}

شكري المبخوت: معالجة التطرف بمنطق الدولة والقانون

عيسى جابلي 2 أبريل 2017
حوارات شكري المبخوت: معالجة التطرف بمنطق الدولة والقانون
شكري المبخوت في تظاهرة

شغل شكري المبخوت المجال الثقافي بحصول روايته الأولى "الطلياني" على الجائزة العالمية للرواية العربية "البوكر" سنة 2015، ولفت الأنظار كأول تونسي يتوج بهذه الجائزة، غير أنه لم يكن جديداً على مجال الإبداع، بل عرف بكتاباته النقدية مثل "سيرة الغائب، وسيرة الآتي"؛ وكتاب "جمالية الألفة: النص ومتقبّله في التراث النقدي"؛ وأيضاً "نظرية الأعمال اللغوية". وهو جامعي وأكاديمي يتولى رئاسة جامعة منوبة بعد رحلة من التدريس في كلية الآداب. ويتولى إدارة معرض تونس الدولي للكتاب في دورته الثالثة والثلاثين التي تتواصل فعالياته حتى الثاني من أبريل/نيسان 2017.

عن دورة هذا العام وما أثارته من جدل، وعن العلاقة بين الجامعي والمثقف ونظرة كل منهما إلى الآخر، وعن الرواية العربية وعلاقتها بالواقع، وعن التطرف العلماني والأصولي التقينا شكري المبخوت في هذا الحوار:


*في الوسط الثقافي التونسي نلمس موقفاً سلبياً من الجامعيين يستند إلى استئثارهم بإدارة الشأن الثقافي والسيطرة على الجوائز واحتلالهم مراكز النفوذ الثقافي. ما رأيك في تقسيم المبدعين عامة إلى مثقفين وجامعيين؟ وإلى أي مدى يجد هذا الموقف السلبي ما يبرره؟

 أعتقد أن السؤال لا يطرح بهذا الشكل أو بهذا التقابل الحاد إلا في السياق الثقافي التونسي، وهو من نوع الأكاذيب التي يقترفها البعض ثم يصدقها إلى أن تصبح اعتقاداً راسخاً، وهو أمر مؤسف، فحين ننظر في العالم العربي أو في العالم كله نتبين أن هذا التضاد الموهوم غير موجود. الأسماء التي تذكر اليوم، ولها دور في التسيير الثقافي والإبداع أيضاً، كثيرة. هم يجمعون إلى الصفة الأكاديمية الصفة الإبداعية. وربما المقياس الأساسي هو أننا في العالم العربي، كما كتبت في "ضفة ثالثة"، نؤمن بهذه "الدال" – دال الدَّكتره" – أكثر مما نقيم الأعمال في حد ذاتها، ومدى توفر الإضافة النوعية فيها سواء أكانت إبداعية أو فكرية أو ثقافية. هذا الأمر يزعج بعض الذين لم يتيسر لهم أن يتموا تعليمهم الجامعي، ولكن في الآن نفسه، هذا الجانب الإيجابي، أي أن يوجد كاتب صنع نفسه بنفسه، كثيراً ما يقوم على شيء مما يمكن أن نسميه عقدة النقص أو عقدة التفوق، عقدة النقص بإزاء الأكاديميين، أو عقدة التفوق على اعتبار أن الجهد الذي بذله لإنشاء عالم إبداعي خاص يبدو أكبر أو أهم من المسار المدرسي. يتوهم الكثيرون أن كل من يحصل على شهادة جامعية سيضعه هذا المسار في القالب. أنا لا أنظر إلى المسألة من هذه الزاوية، أتفهم "سيطرة" الأكاديميين على المشهد الثقافي، ولكن هذه السيطرة ربما تكون ذات طابع مؤسسي يفسر تاريخياً. فلا أحد ينكر مثلاً دور المسعدي أو الشاذلي القليبي ممن كانوا مسؤولين سياسيين وثقافيين ومبدعين، ولكن في الآن نفسه، يجب أن تجد الثقافة التونسية صيغة ما لتجاوز عقدة "التابعية"، لأن للإبداع والبحث والفكر الخصائص العامة الجامعة نفسها. ووجود نرجسيات فردية متعددة تساعد في الأصل على التطور. فلا يمكن أن نتصور مثلاً أن مبدعاً روائياً يمكن أن "يكبر" ويحلق دون وجود ناقد، وهذا الناقد يحتاج معرفة نقدية توفر الجامعة بعضها وبعضها يأتي من التجربة الفردية، إذن كل هذه الطيور بالنسبة إليّ تصنع الربيع معاً، ولا يمكن أن نرجع الأمر إلى صنف واحد. انتهى عهد الكتاب الذين لا معرفة لهم. الكتابة اليوم في الشعر أو في الرواية أو في غيرهما من مظاهر الإبداع تقوم على معرفة حقيقية وليست إلهاماً ولا هي مجرد مجهود شخصي. ومن ينظر إلى المسألة من هذه الزاوية ينكر في الحقيقة دور المؤسسة بمختلف مكوناتها ويعتقد أنه الفرد الوحيد المبدع. ربما هذا ما قد يفسر بعض مظاهر الصدام. ولكن حين نأخذ الرواية التونسية مثلاً، نرى أن جل من يكتبونها هم أكاديميون، وليس الأكاديمي هو الحاصل على دكتوراه بالضرورة ولكن له تكوين أكاديمي، وهو تكوين لا يجعل كل من يكتب رواية يكتب رواية جيدة. إذن أرى أنه علينا الاتجاه إلى النص ذاته بعيداً عن هذه التقسيمات السوسيولوجية. هذا إذا تركنا بعض المرضى بذواتهم وهم كالحطيئة يهجون أنفسهم إذا لم يجدوا من يهجونه.

