}

إبراهيم الحيسن: الجسد في التشكيل العربي خاضع لسُلطة المجتمع

أشرف الحساني 13 أكتوبر 2017
يعتبر الباحث والناقد المغربي إبراهيم الحيسن، أحد أهم النقاد المغاربة الذين انشغلوا بالدرس الفني ممارسة وتنظيرا، راكم من الكتب ما يجعله اليوم في طليعة النقاد المغاربة، الى جانب كل من بنيونس عميروش ورشيد الحاحي وشفيق الزكاري ومحمد الشيكر وغيرهم من النقاد. فقد صدر له إلى حدود اليوم، أكثر من 26 كتابا بين النقد الفني والدراسات الأنثروبولوجية المتخصصة في ثقافة البيضان، نذكر منها: التشكيل والسينما، الأيقونة والجسد: نماذج من الفن التشكيلي المغربي، السلطة والجسد مقاربة للممنوع في ثقافة البيضان، الشعري والتشكيلي: المعايشة الجمالية بين اللفظي والمرئي، الجمالية والإيديولوجيا: عن العلاقة المتشابكة بين الفن والسياسة. كما حاز على عدة جوائز مغربية وعربية أهمها جائزة البحث النقدي التشكيلي التي تنظمها دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة.   

هنا حوار مع الفنان والناقد التشكيلي المغربي إبراهيم الحَيْسن في العديد من القضايا المتصلة براهن الممارسة التشكيلية في المغرب، وكذا التجربة التشكيلية العربية في ضوء الفنون الجديدة، إلى جانب حديثه عن جملة التحوُّلات التي شهدها الوعي البصري والجمالي في أوروبا وأميركا، فضلاً عن مقاربته لتيمة الجسد في التعبير التشكيلي العربي وتأثير التكنولوجيا والميديا الرقمية على الفنون المعاصرة والرَّاهنة

 

* كيف تقرأ الممارسة التشكيلية الرَّاهنة في المغرب، وإلى أي حدٍّ نجح الفنانون المغاربة في الانخراط في الحداثة الفنية وما بعدها؟

الواقع أن مظاهر الحداثة في التجربة التشكيلية المغربية لا تزال بطيئة ومحتشمة، وذلك بالنظر إلى عوامل كثيرة تتصل أساسا بالانشغال المجاني بأسئلة الحداثة البصرية والفشل في استيعاب وتطويع الاتجاهات الفنية الجديدة والمبتكَرة وتكييفها مع الحاجيات الإبداعية الملحة. أضف إلى ذلك أن الكثير من التشكيليين المغاربة - مع استثناءات قليلة - كشفوا عن ضعف ملحوظ وعجز واضح عن تجاوز الوافد من التيارات الفنية الغربية المنبثقة من رحم فن أوروبي تمرَّد على تراثه التقليدي الذي ساد لأكثر من أربعة قرون.

على هذا المستوى، حاول بعض الفنانين الانخراط في "موضة الحداثة" بنوع من الوهم، سواء من خلال الاستقواء بالعلامات والرموز البصرية المستعارة من تربة الثقافة الشعبية، أو من خلال استعمال حروفية ساذجة وفارغة من أي محتوى ثقافي وجمالي، إلى جانب انتشار التصويرية الاستشراقية Orientaliste التي كرَّستها وفرَّختها معايير وأذواق برَّانية كانت السبب الرئيس في اختلاط الفن النخبوي الجاد بالفن الاستهلاكي المستنسخ.

أضف إلى ذلك سقوط غالبية التشكيليين المغاربة الذين اختاروا الإرساءات التشكيلية Installations والفيديو الإنشائي والبرفورمانس في مصيدة الاستعارات والإسقاطات الفكرية والجمالية المنسوخة التي قامت عليها فنون ما بعد الحداثة التي تعود جذورها الأولى إلى الفن الشعبي (البوب آرت) وإلى حركة الفلوكسس، ولا سيما أعمال الفنانين نايم جون بايك وألن كابرو وجوزيف بويس وجاسبر جونز، وهي من أبرز التعبيرات التي ارتبطت بالحركات الطلابية والاجتماعية الهادفة إلى إيقاف الحروب وحماية البيئة والتحرُّر الاقتصادي. إلى جانب هذه الفئة من الفنانين، يوجد تشكيليون مغاربة آخرون (مصوّرون ونحاتون) انهمكوا بمشكلات المشاغل والمحترفات الأوروبية محاولين - بكثير من السذاجة الإبداعية - إسباغ الصفة الحداثية على أعمالهم الفنية. غير أن هذا الكلام لا ينفي وجود تجارب مغربية تعد على أصابع اليد الواحدة استطاع أصحابها فهم السياقات التعبيرية والجمالية لهذه الفنون وتمكنوا بالتالي تقديم إبداعات تشكيلية ملحوظة لقيت استحسان النقاد والمهتمين بالفنون التشكيلية المعاصرة داخل المغرب وخارجه.

