}

المكسيكي ديفيد توسكانا: الرواية قادرة على تجاوز الحدود الثقافية

أسامة إسبر أسامة إسبر 17 فبراير 2020
حوارات المكسيكي ديفيد توسكانا: الرواية قادرة على تجاوز الحدود الثقافية
توسكانا: كتابتي متحررة من قيود العقل والمنطق
تُرجمت للروائي المكسيكي ديفيد توسكانا أربع روايات إلى اللغة العربية، كانت الأولى هي "محطة تولا"، والثانية هي "نوى (لونتانانثا)"، ترجمهما المترجم السوري، رفعت عطفة، وصدرتا عن دار التكوين، ودار الحوار في سورية. ومؤخراً صدرت له روايتان عن دار الخان في الكويت هما "القارئ الأخير"، و"جيش المتنورين"، بترجمة لمحمد سالم.
ولد توسكانا في مدينة مونتيري في المكسيك سنة 1961، ويعيش حالياً خارج المكسيك. نشر روايات أخرى غير التي تُرجمت إلى العربية، منها: "سيدة السيرك"، و"قصص من مكان بعيد"، و"الندب على ميغيل برونيدا"، و"جسور كونغسبرغ". شارك في البرنامج الدولي للكتاب في جامعة أيوا، في الولايات المتحدة الأميركية، وهو عضو في الجمعية الوطنية للمبدعين. روايته "القارئ الأخير" حصلت على جائزتي أنطونان آرتو، وخوسيه فوينتيس ماريس. بينما تلقت رواية "جيش المتنورين" جائزة خوسيه ماريا أرغويداس، التي يقدمها منزل الأميركيتين.
حظيت روايات توسكانا باهتمام واسع في الولايات المتحدة، وتُرجم معظمها إلى اللغة الإنكليزية، ولغات أوروبية أخرى، وغالباً ما أشار إليه النقاد بـ"النجم الصاعد للرواية المكسيكية". وهو يخط لنفسه أسلوباً خاصاً، واتجاهاً مختلفاً، في الكتابة الروائية، أطلق عليه اسم الواقعية الجامحة، أو غير الخاضعة للقيود، كي يميز نفسه عن الواقعية السحرية التي صارت موضة، ورفضها بما أنها تتطلب عناصر سحرية كي تشرح العالم. أبطاله يتصرفون دون سبب، أو منطق، لا يوجد عالمهم إلا في الخيال، رغم وجود تبادل متعدد الطبقات بين الحياة والخيال. وهو يحب أن ينطلق من المواقف الدقيقة التي تكون فيها شخصياته، محاولاً أن يفهم مجازفاتها، أو أداءها، في كل موقف في الحياة اليومية غير المستقرة.
يعيش توسكانا خارج المكسيك، كما لو أنه ينفذ وصية القاص والروائي الأرجنتيني خوليو كورتاثار، الذي دعا دوماً كتاب أميركا اللاتينية إلى خيار المنفى، والكتابة من هذا الموقع، وخاصة حين تقتضي الظروف ذلك، ولأن الكتابة من هذا الموقع تكتسب غنى استثنائياً. جمالية السرد لدى توسكانا مستمدة من جمالية الواقعية غير المقيدة، والتي تنفصل عن اتجاه الواقعية السحرية من خلال نثر يبقي عينه على التجربة الملموسة للحياة بكل عبثيتها وغرابتها.  ويتجلى هذا الاتجاه في روايتيه "القارئ الأخير" و"جيش المتنورين".
يقدم توسكانا رواية محكمة من الناحية الفنية ومتحدية للقارئ، ويركز على الخطوط الضبابية بين القراءة والتأليف، بين الواقع والخيال.
تأثر توسكانا بالكاتبين خوان كارلوس أونيتي، وخوان رولفو، اللذين ساعداه في صقل إحساسه الأدبي. كما تتميز لغته بالغنى والروح الشعرية، وهو يعول على تأثير اللغة التي يجب أن يستخدمها الكاتب، كما قال، بطريقة متميزة عن غيره من الكتاب كي يحقق جماليته الفنية وفرادة أسلوبه.
بمناسبة صدور الترجمة العربية لروايتيْ "القارئ الأخير"، و"جيش المتنورين" في الكويت بترجمة محمد سالم، أجريتُ هذا الحديث مع الروائي توسكانا الذي يعيش حالياً في مدريد هو وزوجته البولونية.
  ديفيد توسكانا: أنا منحدر من دون كيخوته، الذي، من خلال عقله المختل، حرر نفسه، وحرر ذهنه، والأكثر أهمية حرر الأدب والكلمة


