* بحكم اضطلاعك بمسؤولية إدارة معرض تونس الدولي للكتاب، واقترابك من مركز القرار الثقافي ممثلاً في وزارة الشؤون الثقافية، إلى أي مدى لمست جدية الدولة ومراهنتها على الثقافي؟

 سؤالك صعب، لأنني أشتغل في جزء من مشاريع الوزارة وتظاهراتها الكبرى، وما تطرحه يتطلب أسئلة من قبيل: هل لنا في تونس بعد الثورة مشروع ثقافي؟ بل؛ هل لنا في تونس بعد الثورة مشروع وطني جامع؟ وإذا كان لنا شيء من هذا القبيل فهل هو اختيارات لأحزاب أم لشخصيات تولت موقع القرار (وزراء للثقافة)؟ هل هو نتاج تفاعل بين قوى مدنية في المجتمع وأطراف رسمية داخل الوزارة؟ فهذه جميعاً أسئلة لست ملماً بتفاصيلها. وأعتقد أنه، بقطع النظر عن الوزراء، لا يمكن أن نتصور مشروعاً ثقافياً يعبر عن سياسة الدولة في حين أن الوضع كله هو وضع انتقالي يعيش صعوبات ذات بعد اقتصادي أساساً، وبالتالي يستحيل الاستدلال على وجود هذا المشروع رغم الحديث عن "ثقافة الثورة" و"الثورة الثقافية". ثم إن الصوت الذي كان غالباً في مرحلة البناء هو صوت رجل القانون وصوت رجل الدين. هذه المرحلة، أمام ضعف الأداء السياسي الفادح في تونس، الصوت الذي لم يظهر إلا بطريقة محتشمة ولم يقدم الإجابات عن الأسئلة الواقعية العملية هو صوت رجل الاقتصاد، لذلك حين تتحدث عن مشروع ثقافي سترى أن صوت المثقف وصوت المبدع لم يأخذا حظهما، دون أن يتعلق ذلك بتقصير من الوزارة أو من المثقفين أو من المبدعين، وإنما، في تقديري، هو أمر موضوعي يتصل بصياغة التصورات التي لا تكون إلا بطريقة هادئة وتتطلب وقتاً.


نقرأ لنعيش

* اخترتم عبارة "نقرأ لنعيش مرتين"، لماذا هذا الشعار؟

أولاً، لأنه شعار جميل، وهو نتاج تفكير جماعي، وقد أعجب به أغلب الذين سمعوه إلاّ قلّة نعرف مسبقاً أن لا شيء يعجبها أو هي في موقع المتفرّج الفارس وهذا حقها المشروع ولا نناقشهم فيه.

 ثانياً: هذا الشعار يعبر عن حقيقة مهمة هي أنه مخالف للحس العام الذي يعيش يقينية أننا لا نعيش إلا مرة واحدة، فأردنا أن نقول للحس المشترك: يمكننا أن نعيش مرتين بفضل فعل القراءة باعتباره إبداعاً للحياة، وباعتباره محاورة لحيوات الشخصيات في الروايات مثلاً، فكل هذا هو ما يمنح الفردي والجماعي معنى ويخرجه من مرتبة العيش العادي البيولوجي إلى الفكري الإنساني الرمزي الأرقى. إذن هي دعوة إلى الإقبال على الحياة في ظل ما يعيشه التونسيون من ضغط وخيبات يحتاجون فيه إلى أمل.

