}

فاضل العزاوي: انتفاضة تشرين أظهرت الجوهر الحقيقي للعراق

دارين حوماني دارين حوماني 18 ديسمبر 2019
حوارات فاضل العزاوي: انتفاضة تشرين أظهرت الجوهر الحقيقي للعراق
"لا أعرف إن كانت السلطات العربية تقدّر المبدع أساساً"
"كلنا نرمي بحجارتنا في الظلام دون أن نعرف إن كانت ستصيب رأس أحد ما"، وحجارة فاضل العزاوي التي رماها في البئر استقرّت في قلوبنا منذ "مخلوقاته الجميلة" حتى آخر إنتاجاته الأدبية الموغلة في عتمة العالم، شعراً، مجموعات قصصية، روايات، دراسات نقدية، مقالات أدبية، وترجمات، وكلها تساوت في الإبداع، بحسب آراء النقاد.

بدأ العزاوي نشاطه الأدبي في الستينيات مؤسساً جماعة كركوك مع سركون بولص ومؤيد الراوي وصلاح فائق، وهو أديب كامل حرّ منذ أن كتب بيانه الشعري الأول عن "كونه المهجور" في عام 1969 من أجل حرية العمل الفني ومن أجل تحرير الشاعر والقصيدة ناقداً كل وثنية سياسية وفكرية. سُجن في عراقه المتألم دوماً ثلاث سنوات ثم نُفي، فوجد في منفاه أوطاناً بديلة وفُتحت لغات العالم على شعره ورواياته فترجمت إلى أكثر من عشرين لغة وحاز على التقدير من أهم الأدباء العالميين ونال العديد من الجوائز والشهادات الفخرية. ملأ فاضل العزاوي "الكون المهجور" بإنسانية مكافحة متمردة على الذئاب العاوية في هذا العالم، هدفه تحرير الفكر والعاطفة من سطوة الأكذوبة الكبيرة التي تملأ هذا الكون و"إعادة الاعتبار للحرية كمصدر لكل إبداع في التاريخ".
هنا حوار معه يؤكد فيه من بين أمور أخرى أن انتفاضة تشرين التي يقودها الشبان ضد ميلشيات وأحزاب الفساد واللصوصية والعمالة والجريمة، أظهرت "الجوهر الحقيقي للعراق الذي حلمنا به دائماً".


بدأت شاعراً ولكن هوى النثر لم يفارقني
(*) تكتب الشعر والرواية والقصة والمقالة مثلما تمارس النقد والكتابة النظرية والترجمة، وسبق لك أن عملت في الصحافة، حيث تدور مواضيعك في الأغلب حول العراق وعذاباته مثلما تمس قضايا العالم العربي الملتهبة وتحولاته الإجتماعية التي يعيشها الناس منذ عقود، في الإشارة إلى هذا التعدّد الكتابي كيف يبدأ شكل التعبير عند فاضل العزاوي؟ كيف يفرض النص جنسه الأدبي الخاص به دون غيره؟
ـ هناك شعراء لا يجيدون سوى كتابة الشعر، فحتى في أدبنا العربي الحديث نجد شاعراً مثل بدر شاكر السياب يتدنى مستواه كثيراً حين يكتب النثر، بعكس آخرين مثل ت. س. إليوت وإزرا باوند لا يقل نثرهم رفعة عن شعرهم. وفي الأغلب يمارس الأدباء كتابة مختلف الأجناس الأدبية، ولكنهم قد يبرعون في جنس ما دون سواه ويشتهرون به. لقد كتب جيمس جويس وإرنست همنغواي الشعر أيضاً، ولكن إبداعهما الروائي كان هو الأكثر طغياناً. غونتر غراس كان شاعراً ورساماً ونحاتاً أيضاً وهنريك إبسن، المسرحي النرويجي الكبير، كان شاعراً كبيراً. ولعل أبرز من فعل ذلك هو الألماني غوته.
أما في ما يتعلق بي فقد بدأت حياتي الأدبية شاعراً، ولكن هوى النثر لم يفارقني يوماً. وفي الحقيقة لكل جنس أدبي ما يميزه عن سواه.

