}

أحمد فضل شبلول: الرواية اليوم "ديوان الحياة المعاصرة"

حميد عقبي 19 فبراير 2017


تحتاج الرواية إلى مساحات من الحرية والخيال والإنسانية لتبدع نفسها دون خوف وإرهاب فكري. أما نزعة التحرر عند المرأة وما عرف باسم "النسوية" فقد أسهمت في لجوء الكاتبة إلى عالم الرواية.


الرواية الآن هي "ديوان الحياة المعاصرة"، هكذا يفسر ضيفنا الشاعر والصحفي أحمد فضل شبلول، أهمية الرواية ويوضح أنه منذ فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل للآداب عام 1988 والإنتاج الروائي في تصاعد، إلى أن وصل إلى ما نحن عليه الآن، ويرى شبلول أن الرواية "صناعة ثقيلة"، تحتاج إلى أدوات وخبرة في مجالات متشعبة وكذلك ضرورة التفاعل مع الواقع والمجتمع ومعايشة حكايات الناس ومقدرة تشابك مع اللغة والفن.

هنا حوار معه  لمناسبة صدور روايته "رئيس التحرير":


* ما الذي حفزّك للتوجه الى السرد الروائي؟ وماذا أردت أن تقول من خلال روايتك الأولى؟

عشت في بلاط صاحبة الجلالة عدداً من السنوات سواء في مصر أم الخليج، وتشابكت مع الواقع الصحفي هنا وهناك، ودخلت المطبخ الصحفي ولاحظت وجود إيجابيات وسلبيات لم يتحدث عنها الكثير من الأدباء والروائيين إما لأنهم لا يعلمون عنها شيئا، أو يعلمون – خاصة إذا كانوا أدباء صحفيين – ولكنهم لم يعيروها أدنى انتباه.
ولا أقول إنني أول من كتب عن بلاط صاحبة الجلالة، فقد سبقني عدد من الأدباء والكتاب الكبار أذكر من بينهم فتحي غانم في "زينب والعرش"، ونجيب محفوظ في "اللص والكلاب"، حيث شخصية الصحفي رؤوف علوان، أيضا في قصة فيلم "يوم من عمري" لعبدالحليم حافظ والنابلسي كانت تدور في عالم الصحافة.
ولكن بالتأكيد الأدوات الصحفية اختلفت، والعصر اختلف، والمطبخ الصحفي اختلف كلياً عن زمن غانم ومحفوظ. ويظل الفارق بين "رئيس التحرير" وبين "زينب والعرش" و"اللص والكلاب" على سبيل المثال، هو أن معظم أحداث روايتي يدور في الصحافة الخليجية، والقليل منها يدور في الصحافة المصرية.
وقد أحببت أن أنقل للقارئ هذا الجو الصحفي الجديد والمعاناة التي تكبدها بطل الرواية أو شخص الرواية وهو يوسف عبدالعزيز أثناء عمله الصحفي في الخليج، ومفردات تعامله سواء مع رئيس تحرير المجلة التي يعمل بها أو مع زملائه في المهنة وخاصة المصريين أمثاله، أو مع المجتمع الخليجي بشكل عام الذي يكتظ بجنسيات عربية وأجنبية كثيرة، خاصة الهنود.
فضلاً عن أن "رئيس التحرير" من الروايات القليلة – على ما أرى – التي تفاعلت مع ثورة 25 يناير من خارج مصر، فمعظم الأعمال التي كتبت عن الثورة كانت من داخل مصر، سواء قبل الثورة أو أثنائها أو بعدها، ولكن قلة من الكتَّاب هم من رصدوا الثورة من خارج البلد.
وعلى الرغم من أن هناك عنوانا إضافياً للرواية وهو "أهواء السيرة الذاتية" فإن نسبة المتخيل بالرواية كان أكبر من السيرذاتي. وعلى ذلك فإن "رئيس التحرير" هي سيرة ذاتية وسيرة متخيلة معاً.



