}

أزمة الشعر والشعراء بين النشر الورقي والإلكتروني (2)

فاتنة الغرة 29 أغسطس 2019
هنا/الآن أزمة الشعر والشعراء بين النشر الورقي والإلكتروني (2)
(Getty)
لم يتوقف الجدل الدائر منذ سنوات بين المتعصبين للنشر الورقي والمنحازين إلى النشر الإلكتروني بحكم أنه أصبح لغة العصر الحديث، خاصة بعد ظهور شكل مختلف للكتابة الشعرية انتشر على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي ولا سيما الفيسبوك، وبعد أن كان النشر الإلكتروني الأول محكوماً بعنصر الجودة كمعادل موضوعي للنشر الورقي، ما يضع شروطاً للجودة قلّما تخيب، إلا أننا وبعد دخول الفيسبوك شهدنا نوعاً آخر من النشر، نشرٌ لا يستند في كثير منه إلا على عدد الأصدقاء والإعجابات التي يحصدها كل منشور حتى لو كان صباح الخير - على الرغم من أن الفيسبوك ساهم بتقديم أصوات مهمة وجادة لم نكن لنعرفها لولا هذه المساحة- الأمر الذي أوجد جيلاً مختلفاً يسعى للشهرة على حساب الكتابة الجادة وخلق لدينا تساؤلات عدة عن جدوى النشر الورقي في ظل وجود هذه الشاشة الزرقاء التي ساهمت ببروز أسماء لا علاقة لها بالشعر لا من قريب ولا من بعيد، لكنها في الجانب الآخر قدمت مواهب مختلفة جادة تحمل رؤية ناضجة شكلتها التجربة الجاهزة أمامهم والمتابعة المتاحة الكترونياً التي اختصرت سنوات من البحث والقراءة التي كان الجيل الأسبق يحتاج إليها، كما اختصرت أيضاً سنوات من العمل التراكمي حتى يصبح من حق هذا الشاعر أن يحمل هذا اللقب، لكن تلك المساحة المشاعة للنشر والإعجاب العابر ساهمت بظهور "نجوم الفيسبوك" الذين صار النشر الإلكتروني بالنسبة لهم هو النشر الذي يضمن حصد مزيد من اللايكات وبات النشر الورقي مهدداً بالخطر فما بالك ونحن نسمع منذ سنوات أن الشعر لا يبيع، فهل نحن على أبواب حقبة مختلفة للشعر وللنشر الورقي؟ وهل تراجع الشعر عن أن يكون مشروعاً يتم العمل عليه بأناة وصبر؟ أسئلة كثيرة سنطرحها على عدد من الناشرين في محاولة للوصول إلى أجوبة حقيقية نقدمها في الجزء الثاني من هذا الملف:


جدوى النشر الورقي
السؤال الأول: هل ما زال هناك جدوى من النشر الورقي في ظل وجود الفيسبوك الذي أعطى مساحة لا نهائية لكل من هب ودب بالكتابة؟
ما تزال الناشرة فاطمة البودي من دار العين المصرية على إيمانها "أن "الشعر ديوان العرب وما زال له عدد كبير من المحبين والمتذوقين وإن كان الشعر يزدهر في المجتمعات المطمئنة، وواقعنا اليوم في العالم العربي قلق ومشحون بالاضطرابات والأزمات الاقتصادية ومن هنا