صحيح أن الحدود غير مغلقة بين الأجناس، ولكن ثمة ما يمكن أن يقال في المقالة مثلاً بطريقة أفضل وأعمق مما يمكن فعله في القصيدة وكذلك الأمر مع الرواية والمسرحية والقصة. ما يحدّد اختيار جنس الكتابة عندي هو الموضوع أو ما أريد قوله. ولعلي واحد من الكتاب العرب القلائل الذين حاولوا منذ أكثر من نصف قرن الوصول إلى نص يتضمن كل الأجناس الأدبية ويكسر الحدود القائمة بينها في كتابي "مخلوقات فاضل العزاوي الجميلة" ـ 1969 و"الديناصور الأخير" ـ 1980. إنني أجد متعة كبيرة في عملية الكتابة ذاتها، ولا يعنيني كثيراً بعد ذلك أن يعتبرني النقاد شاعراً أو روائياً أو ناقداً.

(*) "أصمت لا توقظ النائم من سباته"، أم "من قال إنك عاجز عن تغيير العالم"، بين جملتيك المليئتين بحزن الأرض ماذا تختار الآن؟ هل يجب على الأديب أو المفكر أن يكتب من أجل التصحيح في مجتمع منشطر على نفسه ومحكوم بالموت والغباء؟
ـ هاتان إشراقتان في "كتاب ضارب الأمثال" لا يكتمل معناهما بدون تكملتهما ولا مجال للخيار بينهما. لا يهم، ما دام السؤال يتعلق بما يجب على الكاتب أو المفكر أن يفعله في مثل المجتمع العربي المنشطر على نفسه.

إنني لا ألزم الكاتب بالكتابة عن أي أمر وتقرفني فكرة "الإلتزام"، سواء ما تعلق منها بـمفهوم "الأدب الحزبي اللينيني" أو "الإلتزام السارتري". ما يهمني عند أي كاتب أو شاعر أن يبدع أدباً حقيقياً. كل كاتب مبدع يعكس روح عصره ويكشف لنا ما هو قادر على الحياة وما هو آيل للفناء في زمانه. تصحيح الأخطاء قضية تتعلق بالعمل اليومي للسياسيين، فيما يتطلب وضع نهاية لانشطار المجتمع على نفسه ظروفاً تاريخية تتعلق بشروط تطوره ومدى حيوية قوى التقدم التي تصنع التغيير. أما ما يمكن أن نتوقعه من الأدب فهو في نظري أن يجعلنا أكثر حساسية تجاه العالم وأشد وعياً بأنفسنا وعصرنا.

الترجمة والحظ
(*) يقول الكاتب الألماني شتيفان فايدنر عن رواية "آخر الملائكة": "إننا لم نقرأ منذ زمن طويل في الأدب العربي كتاباً نضحك فيه بهذا القدر الذي يجعلنا نرتعب مما نضحك منه".. لقد قمت بجرّ القارئ الغربي إلى القشرة الداخلية للعوالم العربية... هل كان الطفل فاضل العزاوي المقرفص على الأرض في أحد مساجد كركوك محدقاً بالدراويش وهم يطعنون أنفسهم يرى أنه سيكون يوماً أديباً يكتب عنه ناقد كبير في حجم كولن ولسن أو شاعرة أميركية كبيرة مثل إدريان ريتش وتتحدث عن أعماله الصحافة الغربية؟
ـ كنت قد قلت ذات مرة "كلنا نرمي بحجارتنا في الظلام دون أن نعرف إن كانت ستصيب رأس أحد ما". يبدو أنني كنت محظوظاً نوعاً ما حين أصابت حجارتي رأس من قام بترجمة عدد من أعمالي إلى لغات أخرى، وخاصة الإنكليزية التي صدر لي حتى الآن ستة كتب بها، فضلاً عن عشرات النصوص التي كنت قد قمت بكتابتها بالإنكليزية أو الألمانية أو ترجمتها بنفسي لتنشر في مجلات أو أنطولوجيات عالمية. كانت دار نشر "بوا إيديشن" الأميركية المختصة بنشر الشعر قد قررت قبل حوالي عشرين عاماً أن تنشر مجموعة شعرية لشاعر عربي، فوقع اختيارها عليّ، حيث كلفت الشاعر خالد مطاوع، أستاذ الكتابة الإبداعية بجامعة مشيغن الأميركية، بترجمة مجموعة مختارة كبيرة من مختلف دواويني، صدرت بعنوان "صانع المعجزات"، وهي مجموعة كتب عنها شعراء ونقاد أميركيون وبريطانيون كبار. وكانت دار نشر "كوارترلي ريفيو أوف ليتريتشر" الأميركية المشهورة قد نشرت لي أيضاً قبل ذلك مجموعة شعرية أعتبرها من أهم أعمالي بعنوان "في كل بئر يوسف يبكي".
ثم حدث ما لم يكن في الحسبان، حين أقدم موقع "ووردز ويذاوت بوردرز" الإلكتروني الأميركي على ترجمة الفصل الأول من روايتي "آخر الملائكة" والتي قام بها البروفيسور وليم هيتشنز، مترجم ثلاثية نجيب محفوظ، فسجل الفصل أعلى قراءة في كل تاريخ الموقع على مدى عامين متواصلين وقرأه عشرات الألوف من القراء الذين سجلوا إعجابهم به وصدر في أكثر من أنطولوجيا. كان هذا سبباً كافياً لتقدم دار نشر الجامعة الأميركية في القاهرة على توقيع عقد معي لترجمة العمل كله ونشره. وحال صدور الرواية اشترت حقوق نشره في أميركا والعالم واحدة من أكبر دور النشر الأميركية وهي "سايمون أند شوستر" التي قامت بإصداره في طبعة شعبية وزعت على نطاق العالم كله. وبالطبع لا يكون غريباً حين ينشر المرء كل هذا العدد من الكتب أن ينتبه له النقاد ويكتبوا عنه. 