* كم استغرقتك كتابة عملك الروائي الأول، وهل هو مجرد  تسجيل حضور فقط ؟

أعتقد أن رواية "رئيس التحرير" هي مقدمة لروايات مستقبلية بالفعل، فقد انتهيت من شهور من روايتي الثانية "الماء العاشق" وهي تختلف كلياً عن "رئيس التحرير"، فالماء العاشق قائمة على الفانتازيا في المقام الأول، أما رئيس التحرير ففيها الواقعية بنسبة أكبر.
كما أن "رئيس التحرير" لم تُغلق بعد، فالنهاية مفتوحة، لذا يسهل لي العودة إليها وكتابة جزء تال يجري بالأحداث مرة أخرى في حال عودة بطلها إلى عمله مرة أخرى في الخليج، لأن الرواية انتهت دون حسم الموقف هل سيعود بطلها إلى عمله بالمجلة الخليجية مرة أخرى، أم لن يعود بسبب تأزم الموقف مع رئيس تحرير المجلة الذي كان له رأي مخالف من أحداث ثورة 25 يناير، كما أن هناك من رشح البطل لأن يكون رئيساً للتحرير، بدلاً من الرئيس الخليجي الحالي. هذه أشياء لم يتم حسمها، وقد تحسم في جزء ثان للعمل.
وقد كنت أفكر في كتابة الرواية لأكثر من ثلاث سنوات، وكانت المشكلة كيف أبدأ، خاصة أنها الرواية الأولى لي، وعندما اختمرت الفكرة تماماً بأشخاصها وأماكنها وأحداثها، وتقنياتها، لم يستغرق كتابتها أكثر من 3 شهور، وكتبتها 3 مرات، في المرة الأولى وصل عدد صفحاتها إلى حوالي 300 صفحة، وكانت مليئة بالوثائق الصحفية، خاصة عن أحداث انتفاضة 18 و19 يناير 1977 ضد الرئيس الراحل أنور السادات، وكان السارد مشاركاً فيها وقت أن كان طالبا في الجامعة، والتي استرجعها السارد أثناء انتظاره للسفر للعمل بالخليج. فضلاً عن وثائق صحفية أخرى عن ثورة 1952 عندما قرر رئيس تحرير المجلة الخليجية أن ينشر ملفاً عن تلك الثورة.
ولكن حذفت هذه الوثائق واكتفيت بالإشارة أو التلميح إليها. فحذفت حوالي من 60 إلى 80 صفحة، وعندما قرأها بعض الأصدقاء المقربين، وتناقشنا حولها قمت بحذف أشياء أخرى، واستخدمت بلاغة الحذف، معتمداً على قوة التكثيف والتلميح والإشارات، بدلاً من الإطناب والاسترسال والإسهاب. فجاءت الرواية على ما هي عليه الآن (178 صفحة)، بعد أكثر من ثلاثة شهور من المعاناة الكتابية.


* الكثير من الشعراء يتوجهون إلى الكتابة الروائية ونادراً ما يحدث العكس.. ما قراءتك لهذه الظاهرة؟

لم أجد بالفعل روائياً عربياً توجه إلى كتابة الشعر، ولكن الملاحظ هو العكس دائماً، وأضرب مثلاً بسعدي يوسف وإبراهيم نصر الله وغيرهما، حتى عبد الرحمن الأبنودي كشفت أرملته الإعلامية نهال كمال أنه كتب رواية ستنشر قريباً. أيضا أذكر أن الشاعرة نازك الملائكة قبل وفاتها بالقاهرة، كتبت القصة القصيرة، وأصدرت مجموعة قصصية، ربما تمهيداً لكتابة الرواية.
لا أريد أن أقول إننا نعيش زمن الرواية، ولكني اعتقد أن الرواية الآن هي "ديوان الحياة المعاصرة" وهي التي تحمل كل وجهات النظر، والحوار والحوار المضاد، والبطل والبطل المضاد، واللغة واللغة المضادة، الرواية الآن حمّالة لكل شيء، تستطيع أن تضع فيها قصائد، وقد حدث هذا في "رئيس التحرير" بالفعل، ففيها العديد من القصائد والأبيات الشعرية، وتستطيع أن تضع في الرواية تاريخاً وسياسية واقتصاداً وتحليلاً نفسياً وتجارب تشكيلية، ومشاهد سينمائية .. الخ، الرواية عالم بأكمله يستطيع أن ينسج خيوطه بمهارة الروائي أو السارد الجيد.
في الرواية تستطيع أن تلعب بالزمن، وقد حدث أيضاً هذا في "رئيس التحرير" حيث التقدم والرجوع، والرجوع والتقدم عن طريق استخدام التقنيات والفلاشات الروائية، فمن حديث عن انتفاضة 18 و19 يناير 1977 إلى حديث عن ثورة 25 يناير 2011 على سبيل المثال، عن طريق الفلاش باك، أو العودة إلى الوراء.
وأستطيع القول إنني لم ألجأ إلى القالب الروائي لمجاراة بعض الشعراء الذين تحولوا إلى كتابة الرواية، ولكن بالفعل هذا العمل فرض نفسه لأن يخرج بهذا الشكل الروائي، أو السيرذاتي. واعتقد أنه من المستحيل أن يخرج في قالب شعري أو حتى في مسرحية شعرية، أو في قالب قصة قصيرة بطبيعة الحال.


* يرى البعض كثرة بالإنتاج الروائي في عالمنا العربي قد تكون أكثر مما تحمتله السوق، وربما ليست هناك مبررات فنية لكثير منها..

