}

الشاعرة الإسبانية أسنثيون كاباييرو: في جيناتنا مورثات عربية كثيرة

ميسون شقير ميسون شقير 3 أكتوبر 2017
حوارات الشاعرة الإسبانية أسنثيون كاباييرو: في جيناتنا مورثات عربية كثيرة
أسينثيون كابييرو
هي امرأة لا تريد أن تكون كاملة، فهي تدرك أن قوتها تكمن في نقصها الذي يمنحها إنسانيتها، ويحررها من قيود الكمال، ويجعلها قادرة على الطيران، وعلى السقوط. إنها الشاعرة الإسبانية، أسنثيون كاباييرو، التي لم تزل تؤمن بالشعر كأجمل طرق المقاومة، وطرق الوصول إلى عالم أجمل، والتي ترجمت قصيدتها "أنا امرأة غير كاملة" إلى أكثر من ست لغات حية، لتتحول إلى تلك اللوحة التي تهرب من الإطار.

تقول أسنثيون في قصيدتها:

أريد اليوم أن أكون امرأة غير كاملة

أريد العودة للحضن الأم

وأمد يدي إلى بناتي لأدلهن على الطريق المؤدية

إليهن

أريد أن أكون امرأة غير كاملة

أريد أن أعيد خلقي في هيئة

طود معيب نحتته الريح

في نقص ماغنوليا مجردة من الأوراق

تقرأ عن نساء حكيمات

وتتلقى تعويذات حروب سالفة

لتفرغ الألم الكامل

الذي يولد من أحشائها.

وأسنثيون كاباييرو هي الشاعرة التي نشرت مجموعتها الشعرية "ضمائر" (2017) باللغتين العربية والإسبانية، وذلك لأنها تعرف أن كلتيهما أجنحة جديدة للأخرى.

وهي أيضا المرأة التي أصرت، منذ ما يزيد على خمس سنوات، على تنظيم العديد من الفعاليات التي تبني جسرا حضاريا قويا بين الحضارتين العربية والإسبانية، لذا فقد كرمها المنتدى الثقافي العربي الإسباني بجائزة عام 2017 كأكثر شخص ساهم في حالة الحوار الثقافي العربي الإسباني.

وهي الكاتبة التي أصدرت العديد من كتب الأنتولوجيا التي جمعت فيها الكثير من القصائد لشعراء متعددين، متناولة قضايا عميقة ومعلنة وقوفها الدائم إلى جهة المواجهة للوصول إلى عالم أكثر عدلا.

ضفة ثالثة حاورت الشاعرة أسنثيون:

منذ بداية تشكل وعيي المعرفي

أعجبت بالثقافة العربية

(*) سؤال: كيف ولماذا نشرت كتابك الشعري الجديد "ضمائر" باللغتين العربية والإسبانية؟

- بعض قصائد هذا الكتاب تحديدا كانت قد نشرت في الصحافة قبل طباعة الكتاب، كما أنها  ترجمت للبرتغالية والإنكليزية واليونانية والفرنسية وخاصة قصيدة "أنا امرأة غير كاملة" التي ترجمت أيضا للعربية. وقد جاءت كل تلك الترجمات من بعض الشعراء الذين يتقنون الإسبانية  والذين ترجموا القصائد إلى لغاتهم الأم، وكانت محاولات فردية، ولم تكن لتصبح قرارا بإصدار كتاب شعري متعدد اللغات، لكن الأستاذ المحاضر في جامعة الرباط في المغرب، سمير مودي، والذي يتقن الإسبانية، كان قد تواصل معي عن طريق شبكة التواصل الاجتماعي ليخبرني أن بعض قصائدي الجديدة قد ترجمت مع عدة طلاب في الجامعة ضمن دراسة حول تجارب حديثة من الشعر النسائي الإسباني، وخاصة قصيدة "أنا امرأة غير كاملة" وأنها لاقت اهتماما خاصا من العديد من الطلاب العرب، الذين يريدون قراءة المزيد، وحين أخبرته بأن دار النشر وافقت على تبني نشر مجموعتي الشعرية الجديدة التي قدمتها لها، طرح فورا أنه يرغب بترجمة كل قصائد الكتاب إلى لغته الأم، وذلك لكي ينشر باللغتين العربية والإسبانية.