(*) "هبوط فاضل إلى العالم" هو عنوان إحدى قصائدك، فاضل المنفي في هذا العالم والذي قدّم عنه عدد كبير من أطروحات الدكتوراه والماجستير في مختلف الجامعات الغربية والشرقية وبمختلف اللغات وصدرت عنه كتب ودراسات ومقالات كثيرة، بل إن ثمة مجلات أدبية عالمية مرموقة مثل "ذي بلومسبيري ريفيو" الأميركية و"بانيبال" البريطانية اتخذت من صورك أغلفة لها، هل لا يزال يشعر أنه "كلما بلغ مدينة فاجأه المطر ومسح آثاره"؟
- قد لا تصدقين أنني لا أقرأ ما يكتب عني ما لم أشعر بأهميته وقيمته الفكرية والجمالية. ورغم أنه يسعد كل كاتب أن يجري الإهتمام بعمله فإنه يظل أمراً لا علاقة له به ولا ينبغي له أن يخضع لشروطه. لقد تعرّضت في غضون حياتي الأدبية إلى الكثير من حملات التشويه أيضاً، غالباً بدوافع سياسية، أو عن جهل وقصور معرفي. ولكن كل ذلك لم يثنني لحظة واحدة عن مواصلة مشروعي الثقافي الحداثي.

قد يغبن الكاتب في فترة ما وقد يغيب عن المشهد الأدبي لألف سبب وسبب، وقد يطبل لهذا وذاك أيضاً، ولكن للتاريخ دائماً حيلته في تصفية الذهب من التراب. بعض أعمالي المكتوبة قبل أربعين وحتى خمسين عاماً حظي الآن فقط بما يستحقه من اهتمام فترجم إلى العديد من اللغات الأخرى مثل ""المخلوقات الجميلة" ـ 1969 و"القلعة الخامسة" ـ 1972 و"مدينة من رماد" ـ 1969. ما يهمني دائماً هو ما يمكن أن أنجزه الآن أو في المستقبل، لا ما أكون قد أنجزته في الماضي. كان حلمي دائماً هو أن أكون جديداً حتى مع نفسي، ولكي أفعل ذلك أجعل سمائي تمطر مدراراً لتغسل آثاري، مستمتعا بالسير في طرق جديدة لم أسلكها من قبل.


(*) عملت فترة طويلة من الزمن في الصحافة الأدبية، حتى أن ما نشرته فيها قد يشكّل مجلّدات إن جُمعت، ألا تفكر في إصدارها في كتب؟ لماذا تفرّط بمثل هذا الجهد الذي يمكن أن يعكس جانباً آخر من مسيرتك الفكرية والأدبية؟
ـ لقد نشرت بالفعل منذ الستينيات مئات النصوص المختلفة في العديد من الصحف التي عملت فيها، ولكني لم أحتفظ بها لسوء الحظ، وجمعها يتطلب وقتاً وجهداً لا أملكهما الآن. هناك مقالات ونصوص كثيرة أخرى منشورة بالإنكليزية والألمانية تصلح لأن تكون كتباً. أعتقد أنني أحتاج إلى أكثر من حياة لأنجز كل هذه المشاريع المؤجلة.


