}

معاد أبو الهنا: أضفتُ إلى "البوب أرت" لمسةً مغربية

نجيب مبارك 21 مايو 2019
حوارات معاد أبو الهنا: أضفتُ إلى "البوب أرت" لمسةً مغربية
معاد أبو الهنا
معاد أبو الهنا فنان مغربي شاب، متخصّص في "البوب أرت" وفنّ الشارع. ولد سنة 1989 بمدينة طنجة. وكرّس السنوات الأولى من مسيرته الفنية للإبداع في ميدان "المزج الأدائي" (mix-performing)، وهو فرع تجريبي من فروع الرسم الأكاديمي، أقرب إلى الغرافيتي، والتصوير الفني، وتجهيز الفيديو...إلخ. وهو فنان متعدد الروافد والاستلهامات، لأنه اختار بجرأة كبيرة أن يستعيد رموز التراث العربي والأمازيغي ويدمغها بلمسة حديثة عبر تقنيات "البوب أرت". ولهذا الغرض، لم يكف يوماً عن تجريب الكثير من التقنيات عبر حوامل مختلفة:  لوحات، كولاج، سجاد، تي- شارت، ديجيتال.. ومعظم أعماله مستلهمة من الحياة اليومية بين أسوار المدينة العتيقة لطنجة، أو من أسفاره المتعدّدة داخل المغرب وخارجه، كما أنها تستحضر الكثير من الأشياء التقليدية شبه المنقرضة حالياً، رغم أنها تسكن ذاكرة أجيال كثيرة في المغرب، وتلقي الضوء على الكثير من بورتريهات نجوم أيقونات السينما والرياضة والموسيقى (فيروز، أم كلثوم، عمر الشريف، محمد علي كلاي، محمد شكري...). وهو حين يستعيد هذه الوجوه، باعتبارها رموزاً للثقافة الشعبية (البوب) المغربية والعربية، فلكي يمزجها برسائل ورموز حديثة عبر أسلوبه الخالص في "البوب أرت" و"فن الشارع".
قبل أيام، التقت "ضفة ثالثة" الفنان معاد أبو الهنا، على هامش معرضه الأخير في أحد الفضاءات التجارية الكبرى في طنجة، فكان معه هذا اللقاء:

(*) لنبدأ من البداية، كيف ولماذا اخترت الفن أسلوباً للتعبير؟
أظنُّ أنّ الفن هو الذي اختارني وليس العكس. فكلُّ طفل يولد مبدعاً، وغالباً ما يكون للمجتمع تأثير عليه. وبالنسبة إلي، لقد انتصر عشقي للفن منذ البداية، فقررت أن أشق طريقي في مجال الفن التشكيلي، خصوصاً أنني وجدت تشجيعاً من والديّ، رغم أن معظم الآباء يطمحون لمستقبل أكثر أمناً لأولادهم، خصوصاً من الناحية المادية.

(*) ما هي المدارس أو الاتجاهات الفنية العالمية التي تأثرت بها في مسيرتك؟
كنتُ محبّاً للرّسم مند طفولتي. درست الفنّ الواقعي والأكاديمي في سن الرابعة عشرة. بعدها، نلتُ شهادة البكالوريا في الفنون التطبيقية. ودخلت عالم الغرافيزم  في سن الثامنة عشرة. ومنذ تلك الفترة، جرَّبت كل التيارات تقريباً: من التكعيبية إلى الصباغة الزيتية، حتى وصلت إلى التخصص في فنّ الشارع و "البوب أرت" الّذي لا حدود له.

فن الشارع 
(*) هل تتفق على أن فن الشارع
Street art في المغرب يعرف انتعاشاً ملحوظا في السنين الأخيرة، وهل هذا راجع إلى تضافر جهود المؤسسات والجمعيات أم هو فقط نتيجة مبادرات فردية؟
في البداية، كان يعدّ فن الشارع في المغرب نشاطاً خارج القانون، وبدون أيّ قيمة، وكانت

تواجهنا صعوبات كثيرة للحصول على رخصة لممارسة هذا الفن، في الشوارع مثلاً، فنضطر إلى الخروج ليلاً لنرسم على جدران المدينة. وقد كانت لي تجربة في تنظيم أول تظاهرة لفن الشارع في طنجة بعنوان "Tanja Street Art" سنة 2012، لكن للأسف لم نلق أيّ دعم مادي للاستمرار في هذه التجربة. وانطلاقاً من 2017، بدأت بعض الجمعيات المغربية تنظم تظاهرات فنية ومهرجانات متخصّصة في فن الشارع، خصوصاً في مدينتي الرباط والدار البيضاء، وهو تنظيم يمتاز بقدر كبير من الاحترافية ويتمّ فيه إنجاز الأعمال الفنية بجودة عالية.

