}

فريدا كالو ترقص في هولندا بلا قدمين

سناء عبد العزيز 4 فبراير 2020
هنا/الآن فريدا كالو ترقص في هولندا بلا قدمين
فريدا كالو مع لوحتها "Me twice"/ أنا مرَّتين (24/10/1939/Getty)

قد تبدو الرسامة المكسيكية فريدا كالو موضوعاً غير مرجح على الإطلاق لعرض من عروض الباليه الذي من أهم خصائصه الحركية والرقص على رؤوس الأصابع. فريدا التي لم ترتد الفستان في حياتها، إلا مع الجوارب الصوفية، حتى في عز الصيف، لتواري إعاقتها، بعد أن أصيبت بشلل أطفال وهي مازالت في السادسة، نتج عنه عرجٌ في مشيتها، وتعرضت لحادث حافلة كسر الفقرتين القطنيّتين الثالثة والرابعة من عمودها الفقري، فضلاً عن كسور أخرى في الحوض والكتف والقدمين اضطرتها لملازمة السرير وقتاً طويلاً، انتهاءً ببتر ساقها اليمنى إلى ركبتها لإصابتها بالغرغرينا.
لكن مصممة الرقص البلجيكية، أنابيل لوبيز أوتشوا، وجدت في فن فريدا النابض بالحياة، وحياتها المضطربة، وموتها المأساوي في سن الـ47، موضوعاً لأحدث رقصاتها "فريدا"، التي ستُؤدى في العرض العالمي في مؤسسة الباليه الوطني في هولندا يوم 6 فبراير/ شباط.

 

المرأة الأيقونة
"من يموتون حقا هم أولئك الذين لم يعيشوا على الإطلاق، أما من عاشوا الحياة فإنهم، بالرغم من رحيلهم، يتركون أثراً في من يأتون بعدهم؛ يبثون فيهم أحاسيساً وشغفاً جديداً". كمن يتنبأ لنفسه بنفسه، قالت فريدا هذه الكلمات، المرأة التي أصبح وجهها أيقونة في كل مكان، على الطوابع والبطاقات البريدية، فوق الأكواب والحقائب المطرزة، وحتى في لعب الأطفال

وعرائس باربي. ومازالت طريقتها في اللبس مصدراً يستقي منه مصممو الأزياء أفكاراً حالمة، ورؤى عصرية ضاجة بالتفاصيل، وتستلهمها نجمات البوب في التجميل. وأضحت حياتها موضوعاً للسينما في عديد الأفلام.
ها هي لوبيز أوتشوا تفاجئنا هذا العام بأكثر الأفكار جرأة على وجه الإطلاق، فكيف تسنى لها تمرير إعاقة فريدا الجسدية والنفاذ مباشرة عبر الحركة إلى روحها؟ تفسر لنا في مقابلة أجريت معها مؤخراً، أن الباليه، الذي يعتمد على حياة الرسامة، بما في ذلك علاقتها العاصفة مع زوجها، الجداري المكسيكي، دييغو ريفيرا، لا يتلكأ طويلاً أمام إعاقة كالو الجسدية، وبدلاً من ذلك، ينفذ إلى عالمها العاطفي، وإرثها الفني، مستعيناً بالرقص... بالنسبة لي، هذا العرض ليس بسيرة ذاتية، ولكنه تجسيد لطبيعة الإنسان الذي كانته، واستبطان لحياتها الداخلية... توجد لحظات قليلة نرى فيها صراعها مع الحركة، ولكن من دون تسليط الضوء عليها".

 

وجوه متعددة لامرأة واحدة
يقدم عرض لوبيز أوتشوا حسبما ورد في التايمز الأميركية، كالو في 16 تجسيداً، كل واحد منها تؤديه راقصة مختلفة؛ فهناك فريدا ترتدي مشداً أبيض للخصر، كما يظهر في لوحتها الشهيرة عام 1944 "العمود المكسور"، إشارة إلى عمودها الفقري المهشم، وثمة أشرطة تثبت جسدها وتضمه إلى بعضها في محاولة لا جدوى منها، بينما تنهمر دموع من عينيها، وتنغرس مسامير حادة في جسدها. وهناك فريدا بالزي الفيكتوري كما رسمت نفسها كجزء من أعمال 1939 "الفريدتان"، وهي عبارة عن تجسيدين مختلفتين لها بجانب بعضهما بعضاً؛ فريدا على اليسار ترتدي فستاناً أبيض بقلب دام، وبقع دماء على ملابسها، والأخرى ترتدي ملابساً ملونة بقلب سليم.. كما تظهر فريدا أيضاً في الباليه كراقص ذكر، وغزال، وهيكل عظمي صغير يؤديه طفل.
لقد وجدت فريدا طريحة الفراش في تأمل ذاتها وسيلة لتمضية الوقت، فراحت تلتقط وجوهها

المتضادة عبر مرآتها المثبتة أمامها ليل نهار بشفافية منقطعة النظير، الحاجبان الملتحمان، الشارب الخفيف، القتال المحتدم على أشده في الداخل؛ فكانت بذلك أول من ابتكر السيلفي بخط اليد.
وتقوم راقصة الباليه الجورجية مايا مخاتيلي بتأدية الدور الرئيسي لفريدا؛ بالإشارة إلى التدهور الجسدي بعد حادث الحافلة الذي ترك كالو الصبية ذات الثامنة عشر ربيعا مصابة بكسر في الحوض، وإصابات أخرى غيرت مجرى حياتها. لذا ترقص مخاتيلي في حذاء مدبب حتى وقت وقوع الحادث، ثم في حذاء باليه مسطح يناسب وضع جسدها الجديد.