(*) اللغة هي الوطن، لكن فاضل العزاوي يكتب الشعر بعدة لغات، هل تعدّدت أوطان فاضل
العزاوي فلم يعد يشعر بالانتماء إلى وطن واحد؟
ـ أنا شاعر عربي ووطني هو اللغة العربية، وهو ما أشير اليه دائماً في أي لقاء لي مع جمهور غربي. وإذا كنت قد قمت بنشر بعض شعري بالألمانية والإنكليزية فليس لرغبتي في أن أكون شاعراً ألمانياً أو إنكليزياً وإنما لأسهّل على دور النشر الغربية قدر الإمكان مهمة الترجمة التي غالباً ما تعطل نشر أجمل الأعمال، حيث يقع الكاتب تحت رحمة المترجم. وفي كل الأحوال فإنني أراجع مع المترجم ترجماته إلى الإنكليزية والألمانية، مثلما أعرض ما أترجمه بنفسي على محررين أكفاء. وقد تعلمت من خلال ذلك الكثير. 

          خصصت مجلة "بانيبال" الإنكليزية ملفاً شاملاً عن التجربة الشعرية والروائية والنقدية لفاضل العزاوي، 
ساهم فيه العديد من الكُتاب العرب والأوروبيين



















جماعة كركوك
(*) جماعة كركوك، لقد غادرتم العراق الواحد تلو الآخر، فمات معظمكم في المنفى.. بعيداً عن قرائكم. ترى ما الذي كانت تحلم به جماعة كركوك؟ وهل حقّقت شيئاً من حلمها؟
ـ لا أعرف مدينة أخرى في العالم غير كركوك يتحدث سكانها أربع لغات على الأقل، ليس كغيتوات منقطعة عن بعضها وإنما كبنية متداخلة ومتمازجة: العربية والتركية والكردية والآشورية. ففي السوق والمقهى كان يمكن للمرء في الخمسينيات والستينيات أن يسمع كل هذه اللغات دفعة واحدة. معظمنا، نحن أصدقاء جماعة كركوك، كان يتقن لغتين أو ثلاثا منها أو حتى كل هذه اللغات، فضلاً عن اللغة الإنكليزية الشائعة بين عمال شركة النفط. وكان ثمة أيضاً تنوّع ديني خال من أي مظهر للتعصب. في مثل هذا الجو ظهرت جماعة كركوك وهم أصدقاء قبل أن يكونوا جماعة أدبية. ما كنا نحلم به ونسعى لتحقيقه هو أن نقترح من خلال نصوصنا الأدبية وكتاباتنا الفكرية والجمالية مستوى حداثياً جديداً للأدب العربي يرتقي به إلى مستوى أفضل آداب العالم ويتجاوز الصراعات الفكاهية التي كانت سائدة في الخمسينيات والستينيات بين الشعراء والأدباء حول "من علق الجرس أولا في عنق القط". أما إذا كنا قد نجحنا في تحقيق شيء ما من حلمنا فهو أمر أتركه للآخرين ليقولوا رأيهم فيه.  

(*) كيف تقيّم هجرة المبدع من الوطن إلى ما يسمى وراء البحر؟ وهل تعتقد أن السلطات العربية تُخضع المبدع لشروط معينة قبل تقديره؟
ـ لا يمكن فصل الإبداع عن الظرف الثقافي الذي يتأسّس داخله، فبدون حاضنة ثقافية وحرية فكرية ومردود مادي يصعب الحديث عن وضع ثقافي يجعل الإبداع ممكناً. وهذه كلها شروط تكاد تكون معدومة في كل المجتمعات العربية، رغم أن الصراع الدائر في العالم العربي الآن هو صراع ثقافي قبل أن يكون أي شيء آخر.

