}

محمد اليساري: ليس ثَمَّ عِفَّةٌ في أي تاريخ

مبروكة علي 30 يونيو 2017

اللقاء بالشاعر والسيناريست السوري د. محمد اليساري يعني بحال ما التّطرّقَ إلى مواضيع شتى إنسانياً وثقافياً ومن زوايا عدة، غيرَ أنني هنا، سأعرّف به كاتب سيناريو دراما تاريخية إضافة إلى مجال تخصصه في البحث الأكاديمي حول الشعر الشعبي باعتباره حقلاً بكراً ويحتاج إلى إشباع نقدي. برزَ اسم محمد اليساري الحاصل على الدكتوراه في الأدب العربي، ككاتب لعدة أعمال تلفزية درامية، لاقت النجاح وأثارت أسئلة متضاربة، فليس "ثمّ عفة في أي تاريخ"، بحسب رأيه، وهو ما يحيل لقراءات متنوعة.

 في موسم رمضان هذه السنة تعرض سيرة الإمام أحمد بن حنبل في عمل ضخم إنتاجيًا، يرصد فترة مهمة من التاريخ الإسلامي ويتناول شخصية أثارت جدلاً كبيرًا، حول هذه النقطة وسواها كان هذا الحوار.


* أنت معروف كسيناريست بالكتابة التاريخية، ما حاجتنا للأعمال التاريخية ولمَ "أحمد بن حنبل" الآن؟

كلامك صحيح تقريباً في ما يخصُّ الكتابة التاريخية على الأقل في المدى المُنجَز لي من أعمال، رغم أنَّ لي عملاً باللهجة البدوية (سعدون العواجي) وعملين معاصرين لم يُنجزا بعدُ.
أمَّا حاجتنا للأعمال التاريخية فهي حاجة تُعرَف أهمِّيتُها قياساً إلى أكثر من زاوية، فهي ضرورة فنية ولغوية وأخلاقية وثقافية... إلخ.
فمن الناحية الفنية، نحن بحاجة للعمل التاريخي (كنوعٍ) مختلفٍ، والفن كتعبير جميل عن الحياة يزدهر بالتنوع والاختلاف.

ولغوياً تبرز أهمِّيةُ العمل التَّاريخي وسط هذا الكم الهائل من المسلسلات (اللَّهجويَّة)، فمهما كانت قيمة تلك المسلسلات فنياً فهي تعزِّز في اللاوعي انقساماً مجتمعياً، وإن كان ذلك بطريقة غير واضحة ولا فجَّة، بينما المسلسل التَّاريخي على النقيض من ذلك يعزز الانتماء الواحد، ويستدعي باللغة الفصحى تاريخاً عميقَ الجذور رغم ما فيه من مآسٍ وأحزان. طبعاً أنا لا أتكلم عن إلغاء العمل (اللَّهجوي)، فله أهميته، وجماله الخاص، ولكنِّي أتكلم عن نسبةٍ دُنيا من التَّوازن مع الأعمال الفصيحة على الأقل.

ومن ناحية الأخلاق، فالعمل التاريخي غالباً مهمومٌ بقضيةٍ عُليا وهدفٍ سامٍ أبعدَ من شبكةِ علاقاتٍ سطحيةٍ، ومغامراتِ حبٍّ تافهةٍ يظلُّ يعاني منها البطل والبطلة والجمهور طيلة شهرٍ كاملٍ في المسلسل المعاصر، طبعاً أستثني الأعمال (اللهجويَّة) التي تتحدث عن علاقاتٍ في مستوى عميقٍ وذكي، وقصصِ حبٍّ أصيلةٍ ونادرةٍ؛ فتلك أراها أيضاً قضيةً عليا وهدفاً سامياً.
ومن ناحية الثقافة، فإنَّ العملَ المعاصرَ في الغالبيَّة الساحقة منه يبدو ضحلَ الثَّقافة، محدودَ الأفق، سادراً في سطحيَّته. إلى درجة أنَّه يصح أن ندخله في أدب (العَوام)، لا بمعنى انتقاصي من (العوام) ولكن بكمية الخواء و(العادي) في هذه الأعمال.