أنا شخصيا أسعدتني الفكرة جدا، فأنا منذ بداية تشكل وعيي المعرفي أعجبت كثيرا بالثقافة العربية، وباللغة العربية التي تمثل بالنسبة لي لغزا رائعا ومحيرا ومشوقا بشكل خاص.

وهكذا نشر الكتاب باللغتين، وتم تقديمه مع دعم كبير من الأستاذ عبدو التونسي، في معرض الكتاب العربي الإسباني الأول في مدريد، ولاقى إقبالا لم أكن أتوقعه، وبعدها قدم أيضا في معرض الكتاب العربي الإسباني في قرطبة، وأنا الآن أشعر بالكثير من الفخر لأن قصائدي مقروءة من قبل مثقفين وقراء عرب، وإن النشر باللغة العربية التي أحبها سيلبس أجمل الأجنحة لهذه القصائد. 

(*) سؤال: ما هو رأيك بالثقافة العربية بشكل عام، وبالثقافة الأندلسية بشكل خاص؟

- العالم العربي وثقافته شغلاني مذ كنت طفلة ولم أعرف لماذا، لكني دائما كنت أحب أن أقرأ وأعرف أي شيء عنهما، ومذ كنت طفلة سمعت الكثير من الحكايات وقرأت الكثير من القصص حول الثقافات الثلاث التي كانت تعيش في بلدي لمدة قرون عديدة، وهذا ما شكل دائما لي شغفا وهاجسا لمعرفته عن عمق، إنه الضوء الذي كان يشع من تداخل واندماج الحضارات في القرون الوسطى، وأعتقد أنه منذ ذلك التاريخ هناك حاجة حقيقية للعمل على إيجاد نقاط التقاطع بين هذه الحضارات وفهم ومعرفة جماليات الحضارة العربية، التي كان لها الدور الأكبر في تشكيل بلادنا كما هي الآن.

إن الثقافة التي تشكلت في الأندلس أثرت كثيرا في تشكيل بيئتنا الإنسانية، وأنا أعرف أنه في جيناتنا نحن الإسبان، الذين نعيش الآن في إسبانيا، نحمل الكثير من المورثات العربية. إن الدم الذي يجري في أجسادنا هو دم من جذور عربية، وأنا كلما تجولت في مدن الأندلس، أو في مدن تحمل الكثير من الملامح العربية، مثل توليدو، لا يمكنني إلا أن أفكر عميقا  بالعرب الذين عاشوا هنا، والذين أقاموا كل هذا الجمال، وتركوا لنا كل هذا الإرث الشعري المذهل. لقد قرأت ابن زيدون وابن عربي وابن هانئ الأندلسي كما قرأت ولادة بنت المستكفي. محاولة إنهاء التفكير في مدى تأثير الحضارة العربية في الآداب والثقافة الإسبانية، هي محاولة مستحيلة وصعبة جدا مثلها مثل تخيل لغتنا الإسبانية الخاصة بدون ثلاثة آلاف كلمة من أصل عربي، وهذا مستحيل.

(*) سؤال: هل قرأت شيئا من الشعر العربي المعاصر؟ وما هو رأيك فيه؟

- نعم قرأت لكثير من الشعراء العرب المعاصرين ويمكن أن أسمي لك الكثير من الأسماء، فأنا مثلا قرأت الشاعر العظيم محمود درويش الذي كلما أعدت قراءته أجد فيه شيئا جديدا ويدهشني من جديد، وقرأت أيضا وتعرفت على شاعرتين سوريتين هما مرام المصري وميسون شقير ولقد أثرتا فعلا فيّ كثيرا، هناك أيضا باهيدا أبو اللطيف، والشاعر والروائي محسن الرملي، والشاعر الفلسطيني المقيم في مدريد محمود صبح، وهناك أيضا الشاعر المصري الجميل أحمد يماني والكثير ممن يعيشون في إسبانيا. وأنا أعتقد أن الشعراء الحديثين استطاعوا أن يؤثروا في طريقة كتابتي، وكلهم يشربون من ماء الشعر فعلا. أنا أقصد أني معجبة وبالإضافة إلى ذلك فأنا متضامنة جدا مع قضاياهم العادلة، مع معاركهم من أجل الحياة، وصناعة عالم أجمل وعامر بالحب.