تبرز أهمية الشعر حيث أنه يخفف عنا كل هذا، والفيسبوك من أهم وسائل التواصل الاجتماعي المستخدمة من قبل المصريين والعرب، وإن كان قد خلق كتاباً مزيفين حين يكتب أحدهم منشوراً يحصد الإعجابات والتعليقات من أصدقائه الذي يطالبونه فيما بعد بالنشر، وقد زاد هذا الأمر عن حده بطريقة قد تشكّل تهديداً للنشر والثقافة حيث أن بعض دور النشر تذهب إلى صفحة الكاتب قبل أن ترى جودة المعروض عليها من الكتب المقدمة منه لترى عدد متابعينه بحيث يضمن لهم نسخ بيع كبيرة العدد، وهو سلوك ضحل يهدد فعلا مستوى الثقافة خاصة وأن عشاق الشعر مازالوا يحبون القراءة الورقية".
الناشر الفلسطيني خالد الناصري من منشورات المتوسط يرى أن "القاعدة الأساسية تقول إن النشر نشر بغض النظر عن نوع المادة المنشورة وشكلها، وأن في السابق كان النشر يتم طباعة على الورق ويتداوله الناس ومع تطور الزمن صارت هناك وسائل أخرى مثل ما نطلق عليه النشر الإلكتروني الذي كان من المفروض أن يسهم في عملية النشر". ولا يعتقد الناصري أن النشر الإلكتروني قد يلغي الكلاسيكي "لأن النشر عملية مستمرة ودائمة تعتمد على الأساليب"، ويؤكد أن "رغبة الشاعر بنشر كتابه تؤدي به لاستخدام أي وسيلة ممكنة سواء كانت إلكترونية أو إعلامية من أجل تحقيق أكبر انتشار للعمل، وحينما لا يجد هذا الكاتب الناشر الذي يمكن أن يتحمس لعمله يذهب إلى ما يسمى "The auto-publisher" أو النشر الذاتي المتاح على وسائل التواصل الاجتماعي خاصة الفيسبوك، وعادة ما يخرج العمل دون تدقيق أو مراجعة وبالأغلب دون قراءة أو متابعة وهنا تقع الكارثة".
الناشرة اللبنانية لينا كريدية من دار النهضة العربية تقطع بأنه "لا يزال هناك جدوى من النشر الورقي والاستمرار في عملية الطباعة أقله في المدى المنظور، فعلى الرغم من قيام الفيسبوك مع غيره من وسائل التواصل الاجتماعي باحتلال المساحة الأكبر من حياة الشعوب الحضارية منها أو تلك التي ما زالت في طور التنمية أو حتى البدائية، لكن هذه الوسائل بقيت لغاية الآن أسيرة حدود العالم الافتراضي بينما الواقع شيء آخر، أما الكتاب، فرغم تراجع دوره، ما زال يحظى بمكانة مرموقة لا يمكن لوسائل التواصل الوصول إليها، ويظهر هذا الأمر بشكل واضح من خلال الطلبات الكثيرة جداً التي تصل إلى مختلف دور النشر من مدوّني ومستخدمي وسائل التواصل التي يسألون من خلالها عن النشر الورقي والطباعة لتحقيق النجاحات التي يطمحون إليها".

الناشرة المصرية كرم يوسف من الكتب خانة تؤكد أنه "من الضروري تحديد مفاهيم السوشيال ميديا ووضعها في إطارها الصحيح وعدم إعطائها أكبر من حجمها أو دورها حيث هناك لبسٌ كبير في عالمنا العربي عند استخدام مثل هذه الأدوات وينقصنا وعي كبير بها وبأخلاقياتها وحدودها، ومع سهولة الاستخدام، أصبح هذا الجهاز الصغير الوسيلة التي تكاد تكون الوحيدة للتواصل على كافة المستويات وبالتالي أصبح من السهل خاصة من لهم وجهة نظر التعبير عنها في أي وقت وبأي طريقة"، لكنها ترى أن الفيسبوك أو غيره ليس بديلا عن نشر الشعر أو سواه رغم وجود النشر الإلكتروني في المنصات الإلكترونية المعنية بالنشر مثل أمازون أو ما يسمى  Self-publishing.