(*) صدرت لك روايتان هما "القارئ الأخير" و"جيش المتنورين" في ترجمة عربية مؤخراً في الكويت، قبلهما صدر لك في العربية "محطة تولا" و"نوى (لونتانانثا)"، وبهذا تكون أربع من رواياتك قد شقت طريقها إلى العربية، ما الذي يعنيه لك أن تترجم إلى هذه اللغة بشكل خاص؟ هل لديك أي اهتمام بالثقافة أو بالأدب العربي؟
- تأثرت روايتي "القارئ الأخير" كثيراً بألف ليلة وليلة، وهي قائمة على سرد قصص داخل القصص. أما بالنسبة لعلاقتي مع الأدب العربي فقد كانت مقتصرة على الشعر إلى حد كبير.  قرأت ما تيسر من ترجمات الشعر العربي الكلاسيكي العظيم، أما من شعراء الحداثة فقد قرأت لشاعرين معروفين على نطاق عالمي محمود درويش وأدونيس. أما ترجمة أعمالي الروائية إلى اللغة العربية فهي حدث في غاية الأهمية بالنسبة لي لأنه يوحي بأن رواياتي قادرة على تجاوز الحدود الثقافية واللغوية ومخاطبة قراء عالميين، وأن تسافر بين الثقافات واللغات، وخاصة اللغة العربية التي تمتلك تقاليد أدبية رفيعة.

(*) كروائي، كيف تنظر إلى ترجمة عمل أدبي، وعبوره لحاجز اللغات؟
- لدي الكثير من الاهتمام بالترجمة واحترام كبير للمترجمين الموهوبين، لكنني أزدري الترجمات الفقيرة. وأعتقد أن الترجمة تمرين عظيم للكتاب. إن الترجمة هي علاقة أو تعامل مع الكلمات بطريقة دقيقة، وبطريقة فنية إبداعية. إذا كنت تريد أن تقرأ الإلياذة دون أن تعرف اليونانية القديمة، تحتاج إلى ترجمة جيدة ومتقنة، لكنك تحتاج أيضاً إلى خلفية معرفية عن أزمنة طروادة.
 

(*) لماذا اخترت عنوان "القارئ الأخير" لروايتك، وما الذي يشير إليه؟
- تدير الشخصية الرئيسية مكتبة في بلدة صغيرة في الصحراء في شمال المكسيك. لا أحد يأتي إلى المكتبة، وهو الشخص الوحيد الذي يقرأ. في عزلته صار يفكر أنه القارئ الأخير.

  الأدب، كي يكون فناً، يجب أن يتضمن الجمال والذكاء وجرعات من الفلسفة، وعمقاً شعرياً إيقاعياً


















(*) ما الذي يعنيه لك أن تكون كاتباً؟ كيف يستطيع الكتاب مساعدة القراء؟
- يجب أن يشعر الكتاب أنهم ورثة المفكرين والفنانين العظام الذين صاغوا حضارتنا وفهمنا لما يعنيه أن تكون إنساناً. يجب أن يفهم الكتاب أن أسوأ خطيئة يمكن أن يرتكبوها هي التفاهة والسطحية، ويجب أن يساعد القراء أنفسهم من خلال رمي أجهزة تلفزيوناتهم من النافذة والبدء بقراءة الكتب الجيدة.

