}

التشذيب وإعادة الكتابة.. تجارب وشهادات (4)

صدام الزيدي صدام الزيدي 4 يناير 2020
هنا/الآن التشذيب وإعادة الكتابة.. تجارب وشهادات (4)
(Getty)
لماذا يُعيد الأدباء والكتّاب النظر في أعمال ونصوص منجزة لتصدر ثانيةً إما في "طبعاتٍ منقّحة" أو في مجلات وصحف ومواقع للنشر الإلكتروني، تحت استدراك/تنويه: "كتابة ثانية"؟!. عربياً وعالمياً هناك أسماء وتجارب لافتة، اتسمت مسيراتها بالعودة إلى تشطيب شبه جذري لكتب وأعمال منجزة، كما أن البعض منهم (في غير مناسبة) تمنّى لو أنه عاد لتنقيح وغربلة كتاب ما.

عندما تُنجز دراسات وبحوث حول تجارب وإصدارات، ثم بعد حين يتغيّر شكل ومضمون تلك الإصدارات والنصوص بسبب أنها خضعت لكتابة ثانية، هل يفضي هذا بالضرورة إلى متغيرات جديدة في سياق القراءة والتحليل والدراسة والتقييم؟ هل البدايات هي من يفرض الأمر (بدايات تجربة ابداعية ما ليست بالطبع كمراحل لاحقة تصل فيها التجربة إلى النضج)؟ كيف أن أمر إعادة النظر في نتاج إبداعيّ مرّت عليه فترة من الزمن يكون وارداً لدى البعض وغير وارد لدى آخرين؟ كيف ينظر الأدباء والكتّاب إلى ظاهرة التشطيب وغربلة النصوص والمؤلفات من جديد أو ما عرف قديما بـ"التحكيك"؟ وما هي شهاداتهم من زاوية التجربة الشخصية حول "إعادة الكتابة"؟  
هذه الأسئلة نطرحها في هذا الملف على أدباء وكتّاب وباحثين أكاديميين. هنا الجزء الرابع منه:

 

مصطفى ملح (شاعر وروائي/المغرب): رغبة الاكتمال وعدم الرضى عن التجربة الأولى يقودان إلى التنقيح
إن الحديث عن تنقيح الشاعر لمنجزه ومساءلته بالحذف والزيادة والترميم، هو أمر ناجم عن قلق الشاعر وحرصه على أن يكون نصه قريبا من الاكتمال بناء ورؤية وإيقاعا.
غير أنه يجب التمييز بين نوعين من الشعراء، فثمة صنف يكتب تجربته الأولى، رغم ما يعتورها من ضعف البداية وكبوات الأحصنة الأولى وهشاشة الرؤيا، دون أن يعود إليها حاملا إزميل الحفر في معمارها البلاغي، وهو على يقين، في الحالة هذه، بأن تلك النصوص تؤشر إلى ضوء البداية، وإلى ميلاد اليرقات الشعرية الأولى، فلا يعقل بالنسبة إليه أن نئد أفكارنا الأولى ومشاعرنا الأولى، لأنها تمثل الصرخة الأولى للكائن الشعري، وتمثل أول تحليق للسرب الاستعاري فوق جغرافيا التخييل.
وثمة صنف ثان يرى العكس من ذلك، إذ أن التجربة الأولى لا تعكس إلا طفولة الوعي الشعري، حيث العلاقة بالكلمة أحادية القطب، وما زال الشاعر في تلك المرحلة غير متمكن من تفجير ما تختزنه الكلمة من ثراء دلالي ومن غنى عميق.
وبناء على ذلك، فإنهم يرون أن تنقيح الأشعار الأولى أمر ضروري، إذ أنه يمنح أوكسجين جديدا لرئة الخيال، ويمنح وردة إضافية إلى مزهرية القصيدة.
وهناك أمر يعاني منه الكثير من الشعراء، ولعلي واحد منهم، وهو غياب التداول المطلوب، إذ أن نصوص الشاعر لا تعبر إلى الضفاف الأبعد، ولا يحضنها قارئ بعيد ينتسب إلى ذائقة مختلفة، وإنما تقبع تلك النصوص فوق الرفوف مغمورة بالغبار وخيوط العناكب ورائحة الرطوبة. إن غياب تداول النصوص الشعرية الأولى، وحرمانها من أن تُقرأ بعمق ومحبة، هو دافع أساسي يقود الشاعر إلى طبع دواوينه الأولى قصد إخراجها من دائرة العتمة ونشرها فوق خضرة الأعشاب وتحت زرقة السماء.