بالفعل يوجد إنتاج روائي غزير في عالمنا العربي، وقد ذهلت عندما تصفحت آلاف العناوين الروائية في معرض القاهرة الدولي للكتاب الذي انتهى مؤخراً، كما ذهلت أيضاً عندما شاركت في ملتقى السرد الروائي الخامس بالعاصمة الأردنية عمّان منذ أشهر، حيث تحدث المشاركون عن روايات كثيرة ومهمة لم أسمع عنها، وقد صدرت في دول عربية أخرى.
وقد لاحظت أنه منذ أن فاز أديبنا الكبير نجيب محفوظ بجائزة نوبل للآداب عام 1988 والإنتاج الروائي بدأ في التصاعد، إلى أن وصل إلى ما نحن عليه الآن. هذا في حد ذاته أمر جيد. ولكن ما يثير الدهشة أحياناً أن بعض الشباب صغير السن الذي لم تكتمل أدواته اللغوية وتجاربه الحياتية، ورؤاه الفنية بعد، يلجأ إلى كتابة الرواية مباشرة، لذا نجد الكثير من الأعمال المترهلة والضعيفة لغوياً وإبداعياً وفنياً.
أنا أعتقد أن الرواية صناعة ثقيلة، تحتاج إلى خبرة ودربة وقراءة في كل الاتجاهات، وتفاعل مع الواقع والمجتمع والناس وتشابك مع اللغة والفن، وعلى سبيل المثال هناك تحليل فني في "رئيس التحرير" للوحة "الحمام التركي" للفنان الفرنسي أوغست دومينيك أنغر، ومن الصفحات التي حذفتها بالرواية تحليل فني للوحة "بنت البلد" للفنان حامد عويس، واكتفيت بالإشارة لها.

كما أنه من الملاحظ أيضا ولوج الكثير من الكاتبات عالم الرواية، بعد أن كان عددهن ضئيلا فيما سبق، ويبدو أن نزعة التحرر عند المرأة ورغبتها في الثورة على القيود وما عرف باسم "النسوية" أسهم في لجوء الكاتبة إلى عالم الرواية التي تستطيع فيه أن تفضفض وتبني عالماً واسعاً من الكلمات سواء كان واقعياً أو خيالياً. وقد قرأت في الإسكندرية لعدد منهن، وكتبت عن بعضهن من المبشرات واللائي يجدن الكتابة بالفعل.
إلا أن ما أثار دهشتي وتساؤلي ما لاحظته في معرض القاهرة الدولي للكتاب؛ رواية أحد الشباب وقد وضع الناشر عليها "الطبعة 40"، سألته كيف الطبعة الأربعون لكاتب شاب لم يسمع الكثيرون عنه، ولم يتم تحويل روايته إلى الشاشة على سبيل المثال، وكم نسخة تطبعون من كل طبعة؟ أجاب أنه يطبع من كل طبعة ألف نسخة، وتوزع كاملاً، حقيقة ما زلت مندهشاً. لم أقرأ تلك الرواية بعد، ولكن سأقرأها ربما أجد فيها شيئاً شبابياً مختلفاً، وأتمنى ذلك.

الأمر يحتاج إلى ملاحظات وتحليل وتفسير، بالفعل، هل الرواية تلبي الآن إشباعاً واحتياجاً ما لدى القارئ عموماً، والقارئ العربي على وجه الخصوص، أكثر من الشعر والقصة القصيرة مثلاً؟ أسئلة في حاجة إلى إجابات بالفعل.
هل المجتمع المدني هو الذي أنتج كل هذا الكم من الروايات؟ على أساس ما يقال إن الرواية بنت المدينة، وبنت الطبقة البرجوازية، والشعر هو ابن الريف وابن الطبقة الكادحة. طيب ما قولنا عن روايات تتحدث عن الريف منذ كتابات محمد حسين هيكل "زينب" ودعاء الكروان لطه حسين، وروايات محمد عبدالحليم عبدالله وغيرهم؟


* هناك روايات تصادر ويسجن أو يجلد كاتبها..كيف تنظر الى ما يطال الأدب من عسف؟

كما سبق القول إن الرواية تستطيع أن تحمل في طياتها كل وجهات النظر، مع أو ضد، وهناك روايات خرجت بسببها مظاهرات مثل "وليمة لأعشاب البحر"، وهناك من أُهدر دمه بسبب رواية مثل سليمان رشدي، وهناك من سجن مثل أحمد ناجي، وغير ذلك من الحوادث التي وقعت بسبب أعمال روائية جريئة وصريحة، حتى نجيب محفوظ لم يسلم من ذلك، ولا أتحدث هنا عن محاولات اغتياله قبل وفاته وبعدها، ولكن أتحدث عن الرأي المضاد لبعض رواياته مثلما تردد من صدور أمر اعتقاله من المشير عبدالحكيم عامر، وتدخل الرئيس جمال عبدالناصر لفك الاشتباك بين عامر ومحفوظ، وما حدث أيضا من ثورة الأزهريين عقب نشر رواية "أولاد حارتنا" في جريدة الأهرام عام 1959. فكان قرار طبعها خارج مصر، لذا عندما قرر أحد الناشرين بعد سنوات طويلة نشرها في مصر اشترط محفوظ أن يكتب أحد علماء المسلمين مقدمة لها.
أعتقد أن الرواية تحتاج إلى مساحات من الحرية والتحليق والخيال والإنسانية لتبدع نفسها دون خوف وإرهاب فكري وأيضا جسدي، وما دامت هذه الأجواء غير متوفرة في بيئاتنا العربية، فستظل الكوارث متلاحقة، وسيظل الإبداع متجددا وجاريا لا ينضب أبداً.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.