بينما يقدم لنا العمل التاريخي كمّاً من الثقافة والمعلومات إلى جانب المتعة الفنية، وأنت لا تسمعين من جمهور العمل المعاصر أنه خرج بفكرة جديدة عن كذا، أو أنه درى أنَّ كذا كذا، بينما تسمعين كثيراً من جمهور العمل التاريخي أنه اكتشف من خلال العمل كماً معرفياً لم يكن يملكه قبلُ.

أستدركُ على ما سبق أن ليس كلُّ عملٍ تاريخي حافلاً بما سبق ولا كل عمل معاصر ينقصه ذلك.
أمَّا لماذا أحمد بن حنبل، فسأجيبك لاحقاً.

 

* عموماً العمل التاريخي الدرامي يخوض "حرباً"، بداية من الكتابة، لأن "السيرة تحتاج لاطلاع واسع وكذلك ضرورة أن يكون الطرح موضوعياً، مروراً بالإخراج (الصورة)، وفي الأعمال التاريخية الصورة تلتقط اللحظة بكل تفاصيلها (ملابس، ديكور...)، المشاهد أصبح "ناقداً" يحاكم الأعمال في أدق تفاصيلها. أين ينتهي عمل الكاتب/السيناريست؟


 إن كان سؤالك متى يُفترَض أن ينتهي عمل السيناريست فجوابه: لا ينتهي عمل السيناريست إلى ما بعد عرض العمل، حتى الرد على التساؤلات والانتقادات وسواها. فهو يرافق العمل، ويرى التغييرات المحتملة، واللازمة، ويوافق على الحذف أو الزيادة.. إلخ، فكتابة السيناريو مرحلة أولى عند السيناريست، والمرحلة الثانية كتابته كَرَّةً أُخرى بعد النقاش مع المنتج والمخرج والممثلين، هذا يحدث في كوكب آخر اسمه كوكب (المحترفين)، أما في (كوكبنا) فعمل السيناريست ينتهي غالباً عند تسليم النَّص، والباقي يتكفَّل به المنتج، والمخرج، والممثل، وأحياناً سكرتيرة مدير الإنتاج.


* يشتمل عمل المؤرخ على تسجيل شامل للوقائع بكل تفاصيلها، بينما يقوم عمل الكاتب الدرامي أساساً على اختيار لحظة تاريخية ما وإخضاعها لشروط الدراما، وتكون في خدمة أفكاره الرئيسية للعمل، وبالتالي غالباً ما "يهتك" الكاتب الدرامي عفة التاريخ، أو يخدش تلك النظرة المقدسة عند العرب لتاريخهم.

دعيني أستدرك على مصطلح "عِفَّة التَّاريخ"، إذ ليس ثَمَّ عِفَّةٌ في أي تاريخ، من دون استثناء. لأن أي حادثة تاريخية لا تخلو من جهة صحيحة ترويها، وجهات كثيرة تزوِّرها عن سبق انتقام وتعمُّد. والحادثة التاريخية بهذا المعنى: هي مجموعة مغالطات تتدثَّرُ بها حقيقةٌ واحدةٌ. فأين العفة إذن؟

لكن من حقِّ الكاتب والقاص والشاعر وأضرابهم، أن يتناولوا أي حادثة تاريخية وفق ما يخدم إبداعهم من دون أن يكونوا ملزمين بالوثيقة التاريخية؛ فالعمل الأدبي ليس مقيداً كالعمل الوثائقي. غير أنِّي أرى أن مقدسات الجماعات المختلفة يجب أن تكون خارج حرية الإبداع. لأن الإنسان بخصوصيته العائلية والدينية فوق اللعبة الإبداعية. فكما أنَّه لا يحق لك كتابة رواية عن (جاركم) مثلاً باسمه، أو اسم عائلته، لأن ذلك يُعَدُّ تشهيراً، فكذلك لا يمكنك أن تكتبي على هواك عمَّا يؤمن به ذلك (الجار) ضاربةً بقدسيةِ رموزِه عرض اكتراثك.

ضمن هذا الشرط الإبداعي أرى أن العمل التَّاريخي يقسم إلى قسمين:

الأول لا قدسية حقيقية فيه، وللمبدع أن (يهتك) ما شاء من (عفَّته): كسيرة امرئ القيس، والزير سالم، وعنترة.