كتب الشعر
السؤال الثاني: كناشر/ة هل فعلا كتب الشعر لا تبيع؟ وما هو رهانك من أجل استمرار عملية النشر؟
تفخر البودي بأنهم في دار العين "من أكثر الدور التي تهتم بالشعر وتنشره، فالشعر له قراؤه وجمهوره وإذا لم نلجأ للشعر في هذه الأوقات اذاً فعلينا السلام"، وتظن "أن الشعر ستظل له مكانته وأن الوقت كفيل بفرز الموجود من هذه "الهوجة" التي تخرج علينا من وقت لآخر على الفيسبوك وغيره، لأن الذائقة الأصيلة تطرد كل الغث". وما زالت البودي تراهن على الشعر لكنها واقعية في أنه "يُطبع بكميات قليلة وليس بحجم الأعمال الروائية".
وتؤكد يوسف أن "كتب الشعر تبيع لكن بأرقام ليست بالكبيرة، إلا أن بيع الكتب وحجم الإنفاق عليها أصبح ضعيفا في السنوات الأخيرة لأسباب كثيرة جدا، يكفي فقط الأزمة الاقتصادية وقرصنة الكتب وصعوبة التوزيع رغم ما يبدو على السطح من مظاهر انتشار القراء لكننا نفتقد لأرقام دقيقة يمكن الاعتماد عليها والرهان هو الاستمرار بنشر الأعمال الجيدة والجادة والجديدة".


هل يُقرأ الشعر؟
السؤال الثالث: هل يُقرأ الشعر فعلا؟ أم ان الأمر لا يتعدى شلة الأصحاب ولقمة العيش التي تدفع بعض الصحافيين للكتابة عن مجموعة من أجل المقابل المادي؟
توافق كريدية على أن "الواقع الراهن يقول إن الشعر لم يعد يُقرأ كالسابق، وهذا أمر غير مستغرب في ظل أزمة القراءة التي طالت كل أشكال القراءة، إنما الشعر هو واحد من الفنون الإنسانية التي بدأت مع تحضر الإنسان القديم وما زال قائماً وسوف يستمر ما دامت الإنسانية مستمرة، فعندما يقوم الشاعر بالتأليف والكتابة، فهو يكتب لنفسه أولاً ومن ثم للجمهور، وكلما كان الشاعر صادقاً في كتابته، وواسعاً في خياله، ومبدعاً في صوره، ومتمكناً من لغته، ومدركاً لأحاسيس القراء ومتفاعلاً معهم، فإنه حتماً سينجح في توسيع قاعدة جمهوره وتوسيع أعماله لأنه سيكون قادراً دوماً على الابتكار وتقديم كل جديد بأسلوب راق وبصورة مشرقة". كما تأسف للواقع الصحافي حيث ترى أن "هناك صحافيين يكتبون عن الأعمال الشعرية من أجل لقمة العيش سواء كانت كتابتهم مدحاً أم نقداً بناء أم نقداً لاذعاً، لكن حتى هؤلاء لا يستطيعون الاستمرار في الكتابة عن الشاعر غير الموهوب أو الشاعر المزيّف لأنهم بعد حين لن يجدوا من يقرأ أو يهتم بهذا النوع من الشعراء، فالزمن هو الكفيل في فرز المبدع عن المتزلّف".
يستصعب الناصري سؤال قراءة الشعر "فالشعر قراؤه قليلون كما كان دائماً وفي كل حقبة، يُقرأ نعم ولكن بنسبة قليلة باستثناءات قليلة يعرفها أغلبنا مثل محمود درويش الذي يقرأه المهتمون بالشعر وكل من يمتلك قدراً من الثقافة وذلك لمكانة درويش الأيقونية". وعن دور الصحافة يوضح أنه قال مرة في مؤتمر الرواية الفلسطيني إنه "لدينا عدة إشكاليات ثقافية إبداعية في العالم العربي حيث يكاد دور الشاعر والصحافي يختفي، فنحن نعيش في فوضى عارمة تأسست على أخطاء كبيرة وأتمنى أن تحمل في طياتها لحظة مخاض للمستقبل".
وتؤكد يوسف أن "هناك مقروئية للشعر طبعاً وهناك جمهور كبير لشعراء وشاعرات بعينهم، يكفي مثلاً نموذج إيمان مرسال وعماد أبو صالح وأحمد شافعي ومحمد خير وياسر عبد اللطيف، حيث أن كل هؤلاء لهم قراء ومتابعون وعندما تكون هناك قراءة شعرية تعرفين أن للشعر قراء ومحبين"، ولا تنفي وجود الشللية طوال الوقت لكنها ترى أن هذا "لا يمنع من وجود المحرر الثقافي الجاد والموضوعي الذي يقوم بدوره وهذا قليل لكنه موجود".
وتتفق البودي مع هذا الرأي حيث أن "الشعر الجيد يحرض على الكتابة ولا أظن أنني صادفت صحافياً يكتب من أجل لقمة العيش أو مجاملة فإن لم تكن الدفقة الشعرية أصيلة وقوية فلا أظن أن أحدا سيدافع عنها".



