}

عبدالعزيز بوباكير: الحراك الجزائري سيكون درساً لجميع العرب

بوعلام رمضاني 5 يونيو 2019
حوارات عبدالعزيز بوباكير: الحراك الجزائري سيكون درساً لجميع العرب
عبد العزيز بوباكير
لم يكن تضامن المثقفين، وعامة الشعب، مع الكاتب الجزائري، عبدالعزيز بوباكير، في الصراع الذي يخوضه مع الجنرال خالد نزار، كما مر معنا في مقال سابق، مُجرّد مواجهة عادية. فالجنرال الذي لا يعاديه كل المثقفين كما يمكن أن يفهم البعض، أقحم نفسه في مواجهة مع كاتب يفرض الاحترام حتى على أعدائه الأيديولوجيين الذين ينشطون هذه الأيام بشراسة دفاعاً عن الوطن ضد كل من يختلف معهم حول طريقة صنع مستقبل جزائري بعيداً عن ثقافة التقديس والتشويه والتشفي والتخوين. وبوباكير ليس نبياً عصرياً ولا خائناً أو زنديقاً أكثر من غيره، كما يمكن أن يتفوه بذلك خصومه الذين يدعون تمثيل الوطنية والفضيلة و"النوفمبرية" (نسبة إلى روح الثورة الجزائرية) و"الباديسية" (نسبة إلى عبدالحميد ابن باديس رائد الحركة الإصلاحية). وحب المعجبين بالكاتب بوباكير واحترام الخصوم حقيقة يؤكدها الحوار الذي أدلى به لنا رغم الضغط النفسي الذي زاد من توتره الصامت الذي يلازم كبار الكتاب باعتباره شرطا يولد الكتابة غير العادية.
في هذا الحوار مع بوباكير، يكتشف القراء العرب، الذين لم تسمح لهم فرصة معرفته فكرياً وإعلامياً، كاتبا قضى حياته يخدم وطنه بكتب ومقالات ودراسات وترجمات ومسؤوليات ومواقف ستبقى منارة تضيء درب أجيال لاحقة لن يهمها توجهه أو مزاجه أو موقعه الاجتماعي بقدر ما ستهمها تركته العلمية والمهنية التي نحتها بحروف من ماس في ظروف شخصية وثقافية وسياسية تفرض الإحباط وتعادي الهمة بكل المعايير والمقاييس.   

(*) أنت موزع مهنياً بين الإعلام كتابة وتدريساً، وبين البحث والتأليف الموزعين بدورهما بين الأدب والثقافة من جهة، والتاريخ والسياسة من جهة أخرى. ماذا تفعلون للقيام بكل ذلك ومن أين تستمدون الطاقة الضرورية المذهلة والتي تحتاج إلى حياة تفرض العزلة وتجعل من صاحبها متعبّد كتابة بامتياز؟
صحيح أنا موزّع بين عدّة اهتمامات، أسميها اهتمامات وليس تخصصات. وبرأيي التخصص

يجهض الإبداع ويحصره في رؤية ضيّقة محدودة ويحرمه من أهم شيء في الكتابة وهو المتعة والإمتاع. أما العزلة فهي من أهم مقومات الكتابة وعزلة الكاتب لا تضاهيها إلا عزلة الصوفي.

صورة الجزائر عند الآخر
(*) بما أنكم تتحدثون إلى قراء قد يجهلون تاريخكم وعطاءكم الفكري، هل من الممكن التحدث عن مؤلفاتكم في علاقتها بتوجهكم الفكري العام من ناحية، وبقناعات خاصة تركتكم تنتقلون من ماركس إلى الرئيس الجزائري السابق الشاذلي بن جديد من ناحية أخرى؟
أنا مهتم منذ أكثر من ثلاثين سنة بالكتابة الإعلامية وبالنقد الأدبي والتاريخ والترجمة. وجلّ اهتمامي منصب على صورة الجزائر عند الآخر، وقد أصدرت في هذا المجال العديد من المؤلفات منها "الجزائر في عيون الآخر" و"الجزائر في الاستشراق الروسي" و"صفحات مجهولة من ذاكرة الجزائر" و"كارل ماركس في الجزائر". وحلمي هو الانتهاء من وضع "موسوعة الجزائر في عيون الآخر"، وهو مشروع ضخم يتطلب إسهام جميع الكفاءات ورصد إمكانات ضرورية لإخراجه إلى النور.

(*) لماذا وقع اختياركم على كتابة مذكرات رئيس (الشاذلي بن جديد) يقول عنه الكثير من المثقفين ساخرين إنه أضعف رئيس عرفته الجزائر سياسياً وثقافياً؟
من الخطأ الاعتقاد أن الشاذلي بن جديد هو أضعف رئيس عرفته الجزائر. الآن فقط على خلفية الحراك الشعبي الرائع بدأ الناس يدركون عمق الإصلاحات التي أطلقها بن جديد في ميدان الاقتصاد والتعددية السياسية والانفتاح الإعلامي. أنا لم أختر الشاذلي، والصدفة وحدها هي التي اختارتني لكتابة مذكراته والاستماع إليه طيلة ست سنوات وهو خارج السلطة. والحمد لله أني عرفته وهو خارج السلطة وليس وهو جالس على كرسي الحكم، وقد جنبني ذلك الوقوع في الإغراءات وشراء الذمم، فكنت أحاوره من موقع مستقل حيادي موضوعي. وقد منع الجزء الثاني من مذكراته لأسباب تتعلق بحديثه عن حكم بوتفليقة وانتقاده للفساد الذي استشرى في مفاصل الدولة، واليوم بفضل الحراك هناك هبّة لم أكن أتوقعها لعتق مذكراته و"إطلاق

سراحها".