* في البرمجة الثقافية لمعرض تونس الدولي للكتاب، لاحظ بعضهم أنكم ركزتم على جملة من الأسماء المكرسة مثل صبحي حديدي وفيصل دراج وأوليفييه روا وجابر عصفور وغيرهم. هل هذا "خوف" من الفشل أم محاولة لصنع النجاح من خلال هذه الأسماء؟

 رهاننا ليس على الأسماء على قيمتها وعلى تقديرنا لكل شخص دعوناه اسماً كبيراً معروفاً أو اسماً قد يعتقد البعض أنّه مغمور. هناك شخصيات ذكرت البعض اللامع منها ولكن هناك شخصيات لامعة جداً ولا يعرفها الكثيرون في تونس مثل جلبير أشقر وهو الآن من أهم المفكرين؛ وفيصل دراج، وهو علم من أهم أعلام النقد في العالم العربي؛ وبنسالم حمّيش الروائيّ والمفكّر والشاعر المغربيّ المتميّز وغياتري سبيفاك وهي صاحبة مدرسة في التنظير الأدبي وفي النقد ما بعد الكولونيالي، وهي تنتمي إلى مدرسة إدوارد سعيد، ومرنية الأزرق الجزائرية التي تشتغل في أميركا، وهي من أهم علماء الاجتماع، ومثل أسماء تونسية شابة تصنع اليوم ربيع الفكر النقدي السوسيولوجي في تونس مثل حمزة المؤدب وألفة لملوم وشكري حمد. ولا أحب أن أدخل في لعبة الأسماء لأن كل من دعوناهم إلى هذه اللقاءات الفكرية هم أعلام بذاتهم، فلا يمكن أن نقارن تاريخ شخص مثل رشيد بوجدرة بأسماء أخرى ما زالت بلا امتداد زمني ولا تجربة ولا خبرة مثل التي لرشيد بوجدرة، وكل هؤلاء نعتز بهم ولم ندعهم من باب تبادل الزيارات، لأنني شخصياً لا أحد دعاني لتسجيل مزية عليّ. لذلك لست مدينا لأي كان، ولكنني أحترم كل المثقفين. طبعاً ثمة أسماء عديدة مهمة لم نتمكن من دعوتها لضيق الوقت أولاً وأحياناً لضغوطات البرمجة فقد أردنا أن يكون النجم الحقيقي هو الموضوعات التي تتناولها هذه اللقاءات الحوارية. وفي تفكيرنا لم نستبق إلا حوالي 30 في المائة مما خططنا له. كانت الموضوعات كثيرة ولكن رغم ذلك استحال المعرض مهرجاناً ثقافياً وأدبياً يمثل في تقديري فرصة لتنمية رأس المال الرمزي لتونس التعدد والانفتاح والحريات جميعاً من حرية التعبير إلى حرية الضمير. ولو كانت لنا إمكانيات أكبر وكان الوقت أوسع لجعلناه مهرجاناً أضخم.


اتهام بالدكتاتورية

*  انسحبت رابطة الكتاب الأحرار من المعرض وأصدرت بياناً أشارت فيه إلى "ردة عن المبادئ الأولى للحلم الديمقراطي بعد تغييب كامل لمقترحاتها وتغييب مبدأ المشاركة" ووصلت الأمور إلى اتهامكم في سياق آخر بالدكتاتورية. هل من توضيح؟

