}

جدوى الشعر في زمن الفجائع.. شهادات ورؤى (1)

أوس يعقوب 9 فبراير 2020
هنا/الآن جدوى الشعر في زمن الفجائع.. شهادات ورؤى (1)
عمل فني للتشكيلي الإيراني مهدي سعيدي
في ظلِّ ما نعيشه اليوم من فجائع أصابت أوطاننا بعد أنْ واجه الطغاة شعوبهم المنتفضة بآلة القتل والترويع والبطش يوم غصت الشوارع الثائرة بالأحرار والحرائر في غير بلدٍ عربيّ، مطالبين حكامهم -الذين أسقطوا معادلة الشعب والحكم العادل- بالحرّيّة والكرامة والعدالة، يصبح السؤال ضرورياً وملحاً عن جدوى الشعر في راهننا العربيّ، وعن مكانة ودور الشاعر، الذي كان قديماً شرارة كل ثورة، خاصّة الآن ونحن نشهد مع الموجة الثانية من ثورات الربيع العربيّ، تحوّلات كبرى في مشهدنا العربيّ سياسيّاً واجتماعيّاً وثقافيّاً.

نفتح ملفاً خاصاً مع عدد من الشعراء والشاعرات من مشرق عالمنا العربيّ ومغربه، وممن اختاروا المنافي البعيدة أوطاناً مؤقتة لهم، سائلين إياهم: "ما جدوى الشعر في زمن الفجائع الذي نعيشه اليوم؟".
هنا الجزء الأول:

 

من اليمين : برقاوي، العربي، خلاف، بزون، زرقة، كريم

















أحمد برقاوي (فلسطين): الشعر بوصفه هماً

أيها العدم المتجول في أجسادنا

كجلاد طاغية لا يعرف الرحمة

ومنحت فلاسفة الوجود فضاءً للرؤيا

يا من حملت العيون على البكاء

ورسمت أسارير الفرح على الوجوه

لماذا تركت الشر ساكناً قلب الحياة!


كلّ كتابة هي همٌ، الكتابة هماً هي حضور الذات بهمومها الفردية والكلية، في الشعر يتعين الهم في أعلى صوره الجماليّة الصادقة. ولكن الشعر هماً يعني أنّ الهم الكلّي صار هماً ذاتيّاً، والهم الذاتي وقد صار هماً كلّيّاً ولكنه ليس الهم المبتذل، بل الهم الذي قالت اللغة عنه بأنّه ما يؤرق الذات ويحزنها والذي قالت الفلسفة عنه بأنه انشغال الذات بذاتها المهمومة التي تفيض قلقاً وجودياً. فالشعر هماً ليس هو الشعر شغلاً. فالذات الشاعرة المنشغلة بذاتها غير المهمومة تنتج شعراً رديئاً في الغالب محدود الأثر ومحدود الزمن.
ربّ شاعر واحد يعيش التجربتين فيبدع نصّين لا يمكن أنْ يكونا للشاعر نفسه، بل لذاتين مختلفتين.
الشاعر يعيش الكلّي بوصفه همّه الذاتي، فيقدم للجمهور الذي يعيش تجربة الهم الكلّي، وهو يخوض معركة الحياة والحرّيّة والكرامة، صورته الشعريّة. فالعائش تجربة التمرد والثورة في سبيل الحرّيّة والكرامة والغربة وضيق الحال والاضطراب والسعي والفشل والحزن والأمل ما يعزز وعيه بالمصير الذي اختار أنْ يعمل على تحقيقه، فالذات الشاعرة وهي تنخرط في صناعة التراجيديا الإنسانية تعبر عن النفوس وهي في أوج همها وألمها وحزنها وقلقها وأرقها وسعادتها في صناعة الوجود.

 

أحمد بزّون (لبنان): الشعر حياة
قد تطغى الفجائع على الشعر بقسوتها، أو تحجبه بأهوالها وقسوتها، لكنها لا تقتله أو تلغي أثره وضرورته في الحياة، بل أهميته في التخفيف من وطأة هذه الفجائع والبحث عما يعوّض متلقي الشعر أحزانهم بالمتعة، ذلك أنّ الشعر حياة، والحياة لا بد من أنْ تستمر رغم كلّ شيء.
على أنّ سؤال جدوى الشعر نفسه، تردد ويتردد في كلّ الأزمان، وكلّ الظروف والحالات، إلّا أنّ السؤال عنه في زمن الفجائع يعيدنا إلى مطالع القصائد الجاهلية التي كانت بكاءً على الأطلال، ووصفاً لفجائع أصابت المكان ولم يتبقَّ منه سوى بعض أثر.

