}

رائد وحش: نكتب لنتحدّى المتلقي لا لنرضي ما يعرفه

عماد الدين موسى عماد الدين موسى 13 نوفمبر 2019
حوارات رائد وحش: نكتب لنتحدّى المتلقي لا لنرضي ما يعرفه
"الكتابة في مجملها رهان على مضاعفة حياة الإنسان الصغيرة"
لعلّ السِمة الأبرز لدى كُتّابنا، في الوقت الراهن، وتحديداً الشعراء منهم، هو التحوّل المفاجئ نحو كتابة الرواية، لكنّ ضيفنا الشاعر والكاتب الفلسطيني السوري رائد وحش له وجهة نظر خاصّة حول هذا الموضوع المُلفت والمُثير للجدل، إذ يقول: "ليس هذا بتحوّل بمقدار ما هو توسيع لدائرة العمل، ناهيك أن التغيير أمر حيوي". ويتابع "لدى كل كاتب مجموعة ثابتة من الأفكار والمواضيع التي يركز عليها، ومع انتقاله بين نوعٍ وآخر يتيح لنفسه فرصة استنطاق أشياء ظلّت صامتة، بحكم طبيعة الفن الذي يمارسه".

ضيفنا، المولود في دمشق سنة 1981، أصدر أربعة كتب شِعرية، هي: "دم أبيض (2005)"، "لا أحد يحلم كأحد (2008)"، "عندما لم تقع الحرب (2012)"، و"مشاةً نلتقي.. مشاةً نفترق (2016)"، إضافةً إلى كتابٍ نثري بعنوان "قطعة ناقصة من سماء دمشق (2015)"، ورواية وحيدة، هي "عام الجليد (2019)".
هنا حوار معه:

  

(*) لنبدأ من روايتك الجديدة "عام الجليد"، الصادرة مؤخراً عن "منشورات المتوسط"، حيثُ أعطيت دور البطولة ولسان الراوي لكائن خاص لا هو إنسان ولا جماد بل خلقته مع عوالمه.. هل راهنت على الفكرة أم على سعة صدر المتلقي؟
- الكتابة في مجملها رهان؛ رهان على الكلمات والأفكار والأساليب والخيال، وقبل ذلك هي رهان على مضاعفة حياة الإنسان الصغيرة. ما هي إن لم تكن كذلك؟ أتحدّث، بالطبع، عن العملية في مجراها بين الكاتب وذاته وأوراقه، لكن فيما يخصّ المتلقي فالأمر مختلف، إلى درجة أنه يتحوّل إلى نوع من التحدي لمزاجه المعتاد، وطرق تفكيره القارّة في اتجاهات معينة. نكتب لنتحدّى المتلقي لا لنرضي ما يعرفه ويحبّه ويطمئن إليه. لولا كتاب مثل "كليلة ودمنة" لما تعلّمتُ أن للحيوانات قصصها وحماقاتها وحكمتها، ولولا قصيدة مملّة مثل "ألفية ابن مالك" لما خطر لي إطلاقاً أن الشعر يمكن أن يؤدي أغراضاً تعليمية.


الراوي في "عام الجليد" يقع في سياق رواة عرفهم الأدب والسينما وكانوا أشياء، مجرد أشياء. لا يهمّ من يكون الراوي بمقدار ما يهم أن يكون مُقنعاً في كل ما هو مناط به. أما عن اختياري له فهذه طريقة مواربة للقول إن على الحكايات شهوداً على الدوام، قد يكونون غير مرئيين، أو غير قادرين على النطق، لهذا ما من حاجةٍ لانتظار وصول القصص إلى بشر كي تُروى. حين يعزّ الرواة هؤلاء هم ضمانة ألّا تموت الحكاية. دعني أذكرْكَ أننا لم نر الديناصورات، ولم نسمع شهاداتها، لكننا نعرف قصتها الكاملة. أليست الأحفورات هنا رواة؟

 