 ما ذكر غير صحيح بكل بساطة، لأن الخلاف بيننا ليس في المشروع الديمقراطي رغم أنّ هذا التعبير حمّال أوجه، ولا مزايدة علينا في هذا، لا من قبل ولا الآن. ويمكن أن يوجه هذا الكلام إلى السياسيين، أما لجنة البرمجة فلا يمكن أن تٌقدم لها دروس في المشروع الديمقراطي. ثانياً: بالنسبة إلى الأخ كاتب عام رابطة الكتاب الأحرار، فقد استقال بعد أن شارك في جميع أعمال اللجنة أي بعد الاتفاق النهائي على البرنامج، لذلك لا أعتبره قد استقال. وحقيقة ما حصل أن جميع أعضاء اللجنة وعددهم عشرة قدموا مقترحات أخذ ببعضها، بعد نقاش مطول، وترك البعض الآخر، ولم نختر إلا حوالي 30 بالمائة من المقترحات الأولى التي راكمناها. وكثير من مقترحاتي الشخصية قد حذف وعدل. علينا أن نقبل ما يفضي إليه النقاش فليست التشاركية فرضاً للرأي بل هي أخلاقيات وأسلوب في الحوار، حتى أنني حين ذكر بعض الإخوة أن مقترحاتهم لم يتم الأخذ بها، وعدت بأنني على استعداد لكي أوفر فضاء خاصاً لجميع ما يمكن أن يعتبروه أساسياً ولكن لم يقدم أحد مقترحاً. وأعتقد أن أهم منظمة تضم الكتاب في تونس وهي اتحاد الكتاب التونسيين كانت متفهمة للوضعية وقبلت اللعبة وقواعدها. طبعاً إذا لم نكن في موقع قرار ستسهل أمامنا البطولات، ولكن أعتقد أنه ثمة جانب آخر لا بد من الإشارة إليه وهو أن هذا الجدل يدل على تعلق الكتاب التونسيين جميعاً بمعرض الكتاب باعتباره أهم تظاهرة ثقافية في تونس. ولعلمك أننا أشركنا حوالي 170 كاتباً من تونس، وحوالي 80 من خارجها. ولا يمكننا أن نشرك كل الكتاب ولكنّنا إذا اخترنا التنويع فسنتيح الفرصة للكتاب الآخرين وتونس ثرية بكتابها ومبدعيها.

* ما قراءتك لعلاقة الرواية العربية بالواقع العربي الراهن في ظل ما نعيشه من تمزقات وحروب على أصعدة مختلفة؟ وهل تعتقد أن الواقع يمكن أن يصنع رواية ناجحة، خصوصاً أنه واقع مغر بالمصائب والمشاكل؟

 الأمر الذي لاحظه الكثيرون قبلي أن الرواية وانتشارها في العالم العربي من بين أسبابه أن القارئ العربي أصبح يجد في هذه الرواية ما يعبر عن تناقضات واقعه والصراعات التي تشقه وعن الأحلام والخيبات والانكسارات والآمال ومسارات الأفراد وأوجاعهم، فمن هذه الناحية، بقطع النظر عن الموضوعات حرباً كانت أم حياة عاطفية أم حياة اجتماعية أو غير ذلك، فإن الرواية العربية تقوم في رأيي بدور سوسيولوجي مهم وهو أنها تقدم معرفة للقارئ العربي؛ معرفة أدبية تخلق بالنسبة إليه مرآة يرى فيها تناقضاته ويرى فيها كيانه ويرى فيها تمزقه أحلامه أيضاً، وبقطع النظر عن الأنواع واقعية أم اجتماعية أم فنطازية أم تجريبية أم تقليدية، فهذه الأعمال ناجحة لأنها تعبّر عن البيئات التي كتبت فيها وعمق الإنسان في هذه البيئات المختلفة.


أضواء الجائزة

* ماذا عن رواية "باغاندا" التي لاحظنا تفاوتاً في نجاحها وانتشارها مقارنة برواية "الطلياني"، ما الأسباب وراء ذلك؟