يأخذنا السؤال عن جدوى الشعر، إلى الخلاف الأساس بين الفلاسفة والنقاد والشعراء، حول أنّ الشعر نافع أم مجرد قيمة جماليّة. وهنا لا يمكن أنْ نوافق سارتر في إخراج الشعر من باب الالتزام، ولا من يقول إنّ الشعر هدف بذاته ولذاته، ولا ما يقال أحياناً عن موت الشعر، فيعتبر أنّه لم يعد مطلوباً أو مقصوداً أو ضرورياً للحياة، في زمن اشتعال التكنولوجيا.
ومنذ البداية كان امرؤ القيس، في بكائه على الطلل شعراً، يقيم بناء متخيلاً بديلاً من البناء الذي تهدم في الواقع، وكذلك هي حال شاعر اليوم، عندما يكتب بعد فجيعة إنّما يؤكد بشعره وجوده أولاً، ثم استمرار الحياة ثانياً، فالشعر في زمن الفجيعة هو ذلك البناء الموازي لها، الرافض المتمرد عليها.
على هذا الأساس، فإنّ جدوى الشعر تكمن في أنّ الشعر يتخطى حدود الحدث، مثلما يتخطى حدود الأفكار التي يأتي بها النثر، ليذهب إلى تلك المتعة التي تشبه السحر والأحاسيس الغامضة الجميلة التي تهندس الروح. بهذا المعنى يكون الشعر ملجأ من يتذوقه ويحيا فيه، ليستعين به على الفجيعة، مثلما تستعين المرأة الثكلى على حزنها بحداء مسجع قريب من الشعر، عندما تصاب بفاجع، أو مثلما يطلق مغني الفلامنكو حنجرته، أو تطلق راقصة حزينة جسدها، تعبيراً عن ذلك الانفجار الروحي الغارق في تاريخ الحزن والألم.
بالشعر نستطيع أنْ نتماهى مع الفجيعة ونبدّدها في الآن نفسه، نستحضر الواقع المرّ ونعيش فيه، ونكتب قصائدنا في حضرته، لا لنكثفه، إنّما لنرفضه ونقفز فوقه. وبما أنّ الشعر يتميز بالتخييل والتحليق في عالم جميل من الصور والألفاظ والإيقاعات والعواطف والانفعالات، لا يمكن أنْ نغادره عندما تقع الفجائع.
يبقى أنْ نقول: لا يمكن أنْ تكون للشعر جدوى إلّا عندما يكون جميلاً.

 

فرج العربيّ (ليبيا): ما جدوى الشعر؟ ما جدوى الحَرب؟
زمَن الفجيعة الذي نعيشه هُو الحَرْب المدمرة، التي تخنقك وتَظَلّ صَامَتاً، تَنْظُر إلى الحَيَاة المقهورة من حَوْلِك ولا تَسْتَطِيعُ أنْ تَفْعَلَ شَيْئاً.
الحَرْب تَجْعَلُك تَعِيش إحسَاس المَوت، وأنتَ تَسْمَعُ أَصوات الصواريخ والقنابل على بُعد أمْتَار قليلة مِنْ بَيْتِكَ وتتخَيَّل في أَيِّ لحظة أنْ يَسْقُطَ سَقْف بَيْتِك، وتتوالى بعدها مَرَاثِي الْأَصدِقَاء والأَحِبَّة عَلَى صفحاتهم لِيَوْمٍ أَوْ يَومَيْن ثُمَّ يَنْسَاك الْجَمِيع.
ما جدوى الشّعر وَالكِتَابَة إِزَاء المَوت اليوميّ والتهجير والنزوح وفقْدَان الأمان، والحيَاة في الحربِ رَخِيصَة؟!