العفوية ضدّ الكتابة
(*) ثمّة روح لأدب الطفل بين جنبات روايتك. هل جاء التشابك مع هذه الروح عفويّاً أم عن سابق إصرار وتدبير؟
- أسئلة الإنسان الأولى أسئلة طفوليّة، وكون سبارتكوس، بطل الرواية، غارقاً في الأسئلة الأولى: ما العالم؟ كيف بدأ؟ ما الموت والحياة؟ وما وجوه التشابه بين الكائنات؟ هذه الأسئلة وغيرها منحت النص، في جانبٍ كبير منه، شبَهاً مع أدب الأطفال أو أدب الناشئة، لكنّ الجوانب الأخرى لها مسارات مختلفة وبعيدة البعدَ كله عن هذه الأنواع من الأدب. أما إذا كان هذا عفويّاً أم عن تدبير فبالتأكيد لا يوجد كتاب عفويّ. العفوية ضدّ الكتابة. العفوية شفاهية. العفوية تعني، حسب ما أفهم هنا، الارتجال، وهذا أمر مستبعدٌ، خصوصاً في الكتابة الروائية التي تحدث فيها ارتجالات خلال الكتابة، إلا أنّ النص يُقرأ ويُحرّر مراراً، ويُعاد النظر في الكثير من تفاصيله من أجل المحافظة على اتساقه العام، الأمر الذي يعني حذف مقاطع كُتبت دون تخطيط وإضافة مقاطع أخرى عن قصد وتعمّد.

 

(*) هل يمكن أن توضح لنا، للقارئ، أكثر دلالات اسم سبارتكوس الذي اختاره بطل الرواية الرئيس لنفسه بنفسه، وإسقاطات الاستعانة بالأسطورة؟
- صحيح أن بطل الرواية يحمل اسم قائد ثورة العبيد في روما، وأنّه ليس ثوريّاً بالمعنى الذي يجسّده سبارتكوس التاريخي من حيث التمرد والرفض والمقاومة، لكن الصحيح أيضاً أن سبارتكوس الرواية لديه نزوع ثوريّ بلا شكّ، يظهر في خياله الطليق، وفي قدرته على طرح الأسئلة دون خوف أو وجل. الأهم من ذلك هو قدرته على الإجابة عليها دون الاستناد إلى حقائق، سواء أكانت علمية أو تاريخية أو دينية. لنقلْ إن الحدس هو منهجه، وإن الخيال هو مختبره.


تجب الإشارة إلى أنني لم أسمّه، بل هو من فعل ذلك، ففي مرحلة مبكرة من حياته شاهد فيلم "سبارتكوس" لستانلي كوبريك، وبناء على ذلك قرّر أن يحمل ذلك الاسم، وبأثرٍ من الغيرة فعل صديقه المقرّب الأمر نفسه بعد مشاهدته فيلم "قلب شجاع" فسمّى نفسه وليم والس.
سبارتكوس الرواية شكلٌ آخر للثورة التي تحدث داخل كل إنسان، وثورته تخصّ الأفكار بالدرجة الأولى، عن نفسه وعن العالم الذي يعيش فيه. ربما لم يبال هذا الشاب بالثورة التي حدثت أمامه، على الرغم من كونه شهد فصولاً منها، وكان ضحية لها بشكل أو بآخر في النهاية، لكنّ ذلك جاء نتيجة انشغاله بثورته الداخلية التي جعلته يتغيّر بشكل واضح، بعد أن بدأ يشكّل إجاباته عن أسئلة الدين والموت والجنس والزمان والمكان وغيرها. ربما لو ظلّت الأمور في مسارها الطبيعي لتوصّل منطقياً إلى موقف من الثورة الخارجية، الثورة بمعناها السياسيّ، غير أن الحرب تدخّلت وقطعت ذلك المسار وتركته مبتوراً وناقصاً.