بالنسبة إليّ، نشرت عدة مجاميع شعرية، ولم توزع جيدا. أشعر بكثير من الألم حيال الأمر. ما جدوى أن نكتب دون أن يقرأنا الآخر؟ إن الآخر، قارئا وناقدا ومتابعا، هو شريك استراتيجي في القصيدة. فلولاه صار التأليف الشعري عبثا، وصارت الكتابة في نهاية المطاف بناء أهرامات فوق الرمل سرعان ما تخرج موجة سادية فتبيدها. هذا الآخر كيف أجده وكيف أقنع دور النشر بالوصول إليه وقد صارت شركات تجارية لا تنشر مشاعر الشعراء إلا إذا دفعوا مقابل ذلك من عرقهم ودمهم؟

إنه لأمر مخز ومُؤذٍ أن نطالب - نحن الشعراء- بكل شيء: أن نتخيل ونحزن ونفرح ونحول هذه الأحاسيس إلى أشعار، ثم نبحث عن مطبعة لإخراج النسخ المتفق عليها، ثم بعد ذلك نبحث عن سيارة أو عربة خشبية لشحن الكتب، ثم توزيعها على المكتبات والأكشاك وغيرها، ثم يمر الحول والحولان وربما العقد ولا أحد يكترث بها، ثم تنال منها شمس الصيف وأمطار الشتاء، وربما تتحرش بأغلفتها يد قارئ عابر سبيل فتفسد لوحات الأغلفة، ثم نبحث من جديد عن سيارة أخرى أو عربة خشبية أخرى لنعبئ الكتب، ثم نركنها مثل جثث أو مومياوات فرعونية في إحدى غرف البيت.
هذا ما يطلب من الشاعر: أن يتخيل ويكتب ويصمم وينجز غلافا ويدفع ثمن المطبعة وينشر الكتاب.
خلاصة القول، إن رغبة الشاعر في إعادة نشر ما يكتب هو مسألة لا تنافي المنطق الذي يحكم هذه العملية: فالشاعر يملك عينا ثالثة، وهو نتيجة لذلك، دائما ما يسعى إلى الاقتراب من الاكتمال. هذا السعي يسوقه إلى التنقيح، وزرع المزيد من الجمال في أرض قصيدته، والبحث الماراثوني عن قارئ رائع يفتح قلبه ليبتلع كيمياء قصيدته.

 


حاتم الجوهري (شاعر وباحث/ مصر): المراجعة والتحرير والتنقيح سمات متلازمة للحلم والأمل وكل مغاير
فيما يخص مسألة التشذيب والتنقيح للأعمال قبل خروجها للنور، لي هنا تجربة طريفة على ثلاثة مستويات، المستوى البحثي العام ومستوى دراستي الأكاديمية، وأخيرا المستوى الإبداعي والأدبي باعتباري شاعرا في الأصل وقبل أي شيء.
أولا فيما يخص المستوى البحثي، هناك عملان من أهم ما قدمته في دراسة الحالة العربية والمصرية على المستوى الاجتماعي والإنساني، كانا نتاجا لإعادة تنقيح ومراجعة وتحرير، وخرجا إلى النور بعد فترة طويلة تناهز العقد من الزمان أو أكثر من البدء في كتابتهما أول مرة. وهما دراستي "المصريون بين التكيف والثورة: بحثا عن نظرية للثورة"، ودراستي "سيكولوجية الصراع السياسي: نقد آليات التشويه والاستقطاب". الأولى صدرت في نهاية عام 2012م والثانية في بداية 2016م. فرغم أن مسودتهما كتبت أول مرة بمنطق الباحث- المشارك، ضمن سياق الحركة الطلابية المصرية الجديدة التي خرجت دعما للانتفاضة الفلسطينية تقريبا في الفترة من 2001 إلى 2003، إلا أنني عدت إليهما بعد انطلاق الثورة المصرية في يناير 2011م، لأعكف على الدراسة الأولى في علاقتها بالحراك الجديد، وأقدم استشرافا لمسار المستقبل الشعبي/السياسي من خلال تواصلي مع النمط التاريخي لحراك الشعب المصري، والجدل ومحدداته بين فكرة الثورة والتمرد، وفكرة التكيف والخضوع.
وبعد أن خرج الكتاب إلى النور عكفت على الدراسة الثانية (سيكولوجية الصراع السياسي)؛ وأنهيتها إلا فصلا! وظل هذا الفصل مستعصيا متمنّعا طوال أكثر من عام كامل وربما قاربت المدة العام ونصف العام بلياليهما الطويلة، كان في حاجة إلى هدوء شديد وثبات نفسي، وهو الفصل الذي يتعلق بالاستشراف والتدافعات النفسية والسياسية ومتطلبات أو ملكات العبور إلى المستقبل، عند النخبة الواعية بمسارات الحلم الجديد، وقدرتها على فهم سنن الحياة في فترات التحولات التاريخية التي تتطلب وقتا.
أما على المستوى الأكاديمي ففي أطروحتيّ للماجستير والدكتوراه كنت في أزمة شبيهة إلى حدّ بعيد، استخدمت مصادرَ وتناولت مواضيعَ غريبةً تماما عن المدرسة المصرية في الدراسات العبرية والصهيونية، من خلال الأدب والأبنية الثقافية في سياقها التاريخي والأيديولوجي، وكشفت فيها عن تيارين أدبيين وجذورهما في البنية الصهيونية وحاضنتها الأوروبية.

