}

عزالدين بوركة: التشكيليون العرب المعاصرون يتّسمون بحساسية مفرطة وهشة

عماد الدين موسى عماد الدين موسى 13 فبراير 2020
حوارات عزالدين بوركة: التشكيليون العرب المعاصرون يتّسمون بحساسية مفرطة وهشة
بوركة: لا فرق عندي بين الكتابة في الشعر والتشكيل
يأخذ النقد التشكيلي الحيّز الأكبر لدى ضيفنا الشاعر والناقد المغربي عز الدين بوركة، إذْ يُعتبر من أبرز المتابعين للحركة التشكيليّة المعاصرة، سواء في العالم العربي أو المغرب تحديداً. في رصيده عدة كتب شِعريّة، هي: "بعيداً عن العالم 2014"، "حزين بسعادة 2016"، و"ولاعة ديوجين 2017"، بالإضافة إلى كتاب نقدي بعنوان: "الفن التشكيلي في المغرب من البدء إلى الحساسية 2018". كما شارك في تأليف كتب أخرى جماعية، نذكر منها: "مقامات الكشف 2016"، "سركون بولص الذي رأى 2018"، "الذاكرة المغربية البرتغالية المشتركة 2018"، "الوجود بالاختلاف في منعطفات التجربة الشِعرية لصلاح بوسريف 2018". وساهم في تحرير أكثر من منبر ثقافي مغربي وعربي، ونشر مقالاته النقديّة في معظم الصحف والمجلات والمواقع العربيّة.

هنا حوار معه:

 


















(*) بداية أنت خريج شعبة علمية هي الفيزياء فكيف ولجت إلى عالم الشعر والنقد التشكيلي؟
- لا أعتقد أن عالم الشعر وحتى الفن منعزل ويشكل قطيعة عن عالم العلوم والفيزياء؛ ولو إن المجال العلمي أكثر تجردا، إلا أنه ليس بعيدا أبدا عن الروح الشاعرية والفنية التي تطبع عالمنا... كان شغفي دائما يميل نحو الآداب والفنون رغم دراستي العلمية، فقد بدأت كتابة الشعر مبكرا متأثرا بكتابات أدونيس؛ إذ إن أول ديوان كامل قرأته وأنا ما زلت طفلا كان "أوراق في الريح". وإن اخترت الدراسة العلمية فلم يمنعني هذا الأمر من أن أطالع وأتابع جديد الأدب والبحث في التراث الأدبي والفني، وبفضل اقتحامي المبكر في السنوات الأولى الجامعية لعالم الفن بالمغرب ومصاحبة الأدباء والفنانين الأصدقاء كوّنت تجربة لا بأس بها سمحت لي بتطوير مهاراتي الأدبية وتكوين معرفة ميدانية في عالم الفن. وقد ساهمت دراستي للصحافة الإعلام في صقل ما خبرته وعرفته في عالم الفن وحتى الأدب.

 

(*) صدر لك مؤخرا كتاب بعنوان "التشكيل المغربي: من البدء إلى الحساسية"، عن أي حساسية تتحدث عنها في الفن التشكيلي؟، علماً أن هذا المفهوم ظهر داخل النقد الروائي مع إدوار الخراط؟
- بالفعل، كان إدوار الخراط أول ناقد في عالمنا العربي تطرق إلى هذا المفهوم، ضمن دراساته لمنجز جيل القصة الجديد المدفوع بهاجس التغيير والتجريب والتطوير والاختراق، ومن ثم انتقل هذا المفهوم إلى عالم الشعر وظل حبيس المجال الأدبي طيلة عقود... أخذت هذا المفهوم من الحقل الأدبي بكل ما يحمله من دعوة للتجديد المستمر واللامنقطع، إلى عالم التشكيل المغربي والعربي، بعدما لامست، في التجارب الفنية المعاصرة، ذات البعد الذي سعى إلى إبرازه الخراط في مجال الكتابة القصصية المعاصرة. حيث إنّ الفنانين التشكيليين العرب المعاصرين تدفعهم الرغبة الملحة في تطوير مهاراتهم وصقلها بلا توقف وبلا انقطاع، مع البحث المستمر في أراضي التجريب الوعرة، عبر استحضار خامات وأساليب ومواد غير مجرّبة وغير مسبوقة، ما يجعلهم ينتمون إلى حساسية مفرطة وهشة... قابلة للتأثر والتأثير، ومتنقلة كـ"عدوى" صحية لا علاج لها.