(*) انطلقت تجربتك من فن الشارع قبل أن تتنوع وتنفتح على أشكال فنية أخرى، هل ما زال هذا الفن حاضراً في أجندتك أم أنه كان مجرد مرحلة قبل التخصص في "البوب أرت"؟
كانت مرحلة فنّ الشارع نوعاً من البحث عن هويتي الفنية، وتزامنت هذه المرحلة مع دخولي عالم الوظيفة كأستاذ لمادة الفنون البصرية، وهذا ما أعادني الى ورشتي وإلى لوحاتي الفنية، فقمت بمحاولات إدماج فن الشارع مع "البوب أرت"، وأحياناً مع الفنون الرقمية، وهذا الأمر أوصلني إلى نتائج أبهرتني وأبهرت الجمهور. والآن، أعتبر نفسي ممارساً  لفن "البوب أرت" وفن الشارع معاً، أشتغل في الورشة كما أشتغل في الشارع أيضاً.

(*) هل اختيارك "البوب آرت" كأسلوب في التعبير الفني، بغض النظر عن الشكل أو الحامل، نابع من قدرته الهائلة على التقاط تفاصيل الحياة اليومية المغربية ومزجها مع الموروث العالمي، أم هو قناعتك بأن الفن المغربي في حاجة لتجريب هذا الأسلوب شبه الغائب عن الساحة الوطنية، وهل يمكن الحديث اليوم عن وجود "بوب آرت" مغربي؟
فن "البوب أرت" مستوحى من الحضارة الغربية، الأميركية على الخصوص، وهو حركة فنية جاءت نتيجة للثورة الصناعية حينما بدأ الفنانون في استعمال التكنولوجيا كتقنية للتعبير عن نمط حياة الاستهلاك الغربي والثقافة العالمية الموحّدة. أمّا أنا، وبحكم أنّني مغربي، فقد عدت إلى حضن ثقافتي وتراثي الأمازيغي والعربي، وحاولت تقديم هذا التراث بطرق عصرية وشعبية أكثر. ويمكن القول إن عدد فناني "البوب أرت" التشكيلي ما زال محدوداً في المغرب، باستثناء حضور "البوب أرت" في الملابس أو في تصميم الأزياء، كما نجده حاضراً بقوة في كثير من الفيديوهات. ورغم ذلك، يصعب الحديث عن تأثير ملموس للفن التشكيلي في مجتمعاتنا النامية. 

طنجة مصدر إلهامي

(*) تعرف مدينة طنجة مؤخراً نهضة فنية لافتة، هل يساعد هذا الأمر في تطوير تجربتك وتجارب زملائك من الفنانين المقيمين هنا؟ وهل لهذه المدينة تأثير على تكوينك الفني وإبداعك؟
تبقى الرباط والدار البيضاء سبّاقتين في مجال الفن عموماً. لكن، بالنظر إلى طبيعتي، لا يمكنني

العيش في مكان آخر باستثناء طنجة، فهي مصدر إلهام لي ولمجموعة من أصدقائي الفنانين، وهي ملتقى الحضارات، تجر وراءها تاريخاً ثقافياً حافلاً بالأحداث والشخصيات.. فأنا بمجرد ما أتمشى في زقاق "السوق الداخل" وأحتسي الشاي هناك، وألتقي مع الأصدقاء وأناس غريبين، كأن أقف أمام مشهد عازف الناي والناس من حوله، أو أتأمل الشمس وهي تغرب على مباني المدينة، أعود إلى ورشتى مشحوناً بأفكار جديدة وأشتغل عليها.