* من زاويتك كناقد، كيف تبدو لك التجربة التشكيلية العربية عموما في ظل الفنون الجديدة التي يسعى الوعي البصري والأوروبي إلى تكريسها داخل المشهد الفني العالمي بإيعاز من مؤسسات برَّانية عديدة؟

لم يكن سهلاً بروز بعض الأعمال التشكيلية العربية المعاصرة في ضوء الفن الرَّاهن بما أفرزه من تجارب وتيارات فنية طارئة قلبت موازين الفن وأعادت الأسئلة من جديد حول جدوى الفن اليوم.


هذه التجارب والتيارات كان لها مفعول الصدمة والتأثير الواضح على مسار التوجه التشكيلي في البلاد العربية، لا سيما في ظل وجود "هشاشة إبداعية" بسبب انعدام التأطير والتزوُّد بالمعرفة الفنية الكافية بيداغوجيّاً وأكاديميّاً، إلى جانب ضعف البنيات التحتية الفنية وغياب الاعتراف بالإبداع التشكيلي داخل برامج سياساتنا ومخططاتنا الثقافية العربية بوجه عام.

هكذا، وعلى الرَّغم من محاولات التجديد والتحديث في الوطن العربي، فقد ظل المنجز التشكيلي العربي الرَّاهن في عموميته مقيَّداً بصورة مخجلة إلى الأداء التشكيلي في الغرب.

ولأن "للعمل الفني مصدراً"، كما يقول ميرو بونتي Merleau- Ponty، فإن عديد من الإنتاجات التشكيلية العربية الرَّاهنة تبدو فاقدة لهذا المصدر لأسباب كثيرة تتصل بالوضع الحضاري العربي العام، ولأسباب أخرى تتعلق بقضايا المنهج في مؤسسات تعليم الفنون منذ أربعينيات القرن العشرين، فضلاً عن ضعف وهشاشة المؤسسات الفنية وقلة الدعم والتحفيز والرعاية وعدم تجسير المسافة بين الفن والمجتمع المحلي وعدم مواكبة ما يجري في العالم على صعيد الفن والإبداع. في ضوء ذلك، أضحى الفنان التشكيلي العربي تائهاً، مرتبكاً ومشدوداً نحو البحث عن منافذ "سهلة" لولوج العالمية من أوسع الأبواب بالقفز على المراحل وحرقها من دون تحقيق تراكمات إبداعية كفيلة بمنحه هذه الإمكانية وانتزاع الشرعية الدولية.

يجعلنا هذا الوضع نخلص إلى كون مشكلة الإبداع التشكيلي العربي الحديث والمعاصر هي أنه ما يزال محكوماً بنسقية عبثية مبنية على هوية ضيِّقة متشظية وأصالة منقطعة، والسبب في ذلك أن العديد من التشكيليين العرب المعاصرين جعلوا من التعامل مع الحداثة الفنية صورة استعراضية (فولكلورية بمعنى أصح) أوهمتهم بالانتماء إلى الآخر، إلى فن الآخر. فأوصلهم هذا الوهم إلى "تجسيد" أفكار فارغة المحتوى على حساب الفن وتقنياته وإلى "التحرُّر" من القيود الاجتماعية والثقافية والسياسية.

ولا شك أن تحقق الفن في الإبداع التشكيلي العربي الجديد رهين بتوفر العديد من الظروف والشروط، لأن المنجز التشكيلي عموماً يحتاج إلى ذلك لتجاوز الأزمة التي تنبأ بها أدورنو Adorno صاحب مؤلف "نظرية جمالية" Théorie esthétique في إشارته إلى فرضية نزع جمالية الفن في عصر مهموم، ويقصد بذلك الفن الحديث الذي سمّاه الفيلسوف الألماني ماكس ويبر M. Weber بـ"خيبة الأمل".

