}

حسين لوباني: التراث مهم جداً لديمومة القضية الفلسطينية

تغريد عبد العال 30 مايو 2019
حوارات حسين لوباني: التراث مهم جداً لديمومة القضية الفلسطينية
حسين لوباني
يواصل الباحث والمؤرخ الفلسطيني حسين لوباني مشروعه البحثي في مجال التراث الفلسطيني، هو المولود في فلسطين في قرية الدامون في عام 1939 ويعيش في لبنان في مدينة طرابلس ولديه عشرات الأعمال التي تتنوع بين الموسوعات والمعاجم والأبحاث التراثية. من أهم أعماله: الدامون، قرية فلسطينية في البال، ومعجم الأمثال الفلسطينية، ومعجم الفنانين الفلسطينيين.
لا ينتهي الحديث مع لوباني حول التراث والثقافة الفلسطينية. هنا حوار خاص حول أعماله البحثية والتراثية:

(*) التراث هو شغفك ومجال بحثك الأساسي، هل هو أساس من أسس الثقافة الفلسطينية؟ وكيف تنظر له؟
التراث في مجال قضيتنا الفلسطينية ذو أهمية فعلية كبيرة وأكد حضوره بعد مرور سبعين سنة على اغتصاب فلسطين. وتبين مؤخرا أن التراث يجب أن يظل مستمرا دائما بين الفلسطينيين، وخاصة في الشتات والغربة، لأن الفلسطينيين خالطوا شعوباً مختلفة ومتعددة، وهناك خوف حقيقي على اندثار التراث، أو على ضياعه. لقد حملت القلم وكتبت المسرحيات والأشعار ولكن شعرت أن هناك خوفا من ضياع التراث واندثاره. والتراث الفلسطيني له علاقة وثيقة بالهوية الفلسطينية، لأن الفلسطينيين لهم أطعمتهم المختلفة ولباسهم المختلف ولهجتهم المختلفة وحضورهم المختلف، لذلك علينا أن نستعيد هذا التراث ونحافظ عليه. ومن خلال بحثي في التراث، لم أصنع تراثا ولم أخترع تراثاً. التراث موجود، وما زال موجوداً في القرى الفلسطينية ولكن الخوف عليه في ديار الغربة. وقد استدركت نفسي وقلت: لماذا لا أقوم بعمل نافع للقضية الفلسطينية، وهذا سبب اهتمامي بالتراث بدءاً من عام 1998 منذ أول كتاب لي (الدامون، قرية فلسطينية في البال) وهذا الكتاب هو برأي إحدى الباحثات الأميركيات في جامعة هارفارد، من الكتب الأنفع والأجدى في مجال التراث لما فيه من أسماء للقرى والأراضي الفلسطينية، ومن هنا انطلقت، ومن تلك اللحظة، استمررت وجاء عملي الثاني

(الأمثال الشعبية الفلسطينية) وهو كتاب مؤلف من ألف صفحة ويتضمن عشرة آلاف مثل شعبي فلسطيني.

(*) لك موسوعة في الأمثال الشعبية الفلسطينية، بماذا تساهم هذه الموسوعة؟
هناك موسوعة لي اسمها موسوعة اللوباني عن حضارة فلسطين وهو اسم اختاره صديقي جورج متري عبد المسيح، مسؤول دائرة المعاجم والقواميس في مكتبة لبنان ناشرون، هو الذي اختار الاسم بعدما رأى كمّاً هائلاً من الكتب التراثية التي تهتم بالتراث الفلسطيني. تتألف هذه الموسوعة من 22 مجلدا، ومعجم الأمثال الشعبية الفلسطينية هو واحد من كتب هذه الموسوعة، وهو بحدود 1600 صفحة، لكني اختزلته فيما بعد إلى ألف صفحة نزولاً عند رغبة الناشر، والكتاب عبارة عن أمثال شعبية وقصص هذه الأمثال. وأذكر أن أحد طلاب الماجستير في غزة اتصل بي وشكرني على الكتاب لأنه استفاد كثيراً منه في بحثه، فمعجم الأمثال هو باكورة أعمالي التراثية المهمة في مجال البحث في التراث.

التراث لن يموت
(*) هل هناك اهتمام بالتراث من طرف الشباب في عصرنا هذا؟
أستطيع القول إن الموجة الحداثية قد طغت على عالمنا فأصبح مثل قرية صغيرة، لا قيمة للأبعاد والمسافات فيه. فشاب اليوم ولد وفي يده هاتف نقال وفيديو وكمبيوتر وهو مضطر للتعاطي معها، لدرجة أنها دخلت في صميم أشغالنا وأعمالنا وأصبحت من مقررات المدارس ومن منهجية التعليم فيها. ولقد ترك ذلك أثراً سلبياً على التراث، وشكل خطراً عليه أيضاً، وهذا ما جعل الحريصين والغيورين على التراث يتنبهون للخطر وصاروا يقيمون بين الفينة والأخرى المناسبات الوطنية لإحياء التراث ولتأكيد استمراريته. ويمكنني القول إننا نستطيع العيش في الحاضر والتعاطي مع التكنولوجيا وفي الوقت نفسه التعامل مع التراث والتأكيد على حضوره.
وبالرغم من أن شباب اليوم لا يشبهون في لبسهم وأطعمتهم الماضي بشيء، لكن هناك إقبال على التراث، وباعتقادي أن التراث لن يموت، وعلينا أن نشجع المتحمسين على إحيائه، وأن نقف إلى جانبهم ونشكرهم لأنهم يحافظون على التراث الجميل الذي يمثل الهوية لكل بلد.

