}

"يوم المترجم المصري".. الثقافة والسياسة والاستشراق

وائل سعيد 4 يناير 2020
هنا/الآن "يوم المترجم المصري".. الثقافة والسياسة والاستشراق
الاحتفال بـيوم المترجم المصري دون ذكر سبب اختيار اليوم
عقب ثورة 25 يناير 2011، بدأ المركز القومي للترجمة الاحتفال بـ"يوم المترجم المصري" من دون ذكر سبب اختيار ذلك اليوم تحديدا، كارتباطه مثلاً بحدث أو شخصية تتعلق بالترجمة، وإن تزامن مع حفل توزيع جائزة رفاعة الطهطاوي. وفي إطار تعاونات مصرية روسية مكثفة في الفترات الأخيرة، تم إطلاق عنوان "العام المصري الروسي 2020- الأدب والاستشراق والسياسة" على فعالية اليوم التي امتدت على مدار ست ساعات كما العام الماضي.
أوضح د. أنور مغيث، رئيس المركز، بأن اختيار العام المصري الروسي يأتي من العلاقة الوثيقة بين البلدين ثقافيا وأدبيا منذ القرن 19، مشيرا إلى أن المستشرقين الروس تناولوا الدراسات الشرقية بشكل مختلف؛ حيث لم يتعاملوا وفق المطامع الاستعمارية كما هي الحال مع مستشرقي الغرب.
كما أشار مغيث إلى المزيد من التعاونات الجديدة خلال 2020 حيث سيتم استضافة بعض الكُتاب الروس لتوقيع ترجماتهم بالمركز وتقديمها للقارئ المصري، في حين توجد 10 منح سنوية من الجامعات المصرية للدراسة في روسيا، وفي هذا العام اشترطت المنحة على كل طالب ترجمة كتاب في تخصصه فور انتهاء الدراسة في محاولة لإثراء حركة الترجمة، مختتما كلمته بـ: نحن نختار ما نقوم بترجمته ولا يُفرض علينا ما يجب ترجمته. وذلك على خلفية ما أثير حول سلسلة الـ 100 كتاب الروسية، وهو مشروع أطلقته روسيا لنقل نتاجها إلى العربية، والتي اقترحت من خلال المركز القومي للترجمة إضافة أحد الأعمال ضمن السلسلة للكاتب الروسي ميخائيل بولغاكوف وهي رواية "الحرس الأبيض" ترجمة عبد الله حبه وصدرت العام الماضي.
ضمت فعاليات اليوم ندوة عن الاستشراق والأدب والسياسة - تغيبت السياسة تماما عن المناقشة- وتناولت العلاقات المصرية الروسية على المستوى الثقافي والاقتصادي منذ الستينيات، بالإضافة إلى بعض حفلات التوقيع لترجمات من إصدارات المركز، بخصم 50% على جميع الإصدارات احتفالا بيوم المترجم، وهو ما لاقى إقبالا كبيرا على الشراء.

الجانب الروسي.. لم يحضر أحد
لا أحد يعلم لماذا تغيب الجانب الروسي تماما من إحتفالية يوم المترجم، رغم إطلاق العام المصري الروسي والاحتفاء بمجموعة من التعاونات والبروتوكلات المشتركة عبر عام تقريبا بين مصر وروسيا، على المستوى الثقافي والاقتصادي والعسكري بالطبع، سيتم البدء في جني أولى ثمارها في 2020 مثلها مثل الكثير المنتظر، ولكي لا يفوتنا التمثيل الروسي، فقد تحدث المصري شريف جاد مدير النشاط الثقافي بالمركز الثقافي الروسي.


صرح جاد بأنه خلال الأيام القليلة المقبلة سيتم الإعلان عن الأجندة الثقافية للاحتفال بالعام المصري الروسي 2020، والتي حسب قوله يستعد لها الجانب الروسي بحزمة من الفعاليات غير المسبوقة. ولا نعرف هل سيتم الإعلان بعد هذه الأيام القليلة عن طريق مدير النشاط أيضا؛ أم سيظهر فرد واحد من هذا الجانب الروسي الذي يقف على أهبة الاستعداد.
على جانب آخر وبرغم كل التجهيزات والتواصل المتبادل دعا مدير النشاط الثقافي بالمركز الروسي إلى ضرورة عودة أنشطة جمعيتي الصداقة المصرية الروسية والروسية المصرية.
يبقى وجه آخر من الصورة في موضوع العلاقات المصرية الروسية في شكلها النهائي أو الحديث تحديدا؛ فمع عدة اتفاقات عسكرية ودبلوماسية، نلمس تنامياً في حجم الاقتصاد المتبادل بين البلدين هذا العام، وهو وفق الهيئة العامة للاستعلامات المصرية: قيمة الصادرات الروسية لمصر بلغت 2.418 مليار دولار في أول خمسة أشهر من هذا العام بزيادة تقدر بحوالي 32.3 في المئة عن الفترة المماثلة من العام الماضي، في حين وصلت قيمة الصادرات المصرية لروسيا 356 مليون دولار بزيادة تقدر بنحو 26.5 في المئة.