ما جدوى أنْ تَظَلّ أَسِيراً للهواجس والاحتِمَالات، أنْ تسأل دَائِماً ولا تَجِدُ إجابة، أنْ تَقول لا في زَمَنِ الرضوخ والْإِذْلَال وَالْخِيَانَة.
ما جَدْوَى الْكِتَابَة أَصْلاً وأنتَ تخَافُ أنْ تَفَقّد كلّ ذكرياتك ودفاترك وركنك الوحيد في هذا العَالم.
الحَرب عَلَّمْتَنَا أنّ الحَيَاةَ فِي يَدٍ وَالمَوْتُ فِي الْيَدِ الْأُخْرَى وَالفَرْق الوَحِيد بَيْنَهُمَا أنّنا نَعْرِف الْحَيَاة جَيّداً ونعشقها ولكِنّنَا لَا نَعْرِفُ المَوْت وسيظلّ سِرّنَا الغَامِض.
عِنْدَمَا تَنْقَطِع الكَهْرَباء في البَرْد الشّدِيدِ وتلجأ إلى إِشْعَال الفَحْم وتصطك ضلوعك مِنْ البَردِ وتحتمي كَطِفْل مَوْجُوع فِي زَوَايَا بَيْتِك البَارِد، أتساءل ما جَدْوَى الشّعْر وَأنَا أَمُوت بَرْداً؟!
عِنْدَمَا يَقُوم قُطَّاعُ الطُّرُقِ وَاللُّصُوص بسحق إنسانيتنا وَانْتِهَاك أَرْزَاقِنَا وأملاكنا، يشعلون النَّار في بُيُوتِنَا وَقُلُوبنَا وشوارعنا، هل يُمْكِن أنْ نَتَحَدَّث عن الشّعرِ وجدواه فِي هَذَا الزمَن.. الفجيعة فِيهِ أَكْبَرُ مِنْ الشّعْر.
قد تكونُ الكِتَابَة سَلْوَى أو عَزَاء، رُبَّمَا تَكُونُ ضَرُورَةً أو مَرَضاً كَمَا عبّرَ (كوكتو) ذَاتَ يوم.
ما جدوى الكَلَامُ الذِي نمضغه أَو نكرره أَو نَقُولُهُ فِي هَذَا الزَّمَن، الزَّمَن المُرّ لأصواتنا وَنَحنُ نَسْتَمِعُ إلى لحْن جَنَائِزِيّ قَرِيب نعيشه.
ما جدوى الحِوَار أَصلاً إذَا كَانَ الكَلَامُ الَّذِي نَقولُهُ لَا يَصِلُ فِي العلن أو السرّ، ولا يسْمعُهُ أَحَد ولا يُغيّر مِنْ الْوَضْعِ شيئاً؟!

 

هنادي زرقة (سورية): ما من قصيدة يمكنها أنْ تنقذ إنساناً من الموت
لطالما راودني هذا السؤال عشرات المرات قبل إصدار أيّ مجموعة شعرية؟ ما الجدوى من كتابة الشعر؟ من لديه القدرة على القراءة، وإنْ كانت لديه القدرة، هل بوسعه شراء ديوان شعر في الوقت الذي باتت الحاجات الأساسية من طعام ولباس وتدفئة رفاهية في بلد منكوب. والسؤال الآخر الذي أرّقني، بالفعل، هو لمن نكتب؟ هل نكتب لبعضنا، نحن الشعراء والروائيين؟ إنْ لم يصل الشعر إلى أولئك الذين أكتب عنهم ولهم، لم أكتب؟ من هو المهم في زمن الحروب؟ الشاعر أم الطبيب أم المقاتل؟ ولطالما كنت أجيب: إنّ الطبيب أهم من الشاعر.