(*) في كل أعمالك، نجد تلك "اللمسة المغربية" الحاضرة بقوة، بغض النظر عن البورتريه أو الصورة التي تشتغل عليها، هل هي ضرورة فنية أم فقط نوع من التجريب والتنويع بحثاً عن إدهاش المتلقي؟
بعد مرحلة البحث والتجارب، استنتجت مبدأ أساسياً هو أن سر النجاح يكمن في العودة إلى الهوية. لقد لاحظت أن الكثير من رموز تراثنا الغنية ما زالت مجهولة ولم تستغل إمكاناتها الكثيرة في مجال الفن التشكيلي، وهذا راجع إلى غياب التجديد في منظرنا وتناولنا لهذا التراث. لهذا قررت استعادة بعض الرموز المغربية والأمازيغية وقمت بإعادة تلوينها وتقديمها في حلة جديدة، وأضفت إليها رموزاً عالمية، ومن هذا المزج تولّد شكل فنّي جديد وغير مسبوق، حاولت أن أعرض فيه لمستي ورؤيتي لتراثنا بروح جديدة ومرحة أحياناً. نعم، يمكن القول إنني حاولت أن أضيف لـ"البوب أرت" لمسة مغربية.

(*) في اختيارك للشخصيات أو العناصر الأساسية التي تبني عليها أفكارك وتصوغ منها أعمالك الفنية، هل تنتقيها من المحيط المباشر، خصوصا من المدن والقرى المغربية، أو من مرجعيات ثقافية أخرى (كتب، إنترنت، أفلام، موسيقى...)؟
أستلهم أعمالي من تلك اللقطات السريعة التي تمرّ، أو من تلك الأفكار الخاطفة التي تأتي في ثانية وتختفي، أو من قطع موسيقية مثل تلك التي تقدمها موسيقى "كناوة" أو "الرولينغ ستونز"، أو مشاهد من أفلام حديثة (مثل مشهد من فيلم "ماتريكس")، أو صفحات من كتب

(مثلاً صفحة من كتاب "الخبز الحافي" لمحمد شكري). لكن معظم الصور أعمق البحث عنها في الإنترنت، وخلال جلسات الصور الفوتوغرافية الكثيرة.

(*) من خلال تجاربك المختلفة، هل ترى أنه من الممكن مصالحة المغاربة مع الفنون الحديثة، بمختلف أشكالها وتعابيرها، من خلال إنزالها إلى الشارع وانفتاحها على الفضاء العام؟
نعم، اعتقد أن هذا التصالح ممكن من خلال فن الشارع، فهو يبقى الحل المناسب لتقريب الفن من الجمهور، لأن مجتمعاتنا لا تملك الوقت ولا الرغبة في البحث عن الفن أو حضور المعارض التشكيلية، لهذا صار فن الشارع هو من يطرق باب المتلقي مباشرة بلا وسائط، سواء كان هذا المتلقي شابا أو شيخا، سائق تاكسي أو عامل نظافة، أستاذا أو طالبا...إلخ، لكنني أتأسف أحياناً عندما  يقوم مجهولون بتلطيخ وتخريب بعض الأعمال الفنية في الشارع. وأغلب الأعمال تكون بورتريهات نسائية أو صوراً لامرأة ما. ورغم هذه الاستثناءات، يبقى الفن مرحباً به في الشارع من طرف العموم.

ميزة الجيل الجديد
(*) كيف تنظر إلى الجيل الجديد من الفنانين المغاربة، وأنت واحد منهم، وبماذا تتميز تجاربهم عن الجيل السابق؟
ميزة الجيل الجديد أنه يؤمن أكثر بالانفتاح على أحداث العالم والتفاعل معها، كما يؤمن أكثر بالمغامرة والتحدي. كما أنه بفضل وسائل التواصل الاجتماعية (إنستغرام مثلا) صار بالإمكان متابعة جميع الأنشطة والمستجدات الفنية، وأصبح الفنان أكثر حرية وثقة بذاته. فمعظم مشاريعنا واتصالاتنا مع الشركات الكبرى تبدأ أحياناً برسالة صغيرة عبر الإيميل أو بريد مواقع التواصل الاجتماعي.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.