 

(*) الرواية تحمل بعدين، فلسفي في الجزء الأول وواقعي خاص بالوضع السوري ومآلات اللجوء في جزئها الآخر.. إلى أي كفتي الميزان يميل هدف الكاتب ورؤيته؟
- بطل هذه الرواية، كما أجبتك قبل قليل، غير مهتم أو مبال بالثورة، لكنه في النهاية ضحية مباشرة لعنفها عندما تحوّلت إلى حرب. موقفي السياسي، ككاتب وإنسان، على النقيض منه كليّاً. لا يمكن البحث عن تطابق في المواقف بين الكاتب والشخصيات، لأن موقف الكاتب هو المقولة النهائية لعمله الأدبي.
كل هذا غير مهم، ما يهمني بالدرجة الأولى أنّ تلك الحياة الحالمة التي حُكم عليها بالتيه والضياع ترسم صورة لسورية وللسوريين، الراحلين منهم والمقيمين، فبشكلٍ ما الجميع غادروا، والجميع محكوم عليهم بالتيه المرعب.
سبارتكوس ضاع رغم أنه خاض رحلة اللجوء ووصل إلى أحد الكامبات في شمال الأرض. سبارتكوس ضاع قبل أن يبدأ الرحلة، بالتالي فالرحلة نفسها لا فائدة منها أصلاً، لأنّه لم يعد هو، ولم يعد هنا. هو ساكنٌ في خوفه الذي استحوذ عليه سواء ظل أو رحل.

 

قصة رمزية تحتوي المعاني السورية العامة
(*) لم تتعمق في طرح أسباب الثورة ونتائجها بل اخترت جانباً خاصّاً باللاجئين.. هل قرّرت ذلك بهدف عدم الإطالة؟ أم كان هدفك التركيز على وضع اللاجئين في المهجر؟
- صحيح أنني لم أتعمق في الثورة، ولا في أسبابها، لأنها ببساطة ليست موضوعي في هذا العمل. لكنّ قضية اللاجئين ليست جانباً، إنها الثورة نفسها، فاللاجئون السوريون ليسوا فقط من وصل إلى برّ الأمان الأوروبي، لدينا لاجئون في كل الدول المحيطة بسورية، وفي سورية نفسها، لأجل هذا لم أدخل في تفاصيل المسألة، بل حاولت الإحاطة بالسمات العامة فيها ويمكن أن تنطبق على الجميع، وهذا لم يكن إلا الضياع الفكري والنفسي.


على أية حال، موضوعي الحياةُ الإنسانية الخيالية التي تغيّرت مع انقلاب الثورة حرباً، فماتت معها أحلام الإنسان. الثورة ليست رواية تُكتب بالطريقة التي جرت فيها الأمور في الواقع. رواية الثورة وأسبابها ونتائجها عمل موكل للمؤرخ، أو للروائيين المهتمين بالتوثيق. بالنسبة إليّ، أبحث عن قصةٍ رمزيةٍ تحتوي المعاني السورية العامة، لتحكي عنها بالإشارة لا بالسرد الوثائقي المفصّل. أبحث عن قصة قابلة للتأويل والفهم المتعدّد. لنقل روايةً تختزن في داخلها المعنى، لا رواية تستند إلى المعنى. أعني الرواية التي تقدّم المعنى الذي يخصها بوصفها كياناً نصيّاً قائماً على شخوص وأحداث، لا رواية تتكئ على المعنى الذي تقدمه الثورة الواقعية من حيث إنها حركة تغيير تسعى لتحقيق العدالة وإنهاء الاستبداد. الخيار الأول يسمح للكاتب بالوقوف على مسافة نقدية من كل شيء، حتى مما يؤمن به شخصيّاً ويدافع عنه، وفي الخيار الثاني تتحوّل الكتابة إلى فعل نضالي يكون الكاتب فيها مجرّد مبشّر.

 

(*) تأتي روايتك الجديدة، وهي الأولى لك، بعد أربع مجاميع شعرية وكتاب نثري وحيد، لماذا هذا التحول نحو كتابة الرواية؟
- ليس هذا بتحوّل بمقدار ما هو توسيع لدائرة العمل، ناهيك عن أن التغيير أمر حيوي. لدى كل كاتب مجموعة ثابتة من الأفكار والمواضيع التي يركز عليها، ومع انتقاله بين نوعٍ وآخر يتيح لنفسه فرصة استنطاق أشياء ظلّت صامتة، بحكم طبيعة الفن الذي يمارسه. هناك رسّامون يمارسون النحت، والعكس صحيح، دائماً ما أسأل نفسي لماذا يتجولون بين الفنون؟ ودائماً ما أجيبها: في اللوحة لديهم الأشكال والألوان، في المنحوتة لديهم الأبعاد. يريدون أن يلامسوا ما هو مستحيل في عملهم؛ الرسامون يريدون التجسيد، والنحاتون يريدون الألوان. وهكذا هي الحال بين الشعر والرواية.