وربما عامل النظافة أيضاً، ربما متطوع في الإغاثة أهم، فهو يؤمن للناس طعاماً ولباساً.
إنْ كنا نبحث عن الجدوى في كلّ شيء نعمله، أعتقد أنّه لا جدوى من شيء، فما من قصيدة يمكنها أنْ تنقذ إنساناً من الموت، أو تطعم جائعاً أو تدفئ مهجَّراً في خيمة باردة، بات الوضع ميؤوساً منه كلّياً، لكن ربما كتابة الشعر تبعث الأمل فيَّ قبل أيّ شخص وفي أصدقائي ومن أحب، حتى وإنْ كان هذا الأمل واهياً فنحن بحاجة إليه في ظلِّ الموت الدائر. وحين ستُعاد قراءة التاريخ من منظور أدبي بعيد عن السياسة والنصر والهزيمة، ربما كان الشعر والرواية خير من يعبّر عن ذلك التاريخ، بشرط أنْ ينحاز الشاعر إلى الضحية من أيّ طرف كان.

زهير كريم (العراق/ بلجيكا): الشعر نداء النفس
بطريقِ الصدفة، كنت قد التقيت بامرأة في الستين تقريباً، كان ذلك في العاشرة مساء، في زقاق ضيق من أزقة مدينة "سيت" في الجنوب الفرنسي، حينها كنتُ مدعواً لمهرجان الشعر المتوسطي (أصوات حيّة). وفي تلك الساعة كنت أبحث عن مكان ما، ولم أجد في طريقي سوى هذه المرأة التي كانت تقف أمام باب دارها، كانت تضع المفتاح في ثقب الباب: مساء الخير سيدتي. التفتت وردت بتهذيب عالٍ. سألتها وأجابتني، شكرتها، لكنها استوقفتني: هل أنتَ شاعر؟ شعرتُ بالخجل فقد وصلتني كلمة شاعر ثقيلة ومهيبة كما يحدث دائماً: أنا مدعو للمهرجان. أجبتُ بفرنسية كان واضحاً أنّها لغريب، إضافة لشكلي، وكوني لست من المدينة. - أنا أيضاً شاعرة، قالتها بنبرة عادية تخلو من الفخر أو الإحباط، أجبتها: أوه، هل تعتقدين بأنّه من الرائع أنْ يكون المرءُ شاعراً، هل أصدرت كتباً شعرية؟ ابتسمت: لا. هكذا قالتها وبدون اهتمام: ليس رائعاً ولا سيئاً أنْ يكون المرء شاعراً، بالنسبة لي أكتب الشعر منذ ثلاثين عاماً، لكني لم أصدر كتاباً، لا يعنيني مثل هذا الأمر إطلاقاً. كانت إجابتها محبطة وغريبة بل مثيرة: يبدو أمراً محزناً أنْ نكتب ولا يقرأنا أحد. قلت لها وقد أثارتني رؤيتها عن الكتابة: أبداً، لماذا هو محزن، الأمر يعتمد على ما يعني لك الشعر. كان سؤالاً مفاجئاً وصعباً: وأنتِ يا سيدتي، ماذا يعني لك الشعر؟ سألتها لأتخلص من ورطة الإجابة على الأقل: أنا مريضة منذ زمن طويل، الشعر هو علاجي الذي أتناوله، كلّما شعرت بانهيار حالتي الصحية، أذهب الى الشعر، وكلّما تحسنتْ أمزق ما كتبتُ، حتى أبدأ جولة أخرى من العلاج، هذا كلّ شيء.

انتهى هذا المشهد، وقد حاولت أنْ أجيب عن سؤالكم "ما جدوى الشعر في زمن الفجائع؟". فالحقيقة لا جدوى من كتابة الشعر عندما يتعلق الأمر بالبحث عن إجابات عامة، لا جدوى من فهم ما يجري، هناك حقول معرفية خاضت وتخوض في مثل هذه الأمور. الشعر هو نداء النفس وحسب، حاجة للبحث عن الخلاص الشخصي بإضاءة بعض البقع المعتمة في النفس، علاج كما قالت السيدة الفرنسية، والاستجابات للنصّ الشعري، هي استجابة لغويّة، وعرض جماليّ، قضية لا تتعلق بالشاعر بقدر تعلقها بالآخر، والفرنسيون يستخدمون تعبيراً عن رأيهم بالنصّ الجيد يقولون: لقد مسني. المس هنا هو قدرة اللغة المشحونة بالعاطفة وبالرؤية على اختراق الآخر، وهذا الأمر ليس من مقاصد الكتابة في لحظة الاشتغال، بل هي الأطياف التي يطلقها الناس على شكل رسائل هاربة، ينقلها الهواء إلى الآخرين، الشعر هو لغة مقاومة للرؤية التقليدية للعالم، إنّها محاولة للبحث عن ملاذ آخر، أو خلاص شخصي.