(*) هل تعتقدون أن الظرف السياسي المرتقب في الجزائر مستقبلا سيسمح بنشر الجزء الثاني الممنوع حتى هذه الساعة. وما هي المعلومات التي أدت إلى منعه من الصدور؟
هو سيصدر إن شاء الله، والذي منعه أطراف في الدولة العميقة ظنّاً منها أن مضمونه يشوّش على بوتفليقة وبطانته. وأنا الآن بصدد تأليف كتاب بعنوان "في حضرة الشاذلي" يتضمن تفاصيل غير موجودة في المذكرات، تفاصيل حميمة متعلقة بشخصية الشاذلي كإنسان ومجاهد ومواطن...

العلاقة بالأدب الروسي
(*) ما هي العلاقة المفترضة بين هوسك بالأدب الروسي وبين الترجمة التي سمحت لكم بتبوء مكانة خاصة تحت شمس مجال محتشم الوجود في الجزائر وفي العالم العربي بوجه عام؟
علاقتي بالأدب الروسي ترجع إلى فترة دراستي في روسيا في السبعينيات. والأدب الروسي، كما هو معروف، يمتاز بعمقه الإنساني وتفرده في تناول الشرط الإنساني في لحظات تاريخية مفصلية. لقد كان القرن التاسع عشر هو قرن الأدب الروسي بامتياز. فظهرت في سماء الأدب العالمي، وكأنها نيازك، أسماء مثل بوشكين وغوغول وتولستوي وتشيخوف وتورجينيف ودوستويفسكي وغوركي. وبدا كأن الأدب العالمي خرج من معطف الأدب الروسي. لقد مارس الأدب الروسي تأثيرا واضحا على الأدب العربي المعاصر، والأدب الجزائري هو جزء من ذلك. لكن للأسف الشديد وبسبب ركود الترجمة من الروسية يكاد القارئ العربي اليوم يجهل مستجدات إبداع الكتاب الروس.

(*) أنتم أحد أهم رجال الإعلام والصحافة في الجزائر وشخصيا تشرفت بالعمل تحت إشرافكم كمراسل من باريس لـ"الخبر الأسبوعي" التي توقفت عن الصدور. ما تعليقكم على توقفها رغم الأهمية التي كانت تكتسيها؟
"الخبر الأسبوعي" كانت من الإصدارات الرائدة في الصحافة الجزائرية والعربية. وكان هاجسنا هو تناول التابوهات والمواضيع الحساسة ونجحنا في جعل القراء يلتفون حول الأسبوعية، لكن للأسف التجربة توقفت في منتصف الطريق لأسباب يطول شرحها هنا.

(*) ما طبيعة العلاقة التي يمكن ربطها بين توقف جريدة كانت متميزة شكلا ومضمونا وبين واقع إعلام مريض وقاصر بكافة ضروبه، وهو الإعلام الذي يعيش أخطر تحدياته التاريخية في سياق الحراك الشعبي الذي يشد العالم العربي والعالم بوجه عام؟
الإعلام الجزائري واقع الآن تحت سلطة المال وسطوة الاختراق السياسي. وهو في شبه غيبوبة بدأ يستفيق منها بفضل الحراك الشعبي. إنه إعلام في حاجة الى مراجعة علاقته بالاحترافية وأخلاقية المهنة وسبل النأي بالمهنة من الوقوع في الحفر التي سقطت فيها في السنوات

الأخيرة.

الفيسبوك شرّ لا بد منه!
(*) أنتم أحد الناشطين الكبار عبر صفحتكم الفيسبوكية قبل وبعد اندلاع الحراك الشعبي السلمي ويترقب الآلاف من معجبيكم خرجاتكم وتعليقاتكم بشكليها الجاد والساخر الخفيف والهادف. ما رأيكم في مثقفين يساريين مثلكم وغير يساريين يترفعون على وسائل التواصل الاجتماعي في منعرج تاريخي جزائري خطير يتعلق بتوجهاتهم، وهل لعزلتهم الاجتماعية وماضيهم المطعون فيه فكريا وأدبيا وسياسيا حسب الكثيرين علاقة بتوجسهم وبغيابهم المفروض عليهم تجنبا للإحراج الذي لا تحمد عقباه؟
الفيسبوك هو شرّ لا بد منه، إذ إنه يسمح بالتواصل مع الآخر والتعبير دون حاجة إلى وسيط. لكن مضاره كمنافعه، وهو كما قال أمبيرتو إيكو سوّى بين المتوّج بجائزة نوبل وبين سكير الحارة. أما بشأن المثقفين، سواء أكانوا من اليسار أو اليمين أو في برزخ بينهما، فالمسألة أنطولوجية، بمعنى هل هم موجودون أم غير موجودين؟ وهل يصنعون أفكارا لمن لا يملكونها كما يقول بول فاليري؟ أعتقد أن المثقف الجزائري والعربي ما زال يبحث لنفسه عن مكان له تحت الشمس في علاقته بالسلطة وبمواطنيه.