هجرة المبدعين العرب منذ عقود إلى الخارج هي انعكاس لهذه الحالة ودفاع عن حقهم في ممارسة إبداعهم بحرية، وهو ما كانت تقاومه السلطات العربية تارة بالعنف والإرهاب والسجن وأخرى بالإغراء. وفي الحقيقة لا أعرف إن كانت السلطات العربية تقدّر المبدع أساساً. ربما فقط حين يكون تابعاً لها أو قابلاً بمشروعها، والأسوأ من ذلك أن ثمة حكاماً، كما في عراق اليوم، لا يعرفون إن كان ثمة مثقفون حداثيون أساساً، فالثقافة في نظرهم هي تلك التي يهذر بها معممو الجهل في الحسينيات. 

(*) ماذا أعطاك الاشتغال على الترجمة؟
ـ يمكن للمرء أن يتعلم الكثير من الترجمة التي تكشف عيوب النص الذي قد يكون قائماً على الفضفضة اللغوية الفارغة، وهي عيوب تتخلل الكثير من الكتابات العربية التي تفتقر إلى دقة الصياغة. فالترجمة وفق منظور فيلسوف مثل هيغل تسقط كل ما هو فائض أو ما لا ينتمي إلى الجوهر. وهذا أمر ضروري لأي كتابة تريد أن تكون مبدعة.
لقد ترجمت العديد من الكتب من الإنكليزية والألمانية إلى العربية مثلما ترجمت الكثير من القصائد لشعراء عرب من مختلف البلدان إلى الإنكليزية ونقلت ديواناً كبيراً لي إلى الألمانية نشر بعنوان "في حفلة سحرية" مثلما أعدت كتابة قصائد عربية قديمة بطريقة جديدة بالإنكليزية صدر بعنوان "النظر وراء بحب". ومع ذلك لا أعتبر نفسي مترجماً محترفاً. فأنا لا أترجم إلا ما يعجبني وما أريد أن يطلع القارئ عليه.

العراق اليوم
(*) كيف ترى العراق في السبعينيات واليوم؟
ـ لقد جرت مياه كثيرة في نهري دجلة والفرات منذ ذلك الحين. كان العراق في الستينيات والسبعينيات دولة مهيبة الجانب، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وثقافياً، وتشكل بؤرة أمل حقيقية للنهوض العربي، ولكن سيطرة الجهلة على الحكم بمفهومهم الشمولي الساذج لإدارة الدولة ومغامراتهم الحربية ورفضهم القبول بأي شكل للتنوع داخل المجتمع أدى إلى انهيار كامل انتهى باحتلال أميركي جعل من العراق (ويا للعجب!) محمية تابعة لايران.

لقد مرّ العراق منذ 2003 بأسوأ فترة في تاريخه الحديث كله، حيث جرى اغتيال عشرات الألوف من الكوادر الثقافية والعلمية والشبان مثلما أرغم الملايين من الناس على مغادرة بلادهم ومصادرة أملاكهم أو سرقتها علناً، بتواطؤ كامل من قبل الدولة التي لا تخجل من إعلان طائفيتها البدائية التي انحدرت بالدين من عليائه الميتافيزيقية إلى الحضيض. وحدها انتفاضة تشرين الحالية التي يقودها الشبان ضد ميلشيات وأحزاب الفساد واللصوصية والعمالة والجريمة أظهرت الجوهر الحقيقي للعراق الذي حلمنا به دائماً.


(*) ماذا يمثّل لك الموت؟ قد يبدو سؤالي غريباً، لكنني أعتبرك مبدعاً عراقياً عربياً خرج منفياً فوجد أوطاناً بديلة في كل مكان، فأين يحب أن يدفن فاضل العزاوي بعد عمر مديد؟
- كلنا نموت، ولذلك لا يخيفني الموت، شاعراً بالشكر للقدر الذي جعلني أظل على قيد الحياة حتى الآن.

موت الآخر هو الذي يعذبني، إذ يصعب عليّ افتقاد آخرين أحبهم. ربما كنت تلمحين بسؤالك إلى الشيخوخة التي أرفضها وأعتبرها أسوأ شكل للاعدالة في الحياة. ما همني أن تمر الأعوام بي، فأنا ـ وهذا بيت في إحدى قصائدي ـ "سأظل فتي يافعاً أبداً/ الزمن وحده يهرم".أما أين أحب أن أدفن فلا أحب أن أدفن في أي مكان، حتى في الفردوس، وما زال ثمة ما يغريني أن أعيش من أجله في هذا العالم.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.