(*) في عصرنا، لا تتوقف الروايات عن التدفق في فئات مختلفة، وتطيع معظمها إملاءات السوق. ما الفئة التي تنتمي إليها روايتك؟
- إن الأدب هو أحد الفنون الجميلة (في الأسبانية ندعوه "فناً جميلاً")، لكن عدداً قليلاً جداً من الروايات المطبوعة يرقى إلى هذا المستوى، كما أن نسبة كبيرة من اللوحات التشكيلية هي قمامة، وإن قسماً كبيراً من الموسيقى ألحان سخيفة. أحاول ألا أنتمي إلى فئة، ألا أسمع إملاءات السوق. أقرأ عدة آداب معاصرة، وأساتذتي كتاب ماتوا منذ وقت طويل. إن الأدب، كي يكون فناً، يجب أن يتضمن الجمال والذكاء وجرعات من الفلسفة، وعمقاً شعرياً إيقاعياً في الكلمات والفقرات والعبارات، ويجب أن ينطوي على السخرية وتحويل الواقع، وتحفيز الخيال، وهزّ الأخلاق، وإحساس بعظمة البشرية. وبقدر ما أستطيع، أحاول أن أحقن نثري بهذه الأشياء.

 

أنا منحدر من دون كيخوته
(*) قلتَ مرة إن اتجاهك في الكتابة ليس الواقعية السحرية بل الواقعية غير المقيدة، هل يمكن أن توضح هذا أكثر؟
- إن الواقعية السحرية كانت تحتوي دوماً على عنصر فائق للطبيعة هو غائب في كتابتي. أنا منحدر من دون كيخوته، الذي، من خلال عقله المختل، حرر نفسه، وحرر ذهنه، والأكثر أهمية حرر الأدب والكلمة. أحاول أن أسير على خطاه. إن في شخصياتي الروائية شيء كيخوتي وشيء مختل، ولهذا كتابتي متحررة من قيود العقل والمنطق، لكنها ما تزال على حدود الواقع، ولا تتجاوزها أبداً نحو اللاواقعي.

  كتابتي متحررة من قيود العقل والمنطق، لكنها ما تزال على حدود الواقع، ولا تتجاوزها أبداً نحو اللاواقعي


















(*) ما الذي تعمل عليه الآن؟
- أكتب رواية كيخوتية أخرى، مختلطة مع فن المقالة. لكن جزء المقالة في الرواية مختل قليلاً.


(*) أنت تعيش خارج المكسيك فيما تدور أحداث رواياتك فيها؟ كيف تستحضر المكان وتتخيله؟
- لم أكتب أبداً عن مكسيك اللحظة الحاضرة، ولهذا كنت دوماً بحاجة لاستحضار أو استقصاء الماضي. يمكن أن يُنجز هذا من مدينتي، مونتيري، أو من أمكنة أخرى حيث عشت، وارسو أو لشبونة أو مدريد، وكذلك بلدات صغيرة في أسبانيا مثل تاريفا وكوميلاس. كتبت أيضاً عن المدن التي لم أزرها أبداً، مثل كوننغسبرغ (كالينينغراد الحالية) أو القدس.

 

(*) يميل الكتاب إلى تعريف منتجاتهم، فمثلاً الشعراء يعرفون الشعر بأنه رؤيا، كروائي كيف تعرف الرواية؟
- إذا كان عليّ أن أختار كلمة واحدة، ربما سأقول "تجربة". يجب أن تمتلك الرواية درجة من التعقيد والعمق كي تثير في القارئ الإحساس بأنه عاش شيئاً ما، تجربة من خلال الكلمات يمكن أن تكون أكثر كشفاً وقوة من تجربة "الحياة الحقيقية".

 

(*) ما الذي جذبك إلى عالم الأدب وكيف قررت أن تصبح كاتباً؟
- أكثر من قرار، كانت الكتابة ميلاً صار إغراء ثم هواية. وبالطبع كل هذا جاء من خلال القراءة بعد علاقة غرامية طويلة مع الكتب.

 

(*) صحافي سوري مقيم في أميركا.

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.