الكتابة الهادئة
السؤال الرابع: هل تركنا وراءنا تصورنا عن الكتابة الهادئة التي تأخذ وقتها قبل النشر العلني إلى أن صرنا نرى نصوصا تكتب مباشرة على الفيسبوك ويتم تجميعها في كتاب ودمتم؟
يوضح الناصري كما أسلف سابقاً "أن الوسائل الجديدة حملت معها سلوكيات جديدة وخلقت أسماء وممارسات جديدة أيضا، وبرأيي أن هذا يعتمد بالدرجة الأولى على الكاتب صاحب المشروع الحقيقي الذي تشكّل الكتابة هوساً بالنسبة له ولن يؤثر فيه لا الفيسبوك ولا غيره، وهناك نماذج كثيرة موجودة تكتب لأنها تريد أن تكتب". ولا ينكر أن سهولة النشر على الفيسبوك ساهمت في "خلق معضلة خطرة وهي الاستسهال في الكتابة وفي النشر حيث صارت لديك منصة يمكنك كتابة ما تريد من خلالها وحصد إعجاب دائرة أصدقائك بأي شيء تكتبه"، لكنه يراهن "على القارئ الجيد الذي لا تنطلي عليه هذه الممارسات وهي ابنة لحظتها، حيث أن الكاتب الجيد لا يمكننا عدم ملاحظته ولن نخطئ تمييزه عن غيره، والجميل في الأدب أنه لا يمكنك خداع إلا البسطاء أو القراء غير العارفين بقضايا الثقافة، فالقارئ الجيد يميز الخبيث من الطيب، وهذه قاعدة لا تتغير أبدا".

