}

صهيب أيوب: مشروعي الروائي مواز للحياة وجزء منها

بيروت- ضفة ثالثة 13 أكتوبر 2019
حوارات صهيب أيوب: مشروعي الروائي مواز للحياة وجزء منها
المنفى على صعوباته وقيحه جعلني أكثر تحرراً

نظّم الصندوق العربي للثقافة والفنون - آفاق بالتعاون مع بيت ثقافات العالم HKW وبالشراكة مع "أوروبا في الشرق الأوسط، الشرق الأوسط في أوروبا" منتدى تحت عنوان "الأنا، أو السياسة في المرآة" وذلك في برلين بين 4 و 6 تشرين الأول/أكتوبر الجاري. تخلّل البرنامج مشاركات عديدة لكتّاب وفنانين عرب منهم مازن معروف، محمد فرج، فيروز كراوية، صهيب أيوب.
وقدّم أيوب، وهو روائي وصحافي لبناني مقيم في فرنسا، عرضاً حول روايته الكويرية" رجل من ساتان" وتطرّق إلى شخصية الرواية الأساسية وقدّم أيضاً قراءات مختارة منها.
على هامش المنتدى أجرينا الحديث التالي مع صهيب أيوب:



(*) ما
الذي قذفَ بك إلى عالم الرواية؟ ما الإغراء الذي قدّمته لك، وبمن تأثرت؟
الكتابة عالمي الأليف. جاء الشغل الروائي نوعاً من فهم علاقتي بالعالم الذي أعيشه وبالحكايات المخبأة في داخلي واستفساراً عميقاً لوجودي وهويتي.
كانت الحكاية شاغلي منذ الطفولة. أول مرة قصت لي عمتي حكايتها الشخصية كنت في العاشرة. سحرت بالسرد والموروث الشعبي وأيضاً بأسرار الجارات لاحقاً. كانت أمي تأخذني معها في زيارات الأقارب ونساء معارفها واستمع بشغف إلى ثرثراتهن وأسرارهن وحكاياتهن الزوجية في جلسات الصباح. بداياتي مع الكتابة كانت منذ سن الخامسة عشرة على صفحات الجرائد. كتبت أول قصة في عمر السادسة عشرة. وأول مسودة روائية كتبتها في عمر العشرين ورميتها. لم أجرؤ على النشر إلا بعد تسع سنوات، حين بدأ الخوف يهدأ في داخلي وصرت أعيش في المنفى.
أقرأ الرواية والشعر والفلسفة والمسرح، وأحب الرقص والسينما والرسم. وتأثرت بكل هذه العوالم. لكن في عالم الرواية تأثرت بكتابات محمد أبو سمرا وجبور الدويهي وحسن داوود، وعالمياً بفيليب روث وإيفان كليما.

(*) لا يبدو أنك الوحيد الذي تجذبه الرواية. في الآونة الأخيرة شهدنا طفرة كبيرة، إذ باتت الرواية تأخذ حيّزاً واسعاً في الكتابة الأدبية. كيف تقرأ هذه الطفرة؟ هل أصبحت الرواية "ديوان العرب المعاصر"؟
لا أعتقد أن هناك طفرة. الرواية العربية لا تزال في أطوارها الأولى، والسوق تحتمل المزيد من الأعمال والتجارب. ربما هناك نشر لأعمال رديئة، لكن هذا أمر مطلوب، في صيرورة الأدب؛ أن تتاح الفرص للجيد والرديء، كي تتطور التقنيات والأذواق. وبالنسبة للشعر فهو موجود على الدوام لكن القراء يميلون إلى السرد وهذه موجة عالمية. ولا عيب في هذا.