* يتفق كثير من النقاد على أن الفن الجديد قام على هزَّات غير مسبوقة في تاريخ الفن جعلته يتجه نحو أشكال تعبيرية مغايرة لما هو مألوف في السابق، إلى أي مدى تتفق أو تختلف مع هذا الرأي؟

ينبغي ألا ننسى أن تيارات واتجاهات فنية طليعية عديدة ساهمت في ظهور الفن الجديد، وهي المعروفة أيضاً بـ"فنون ما بعد الحداثة"، من أهمها: الدادائية الجديدة وفن البيئة، أو فن الأرض، والفن المفاهيمي، الفن الإيجازي، فن الحدث Happening، فن الجسد (البودي آرت)، السبرانية، الفلوكسس Fluxus، فنون الميديا وفن التجهيز والإرساءات وغيرها.

في هذا السياق تُبرز الباحثة ناتالي إينيك N. Heinich أن الفن الجديد "وضع القواعد المعيارية للفن ليعمل لاحقاً على هدمها ومحوها" بعد أن ارتبط بمفهوم الحرية، وهو من أهم خصائصه الى جانب التنكر للواقع والإبقاء على ذاتية الفنان والتركيز على خبراته وتجاربه الإنسانية والإبداعية كغاية للتعبير الفني والجمالي.

من حيث التكنيك، نأى الفن الجديد عن التقاليد التقنية المقيِّدة فاتحاً المجال بذلك لظهور قيم تعبيرية أخرى في اللون والشكل والتوليف والتمرُّد على القواعد والنظم المتوارثة عن العصور الكلاسيكية، وعن عصر النهضة بالتحديد. أما من الوجهة التيماتية، فلم تعد وظيفة الفن في العصر الرّاهن هي التعبير عن غرض ديني أو أخلاقي، قدر ما حلَّ التجريد محلَّ السَّرد وتمجيد الأساطير، وانفتح الفنانون على حوامل وخامات جديدة ومتنوِّعة مكنتهم من استعادة الأشياء الجاهزة (الريدي ميد) وانمحت بالتالي الحدود بين الفن واللافن، وانبثقت إستتيقا مغايرة قائمة على الاستعراض والأداء الحي. كما ولج الفن الجديد عالم الوسائط وعالم الملتي ميديا إلى غير ذلك من الحوامل الجديدة التي منحت الفن سمات وأدواراً أخرى لم تكن سائدة من قبل.

بسبب ذلك، صار الفن الجديد أسيراً لسطوة رأس المال التي فرضت واقعاً جديداً وسلطة جديدة في الفن قائمة على تناسل الأروقة والغاليرسهات وتكاثر الجمَّاعين والشرَّائين والوسطاء Médiums، والانصياع للثورة التقنية بمختلف تأثيراتها على الفن.


* شكل الجسد معضلة حقيقية في الفن التشكيلي العربي. إلى أي حدٍّ استطاع التشكيليون العرب تجاوز طابو الجسد الذي فرضته مؤسسات دينية واجتماعية وثقافية عديدة؟


في الفن التشكيلي العربي، برز الجسد خاضعاً لسُلطة التابوهات والمحرَّمات التي تمارسها اللغة والمجتمع. لذلك أخذ هذا الجسد يتخذ أشكالاً رمزية قريبة من التجريد وبعيدة عن التشخيص، قبل أن يتحرَّر لاحقاً ويبرز مكشوفاً، ظاهراً وعاريّاً إلا من الأعضاء الجنسية. ولعل التجربة الجمالية الفلسطينية مثلًا تُعَدُّ من أبرز التجارب الفنية العربية التي قدَّمت الجسد في صورة بالغة التعبير، بالنظر إلى الظروف العصيبة التي عاشها ويعيشها الرسامون الفلسطينيون منذ أيام الاستعمار البريطاني في سنة 1917.


عموماً، ظل التعاطي لرسم ونحت الجسد العاري في التجربة الفنية العربية الإسلامية خجولاً ومحتشماً واصطدم مع معضلة "الإنكار الديني" للتصوير والتجسيد التي تفاقمت في ظلّ سُلطة فقهية متزمِّتة عَدَّت الفن التشبيهي اختراقاً للمؤسسة الدينية والأخلاقية. وقد ازداد هذا العداء الشديد للصورة في الفن العربي الإسلامي وتضاعف مع ظهور إيديولوجيا معادية لمستشرقين Orientalistes ربطوا طروحاتهم بتأويلات خاطئة لنصوص دينية ناقصة تَعتبر المصوِّر شيطاناً تجب معاقبته يوم الآخرة!