 

رانية خلاف (مصر): أشكو للشعر كلّما فجعت
لا أعرف تحديداً متى بدأت في كتابة الشعر. كان الأمر بمثابة كتابة عفوية. استكشاف حذر لمنطقة غير مألوفة. كان ذلك بعد أنْ أوغلت في السرد والحكي. «جسد آخر وحيد»، مجموعتي القصصية الأولى، ثم «حكاية الحمار المخطط» رواية سيرتي الذاتيّة التي خرجت في وقت مبكر عام 2009.
ما الذي أوقعني في نهر الشعر إذاً؟ هل كان فقد أمي قبل تسع سنوات سبباً في تراكم الأسى وانفجار المشاعر؟ هل كانت صدمة فقدان الحب؟ أم هو الأسى الناجم عن تفتح الوعي المتأخر على هذا الزمن المادي القاسي، زمن الفواجع بامتياز؟ لا أدري، لكنني كتبت قصيدةً ذات ليلة واعتبرتها نزوة وإذ بالنزوة تتحوَّل لفعل فاضح عاشق للشعر ولحساسية الشاعرة التي بداخلي. وكان أنْ أصدرت ديواني الأول «خرائط اللذة» عام 2015 عن "دار آفاق"، ثم ديواني الأخير «المرأة ذات الوزن المرح» هذا العام عن "دار أزمنة" في عمّان، ووضعت لهما عنواناً فرعياً "نصوص إيروتيكية".

كان الشعر رفيقي في رحلة تعرفي على ذاتي جسداً وقلباً وروحاً متلهفةً للعشق. كنت أشكو للشعر ويشكو لي كلّما فجعت. كلّما مررت عبر مفارقة ساخرة. كلّما تعرى رجل أمامي. أليس الضياع فاجعة؟ أليس فقدان معنى الذكورة فاجعة؟ أليست خيانة الحب فاجعة أكبر؟ ولدتُ عام 1967 في أسرة تنتمي للطبقة المتوسطة. توفرت لي السبل بيسر. ولكن فاجعة نكسة 67 ذاتها ربما لا تزال تحفر في روحي. فاجعة انهيار حلم الترقي الأكاديمي لأمي خديجة خلاف بسبب اضطرار الأسرة للسفر والحياة في إحدى الدول العربيّة في السبعينيات. فاجعة الاغتراب طوال سنوات طفولتي. فاجعة إدراك أنْ تكون مفرداً في عالم تتفكك روابطه بسهولة كمشبك لشعر حريري. فاجعة الحروب الساذجة والانتهاكات المستمرة للجسد الإنساني. فاجعة الدماء المراقة في الطرق والطفولة المشوهة. كيف يمكن لمبدع أنْ يتحمل كلّ هذا العبء بلا جنوح نحو الشعر؟ لا أدري وعلى وجه الدقة لم أفهم لما يسمونه زمناً للرواية؟ هل الرواية تسمح بالهروب من واقع مفجع؟ هل يؤلمنا الشعر؟ يعرينا؟ يزيد من شعورنا بالمأساة اليومية؟ بمأساة الجمود في زمن الحراك المستمر؟ مرة أخرى ما جدوى الشعر في زمن الفواجع، سؤال يقودني لتساؤل آخر: وما الشعر؟ الشعرُ، كما أراه، هو التقاء إنساني -عارٍ من التنميق المقصود- مع الحياة. تفاعل مع الأشكال المادية والروحية التي نواجهها. الشعر هو اليومي. هو الحميمي. أنْ أكتب شعراً يعني أنْ أقبل التعري. أنْ أنفتح. أنْ أختلط بالمرئي. بالنسبة لي أنْ أكتب شعراً أمر مرادف لاندماجي في اللون واللوحة والموسيقى والدراما والصورة، اندماجي مع أفكار مادية، مع العنف والقسوة، مع الفاجعة. أنْ أكون شاعرةً يعني أنْ أتفهم فاجعة تشرذم الإنسانية.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.