}

مهرجان "فجر 38".. السينما الإيرانية في مفترق طرق

هنا/الآن مهرجان "فجر 38".. السينما الإيرانية في مفترق طرق
شعار مهرجان "فجر 38"
إن كان مهرجان فجر السينمائي هو الحدث الأبرز في الحياة الثقافية والفنية الإيرانية منذ انطلاق نسخته الأولى فإن دورته الثامنة والثلاثين التي اختتمت الليلة قبل الماضية هي الأكثر إثارة للجدل بالمقارنة مع جميع الدورات الماضية. فالحدث الأساسي في هذه الدورة حمل توقيع 138 فنانا إيرانيا أعلنوا مقاطعتهم للمهرجان تضامنا مع ضحايا الطائرة الأوكرانية التي استهدفتها نيران الحرس الثوري الإيراني في يناير/كانون الثاني الماضي. صحيح أن العدد الأكبر من المقاطعين هم من المسرحيين والموسيقيين الذين قاطعوا مهرجانات فجر للمسرح والموسيقى، إلا أن مقاطعة أسماء بارزة في السينما الإيرانية سلطت الضوء مجددا على الهوة بين السينمائيين الإيرانيين المستقلين والمؤسسات الرسمية.

ولم تقف نبرة الاعتراض والاحتجاج خارج أسوار المهرجان، ففيلم «الخروج» للمخضرم حاتمي كيا الذي يتناول الاحتجاج الشعبي ضد رجال الدولة تحديدا وليس النظام، تناول حكاية رجل مسن يمتلك مزرعة للقطن فقد كل منتجاته إثر افتتاح سد بالمياه المالحة بالقرب من مزرعته، وقد حدث هذا في أراض أخرى في قرية أدلباد، حيث قرر بعض شيوخ القرية تقديم شكوى إلى رئيس الجمهورية في طهران.
يقف حاتمي كيا في صف التيار المحافظ، وهذا ما يفسر البعد الأحادي في النقد الذي يوجهه في فيلمه الأخير إلى حكومة روحاني الإصلاحية، وكان من البديهي أن ترد عليه الصحف الإصلاحية واصفة إياه بأنه طفل النظام المدلل الذي يعيش على مجد أفلامه السابقة القريبة من هموم ومعاناة الفرد الإيراني في السنوات التي تلت انتصار الثورة الإيرانية.
غادر فيلم "الخروج" المهرجان بدون الحصول على جائزة رئيسية ولكنه عزز مكانة اليمين المحافظ في السينما الإيرانية ومنح جمهوره فيلما مهما في معركته السينمائية ضد الإصلاحيين. وتكمن أهمية حاتمي كيا في أن أفلامه تستهدف خصومه في التيار الإصلاحي عبر مواضيع وقضايا راهنة على خلاف الكثير من المخرجين الرسميين المحسوبين على التيار المحافظ ممن لم يخرجوا من سينما الحرب العراقية الإيرانية والتي يصطلح عليها في إيران بـ"سينما الدفاع المقدس". وفيلم "شجرة الجوز" هو مثال بارز لهذه السينما التي غالبا ما تخرج بسلة ممتلئة من جوائز مهرجان فجر. يتناول الفيلم القصف الكيماوي على مدينة سردشت الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي، وقد حصد جائزة أفضل إخراج وأفضل دور رجالي لمعاد بيمان، الممثل الإيراني الأميركي الذي يحمل في سجله في مجال التمثيل الدب الفضي من مهرجان برلين على دوره الرائع في فيلم "انفصال" لأصغر فرهادي.

 

نيكي كريمي وتهمة الفاشي
نجمة السينما الإيرانية نيكي كريمي انضمت إلى قائمة الأسماء السينمائية الكبيرة التي لم تتأثر بالمقاطعة، وتنافست صاحبة فيلم «ليلة واحدة» على أغلب جوائز المهرجان، مع فيلمها الجديد «آتاباي» الذي يدور حول طالب هندسة في جامعة طهران، قام ببناء مركز بيئي في قريته (أذربيجان) حيث رزق هو وأسرته وانتحرت شقيقته قبل 15 عاما، وبغض النظر عن حكاية الفيلم وبعده الفني، يحسب لكريمي جرأتها في تقديم فيلم تدور فيه كل الحوارات باللغة الآذرية. وفي الندوة الصحافية التي تلت العرض وصف الممثل الرئيسي في الفيلم هادي حجازي فر أحد النقاد المعترضين على هذا الاختيار بأنه فاشي. وكسرت نيكي كريمي الهيمنة الذكورية، وهذه نقطة أساسية في دورة تراجع فيها الحضور النسوي على نحو ملحوظ. صحيح أن "آتاباي" خرج بيد فارغة من فجر 38 ولكن كريمي واصلت حضورها كمخرجة ذات رؤية مغايرة.