زد على ذلك أن كليات الفنون الجميلة بأقطار عربية رائدة ؛ مصر، سورية، العراق، طاولتها الرقابة والمصادرة، وغابت عن محترفاتها التكوينية مادة التشريح البشري والموديل العاري الذي لقي اعتراضاً شديداً من لَدُنِ بعض التيارات الإسلامية والأصوليات المتطرّفة التي ذهبت إلى حَدِّ إصدار فتاوى تُحَرِّمُ فنون النحت والتجسيد. مع العلم أن الدين الإسلامي ليس دين الممنوع والمحظور، ودليل ذلك وجود شواهد مادية مشهورة بطابعها الجمالي التشبيهي والتشخيصي Figuratif، أبرزها تلك التي ظهرت خلال عهد هشام بن عبد الملك، كقصر خِربة المفجر، وقصر الحير الغربي، وقصير عمرة، وغير ذلك من الفضاءات المعمارية التي تتضمَّن رسوماً جدارية تجسّد مشاهد العُري والرقص والصيد والاستحمام.. إلخ.

 من ثمَّ، أضحى الجسدُ في الإبداع التشكيلي العربي الإسلامي أيقونةً مبهمةً ترسم في غموضها والتباسها ملامح القهر والاستبداد والقتل الرمزي الذي لا يزال ينخر متخيّلنا الإبداعي ووجداننا الجمالي المشترك.

* الرَّاجح أن معظم التشكيليين العرب وغيرهم تأثروا تأثيراً سلبيا بالتكنولوجيا والميديا الرقمية. ما السبيل للاستفادة إبداعيا من هذه الوسائط وجعلها في خدمة الفن وليس العكس؟



عندما تَنَبَّأَ الفيلسوف الألماني والتر بنيامين W. Benjamin بأثر التكنولوجيا على الفن ودور وسائط الاتصال في تغيير الطابع التفرُّدي للفن كان على حدس كبير لمعرفة درجة تأثير الوسائط التكنولوجية الحديثة على رؤية الفنان وتفكيره تجاه الفن ودفعه إلى إعادة النظر في أشكاله الفنية. فقد سبق لبنيامين - أحد أبرز مفكري مدرسة فرانكفورت - أن أصدر في طبعات عديدة كتاب "العمل الفني في عصر الاستنساخ الآلي" متسائلاً فيه ومن خلاله عن مصير الفن في المجتمعات الغربية ومؤكداً أن الوسائل التقنية والتجارية المعاصرة قد تؤثر سلباً على العمل الفني بشكل يترتب عنه تدهور وانحطاط العمل الفني وترمي به إلى تلاشي أصالته وحقيقته، لاسيما عندما يخضع هذا العمل لمنطق السوق والربح والاستهلاك، مثلما أكد أيضاً على أن العمل الفني ينبغي أن يكون متميِّزاً ومنفرِّداً وأصيلاً.


وقد اعتبر كثيرون هذا الكتاب سنداً مرجعيّاً في بحث الصلة بين العمل الفني والعصر الذي يُعيد إنتاجه تقنيّاًّ، وفيه نظَّر بنيامين لمفهوم الهالة، أو العبق Aura أدبيّاَ وفنيّاً والذي يتبدَّى من خلال حقيقة الفن وفرادته وزوال طابع التقديس عن العمل الفني الذي مهَّد للابتكار في الفن المعاصر، بحسب تصوُّره.

زد على ذلك أن استعمال الوسائط المتعدِّدة انتعش بوتيرة سريعة في الإبداع التشكيلي الحديث والمعاصر، لا سيما مع تيارات الحداثة الفنية وما بعدها، بدءاً مع الحركة الدادائية، ومع رائدها الفنان الانقلابي مارسيل دوشان الذي عرض "المِبولة" سنة 1917، وله أيضاً أعمال مشهورة كـ"عجلة الدراجة"- 1913، و"ما يسبق الذراع المكسورة"- 1915، و"عارية تنزل الدرج"، إلى جانب سلسلة التكوينات والتلصيقات الآلية الموجودة في وضعيات وتراكيب شاذة للفنان كورت شويترز Schwitters، وغير ذلك كثير. تُضاف إلى ذلك مجموعة من الاتجاهات الفنية الحديثة الأخرى ذات الأبعاد البصرية، والتي ظهرت على خلفية التصدِّي للتجريد اللاشكلي.