أولى قصائدي حول الأطفال ولهم

(*) سؤال: عملت لفترة طويلة معلمة للأطفال، ما الذي تركه هذا فيك ككاتبة؟

- أثر هذا العمل الجميل والمميز في كل تفاصيل حياتي وليس فقط في كتابتي، فالعالم السحري للأطفال من عمر يوم واحد حتى عمر ست سنوات، مليء بانفلاتتهم الحرة، وردود أفعالهم البريئة، واندهاشهم عندما يكتشفون شيئا، وتأويلهم العفوي لكل ما يحيط بهم، كل هذا هو الشعر. أنا أعتقد أنه عندما نستطيع أن نكتب بدهشتهم بالاكتشاف، وبطريقة رؤيتهم للأشياء، عندها سنصبح أهم الشعراء وأصدقهم، لذا فقد كانت أولى قصائدي هي حولهم ولهم، ولم أزل لحد الآن أؤمن بهم كطريقة للكتابة في كل لحظة.

(*) سؤال: ما الذي يعنيه لك تنظيم الفعاليات الثقافية وخاصة تلك التي تشجع عملية الحوار بين الثقافات؟

- يعني لي التضامن، أو يمكن القول إنه يعني دعم كل من يقدم للثقافة منتجا إبداعيا، إن كان شعريا أو فكريا نقديا، أو موسيقيا، أو عن طريق الرسم والتصوير والسينما. إن كل النشاطات التي حاولت تنظيمها والمشاركة بها من خلال جمعيات أنتسب لها، أو من خلال علاقات شخصية مع مؤسسات ثقافية راعية لبناء جسور حضارية، كانت لدعم قضايا الشعوب التي جاءت منها تلك الحضارات، وخاصة الشعوب المظلومة، مثل الشعب الفلسطيني العريق الذي ينتمي لأقدم حضارات الأرض، أو مثل قضية اللاجئين الآن، وخاصة اللاجئين السوريين الذين يحملون معهم ثقافة دمشق وحلب أقدم مدينتين في التاريخ البشري، كما أني نظمت أيضا العديد من النشاطات لرفض التعامل السيئ تجاه المرأة في أي مكان في العالم، ولدعم المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات.

أنتولوجيا حول التحاور والتداخل

الثقافي الإسباني - العربي

(*) سؤال: قمت بنشر العديد من الأنتولوجيات الشعرية لمدة ثلاث سنوات متتالية، ما الذي يعنيه لك العمل لتقديم أنتولوجيا شعرية؟

- إنه أيضا يعني لي التضامن. وكما ترين فإن كتب الأنتولوجيات التي نشرتها لحدّ الآن هي ثلاثة، أولها كانت الأنتولوجيا حول كل ما كتب عن النيبال في نهاية عام 2015، وذلك بعد الزلازل التي ضربت النيبال، وقد أنتجنا هذه الأنتولوجيا أنا والشاعرة تشيلو دي لا تورري، والكاتبة لوكريثيا لوبيث غيراو. وفي عام 2016 نشرت الأنتولوجيا التي حملت اسم "ورود الصحراء"، وهي مجموعات قصائد منتقاة لدعم المرأة في الصحراء العربية وفي دول جنوب أميركا اللاتينية. أما الأنتولوجيا الثالثة فما تزال قيد الإنتاج وهي حول التحاور والتداخل الثقافي الإسباني - العربي، وسوف تبصر الضوء في شهر تشرين الأول/أكتوبر القادم، بفضل  التعاون بين داري النشر المعروفتين "لاستروا" و"خوغار" ودعمهما للمشروع الذي سوف يتضمن الكثير من القصائد لشعراء وشاعرات عربيات معاصرات ولشعراء وشاعرات إسبان أيضا. ولعلنا كلنا نعيد دائما روح ولادة بنت المستكفي وابن هانئ الأندلسي وابن عربي فينا من جديد.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.