وهو كشف يخالف الفكر الأرثوذكسي في مدرسة الدراسات العبرية والصهيونية المصرية، التي تستند في المعظم إلى أفكار الصورة النمطية حول المرجعيات الدينية/القومية التاريخية لمشروع الصهيونية، دون أن تقف كثيرا على أثر الحداثة وما بعدها في احتضان المشروع الصهيوني بوصفه أحد تمثلات الحداثة الروسية تحديدا مع الصهيونية الماركسية، ثم ما بعد الحداثة مع الصهيونية الوجودية عند سارتر، وهنا كان عليّ أن أخفي الكثير من عناوين الأطروحتين الرئيسية حتى يمرا ويحصلا على الإجازة! ثم عدت إليهما بعد حصولي على الإجازة والمناقشة وحررتهما مجددا لأوضح الفكرة الخاصة بي، وقد حصلت الماجستير على جائزة ساويرس في النقد الأدبي، كما أن الدكتوراه تَرجمتُ على ضفافها كتاب سارتر المعنون: "تأملات في المسألة اليهودية" وحصل على جائزة الدولة التشجيعية.
أما على المستوى الإبداعي والأدبي وفي تجربتي الشعرية فيمكن القول إنها كانت أكثر مفارقة وطرافة؛ في ديواني الشعري الأول: "الطازجون مهما حدث".. وبيني وبين نفسي ومع حلقة ضيقة من الأصدقاء القدامي، أخرجت ما لا يقل عن خمس أو ست مسودات للديوان، حملت كل منها عنوانا مغايرا وترتيبا مغايرا للقصائد، وفي كل مرة كنت أتخير له شكلا وأعود إليه للتنقيح والمراجعة وأختبر تلقيه عند مجموعة من الأصدقاء، أو أضع القصائد بين ضفتين فرحا في مواجهة قرار قديم اتخذته بتأخير النشر على الجمهور.
كما يمكن القول إن ديوان "الطازجون مهما حدث" وقراري بتأخير النشر ما يناهز عقدين من الزمن، جعلني أغضّ الطرف عن مجموعتين شعريتين كاملتين على الأقل تجاوزهما "الطازجون" فنيا وروحيا؛ المجموعة الأولى ربما حملت قصائد الرومانتيكية وبواكير الصدمة مع الواقع في التسعينيات، والمجموعة الثانية غريبة للغاية ارتبطت بفترة الحركة الطلابية وبعدها بقليل، وقصائد ربما أصفها الآن بوعيي النقدي بعد أن خرجت من التجربة، بقصائد شبيهة بالدراما السياسية للشعر الإسباني والذات المحاربة/الحالمة في مواجهة تكلس وجمود السياسيين.
لكن "الطازجون مهما حدث" باختياره الأساسي حول ما أسميه الآن "الرومانتيكية الثورية" تجاوز المجموعتين الشعريتين، وجعلني لا أقف عليهما كثيرا بالتحرير أو المراجعة لأنني تجاوزتهما نفسيا وروحيا.
لكن عموما المراجعة والتحرير والتنقيح سمات متلازمة للحلم والأمل وكل مغاير عند الكاتب أو المبدع، خصوصا حال كونه يبحث عن الأفضل والإضافة الفاعلة للمنجز البشري الطويل، عبر سجل التاريخ الزخم للغاية.