(*) أنت مرب سابق ومهتم بقضايا التعليم، هل ترى أنه يجب تدريس التراث في الكتب المدرسية؟
بالتأكيد أشدد على ذلك وأنا كنت مدرساً للغة العربية. وكنت أشذ عن المنهج وأخرج منه لكي أخدم قضيتي، وكنت أقول ذلك للمديرين والمفتشين. كنت دائماً في نهاية العام الدراسي في أيار، ذكرى النكبة، أكلف طلابي بالكتابة عن العادات والتقاليد في قريتهم في مجال الأمثال والحكم والأطعمة وعاداتهم في الحصيدة والمونة، وعاداتهم في الأعراس، لذلك أدعو وأصر وأنادي بقوة إلى ضرورة تدريس المادة التراثية في المنهج التدريسي، وخاصة لمن هم في الشتات والغربة.

(*) إلى أي مدى هناك اهتمام بكتبك في فلسطين وخصوصا أنك أصدرت موسوعات في التاريخ الشعبي والشفوي؟
لقد رأى الصديق الكاتب يحيى يخلف بعض أجزاء من موسوعتي عندما جاء في زيارة مع وزيرة التعليم، وطلب مني أن أرسلها عند اكتمالها عن طريق الممثلية الفلسطينية في لبنان. ولكن كان هناك صعوبة مادية في شرائها وإرسالها. والجهة المعنية في فلسطين أولى بالحصول عليها عن طريق مكتبة لبنان ناشرون التي توزع عن طريق دار الأهلية في الأردن في عمان وتشارك في معارض في رام الله، لذلك يفترض أن تصل كتبي إلى الأرض المحتلة. ولكن علمت مؤخرا أن هناك شخصا ما قد صور كتابي في قرية فلسطينية وطبعه ووزعه وصار يستفيد منه ماليا. لقد ضرني وأفادني في الوقت نفسه؛ ضرني أنه طبع الكتاب دون إذن من الدار، وأفادني أنه نشر كتابي ووصل إلى أشخاص كثيرين. ولكني أعتب على بعض الأشخاص في لبنان وكنت قد استدعيت الكثيرين من ممثلي الفصائل ولكن لم يشتر أحد

الموسوعة، وأنا أعذرهم لأنهم في أوضاع مادية صعبة.

حرارة التفكير
(*) لمن تقرأ من الباحثين والمؤرخين في ثقافات أخرى؟
يبين تقرير منظمة اليونيسكو للتربية والتعليم في عام 2004 أن المعدل الوسطي لقراءة الإنسان الإنكليزي هو 39 كتابا، والمعدل الوسطي لقراءة الإنسان العربي ربع صفحة. لذلك فنحن لا نقرأ رغم أننا ندعي المعرفة في كل شيء. ومع ذلك أستطيع أن أدعي أنني أقرأ. الآن أنا أقرأ في كتاب اسمه شيوخ الخليج لباحث في جامعة هارفارد. وأنا أقرأ قراءة واعية وباحثة وهذه قراءة مكلفة وتحتاج لجهد خاصة في عمري. وقد جعلت مني قراءتي ومكتبتي الكبيرة إنسانا مثقفا وباحثا في الفكر اللغوي والديني والتراثي، وقد خرجت قليلا عن التراث في الأيام الأخيرة واتجهت نحو الدراسات وصرت مهتما بالمسائل الوجودية ومعنى أن أكون موجودا في هذا العالم، ومسألة أنني حين أصبح ناضجا وحكيما في الفكر والعقل سيقول لي الله تعال انتهى دورك، في حين أنني كنت منتظرا العكس. هذا ما أبحث عنه الآن، عن تلك الحكمة الخطيرة. وكلما كبرت في العمر، صارت هناك حرارة في التفكير، وشغف أكبر للمعرفة وللقراءة.

(*) تفتقر الثقافة الفلسطينية إلى أرشفة التاريخ الفلسطيني، بينما يأتي مشروعك كمحاولة فردية لأرشفة التراث والتاريخ الشفوي، ما هي رؤيتك لهذا الموضوع؟
سلطتنا السياسية مشغولة الآن بالحلول السياسية، وكان الله بعونها. والقضية الفلسطينية ليست فقط على كف عفريت بل هي مهددة الآن بالزوال. وهذا شيء مخيف جداً. لكن طالما لدينا روح التصميم، نستطيع أن نقاوم على طريقتنا. أنا مع أرشفة التاريخ، وتستطيع مجموعة من الحكماء القيام بهذه المهمة حتى لو كانت مكلفة. لقد قمت كفرد بالعمل على أرشفة التراث الفلسطيني، وهذا عمل من المفروض أن يكون جماعياً، وآمل أن أستمر في ذلك وأن يقوم أي شخص بالمساهمة في الحفاظ على التراث وحمايته.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.