والثاني فيه قدسية حقيقية عند جماعة ما. ويجب أن تنتهي حرية المبدع عند تناوله بالالتزام بالروايات الصحيحة المثبتة والمدقَّقة. وإبداع الكاتب هنا يتبدَّى في أسلوب العرض لا في موضوعه.

وفي هذا السياق كان اختيار سيرة (الإمام أحمد بن حنبل)، انطلاقاً من روايات دقيقة تشرف عليها مجموعة من الشيوخ الأفاضل والأساتذة الكرام، لإظهار صورة صحيحة قدر المستطاع لإمام تكاثرت على سيرته الروايات الكاذبة والظالمة؛ فلا يكاد يُذكَر اسمه إلا وتتبادر إلى الأذهان معاني التشدُّد، حتى إنّ كثيراً من العوام يستخدم كلمة (حنبليَّة) للدلالة على التّشدد، رغم أنّ الرجل أبعد ما يكون عن ذلك. ولكن هذه إحدى ثمار الروايات التاريخية الكاذبة.


* هل قدمت الدراما التاريخية ما سكتت عنه كتب التاريخ والمؤرخون، أم أنها لم تنجح بعد في إيجاد قراءة جديدة للتاريخ؟

لم تسكت كتبُ التاريخ ولا المؤرخون عن شيء حتى تستدرك الدراما التاريخية عليهم في شيء، فالتاريخ لم يروِ ما حدث فقط بل روى ما لم يحدث أيضاً، وهنا أقصد الروايات الكاذبة والملفَّقة، فمثلاً في عملي السابق (الحسن والحسين ومعاوية)، وجدتُ في (تاريخ الطبري) قرابة المائة وعشر روايات عن (معركة صِفِّين) فقط، وبعض هذه الروايات يدحض بعضُها بعضاً، فنحن في حادثة تاريخية كمعركة صِفِّين، أمام رواية صحيحة حدثت بالفعل، ومائة وتسع روايات لم تحدث أبداً ولكنها أصبحت تاريخاً! فالتاريخ والمؤرخون لم يسكتوا عن شيء، بل رووا ما حدث وما لم يحدث.

أما محاولات القراءة الجديدة للتاريخ في الدراما فهي لا تعدو كونها أخذاً برواية دون رواية، فمثلاً في مسلسل (الزير سالم) لم يقدِّم ممدوح عدوان قراءة جديدة للزير باختياره تلك النهاية، وإنما هو أخذ برواية دون رواية.

وأرى أنه لم يستطع أي عمل تاريخي أن يقدم قراءة جديدة للتاريخ جديرة بالتوقف عندها، وأما الأعمال التي تُعضِّي التاريخ بإسقاطات متخلفة عقلياً، فتلك لا تستحق أن تسمَّى أعمالاً درامية فضلاً عن توقع تقديمها قراءة جديدة للتاريخ.

 

* مع كل عمل روائي يتم تحويله لعمل درامي أو حتى سينمائي ثمة جدل يثار بين من يرى أن تحويل الرواية لعمل سينمائي أو تلفزي من قبيل الانتحار للرواية ويرفضه في المطلق وبين من يرى فيه إيجابيات وسلبيات. ما رأيك في مسألة تحويل الرواية لعمل درامي؟


لا شكَّ في أنَّ أهمية العمل الدرامي تبدأ من نَص جيد. والنَّص إما أن يكون رواية في الأصل ثم تُحَوَّل لاحقاً إلى سيناريو لمسلسل أو فيلم. وإما أن يكون النصُّ سيناريو مكتوباً خصيصاً ليكون مسلسلاً أو فيلماً: كسيرة شخص، أو جماعة، أو مرحلة تاريخية ما، أو قصة من خيال الكاتب.
ثمَّ إِنَّ الرواية التي تُختار لتكون مسلسلاً أو فيلما إمّا أن تكون رواية عظيمة، وإمّا أن تكون رواية (عادية/جيدة إلى رديئة).