 

الساحة التشكيلية المغربية
(*) ما الذي يميز الساحة التشكيلية المغربية عن مثيلاتها داخل العراق وعندنا في سورية مثلاً؟
- لا أظن أن الساحة التشكيلية المغربية تتميز بالشيء الكثير أو الكبير عن مثيلاتها في كل البلدان العربية، بما فيها العراقية والسورية.. وإن كان يطبع على الأولى طابع الاستقرار السياسي الذي يسمح للفنان المغربي أن يشتغل داخل موطنه بأريحية أكثر، ما يتيح له مقاربة تابوهات اجتماعية وسياسية بشكل شبه حر... وإني أظن أن ما يقع على المستوى العربي هو شامل يمس كل البلدان العربية، ساهمت فيه ظهور متاحف جديدة ودور عرض متحمسة للفنون الراهنية والمنتمية للحاضر وللمعاصرة، خاصة داخل بعض بلدان الخليج التي تعد جزءاً لا يتجزأ من السوق الفنية العالمية.
رغم أني لا أملك إحصاءات مؤكدة عن السوق الفنية في سورية والعراق، ولكن تبعا لرصد الواقع العربي الحالي وما يشهده من ثورات وحركات وانتفاضات، أظن أن الساحة التشكيلية المغربية تعرف استقرارا مهما على مستوى السوق وترويج الأعمال الفنية داخل البلد. إلا أن هذا لا يمنع وجود أعمال وأسماء فنية داخل سورية والعراق لها قيمتها الكبرى في المشهد التشكيلي العربي، أسماء استطاعت أن تبصم على مسار يضعها ضمن لائحة المجددين بصريا وتشكيليا.

 

(*) هل تعتقد اليوم أن الفن هو الوسيلة الوحيدة لمواجهة الإرهاب والخراب الذي تعيشه البلدان العربية؟
- أكاد أجزم أن ما نعرفه من إرهاب وخراب يطبع جزءا يسيرا من عالمنا العربي، هو وليد موجة راديكالية وسلفية، ظهرت بالخصوص بعد منتصف القرن الماضي، حاربت الفن إلى حد كبير... موجة استقوت في الثلاثة عقود الأخيرة، وكان لها أثر بشع على عقلية المواطن العربي. ولا نملك اليوم في ظل الضعف السياسي لمواجهة هذا المد الأسود سوى الفن سلاحا. فأي محاولة لدحر الإرهاب وترميم الخراب تبدأ من عملية بناء أجيال مؤمنة بالفن والإبداع، أجيال خلاّقة ومبدعة. من حيث أن الفن يوطد في الإنسان روح تقبل المختلف والآخر، وما أحوجنا لثقافة الاختلاف!.
وإني أضرب هنا مثلا بداعش التي أدركت دور الفن (الصورة الفنية أقصد) وما يحمله من آلية تأثير على العقول وترويج الرؤية التي تحملها. وللأسف كان من الممكن أن تكون الصورة وبكل ما تحمله من فنية سلاحا فتاكا لمواجهة هذا المد الظلامي، من حيث أن الصورة هي محرك العالم اليوم، فهي تحيط بنا من كل جانب، وأينما ولينا وجوهنا فثمة صورة. ولا تقتصر مواجهة الإرهاب بالموسيقى أو الرسم بل عبر إقحام كل أشكال الفنون ضمن عملية واحدة، وعبر غرسها داخل المدارس والمؤسسات التعليمية لبناء أجيال واعية بشرطها الإنساني الجمالي.

 