 

محسن البلاسي (شاعر وفنان تشكيلي/مصر): العمل الأدبي والفني يتنفس مثلنا لكن القاتل هو من يتعامل معه كجثة هامدة
العمل الأول هو الغلطة الأولى، العمل الثاني هو الغلطة الثانية. هكذا تعلمت من أساتذتي، العمل الأدبي والعمل الفني كائن حي ومتحرك دائما لا ينجبه المبدع كصنم مصمت أو مشلول وبمجرد انتهائه من صياغته الأولى يدخل أشخاص آخرون ليبثوا الحياة في هذا الجنين؛ مدققون لغويون، نقاد، قراء، ناشرون، باحثون إلخ...
حتى اللغة والبناء اللغوي أؤمن بأنهما كائن حي سريع التغيير والتطور.
كان أول عمل لي كتاب بعنوان "مزامير إيرو سياسية"، ونصحني أساتذة كبار بأن هذا العمل هو غلطتي الأولى ويجب أن أقف عليه بأقدامي حتى ألمح ملامح العمل الثاني في الأفق، وهذا بالفعل ما حدث فيما يخص العمل الثاني والثالث والرابع، لكن كل يوم تنتابني رغبات لإضافة المزيد وقص المزيد من داخل كل عمل كتبته.
أحيانا أشعر بشعور داخلي بالإحراج فيما يخص عملي الأول، أو أريد أن أخفيه عن الجميع، أضيف إليه المزيد وأغير ملامحه بالكامل. كان عبارة عن نصوص شعرية تصاحبها لوحات للفنانة ماجدة خوجة، كلما نظرت إلى هذا الكتاب أتساءل من الذي كتب هذه الكلمات ولا أعرفه؟ هذا شعور طبيعي ولا يمنع فخري بكل حرف كتبته. أما عملي الثاني فكان ديوان نصوص شعرية سريالية مشتركة بيني وبين غادة كمال بعنوان "آلهة القمر". مرّ هذا الكتاب بمراحل طويلة امتدت لثلاث سنوات من التشذيب والمحو وتغيير الملامح، حتى إن مسوداته المتعاقبة لا تشبه بعضها البعض إطلاقا خصوصا أن تجربة الكتابة المشتركة تجربة معقدة وليست بسيطة، بعد ذلك بدأنا مرحلة التفكير فيما بين السطور، هل سيجلب لنا المشاكل الاجتماعية أو السياسية وربما الدينية.... إلخ، حسب نوع الرقباء في مجتمعاتنا العربية وما أكثرهم، فبدأنا في محاولة السيطرة على جموح وحرية النص وأغلبها كانت محاولات فاشلة، فلم نستطع، بعد ذلك جاءت مرحلة ملاحظات الناشر فيما يخص تفادي أي مشاكل اجتماعية أو سياسية أو دينية وبالفعل هناك مقاطع لم تنشر في الطبعة الأولى من كتاب "آلهة القمر" وهناك مقاطع محذوفة بالطبع مع الازدياد المستمر لوحشية الرقباء سواء كانت اجتماعية أو سياسية أو دينية، وكانت تلك المقاطع ربما ستثير مشاكل عديدة للكتاب وكتابه. بالطبع هذا أمر قاسٍ كواقعنا، يشبه حين تقتطع قطعة من لحمك عنوة وترميها لقطيع من الضباع، فتظل مركونة في قفص تنتظر من يطلقها من جديد. وأتحدث هنا عن ظاهرة الرقيب بشتى أشكاله ليس بصيغة الأمر الواقع الذي أرضى به لكن أتحدث عن تلك الظاهرة بمزيد من التقزز والاستياء والحزن.