 

الشعر فن بطيء
(*) ماذا عن الشعر؟ ما الذي تكتبه الآن؟
- هناك أمر عبثي أحبّه في الشعر، هو أننا نكتبه رغم شعورنا بألا أحد يريده أو يرغب به، ولعل هذا ما يزيد العناد على كتابته من جهة، ويجعلنا نتحايل على الناس فنمرّر لهم منطقه وروحه في الرواية أو في المقال من جهة أخرى.
أكتب الشعر طبعاً. لدي مسودات عديدة لقصائد تحتاج عملاً ووقتاً، لكنني مؤمن بأنه فن بطيء، أو بعبارة أخرى: فن البطء. سوف أستعير تشبيهاً من عالم فن التشكيل مرةً أخرى؛ الشعر أقرب ما يكون إلى النحت، فيما تقترب روح الرواية من الرسم. مع الشعر كما في النحت تنشغل بالمادة: خشب، حجر، معدن. ثم تنشغل بنوع المادة: أي خشب؟ أي حجر؟ ليأتي بعد ذلك كله وقت التفكير بالموضوع. في الرواية كما في الرسم ما دامت هناك أقمشة وألوان فكل الجهد يذهب إلى الموضوع فوراً.

 

(*) لمن يقرأ رائد وحش؟ وهل هناك كتاب ما تود لو أنك مؤلّفه؟

- هذا أكثر الأسئلة إغراءً بالنسبة لي، تماماً مثلما تسأل طفلاً عن الحلوى أو الألعاب.
أعرّف نفسي قارئاً، ولو أن هناك جمهورية يسعى الإنسان لنيل مواطنتها فحتماً جمهوريتي هي الكتب.


أقرأ كلّ شيء. في سورية، كنتُ قارئاً عشوائيّاً تأخذني أمواج الكتب في مساراتها، أما الآن، في المنفى، فأنا أكثر صرامة مع نفسي في القراءة الممنهجة التي أشعر أنها تبني المعرفة. لا أعرف لماذا يدور كلُّ الحديث عن الكتب بوصفها متعة، وهي كذلك قطعاً، لكن لا يجري ذكر وظيفتها الأساسية: المعرفة! لعله يأتي من تحوّل الكتب إلى سوق والكِتاب إلى صناعة في دول الغرب التي تسعى رأسماليتها إلى تحويل الحياة سلسلةً لا متناهية من المتع التافهة.
أقرأ التاريخ العام، والتاريخ السياسي، وعلم الاجتماع، والنقد الأدبي، من كتب قديمة أو حديثة لا فرق، إلى جانب القراءات الأدبية. لدينا صعوبات كبيرة في تأمين الكتب العربية في البلاد الأوروبية، الأمر الذي يجعلني أجازف بجزءٍ لا بأس فيه من دخلي لأجل الحصول على الكتب الورقية، حتى لو سبقتْ لي قراءتها على أحد ألواح القراءة الإلكترونية. في اقتناء الكتب إمتاع يعادل قراءتها.
بخصوص الأمنيات، لو كان لي أن أتمنى ديوان شعر فسوف أنقض بلا ترّدد على "سرير الغريبة" لمحمود درويش، فهذا العمل الشعري يكاد يكون استثناء في أدب الحب كله. وبنفس الجشع في الاستحواذ والتملك سأهجم على "أوراق الغرفة 8" لأمل دنقل، على الرغم من أن كتابة هذا الديوان احتاجت من صاحبه الإصابة بالسرطان. ولو كان لي أن أذهب إلى تمني رواية فهجومي سينصب، رغم الروايات الأخرى التي أعشقها، على "باب الشمس" لإلياس خوري، ليس لأنني فلسطيني وحسب، بل لأن هذه الرواية أفضل من جعل أكبر مأساة عربية مرآةً لكل خسارات وهزائم التاريخ البشري. ولو أن الكتاب تاريخيّ فهدفي المنشود كتابُ فواز طرابلسي "حرير وحديد" الذي جعل المادة التاريخية قصةً، وجعل القصة خزّان معلومات. ولو أن الكتَاب في النقد فالخطة المرسومة سلفاً هي الاستيلاء على "الأدب والغرابة" لعبد الفتاح كيليطو، فمن هذا المؤَلَّف الصغير يفهم المرء النصوص التأسيسية كما لم يفهمها من قبل.
سأتوقّف.. هذه الشهوات المفتوحة تجاه كتب الآخرين تكاد تكون سفاح قربى.