(*)
شهد العالم العربي ويشهد تطورات وتغيرات سياسية اجتماعية. كيف أثرت هذه الأحداث على النتاج الروائي؟ كيف واكبتها وهل كان لها أثر أو بصمة في نصك وتجربتك؟
اللحظة السياسية مهمة في أي نتاج أدبي. حتى لو كان التأثر بها متأخراً، أو أخذ وقته كي يختمر. لكن كل هذه الثورات أعادتنا نحن العرب إلى أداة الحكي والسرد. ومن يتابع ما نشر بعد اندلاع الثورات العربية يفهم حاجة العرب إلى الكلام. قصص وحكايات وتجارب مكتومة كان عليها أن تندلق بهذا الشكل وربما كانت الرواية العالم الأوسع لاستيعابها.
ما أكتبه تأثر أكثر بالمنفى، كون هذا المنفى سمح لي، كما التغيير في العالم العربي، بأن أحكي وأكتب بلا وجل.


(*) من
تتابع من الأصوات العربية شعرا وسرداً، لبنانيا وعربيا؟ وكيف تنظر إلى المشهد الثقافي؟

أتابع أعمالاً كثيرة. وفيسبوك يسمح لنا بقراءة تجارب مغمورين وغير مكتشفين أيضاً. في الشعر أحب نصوص وشذرات وقصائد سمعان خوام، وكنت أتابعه في النهار اللبنانية منذ مراهقتي. عوالم خوام تحاكيني وتلامس كثيرا مما أعجز عن قوله حتى في رسمه. وأقرأ شعر فادي العبد الله، الذي له تجربته الخاصة وصوته المتفرد، ورائد وحش، وعيسى مخلوف، وجوزيف عيساوي، وفيديل سبيتي وصلاح باديس. وفي السرد أتابع على الدوام أعمال روائيين مثل إنعام كجه جي ونائل الطوخي وراجي بطحيش وهدى بركات ونجوى بركات ومجدي همام ومحمد عبد النبي وكمال الرياحي وغيرهم. أهتم بهذه الاصوات التي تثري المشهد العربي. باعتقادي المشهد العربي يتحرر من السلطات كلها ويؤسس لنفسه أطراً وجماهير مختلفة، من كل الأوساط والطبقات الاجتماعية. لدي أمل في هذا المشهد بعد الثورات العربية وانطلاق شرارات البوح والكلام.

الصحافة والكتابة الروائية
(*) تعمل في الصحافة وتكتب الرواية. ما العلاقة بينهما؟ وهل يدخل النفس الصحافي في كتابتك الروائية؟
الصحافة هي لغتي الأولى. وعبرها تحررت لغتي الأدبية التي راكمتها كتابة وقراءة من الحشو. وعملي في تحرير ملاحق وأقسام، والإشراف على مواد وتحقيقات وقصص صحافية، أشغلني أكثر في رشاقة الجملة. وهنا أعتقد أن المحرر الذي فيّ أضاف إلى النص هذه الخاصية. جملي قصيرة ومباشرة ولا ثرثرة فيها. عملت خمس سنوات على رواية لا تتجاوز المئة وعشر صفحات. وإضافة إلى هذا شغلي في التحقيقات لسنوات في النهار والمستقبل والسفير ومن ثم في التلفزيون، أدخلني إلى عوالم وهوامش مهمة، ومرّن العين الملتقطة على الملاحظة والفهم. فالسينما في سردي واضحة مثل الكاميرا.

(*)" رجل من ساتان" رواية جريئة مليئة بالجهد والنحت في السرد. مسكونة بالتفاصيل والأجيال. تفاصيل طرابلس بأهلها وناسها وفقرها وتناقضاتها. آثرت طرح المشاكل كما هي لماذا؟
أكتب بشكل مباشر وواضح. ولغتي تشبه شخصيتي المباشرة والفجة. لهذا لا أحب الاستعارة ولا التدوير.