جيل الرواد
(*) كيف تميز بين الإرث والخصوصيات الفنية داخل التشكيل المغربي بين الجيل الجديد وجيل الرواد؟
- لقد لعب جيل الرواد دورا أساسيا في تقعيد الفن أكاديميا في المغرب، وقبلهم لعب الجيل الأول المتأثر بالمستشرقين دورا فعلا في جعل الفن التشكيلي (في شقه التشخيصي الخام) المعتمد على الحامل والمقومات الحداثية ولو في طابعها الخام، يصير علامة من علامات البعد البصري في المغرب. لهذا فإن الدور الذي لعبه الجيل الأول والجيل الذي تبعه والذي كان متحمسا للتجديد عبر الاشتغال الأكاديمي، يعدّ دورا بناء لكل ما وصل إليه الجيل الحالي والذي أحبذ وصفه بجيل الحساسية الجديدة. إذ إن من خلال تلك المدارس التي تم تطويرها على يد الرواد استطاع جيل الحساسية الجديدة أن يخرج من شرنقة الحداثة ليحلق في سماء ما بعد الحداثة بكل رهافة وإفراط يقوده إلى تجريب كل ما لم يتم تجريبه في عالم الفن سابقا داخل المشهد التشكيلي المغربي، كاسرا كل الحدود ومتجاوزا كل الأسوار، دامجا بين الفنون وموحدا بين التوجهات...
بالتالي فإن كل العملية التجاوزية التي قام بها الجيل الحالي تستمد جزءا يسيرا من مقوماتها من جيل الرواد، الذي عبّد الطريق نحو ما يشهده المشهد التشكيلي المغربي المعاصر من تجارب وأعمال معاصرة.

 

(*) برأيك، هل ثمّة حركة تشكيلية جديدة في المغرب تخطت الرواد؟
- عملية تأكيد التخطي تحتاج منا إلى دراسة إحصائية وميدانية تتابع وترصد كل المنجز التشكيلي المغربي، وهذا أمر يكاد يكون صعبا... لكن أكاد أجزم بأن الجيل الحالي، جيل الحساسية الجديدة المفرطة في حساسيتها، استطاع أن يبصم على اشتغال يتفرد به بالمقارنة مع جيل الرواد، اشتغال معاصر أو يوحد بين الحداثة والمعاصرة في منجز واحد. لكن لا يمنعنا هذا من التأكيد بأن لكل جيل عصره وزمنه وآلياته التي تنبع من الظرفية الاجتماعية والجيوسياسية والثقافية التي تهيمن عليه. فحتى مواد الاشتغال والأفكار المتولدة عنها المنجزات الجمالية تكون خاضعة لكل تلك الحسابات... إذ لم يكن من الممكن الحديث عن جمالية القبح مع جيل الرواد، الذي اهتم باللوحة وتراكيبها الشكلية واللونية أكثر من الفكرة، بينما الجيل الحالي يهتم بالفكرة أكثر من إبرازها ماديا عبر مجموعة من التوجهات البصرية المعاصرة التي لم تكن متاحة في زمن الرواد من فيديو وأنستلايش وحتى برفورمانس وغيره...
 

(*) أنت من الكتاب المواظبين على نقد الحركة التشكيلية ودراستها، متابعة وتحليلاً، وفي أكثر من منبر، ماذا عن الشعر؟
- بدأت اهتماماتي النقدية عبر متابعة المنجز الشعري العربي المعاصر، فأنجزت في ذلك دراسات عديدة لم يُكتب لها بعد أن ترى النور في عمل نقدي ورقي. لكن ظل الهاجس البصري والفني يطاردني ويشدني إليه، فخصصت له مجمل الوقت لما يطلبه من متابعة دائمة واطلاع غير منقطع عما حدث ويحدث داخل عالم الفن. لم أنقطع عن الكتابة في الشعر نقدا، لكن اخترت أن أخصص جل الوقت للكتابة حول الفنون التشكيلية بكل توجهاتها. وإني لا أجد أي فرق بين عالم الشعر وعالم الفن التشكيلي، فكلاهما يشتغل على الصورة بمنظوره الخاص، الأول عبر اللفظ والثاني عبر الشكل... وكلاهما خاضع لسلطة الحساسية الجديدة التي تنشر ضوءها على جل الميادين الفنية والأدبية، بكل ما تتطلبه المرحلة من اختراقات وتجارب معاصرة تحفر عميقا في الأراضي الوعرة. 

(*) أين تجد نفسك أكثر؟
- لا فرق عندي بين الكتابة في الشعر وفي التشكيل، لهذا أجد نفسي مرتاحا في حالة الكتابة في أحدهما، كلما استدعته الضرورة.

(*) هل من مشروع كتاب جديد يصدر لك قريباً؟
- أنهيت العمل على مجموعة شعرية جديدة، آمل أن تصدر هذه السنة، وأقترب من إنهاء عمل نقدي تشكيلي وهو عبارة عن مدخل عام لأهم التوجهات والتجارب التي أسست أو يتكئ عليها الفن التشكيلي المعاصر.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.