 بطبيعة الحال لا يمكن أن نقارن بين رواية لفتت الانتباه، خاصة بفضل نيلها جائزة مرموقة من أهم الجوائز الأدبيّة في العالم العربي، وأخرى صدرت بصفة عادية مثل جميع الروايات، والمقارنة من هذه الناحية صعبة، الأمر الثاني أن ما كتب عن "باغاندا" إلى حد الآن ليس سلبياً. وكل ما قرأته كان إيجابياً على عكس "الطلياني" التي لاقت أحياناً من النقد والانتقاد الشيء الكثير، ربما لأسباب أخرى لا أحب أن أناقشها. ثم إن توزيع الرواية إلى حد الآن جيد على الأقل بالمقاييس العربية. الأمر الثالث: نعرف أن صاحب رواية أولى تحدث تلك الضجة من الصعب أن ينظر إلى أعماله اللاّحقة في غير علاقة بالرواية التي أثارت الضجة. إذن "باغاندا" قد تكون في جانب منها ضحية "الطلياني" رغم أنها مواصلة لها بشكل آخر. الأمر الرابع أن التقنية المعتمدة فيها لا تخلو على ما أظنّ من طابع تجريبي عكس "الطلياني" التي اتهمت بالتقليدية وإن لم تكن في رأيي كذلك. فمن الأسئلة الفنية التي توجد في الرواية: هل يمكننا أن نكتب رواية اعتماداً على جنس صحافي هو التحقيق الاستقصائيّ. ورواية "باغاندا" لم تخرج عن الخط الواقعي، وإن كانت جميع معطياتها متخيلة وهو جانب يحاول أن يفهم ما يحدث في المجتمع من تحولات، ولكن ضمن استعارة هي استعارة كرة القدم، لذلك إذا قرأناها على أساس أنها رواية عن كرة القدم، سنكون قد جانبنا الصواب. ومن الصعب أن نتناول عالم كرة القدم لكي نحيل على قضايا أخرى اقتصادية وتحولات اجتماعية وقيمية في المجتمع. ولا ندري ربما بعد أن تترجم قد تفوق "الطلياني" لأن نظرتنا نحن من الداخل ونظرة القارئ الغربي في بعض اللغات ليست نفسها.

إذن بالنسبة إلي لا أرى فارقاً بين "الطلياني" و"باغاندا" إلا ربما في أنني لعبت في "الطلياني" على شكل يبدو تقليديا بينما في "باغندا" ثمة خطة أخرى في البناء الروائي تقوم على شيء من التجريب دون أن تقتل الحكاية، ففيها تتشظى الحكاية دون أن تقتلها التقنية السرديّة. وبعض القراء أكدوا لي أنهم قرؤوا "باغاندا" بمثل الشغف الذي قرؤوا به "الطلياني".

* عادة ما نتحدث عن تطرف أصولي وتطرف علماني وكل مصطلح ترفعه جهة ما خدمة لأغراض إيديولوجية وسياسية، برأيكم ما العلاقة بينهما؟ وهل ترون أن التطرف العلماني يمكن أن يكون جواباً عن التطرف الأصولي أو حتى العكس؟

هناك لعب بالكلمات تفرضه السياقات السجالية لأن المشكلة الأساسية في التطرف الأصولي ليس فقط في أنه موقف متطرف فحسب، بل لأنه موقف متطرف يعبر عن نفسه بطريقة عنيفة. هو زرع لقنابل موقوتة حين تتحول إلى ممارسة تصبح مزعجة. أما التطرف العلماني فقد كانت العلمانية متطرفة في بعض البلدان ولكن ليست العلمانية مطلقاً، لأننا حين نتحدث عن هذا التطرف العلماني إنما يكون ذلك من باب خلق الموازاة في تونس بين بعض العلمانيين الذين يتهمون الإسلاميين بتشجيع التطرف فيردون عليهم بأنهم متطرفون علمانيون. وهذا هو أصل المسألة، ولكن الفرق بين التصورين هو الانتقال إلى ممارسة العنف وفرض الرأي الواحد. صحيح أن اللائكية الفرنسية مثلاً هي ابنة التاريخ الفرنسي ولا يمكن أن نعممها ولا تخلو مواقفها من تطرف آخر مثلاً في موقفها من الحجاب لكن ننسى أن فرنسا عاشت تاريخاً دموياً مع رجال الدين ومع مثل ذاك الشكل من اللباس، فثمة لا وعي في موقف الفرنسيين من جميع مظاهر التدين الخارجية، خصوصاً إذا كانت من قوة دينية قوية مثل الطاقة التي يمثلها الإسلام.

كل هذه المواقف المتطرفة تقوم على تصورات واعتقادات مغلقة ولكن مشكلتنا في تقديري ليست في المواقف بقدر ما هي في مدى إيماننا بالقانون باعتباره الضامن للحريات ولوجود الدولة الحديثة. ثمة تعبيرات متطرفة هي ما قبل الدولة الحديثة وهي المزعج الحقيقي سواء جاءت من اليمين أو من اليسار. وأظن أن تحليل الظاهرة في بنية الاعتقاد وانغلاقها ومدى استجابتها لأسئلة الواقع هو المحدد لا أن يوصف بعلماني أو إسلامي أو اشتراكي أو ماركسي أو غير ذلك، فالتطرف موجود في كل مذهب ولم ينقطع يوماً من التاريخ، ولكن علينا أن نعالجه في رأيي ضمن منطق الدولة والقانون الضابط للحرية.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.