في فيلمه الجديد "إنها ستمطر" يتناول مجيد برزگر مواضيع الموت والأمل والمعجزة من زاوية مختلفة ومن خلال رؤية وسلوك ممرضة في العقد الثالث من العمر ترعى مرضى في حالات مستعصية على العلاج، وقد نالت نازنين أحمدي جائزة العنقاء لأفضل ممثلة لأدائها المبهر في هذا الفيلم.

 

"الشمس".. البراءة في عالم الأشرار

  ملصق فيلم «الشمس» 

















في جديده الذي حمل عنوان «الشمس» عاد صاحب «أطفال السماء» المخرج الشهير مجيد مجيدي إلى أسلوبه المفضل وموضوعه الأثير: براءة الأطفال في مواجهة عالم ملوّث بالجريمة. يعتاش المراهق علي وأصدقاؤه عن طريق سرقة قطع غيار السيارات والعمل في مستودع، وعليهم أن يقرروا إن كانوا سيوافقون على مقترح جديد تقدمه لهم عصابة من الأشرار. الصحافة الإيرانية اعتبرت الفيلم تذكيرا هاما بالعصر الذهبي لسينما مجيدي وإشراقة جديدة له في السينما الإيرانية والعالمية في آن.
في المؤتمر الصحافي الذي انعقد قبل أيام في سينما برديس بطهران، عبر مجيدي عن حزنه العميق للأحداث الأخيرة التي شهدتها بلاده وتضامنه مع ضحايا الطائرة الأوكرانية، ولكنه أكد أنه كان مهتما في جميع أفلامه السينمائية بالبعد الاجتماعي: "يؤسفني جدا أنني لا أستطيع أن أنقل إلى السينما جانبا أساسيا من معاناة الناس. فالتركيز ينصب في الفيلم على الكنز الداخلي للأشخاص، وأعتقد أن كل شخص لديه كنز داخلي".
وكما كان متوقعا فاز الفيلم بجائزة العنقاء البلورية لأفضل فيلم وجائزة أفضل سيناريو وجائزة أفضل ديكور. ويقف مجيد مجيدي في الدائرة الوسط في المشهد السينمائي الإيراني، وهو مخرج ذو شهرة عالمية واسعة، كان الأول بين زملائه في الترشيح الى الأوسكار، وأحد الأسماء البارزة في سينما الموجة الحديثة في إيران، وهو ذو علاقة طيبة مع الجميع، سواء من ممثلي تيار السينما المستقلة، ومن المؤسسات الرسمية في آن.
غابت الأسماء الكبيرة عن فجر 38، وحضرت أسماء شابة وأخرى سعت إلى ترسيخ بصمتها في السينما الإيرانية، وفي مقابل الأفلام السياسية والأيديولوجية، تفاعل جمهور المهرجان مع أفلام تمحورت حول الأشخاص وليس حول الحوادث السياسية العامة.
وقد منح جائزته ـ جائزة الجمهور ـ لفيلم "سباحة الفراشة" للمخرج الشاب محمد كارت الذي عالج في فيلمه الظروف المعيشية لسكان جنوب غرب طهران. بلطجي كبير يحكم حياً ويزج في السجن بسبب قتله زوجته ويطلب من شقيقه أن يبحث عن القاتل الحقيقي. وهي رحلة تقوده الى ما يصطلح عليه الطهرانيون القلب الأسود للمدينة حيث البلطجية والأشرار لهم اليد العليا في تسيير الحياة هناك. ويُظهر "سباحة الفراشة" أن السينما الإيرانية لم تتعب بعد من تسليط الضوء على قصص جرائم الشرف وعلى تفاصيل تتجاوزها الصحافة ووسائل الاعلام.
بدأ فجر السينمائي فعاليات دورته الثامنة والثلاثين مع جدل حاد على خلفية المقاطعة والمشاركة، واختتم فعالياته بتصريحات عدد من الفائزين لرأب الصدع والدعوة إلى توحيد صفوف السينمائيين. والحقيقة التي يدركها المنظمون قبل غيرهم أن السينما تحولت إلى أداة أساسية في الصراع الدائر في المجتمع الإيراني بين التيارات والأحزاب السياسية، ومن الصعب إلغاء جهة على حساب أخرى.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.