(*) إلى هذا الحد أنت مسكون بالتفاصيل؟
لأني لا أؤمن بالأيديولوجيات. أنا صنيعة هذه التفاصيل والحيوات والتفاصيل عندي ربما آتية من تأثري بنوع كتابي وأسلوبي، غير مستعجل. فمثلاً أحب أعمال مارغريت دوراس وشغل حسن داوود المهووس بالتفاصيل. الرواية متنبهة لهذا، كما كان الشعر قد سبقها إلى هذا. الشعراء يعتنون باستعاراتهم والتفاصيل الصغيرة من حيث اللغة والتراكيب وصولاً إلى التفاصيل اليومية من حيواتهم.

هناك خوف في عالمنا العربي من الكتابة الحرة والمباشرة

 
(*) هل حاولت كتابة سيرة شخصية معينة؟
الشخصية الروائية التي كتبت عنها لا تربطني فيها سوى مشاعر النبذ والخوف والاختباء. نتشابه كثيراً في هذا. وكأن صوت نبيل بطل روايتي هو صوتي أيضاً.


"رجل من ساتان" واستقبال القراء
(*) انقسمت الآراء بين مؤيد ومعارض، محبّ وكاره لك وللعمل الروائي. كيف تلقيت تفاعل القراء؟ ما الأثر الذي تركته فيك نسبة البيع العالية؟
من الجيد أن يلقى أول عمل روائي هذا الصدى. هذا محفز مهم. تلقيت آراء مختلفة. أحترمها وأتقيد بما هو مفيد منها، خصوصاً من نقاد وقراء ذائقتهم فيها من الحساسية والعمق ما يجعل من رؤيتهم أهمية عندي. أنا أكتب وأمارس الكتابة بشكل يومي لأنها متعة. بعت أو لم أبع، ليس مهماً. المهم أن هذا المشروع يقوم على شعوري بالنجاة والاستمتاع بمشقة العيش.


(*) صودرت الرواية في معرض طرابلس للكتاب، كما منعت في عدة دول عربية. من كانت الجهة المسؤولة عن سحبها في معرض طرابلس؟ إلى هذا الحدّ أنت إشكالي ومثير. كيف تبرر ذلك؟
لا أعتقد أني اشكالي. ولا أريد هذا الدور. فقط هناك خوف في عالمنا العربي من الكتابة الحرة والمباشرة. وهناك حالة من الهوموفوبيا منتشرة في أوساط الأمن والرقابة والثقافة وعالم النشر. لهذا منعت الرواية.


(*)
هل تنتمي في عملك هذا أو أعمالك القادمة إلى مدرسة معينة في الكتابة الروائية؟
أنتمي إلى الكتابة فقط. لا تهمني المدارس ولا الأنواع. اليوم نعيش في عالم تختلط فيه الأجناس الأدبية. أنا أنتمي إلى هذه التجربة وإلى هذا التراكم. وأنتمي إلى هذه الغابة المتوحشة من الهواجس والأسئلة والقلق.

(*) على الصعيد الشخصي هل تأقلمت مع المنفى الفرنسي؟ كيف تقضي أيامك؟
بالطبع المنفى يدفعك إلى التأقلم. بالنهاية أنا أتأقلم مع عالم مليء بالثقافة والمتع اليومية والحرية. فبالتالي المنفى يتحول شيئاً فشيئاً إلى بلادي. يومياتي تقوم على الشغل والكتابة والحياة الخاصة والاهتمام بالطبخ والرسم.


(*)
ما أثر تجربة الهجرة على عملك ونتاجك؟
المنفى على صعوباته وقيحه جعلني أكثر تحرراً.

(*) أخبرنا أكثر عن أعمالك القادمة وثلاثية طرابلس؟
أعمل اليوم على رواية كنت بدأتها منذ ربيع  2018 ولا تزال قيد العمل. هي رواية تتنفس من فكرة الثلاثية والتي لا أتقيد فيها بأي مدة زمنية.


(*)
إلى أين يتجه مشروعك الروائي؟
لا أعلم. ربما أموت غداً. لكنه مواز للحياة وجزء منها.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.