المترجمون في الأرض
بعيدا عن البروتوكولات المعهودة في مثل هذه الفعاليات، تبقي التوصيات؛ والتوصيات هنا لا أقصد بها توصيات المؤتمر أو المهرجان من قبل المنظمين، بل هي مطالبات مشروعة من المترجمين الحضور أو من المثقفين والتي تصب في الغرض الأساسي من فعالية كتلك أو غيرها، حيث تقتصر معظم النقاشات الرسمية على الموضوعات العامة والمكررة في كثير من الأحيان.


"الأشجار الكبيرة تعوق رؤية الغابة"، بهذا المثل الروسي ُطرحت إشكالية الكلاسيكيات الروسية المترجمة لتشيخوف ودوستويفسكي وغيرهما، تلك الأسماء التي تُذكر بمجرد استحضار الأدب الروسي وكيف يمكن أن يعيق ذلك الرؤية عن الأجيال اللاحقة والجديدة في الكتابة الروسية. وهو أمر يتكرر على الجانبين الغربي والعربي إلا في حالات استثنائية، كما يرتبط اسم نجيب محفوظ بالأدب المصري المترجم على سبيل المثال.
وفي إطار التوصيات، ناشد البعض بوجوب وجود نقابة للمترجمين تضمن حقوقهم المادية والملكية الفكرية وكافة الحقوق القانونية كنقابة الصحافيين على سبيل المثال، وهو الأمر الذي لم يبت فيه إلى الآن رغم جهود المترجم التي لا يمكن إنكارها.  ثمة إشكالية أخرى في غاية الأهمية تتمثل في غياب النقد المختص بالترجمة، كما في جميع الفنون، حيث تتسم بأدوات ومناهج نقدية ونقاد يحسنون استخدامها، في الوقت الذي يعوز الترجمة نقد حقيقي ومتخصص يثري حركتها، إذ تقتصر معظم القراءات على عبارات مقتضبة كـ"ترجمة ممتازة.. ترجمة لافتة.. ترجمة رهيفة، أو حتى ترجمة ضعيفة" في محاولة للإيهام بالفعل النقدي. ولا يمنع ذلك من بعض المحاولات النقدية العلمية المتخصصة للترجمات؛ لكنها تبقى في إطار الجامعات وحلقات البحث العلمي.
أيضا، ولعله الأهم، الأجور المتدنية للترجمة، والتي لا تتناسب على وجه الإطلاق مع الوقت والجهد المبذولين في عملية شاقة كالترجمة.


الطهطاوي وأحفاده
في 13 أبريل/نيسان 1826 أرسل محمد علي باشا بعثة مكونة من أربعين طالبا إلى فرنسا لدراسة اللغات والعلوم الأوروبية الحديثة، كان من ضمنها الشيخ رفاعة الطهطاوي إماما للبعثة، ولكن الطهطاوي لم يكتف بدوره كإمام، بل استغل فرصة وجوده خمس سنوات في فرنسا في أن يدرس معهم وعاد ليعمل في مدرسة الطب - كلية الطب- ويشارك في تطوير مناهج الدراسة في العلوم الطبيعية، بينما يراوده حلم إنشاء مدرسة للغات والترجمة، حتي يتم تحقيق هذا الحلم بالفعل بإنشاء مدرسة الألسن - كلية الألسن حاليا- سنة 1835، وأسفرت هذه الرحلة عن أشهر كتب الطهطاوي "تخليص الإبريز في تلخيص باريز"، علاوة على العديد من الترجمات والمؤلفات أهلته لأن يكون رائدا من رواد النهضة العلمية في مصر الحديثة وفي الترجمة بالطبع، التي كانت مقتصرة على التمصير أو النقل الحرفي.

