلــتْ طفلتَها وزَوجها بالخطأ".


معلم

أعملُ مديراً لمدرسةٍ ابتدائيةٍ عريقةٍ... رغم كوننا نعيشُ في القرن الحادي والعشرين إلا أن أدواتنا كانـــت بدائيةً بسبــب انقطاعِ التيارِ الكهربائي المستمــر، لجأَنا إلى استخدامِ صفارةِ معلمِ الرياضةِ بدلَ استخدامِ الجرسِ الكهربائي ... وضعنــــا جدولاً لكــلِ يومٍ يصفـرُ فيه معــلمٌ أو معلمــةٌ ...
لفت انتباهي أحدُ المعلمين كلما تُطلق صُفّارةُ الذهابِ إلى الدرس يهبُ من جلستــهِ بيننا ويذهبُ مُسرِعاً ... وفي مراتِ أخرى يظلُ جالساً حتى وإن انطلقــت الصفارةُ مدويةً وبقوة ... ملأني الفضول ... سألتُ أحَد المعلمين عن سِرِ تصرف هذا المعلم القدير ... جاءني الجواب صاعقا: "إذا كانت الصفارة تطلقها إحدى المعلماتُ يهْرَعُ المعلمُ بشغفٍ ليأخذَ الصُفارةَ ويضعُها في فمهِ يتذوقُها ... يمتصُها".


زواج


أعمــلُ نجاراً أمامَ إعداديةٍ للبنــاتِ ... أنتمي لأسرةٍ فقيرةٍ ... أمـي مُطَلَقَةٌ ... أبي متزوجٌ من أخرى ... أعيشُ في كَنفِ جدي لأمي. أحببتُ طالبةً جميلةً جداً ..... اتفقنا أنا وحبيبتي على الزواجِ ... رفضَ أهلُها طلبي ... طلبتْ مني أن أستعينَ بِمُدرِّسة قريبةَ جداً منها ... حَـدّثْتُها لمساعدتِنا وإقناعِ أهلِها بالزواجِ ... قالــت لي دون مقدمـات:
"أنا جاهــزةٌ ... عندي بيتٌ باسمـي ... وذهب ... لـِمَ لا تتقدم لِخطْبَتي؟".
وافقت فورا وتزوجتُ المُدَرّسة.


قذيفة

كان معي جنديٌ إبان حـرب الثماني سنــوات فـي جبـــهةِ القتـــالِ، لم يكن مقاتلاً شرسـاً، كــان عازفَ عودٍ موهـــوباً، مُبدعـــاً، لا يجيدُ القتالَ... أثناءَ المعــاركِ الطاحنـــةِ وما أكثرَها وأثناءَ اشتدادِ القصفِ كان يعزفُ لنا نحنُ إخوانَه المقاتليـن أجملَ الألحان، يضربُ علــى عودهِ بلا تعــــبٍ، بمتعةٍ وإبداعٍ أبداً لا يكررُ نفسَه ... أُعلــــنَ وقـــفُ إطــــلاقِ النارِ في 8/8/1988 راحَ يدندن فرحا بانتهائِها.. وإذا بقذيفـــةٍ إيرانيةٍ تسقطُ على موضِعـــه وهو يعزُف ... تقتلُه.

استجداء

أتسكعُ تسكعـــا معرفيا ... فـــي أحــدِ شوارعِ النــاصرية ...
الناصريـــة التـــي هـــي أشد خرابا مـــن واســط القديمة ...
واجهتني شابةٌ متعبةٌ ... تستجدي المــــارة بكفين مقطوعتين.

داخل حسن

ذاتَ طفولةٍ ...
كــان المطربُ داخل حســن - رحمــه الله - صديقــاً لوالــدي الخياط ... يأتــي لدكــانِ أبي يغنــي لــه يوميا ... صباحَ كلِ يـوم ... كنــتُ أُصغــي لغنائهِ ... وأحفظــهُ ... كــان عملــي
حفــظ غنــاء داخــل حســن وأنا منهمكٌ بمساعدةِ والــدي كـي لا يحــس داخــل حســــن، "إذا حفظت غنــاءهَ جيدا أكرمني والــدي أيمـا كرم وإذا لــم أحفظهُ جيدا أشبعني ضربــا" ... ليـــلاً ... أعيـــد ما غنــــاه المطربُ داخــل حســن لوالدي الــذي يبـــدأُ بالسـكرِ.

صبي أسمر وحمائم بيض


شــابٌ رافدينيٌ يافــعٌ حالـــمٌ ... طَموحٌ، جلَب أَول أيـــام التحــرير خمس مئــــة حمامـــةٍ إلـى ساحـــة الفـــردوس، ليحـــاكي ساحــةَ النصرِ فــــي باريـــس بطيورِهـــا التـي تملأُهــا حيــــــاةً وهديـــلاً.

مــلأ الفردوسَ بيماماتِه البيض التي تحلـــق سعيدةً مطرزةً سمـاء بغداد بالحــرية، جــاء ثانـــي أيــام الاحتــــلال ليجـــــــد ثلاث مـــئة وخمســـين حمامـــةً قـــد اختفت ... ســأل ودمــوُعه مِلءُ مآقيه:
- من سرقَ طيورَ السلام؟
أجابـــَه صبــيٌ اسمــــرُ صغيــــــرٌ يلهــــو فـــي الفـــردوس:
- رجالُ الشرطة.

جدتي ومذيع التلفاز

كانت جدتي رحمها الله عندمـا يظهرُ المذيعُ في التلفــازِ تَتَحجبُ بعباءَتِهـا.

مقالات اخرى للكاتب

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.