 

فريدا في أعمال لوبيز أوتشوا
في عام 2016، ابتكرت السيدة لوبيز أوتشوا رقصة "أجنحة مكسورة" عن كالو، مدتها 45 دقيقة لبرنامج "She Said"، وهو برنامج ثلاثي يطلقه المركز الوطني للبالية الإنكليزي لأعمال مصممات رقصات من النساء. قام بوضع موسيقى العرض بيتر سالم، وصمم الأزياء والمجموعات ديويك فان ريج، وكلاهما اشتركا أيضاً في العمل في عرض "فريدا".
شاهد تيد برانسون، مدير المركز الهولندي، رقصة "أجنحة مكسورة"، وعلى الرغم من إعجابه بها، شعر أنه "لم ينجح بشكل كافٍ في معالجة الموضوع، فقد كان بحاجة إلى مساحة أكبر

للتنفس". يقول برانسون "كان الأمر أشبه بفاتح شهية، لكنني كنت لأتذوق أكثر من ذلك".
وفي عام 2018، قدمت لوبيز تشوا عرضاً بعنوان "المقاومة الأخيرة"، نال إعجاب برانسون، وحقق نجاحاً كبيراً مع جماهير أمستردام، فاقترح عليها تصميم رقصة "فريدا" لمؤسسة الباليه الوطني في هولندا.
وبالرغم من كونه صاحب الاقتراح، انشغل برانسون جداً بهذا السؤال: "كيف تتعامل مع شخص ظل في السرير معظم حياته؟ ما أثبتته أنابيل هو أنه يمكنك إظهار ذلك بطرق جميلة، بطرق جذابة للغاية من الناحية العاطفية، وبطرق مباشرة للغاية، من خلال الرقص". يكمل برانسون "إن كالو، التي تضم مجموعة أعمالها الواسعة العديد من الصور الذاتية، أصبحت رمزاً لتحرير المرأة، لكنها لم تكن أبداً موضوعاً لرقص من قبل مؤسسة كبرى في الباليه الوطني".

 

الرقص مع الدراويش
في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، كانت لوبيز أوتشوا تجري بروفات على رقصتها "فريدا في استوديو في أمستردام، وشكلت مشهداً مكوناً من عشرة راقصين يرتدون تنانير طويلة بكرانيش من الدانتيل، والتي كانت ترتديها كالو في كثير من الأحيان لإخفاء ساقها المشوهة. تشرح لوبيز أوتشوا: "في هذا المشهد، يتم حقن فريدا كالو بكم هائل من الحقن لتخفيف ألمها، وفي الوقت نفسه تشرب كثيراً وتدخن كثيراً". ترى زوجها يخونها، فتشرب أكثر. لذلك، سيظهر في المشهد دراويش، في حالة سكر تام".
ينطلق الرجال في الرقص دوراناً حول الأرض، وتدور تنانيرهم معهم، بينما تحاكي حركاتهم حركات من لوحات كالو الذاتية: أيدي مطوية على الخصر، أو متقاطعة فوق الصدر.
كانت مسز لوبيز توجههم "امسك بتنورتك المرفوعة، استمر في الدوران، اقفز!". وها هي فريدا تلفظ فراشة من فمها، فهي المرأة المقيدة على كرسي متحرك، تريد أن تكون حرة". "القدمان؟ وما حاجتي لهما إذا كان لي جناحان أحلق بهما؟"، قالت فريدا.

 

كشف الرموز بالرقص
سمعت لوبيز أوتشوا، التي نشأت في بلجيكا مع أب كولومبي وأم بلجيكية، عن عروض رقص معاصرة عن كالو، لكنها لم تكن أبداً باليه كلاسيكي. ولأن عالم الباليه عالم يشع بالبياض، أدركت أن الفن لابد أن يكون معرفياً، فليس بوسعها مطلقاً أن تستخدم ثقافتها وتقاليدها المحلية في الرقص؛ "كان في وسعي الاستعانة ببعض الذوق اللاتيني في الباليه". وقامت حركة

Mexicanismo برسم الأزياء وكافة التجهيزات، وهي الحركة الفنية التي احتضنها كل من كالو وريفيرا، وتتميز بألوان مبهجة للغاية، ومنظور مُسطح.
في هذا الصدد، تقول فان ريج، مصممة الإنتاج، إنها استلهمت العديد من الأفكار من كالو: "الجماجم والفراشات والقرود والطيور". كما ابتكرت 29 ضفيرة ذات نسيج أحمر طويل يتدلى من أعلى المسرح، وهي الثيمة المتكررة في أعمال فريدا.
تشرح السيدة فان ريج أكثر: "لقد استخدمت خطوطاً حمراء تربط فريدا بإجهاضاتها المتكررة، وبأسرتها، ودييغو، وكل شيء". "الخطوط الحمراء هي عنصر مهم في التشكيل، وفي تصميم الرقصات، لقد استخدمنا الخطوط الحمراء لربط الراقصين ببعضهم".
في المشاهد التي تظهر بها فريدا على السرير، تصف التايمز، سيقف السرير منتصباً على الأرض، وسوف تتحرك فريدا أمامه.
ولكن ما السبب الذي دفع لوبيز أوتشوا إلى تقديم كالو في عروضها المتعددة انتهاء برقصتها الأخيرة "فريدا"؟. توضح، "إنه تعاطف حقيقي لما حدث لفريدا في صراعها من أجل هويتها المكسيكية، وشغفها وحبها لدييغو، وحياتها الجنسية. لقد كانت فريدا تقول دائماً: أنا لست سريالية؛ وأرسم واقعي الخاص. وأنا أحاول أن أعثر، من خلال الرقص، على ما تضمره لوحاتها من رموز".

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.