ناشد البعض بوجوب وجود نقابة للمترجمين تضمن حقوقهم المادية والملكية الفكرية وكافة الحقوق القانونية   

لذلك أطلق المركز منذ بدايته على جائزته في الترجمة - وهي أكبر جائزة مصرية في هذا المجال- اسم رفاعة الطهطاوي، ثم لحقت بها عبر الدورات الماضية جائزة الشباب للترجمة وجائزة الترجمة العلمية في دورتها الأولى هذا العام.
وكان يمكن للمركز اختيار يوم مولد الطهطاوي أو وفاته كي يكون يوم المترجم المصري على غرار "اليوم الدولي للترجمة"، والذي تم إطلاقه من قبل الاتحاد الدولي للمترجمين في الثلاثين من سبتمبر/أيلول الموافق عيد القديس جيروم مُترجم الكتاب المقدس، بدلا من اختيار غير المبرر.
انحصرت الترجمات الثلاث الفائزة على اللغة الإنكليزية، حيث فاز بجائزة رفاعة الطهطاوي د. حسام نايل عن ترجمته "النظام السياسي في مجتمعات متغيرة" تأليف صمويل هنتنعتون، وصدر الكتاب عن دار التنوير هذا العام. وذهبت جائزة الترجمة العلمية للمترجم أحمد موسى عن كتاب "خرافات شائعة حول المخ" من تأليف كريستيان جاريت وتقديم د. شاكر عبد الحميد، وزير الثقافة الأسبق، وإصدار المركز القومي للترجمة فى العام 2018. فيما حاز كتاب "الثلاثة الكبار فى علم الاقتصاد: آدم سميث، كارل ماركس، جون مايندر كينز" على جائزة الشباب - إصدار المركز أيضا- تأليف مارك سكويسين وترجمة محمد مجدي.
تبلغ قيمة جائزة رفاعة الطهطاوي 100 ألف جنيه مصري - ما يعادل 6000 دولار- فيما تبلغ جائزة الترجمة العلمية نصف هذا المبلغ وجائزة الشباب للترجمة ربع المبلغ.


تكريم سوري- مصري
يعتاد المركز منذ بداية احتفالية يوم المترجم على تكريم اسمين في كل عام على أن يكون أحدهما مصريا والآخر عربيا، وقد تم تكريم د. محمد عناني والمترجم الراحل صالح علماني في الدورتين السابقتين. وذهب التكريم هذا العام إلى د. قاسم عبده قاسم من مصر ود. ثائر ديب.

تكريم قاسم عبده قاسم 



















يشارك عبده قاسم في المشهد الثقافي منذ تخرجه من جامعة القاهرة عام 1967، ونال العديد من الجوائز والتقديرات من ضمنها جائزتا الدولة التشجيعية والتقديرية، ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى، بالإضافة إلى جائزة الدولة للتفوق في العلوم الاجتماعية، واهتم في كتبه بالموضوعات الفلسفية والاجتماعية بجانب التاريخ، ومن أهم كتبه "إعادة قراءة التاريخ، المسلمون وأوروبا: التطور التاريخي لصورة الآخر، نظرات جديدة على الكتابة التاريخية، حضارة أوروبا العصور الوسطى".
أعرب قاسم عن سعادته البالغة بهذا التكريم الذي يأتي من بيته كما وصف المركز القومي للترجمة. وأضاف: لقد ساهمت منذ بداية ميلاده في بناء هذا المركز مع د. جابر عصفور- وزير الثقافة الأسبق- واستمرت علاقتي بالمركز فيما بعد برؤسائه المتعاقبين، ولم يقف نشاطي عند الترجمة فحسب وإنما قمت بتدريب العديد من شباب المترجمين، والمساعدة في اختيار النصوص المترجمة والتحكيم في مسابقات المركز.
ترك الديب الطب البشري ليتفرغ للترجمة والعمل الثقافي، وحصل على عضوية أكثر من جمعية أدبية وثقافية، كما ترأس وأدار عدة مطبوعات فصلية خاصة بالترجمة في الهيئة العامة السورية للكتاب، من ترجماته "الراعي والأميرة: حكايات شعبية من صربيا، نشوء الرواية، إنجيل الابن، فكرة الثقافة، موسوعة تاريخ الأديان- جزءان".


تكريم ثائر ديب  

















حملت كلمة الديب الكثير من المشاعر تجاه هذا التكريم مُستعيدا زيارته الأولى لمصر: عرفت مصر من خلال كُتبها والعديد من الأسماء الثقافية اللامعة، وتعرفت على المشروع القومي للترجمة عام 2000 من خلال المؤتمر المنعقد وقتها بمناسبة نقل 250 كتابا إلى العربية تحت عنوان "قضايا الترجمة واشكالياتها"، هذا المؤتمر شدني إلى الأمام، لا كمترجم فحسب بل ككاتب أيضا وربما كإنسان.  

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.