لدى الثقافة العربية المعاصرة إنجازات هائلة على صعيد الرواية، تستطيع أن تفاخر بها 


















(*) بعد صدور ستة كتب لك وعن دور نشر متعددة، كيف تنظر إلى واقع النشر انطلاقاً من تجربتك الخاصة؟
- النشر في العالم العربي تراجيديا لا تقل عن تراجيديا الاستبداد، ربما هو، في وجهٍ من وجوهه، انعكاس لغياب العدالة الحقوق والاستكبار والفساد.
بعيداً عن فكرة تدفيع الكاتب ثمن طباعة كتابه، ومن ثم بيعه والتربّح المضمون به، أقول بعيداً لكون الكاتب قبل أصلاً الدخول في هذه المعادلة.. لم تتحوّل الكثير من دور النشر العربية إلى مؤسسات، وظلّت، على الرغم من تطور الأسواق واتساعها، تحتفظ بعقلية الدكان التي لا تنشر إلا ما هو مضمون البيع من جهة، ولا تقارب القضايا والموضوعات الإشكالية كي لا تفتح جبهات مع الرقابات التقليدية من جهة أخرى، اللهم إلا في استثناءات محددة.
لا أزال أحاول فهم التوهج الكبير الهام الذي قامت به دار "رياض الريس للكتب"، ولماذا لم تنتقل العدوى إلى دور أخرى؟ هل لأنّ سلطات عربية معينة رَشَتْ دور نشر باتت كبرى الآن، أو اشترتها، كي تمتص تلك الموجة العاتية؟ لا أدري! ثمة ما هو غير مكتوب في تاريخ النشر العربي، خصوصاً في ربع القرن الأخير.
بالعودة إلى سؤالك من هذا الاستطراد؛ حتى عام 2015 نشرتُ أربعة كتب، وكل منها لدى ناشر في مكان مختلف. النشر بهذه الطريقة الشتاتية يجعل الكاتب يبدو في كل مرة وكأنه ينشر لأول مرة، الأمر الذي يعيق التعريف بالمنجز من تجربته.
في 2016، حين بدأت "منشورات المتوسط" في عملها، على يد الصديق خالد سليمان الناصري، حدث تغيّر مهم لدي ولدى أبناء جيلي، فأخيراً صار في مستطاعنا القول إن لدينا ناشراً، لا سيما أنه تحلى بروح مغامرة تجعله يتبنى مشاريعنا دون حسابات مادية، وينشرها بالحب والأناقة اللازمة كما لو أنه كاتبها.
أضاف الناصري، برأيي، أمرين أساسيين إلى صناعة الكتاب العربي: الذوق الرفيع كفنّان أغلفة، والتحدي على صعيد المضمون وعدم الاكتراث بالرقابة، ناهيك عن نشره كمية غير مسبوقة من الشعر، ذلك الفن المرذول من جميع الناشرين.
النشر العربي تراجيديا، نعم، لكنّ مثل هذه المشاريع تجعل الكتّاب يشعرون بجدوى الكتابة.