جاءت بعد ذلك تجربتي الثالثة وهي "كتاب الخيال الحر"، وهو كتاب بحثي نقدي فيه بعض الأبحاث التطبيقية فيما يخص الصراع في علم الجمال بين الفلسفة المثالية والفلسفة المادية. كل يوم تزداد بداخلي رغبة في المحو والتشذيب والإضافة والتنقيح داخل هذا الكتاب خصوصا حين تتفتح طرق وسبل ومراجع جديدة في المواضيع التي أثرتها، بل أيضا تغير المواقف السياسية والاجتماعية والفكرية والإبداعية لبعض المبدعين الذين سلطت عليهم الضوءَ في هذا الكتاب، كما أنني أعدت اكتشاف المزيد فيما يخص المجلات والدوريات القديمة التي تناولتها في هذا الكتاب.

لذلك أؤمن بحتمية إصدار طبعة أخرى من كتاب "الخيال الحر" بمزيد من الإضافات والتشذيب، وأستطيع أن أقول إن كتب النقد الأدبي والفني والجمالي هي أكثر كتب من الممكن أن يشعر الكاتب برغبته في الإضافة إليها أو محو أو تشذيب ما بداخلها طوال فترة حياته الأدبية، هذا الشعور لا ينتهي، وهو واقع علمي يفرضه التغيير والتطور المستمر فيما يخص علوم الجمال والنقد. بعد ذلك جاءت تجربتي الرابعة وهو كتاب أنطولوجيا وترجمات لأعمال منسية لشعراء سرياليين. وشعوري بالرغبة في الإضافة والمحو والتشذيب في هذا الكتاب لا يأتي فيما يخص مضمون النصوص لكن يأتي فيما يخص الواقع المتغير للغة الذي يتطور ويتغير يوما بعد يوم، كلما أعدت النظر إلى هذا الكتاب أردت لو أغير لفظا إلى لفظ آخر في قصيدة ما وهكذا وكل هذا لا يعني عدم ثقتي فيما كتبته، بالعكس يعني الثقة التامة في رؤيتي لحيوية ما كتبته وثقتي بأنها كائنات حية لم تصبح جثة بعد أن انتهيت من كتابتها بل إنها فقط مساحات تستوعب المزيد من التطوير والإضافة والمحو والتشذيب طبقا لواقعها المعاصر. وبالطبع حين تنتهي عقود تلك الكتب مع دور النشر التي نشرتها سأفكر في طباعة طبعات ثانية أو ثالثة منقحة ومعدلة ومضاف عليها ما تمّ حذفه أو ما أريد أن أضيفه. العمل الأدبي والفني يتنفس مثلنا وفقط القاتل هو من يتعامل معه كجثة هامدة. 

 

إبراهيم عبد الجليل الإمام (روائي/ليبيا): النص المنشور انتقلت ملكيته إلى القارئ والباحث والناقد وأي تغيير فيه تعدّ على حق الآخرين 
لست من أهل الاختصاص في الأدب العربي حتى أدلي بدلوي بين الدلاء في قضية تشذيبه وتطويره وتحسينه. لكني سأتحدث عن تجربتي الشخصية ربما تجدون فيها ما يفيد.
لست من المؤيدين للعودة إلى نص قديم منشور ووصل إلى يد القارئ والقيام بعملية تشذيبه. هذه العملية أشبه بتزيين الفتاة بعد الزواج والحمل والولادة.
النص صار من الماضي، له ما له وعليه ما عليه. التغيير في النص القديم وتحسينه والإضافة إليه لا تخدم تجربة الأديب، خاصة عندما يشمر أحد النقاد عن ساعد الجد للبحث بين ثنايا هذا الأدب. إنه نوع من التزييف وهو أسوأ أنواع التزييف.

أما عن تجربتي الشخصية فأقوم - أحيانا- بالقراءة الثانية للنص بعد اكتمال مسودته الأولى. دائما ما أجري تغييرات كثيرة على النص تصل أحيانا إلى تغييرات جذرية.
ذات مرة اضطررت إلى إجراء تعديلات كبيرة بعد أن قرأ أحد الأصدقاء المسودة المُعدّة لدار النشر. غيرت مجرى الأحداث بناء على ملاحظاته التي وجدت أنها تمنح النص بعدا جماليا آخر. لن أفشي سرا إذا قلت إن هذا حدث معي في أكثر من رواية. كما أن المراجعة قد تمنحني أفكارا جديدة، أقوم بصياغتها في عمل آخر غير الذي أقوم بتشذيبه وتهيئته للنشر.
الخلاصة: أعتبر أن النص المنشور انتقلت ملكيته مني إلى القارئ والباحث والناقد وأي تغيير فيه يعدّ تعدّيا على حق الآخرين. 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.