والروايات العظيمة إن لم يتصدَّ لها سيناريست عظيم، ومخرج عظيم، وممثل عظيم فغالباً تفشل كفيلم أو مسلسل؛ ولك في روايات نجيب محفوظ التي حُوِّلت أفلاماً، فلم تكن في مستوى الرواية، خير مثال، أو روايات غابرييل غارسيا ماركيز في السينما العالميَّة، ورواية (البؤساء) التي حُوِّلت إلى فيلم غير ما مرة ولم تنجح كفيلم رغم روعة الرواية، ذلك أنَّ هناك أشياءَ كثيرة يجب أن يعوِّضها الفيلم في الرواية: كأدبيَّة الرِّواية من لغة، ومجاز، وصور، وكالسَّرد، والحبكات رئيسية وثانوية، ناهيك عن مغازلة خيال القارئ بإطلاق العنان له في تخيّل الشخصيات على هواه ذلك، كلُّه يجب أن يعوِّضه الفيلم، وذلك كلُّه رَهْنٌ بسيناريست ومخرج وممثل في مستوى الروائي موهبة. وفي تاريخ السينما العالمية أمثلة كثيرة على أفلام فاقت في جمالها الرِّوايات؛ كفيلم: (ذهب مع الريح) مثلاً، وهو رواية للكاتبة مارغريت ميتشل، تم تحويلها لفيلم عام 1939م، فكتب السيناريو سيدني هوارد، وأخرجه فيكتور فليمنغ، وأبدعت الممثلة فيفيان لي في أداء الشخصية الرئيسية إلى جانب الممثل كلارك غيبل. ونال مصنعوه الأوسكار عنه حينها. وفيلم (حياة باي-Life of Pi)، وهو رواية للكاتب الكندي يان مرتل، كتبها عام 2001م، ونال عنها جائزة البوكر، وجوائز أخرى. ثمَّ حوَّلها ديفيد ماجي سيناريو، وأخرجه آنغ لي كفيلم عام 2012م. ولعب الدور الرئيسي فيه سراج شارما، وحصد الفيلم أربع جوائز أوسكار حينها، واعتبره النقاد من أهم أفلام العام. بل إنَّ المخرج الموهوب والممثل الموهوب قادران على تحويل رواية عادية إلى فيلم من مستوى عالٍ جداً؛ مثل ما فعله المخرج فورد كوبولا والممثل مارلون براندون برواية (العَرَّاب- The godfather) لماريو بوزو.
إلى آخره من أمثلة كثيرة تثبت أنَّ طاقماً فنِّيَّاً على مستوى من الموهبة قادرٌ على إنجاح (فَلْمَنَةِ) روايةٍ ما، مهما كانت عظيمة. بل إنَّ ذلك الطاقم قد ينجح في الرِّوايات العادية المتواضعة فيصنع منها أيقونات سينمائية خالدة.

ضمن هذا (الشَّرط) الفني أنا مع تحويل أيِّ روايةٍ إلى فيلم أو مسلسل، وإلا فلا.


* اختلف الباحثون في الأدب الشعبي على تسمية الألوان الغنائية الشعبية من أين أتت. ما قول محمد اليساري؟


بداية لا أحد يعرف متى بدأ الشعر الشعبي العربي، ثم متى درج مُتَقبَّلاً بين الناس، ولكنْ ثمّ نصوصٌ قديمة تظهر أن الشعر الشعبي قديم النشأة؛ فقبل أكثر من 740 عاماً كتب أبو الحسن الششتري المغربي قصيدة صوفية بالعامية، وهي مشهورة حيث يقول:

                شويخ من أرض مكناس..      وسط الأسواگ يغني
                أنا اش عليَّا مْن الناس..       واش على الناس مني

وتحدث المؤرخ ابن خلدون في مقدمته عن الشعر البدوي، مورداً عدة نصوص شعبية، ونسبها لشعراء بني هلال، أبطال (السِّيرة الهِلاليَّة).

والشعر الشعبي العربي هو كل شعر يكتبه الشاعر بلسان منطقته، مُتحلِّلاً من العربية الفصحى وقواعدها، وهو لون إبداعي عظيم الأهمية حين تبدى في قصائد شعراء كبار: كمظفر النواب، وطلال حيدر، والأبنودي، وصلاح جاهين، وميشيل طراد، وكاظم الگاطع.. إلخ.