 

(*) مع وصول عدد غير قليل من الكتاب السوريين إلى بلدان أوروبية، بدأ الاهتمام بالأدب السوري، حيث ترجمت العديد من أعمال هؤلاء الكتاب إلى لغات عدة، كيف تنظر إلى هذه الظاهرة؟
- لا أظنه اهتماماً بالأدب السوري بمقدار ما هو اهتمام بالسوريين أنفسهم، خصوصاً في ألمانيا التي تستضيف عدداً كبيراً منهم. لو أنه اهتمام بالأدب السوري لشهدنا صدور ترجمات لكبار الشعراء السوريين كنزار قباني والماغوط وسليم بركات ورياض الصالح الحسين، وكبار الروائيين من أمثال حنا مينه وهاني الراهب وممدوح عزام.. وغيرهم.
مع ذلك، كلّ ما يحدث على صعيد تقديم تجارب سورية للآخر أمر بالغ الإيجابية، لجهة التأكيد على أننا بشر عاديون، نكتب ونعيش، ولسنا مجرد ضحايا أو مجرمين.

 

ثمة إنجازات هائلة على
صعيد الرواية العربية
(*) برأيك، هل استطاعت الرواية العربية أن ترتقي إلى المستوى المطلوب، في ظل الضخ الإعلامي لها، ووجود هذا العدد من الجوائز؟
- ما هو المستوى المطلوب؟ من وضعه؟ لدى الثقافة العربية المعاصرة إنجازات هائلة على صعيد الرواية، تستطيع أن تفاخر بها. وحالها كحال الروايات الكبرى المكتوبة بلغات شعوب الأرض الأخرى. هل أذكر لك روايات ساحرة مثل "عرس الزين" للطيب صالح، و"قصة حب مجوسية" لعبد الرحمن منيف، و"خالتي صفية والدير" لبهاء طاهر؟ هذه بضعة عناوين تخطر على بالي الآن، وثمة الكثير غيرها مما يمثّل فتوحات فنية وفكرية معاً.


الاعتماد على الماكينة الإعلامية للجوائز ظالم، لا سيما أن هذه الجوائز حديثة نسبيّاً، ومعنية فقط بتكريم الروايات التي تصدر الآن، فيما هناك روائع صدرت في عقود سالفة باتت شبه منسية، وخارج خرائط التداول الإعلامي والنقدي، لأنه ما من أحد يعيد طباعتها ليضعها في صدارة المشهد الراهن، وبين أيدي القرّاء من الأجيال الجديدة. أتذكّر الدور الريادي الذي قام به مشروع "كتاب في جريدة" الذي أخذ على عاتقه التعريف بهذه الأعمال فقرأنا فيه: زيد مطيع الدمّاج، وغالب هلسا، ومؤنس الرزاز، وفؤاد التكرلي.. إلخ. لعلّ ظهور مشاريع مشابهة في هذا الوقت ضرورة.
مقارنة الروايات العالمية الشهيرة، التي تباع بملايين الدولارات حتى قبل كتابتها، مع روايات عربية تصدر لدى دور نشر محلية، وفي طبعات محدودة، أمر غير عادل على الإطلاق. بالنسبة إليّ، رواية صرعوا رؤوسنا بها مثل "قواعد العشق الأربعون" لأليف شفق لا تصل إلى مستوى رواية شبه مجهولة مثل "الطوق والإسورة" للمصري الراحل يحيى الطاهر عبد الله.
قرأتُ مؤخراً رواية "النبيذة"، آخر روايات العراقية إنعام كجه جي، ويا له من سحر ذلك الذي يأتي به نصٌّ يُشرّحُ التاريخ ليستخلص منه حياةً تمضي بك إلى عراق آخر، كما لو أنك فيه فعلاً! هذه رواية سوف يكتشفها القرّاء عاجلاً أم آجلاً، بجائزة أو بلا، وقس على ذلك.

 

(*) هل من عمل جديد لك يصدر قريباً؟
- تكون الإجابة على مثل السؤال البريء كارثية حين تعيد قراءتها بعد سنوات، لأنك مهما أجبت ستجد أنك تورطت بوعود، بينما تأخذك الحياة إلى أشياء أخرى غير التي ادعيتها. لهذا دعني أقلْ، وببساطة تامة، إنني في الوقت الحالي مشغول بما أكتب لا بنشره.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.