ويظل المطلوب من الفنانين، العرب وسواهم، البحث في طرق الاستفادة من الوسائط التكنولوجية في الفن وضرورة الوعي بأن الثورة الرقمية للإبداع وللفن فتحت عالماً جديداً موازيّاً للعالم الواقعي هو العالم الافتراضي الذي بفضله أمكن للفن استعمال أدوات ووسائل جديدة. بهذا المعنى، تأثر الفن الجديد بالميديا الرقمية وبسطوتها، وأمسى الفن الجديد أسيراً لسطوة الأنظمة ووسائط الاتصال الحديثة، كما تقول آن كوكلين A. Coquelin.


* تطرح المدينة العربية اليوم أكثر من سؤال جمالي يدعو إلى تعزيز العلاقة بين الرسام والمعماري. برأيك، ماذا ينقص مددنا العربية من هذه الوجهة؟

المحزن أن عديداً من مدننا تبدو اليوم كئيبة بفعل تاريخ ملوَّث ومليء بالأخطاء في البناء والتشييد، والكثير منها عمَّها الدَّمار والهدم في زمن العنف ومنطق الأقوى! بذلك تواجه هذه المدن مشاكل جمَّة وتشوُّهات يتطلب ترميمها وقتاً طويلاً وجهداً مضنيّاً وإمكانات ماديّة ولوجيستية متصلة بالإعمار وإعادة البناء والتشييد، تدفعنا هذه الصورة إلى طرح الأسئلة التالية: ما الذي تحتاجه المدينة الحديثة اليوم؟ وهل تخضع التهيئة العمرانية لمدننا لشروط جمالية Esthétiques مساهمة في توفير عنصر الراحة والطمأنينة للسكان؟ وإلى أي حَدٍّ يتمُّ إشراك الفنان التشكيلي في التخطيط العمراني وتأهيل المدن والحواضر من خلال التصوُّرات الجمالية والمنجزات الفنية بشراكة مع البلديات والمجالس المنتخبة والهيئات المدنية؟ وكيف نجعل المدينة مكاناً جميلاً ومشهداً حضاريّاً يستجيب للحياة ولقيم الفن والجمال؟

قد يُصبح المكان إشكالية إنسانية ما لم يتوفر على عناصر الجمال، وكم نحتاج كثيراً لأحلام يقظة لمقاومة بؤس المدينة والاحساس بـ"ألفة المكان" التي تحدَّث عنها غاستون باشلار.

لا شك أن الأسئلة سالفة الذكر تثير الحاجة إلى الوعي بالمكان، في أبعاده النفعية والجمالية، بأهمية المكان في حياة الإنسان كفضاء وكذاكرة وكشرط وجود Raison d’etre. يقتضي هذا الوعي إدماج عناصر الفن والجمال في المنظومة المعمارية وفق تنسيق بصري ممتد ومتكامل لا يلغي الحدود بين الأدوار والمسؤوليات والاختصاصات.


* ما هو جديدك على مستوى الكتابة والتأليف؟

بعد شهر تقريباً، سيصدر لي كتاب حول الاستشراق الفني في المغرب (تصوير برؤية كولونيالية) تساءلت من خلاله عن الصيغ والأساليب الفني التي رسم بها المصوِّرون الأجانب المغرب، وعن الخلفية الكولونيالية التي طبعت الاستشراق الفني في الشمال كما في الجنوب. مثلما تناولت في الكتاب مساهمة لوحات الفنانين المستشرقين في تجسيد الثقافة المغربية الأصيلة ممثلة في اللباس التقليدي والمعمار المحلي وحركية الأسواق والفروسية والحِرف البحرية ومظاهر الاحتفال الاجتماعي، إلى غير ذلك من التيمات التي أثارت غريزة وفضول هؤلاء الفنانين الباحثين أيضاً عن شمس المغرب وضوئه.

كما بحثت في هذا الكتاب عن مدى تأثير هذه التجربة الفنية على المشهد التشكيلي المغربي، لاسيما مع أوجين ديلاكروا وهنري ماتيس وشارل كاموان وبنجامين كونستان، وفي ما بعد ماريانو بيرتوتشي وجاك ماجوريل وغيرهم من الفنانين الذين وثقوا ارتباطهم بالمغرب لسنوات خلت.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.