الحراك الشعبيّ
(*) رغم المرض ما زلتم أحد أهم المثقفين الداعمين للحراك الشعبيّ فعلا وكتابة وموقفا وتواجدا. كيف عشتموه وماذا يشكل ثقافيا ورمزيا وأدبيا في تاريخ أصناف الاحتجاج السياسي الذي عاصرتموه من قبل وتناولتموه بالكتابة؟
الحراك فاجأ الجميع بعفويته وتلقائيته وسلميته ومدنيته ومطلبيته. وشخصيا أخشى عليه من الاختراق لأن المتربصين به كثر. وهذا الحراك الذي تمدد في حاجة الى أن يتجدد خشية أن يتبدد، ولا بد له من أن يفرز ممثلين له من الجيل الجديد لتسلم المشعل الذي كاد يحترق في يد الجيل القديم الأبوي الذي تجاوزه الزمن. الجزائر الآن تتجدد وتجربتها في الحراك ستكون درسا عميقا لجميع العرب.

(*) ما الذي استرعى انتباهكم أكثر في الحراك الشعبي السلمي من أشكال التعبير اللغوي والفني والسميولوجي العام، وهل من أمثلة عشتموها وأنتم في البريد المركزي أو في ساحة أودان، وما هي الأقرب إلى تمثيل واقع الفساد الذي وصلت إليه الجزائر وأكثرها تجسيدا لعبقرية شعب؟
الحراك كان يجري تحت بلكون سكني في ساحة موريس أودان التي أصبح نفقها يسمى غار حراك، تيّمنا بغار حراء. أشكال التعبير كان فيها الكثير من الإيحاء والرمزية وصلابة الموقف والسخرية في آن واحد. أودان جمعت أجيالاً انصهرت في بوتقة واحدة هي مطلب التغيير

والتطلع إلى مستقبل مفتوح على المعنى والمغزى. وأجمل ما فيها هو صور البراءة في حراك الأطفال وهم يرفعون رايات بلدهم.

(*) ألا تشعر كمثقف يساري بالحرج حينما ترى أن أيديولوجيات زملاء في الفكر والأدب والإعلام قد تجاوزها حراك شعبي غير مسبوق وخاصة أولئك الذين تحالفوا بشكل أو بآخر مع السلطة الفاسدة منذ توقف مسار انتخابات التسعينيات الديمقراطية بحجة محاربة الإسلاميين؟
الحراك تجاوزنا جميعا بلا استثناء. وتجاوز خاصة زبانية السلطة، ومن العار أن ترى مثقفين كانوا بالأمس يهللون للسلطان ينقلبون عليه ويعرضون خدماتهم على الجيش.

(*) هل أنت كمثقف عضوي بارز وكناشط ومبدع من المتفائلين حيال مستقبل الجزائر في ظل حراكها التاريخي غير المسبوق؟
ـ أنا متشائل بتعبير الكاتب الفلسطيني إميل حبيبي؛ متفائل بميلاد أمة جديدة ومتشائم خوفا على احتمال إجهاض آمال الحراكيين.

(*) أخيراً هل من كلام إضافي تريد تأكيده عن المواجهة السياسية والإعلامية والثقافية التي يمكن أن تتحول إلى قضائية بينك وبين الجنرال خالد نزار إثر نشركم كتاب "بوتفليقة رجل القدر"؟
الجنرال نزار هو من جرّني إلى هذه المواجهة العبثية ويقيم دعوى قضائية ضدي بسبب ما ورد في الكتاب الذي ذكرتموه قبل قراءته جاعلا من نفسه خصما وحكما لأنه يتصور أنه ما زال في مقدوره أن يسيّر العدالة بالهاتف والعدالة تحرّرت اليوم بفعل ديناميكية الحراك. أما عن شعوري فهو شعور بالاعتزاز لأن القضية تتجاوزني وتتجاوز الجنرال وتطرح من جديد علاقة المدني بالعسكري ومكانة المؤسسة العسكرية في المجتمع وعلاقتها بالسياسة. أنا في انتظار المحاكمة وأعتقد أن الجنرال وجد نفسه في ورطة وهو لم يحسب حسابا لانعكاساتها الخطيرة ووقعها على الرأي العام، وأتوقع أن يسحب الدعوى، وحتى لو سحبها سأقيم أنا دعوى ضده بتهمة الإساءة وإلحاق ضرر معنوي بكاتب أراد أن يعبر عن رأيه في قضايا تصب في صلب اهتمامات الرأي العام.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.