* أين يقع الشعر الشعبي اليوم ولمَ ما زال بعيداً عن النقد والدراسة؟


الشعر الشعبي له أهميته التي لا ينكرها إلا جاهل أو متعصب. ونجد فيه ما لا نجد في الشعر الفصيح من حميمية الروح الشعبية، وصدق العاطفة، وعمق التجربة الحياتية، بَلْهَ الطرافة والجِدَّة. وأرى أن المقارنة بين الشعر الفصيح والشعبي يجب ألا تنطلق من (تفاضلية لغوية بحتة). فليس الشعر الفصيح أجود من الشعبي هكذا بالمطلق. وإنما المقارنة يجب أن تتم بميزان التفاضل الشعري فقط من حيث الشعرية، والطرافة والجدة. ولكن الفصيح يظل هو الأصل والسيد عموماً.

على أية حال هذا حديث طويل طويل، ويحتاج نقاشاً أعمق، وأكثر تفصيلاً ولكني قدَّمتُه لأقول: إن أحد أهم الأسباب في بقاء الشعر الشعبي بعيداً عن النقد والدراسة (الأكاديميَّين) - إلا في النَّادر - هو الخشية على اللغة العربية الفصحى من العامية.


* في زمن اللاجدوى وإنسانيتنا "الساقطة" هل ما زالت الكتابة قادرة على حمل كل هذا القيء والنزيف؟

الزمن الإنساني كلُّه صراع منذ بدايته. فهو على ذلك: إمّا زمن لا جدوى كله، أو أنَّه ذو جدوى رغم كل هذا القيء والنزيف؛ لأنه كان كذلك دائماً. وأعتقد أنَّه (ذو جدوى) رغم ذلك كله. لأنَّ (حقيقة) الزمن الإنساني الصراع. أما (إنسانيتنا الساقطة) فهي مصطلح جائر، والأصح أن نقول: إنَّ هناك أناساً ساقطين، لا إنسانية ساقطة؛ لأن الإنسانية عموم، وحين نصفها بالسقوط فنحن نضع الظالم والمظلوم في كفة واحدة، والقاتل والضحية في كفة واحدة، والشريف والدنيء في كفة واحدة وكلهم مشمولون بكلمة (إنسانية). والحق أن من يمتلك (الإنسانية) بمعناها السامي مبرَّأٌ من السقوط، وإنما السقوط لإناس انحازوا لطينهم، واستبسلوا في (حيوانيَّتهم)، فاستعجلوا للبشرية الجحيمَ على الأرض. ونعم! قبل أن يقول نيتشه: إن الإنسان مشكلة الإنسان كان الوضع كذلك، فلم نكن نعاني من التماسيح، ولا الضباع، ولا الديناصورات، كنا نعاني من بعضنا.

ضمن هذه الحقيقة الأزلية من الصراع البشري تتبدَّى مقاومةُ ذلك القيء والنزيف كلِّه كضرورة قدسية إنسانية. والكتابة شكل من أشكال المقاومة، والدفاع عن الحق والوجود والنفس، كما أنها قد تكون شكلاً من أشكال الهجوم الحيواني، والسقوط الإنساني.

نحن نتكلم إذن عن الكتابة كدرعٍ باسلٍ، وأحياناً كرُمْحٍ نبيلٍ. وهي بهذا المعنى ضرورة وليست ترفاً، فسواء أكانت الكتابة قادرةً على حمل هذا القيء والنزيف كله أم لا فهي مضطرة للاستمرار في التصدي؛ لأنها ضرورة.

وأرى أنَّ الكتابة - على الأقل خلال السنوات القليلة الماضية - كانت باسلة في التصدي لكثير من السقوط الإنساني، وأحدثت فرقاً كبيراً في الذَّود عن الإنسانية بمعناها السَّامي، ولا سيما أنَّ ثورة وسائل التواصل الاجتماعي هيأت للكتابة منصاتٍ مهمة لتلعب أدواراً نبيلة على خشبةٍ تغصُّ بالدَّم، والكره، والعنصرية، والطائفية، والتكالب الأممي، والعواء الشعوبي.. إلخ.
نعم! الكتابة فعلُ مقاومةٍ. وضرورةٌ إنسانية. ولا خيار لدينا لنتخلى عنها. بل ليس من حقنا ذلك.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.