تستكمل يوسف فكرتها أن "سهولة الدخول للفضاء الافتراضي جعلت من السهل جدا لأي أحد تعجل الكتابة والنشر إلكترونياً لكنه ما زال في إطار الميديا التي تتغذى على ملايين الـ entries من الملايين حول العالم وسريعا ما تصبح في خبر كان". وتؤكد بقاء "حقيقة أن كل مبدع لأي شكل من أشكال الإبداع مسؤول عما يقدمه وكيف يرى نتاجه وكيف يرى قراءه والوقت هو الفيصل في فرز العملة الجيدة من الرديئة، فالعمل الجيد تتوافر له عوامل البقاء في حد ذاته، كما أن القارئ أيضا يقع عليه جزء من المسؤولية وهذا موضوع آخر".
وترى كريدية أن "الكتّاب الحقيقيين والمحترفين بمن فيهم الشعراء قد يكشفون النقاب عن بعض أعمالهم على الفيسبوك من أجل دراسة ردة فعل الجمهور وتفاعله للقيام بتعديلات إن لزم الأمر، لكنهم يبقون الجزء الأكبر من نتاجهم مخفياً ليصدر في كتاب بصيغته الورقية والذي لم تنجح الوسائل التكنولوجية الحديثة في محاكاة أهميته ورونقه، فالمؤلف الحقيقي يستقبل أي كتاب جديد له كالأم والأب اللذين يستقبلان طفلهما الأول، أما حديثو النعمة في عالم الكتابة، وخاصة الشعرية منها، فقد جعلوا من أنفسهم تابعين لمستهلكي وسائل التواصل دون الإدراك الحقيقي لمعنى الكتابة والتأليف، فبدلاً من لعب دور الموجّه للجمهور باتوا أشبه بموظفين عند الجمهور يقومون بتلبية طلباته؛ فإذا تفاعل الجمهور معهم، بصدق أو بغير صدق، وطلب منهم تجميع مدوّناتهم في كتاب، تراهم يسارعون إلى التواصل مع المؤسسات من أجل "طباعة" أعمالهم وليس "نشرها" مع الإشارة إلى أنهم يخلطون بين الأمرين، أما في حال لم يجدوا أي تفاعل فإنهم يذوبون في عالم النسيان رغم أن البعض منهم قد يمتلك ملكة الشعر لكنه يكون بحاجة لمن يوجّهه ليصقل موهبته. وهذا النوع من الشعراء هدفه المنبر وجمهور ولو كان مؤلفاً من عشرة أفراد في مكان لا يليق بالشعر أصلاً!".
بالنسبة لنصوص الفيسبوك تلاحظ البودي أنها "حينما تكون من شاعر/ة متحقق/ة فهي بمثابة تشجيع لنفسه ليستكمل العمل من خلال التعليقات والملاحظات"، وتشعر أن "الفيسبوك هنا أشبه بحالة الممثل الذي يطل على المسرح ويصفق له الناس فينتشي ويبدأ العمل وهذا تصوري لبعض النصوص التي تكتب على الفيسبوك والتي يتم التعديل عليها والحذف والإزاحة، أما النصوص الرديئة فهي حتى لو نشرت في مجلد من الذهب لن تجد لها مشترياً".

أين الخلل؟
السؤال الخامس: أين يقع الخلل فعلا؟ هل في عدم وجود مؤسسات ثقافية جادة ومسؤولة أم في اختفاء دور الناقد الحقيقي؟
يرى الناصري أن "دور الناقد هو خارج المؤسسة الثقافية إلا إذا كان عاملاً لصالح هذه المؤسسة نفسها، وهنا تنتج إشكالية من نوع آخر. وكما تعلمين لدينا مشكلة في ايجاد قراء

للأدب فما بالك بإيجاد قراء لنقاد الأدب".
وتعترف البودي بأن "المؤسسات الحكومية جامدة ولا توجد لديها حرية النشر مثل الناشر المستقل في المشاريع الثقافية الكبيرة التي يمكن أن تقوم على أكتاف مجموعة من الناشرين وأظن أننا نقوم بهذا كلّ بطريقته مثل دار العين والكتب خان وغيرهما". وتأسف لواقع "صناعة النشر الرديء حتى أننا رأينا كتباً نسبت لمؤلفين بعينهم على الرغم من كونها كتباً مترجمة من لغة أخرى". كما تؤكد وجود "تسيب وانفلات في واقع النشر في العالم العربي كله وليس في مصر وحدها، وهذا يعطي فرصة كبيرة لتسرب الغث إلى جوار السمين، كما أن الدعاية على السوشيال ميديا تلحّ على القارئ من أجل شراء الكتاب". وترى "أن اختفاء أو تواري دور الناقد سبب مشكلة كبيرة وإن كان هناك بعض النقاد الشباب في الرواية الذين بدأوا بأخذ مواقعهم إنما الشعر لم يعد أحد يعطيه حقه في القراءة والنقد وهذا يحتاج وقفة كبيرة".
كريدية تعود بالزمن إلى الوراء أكثر لترى أن "الخلل الأساسي يقع داخل المجتمع، فبعد هزيمة 1967 تحوّلت المجتمعات العربية إلى مجتمعات استهلاكية لكل شيء، مفيداً كان أم مضراً، وهذا الأمر أدى إلى تراجع الحياة الثقافية التي كانت ناشطة قبل ذلك نظراً لأن هذه الشعوب قد ملّت من الشعارات الرنانة الفارغة واعتبرت ظلماً بأن العمل الثقافي قائم على نظريات وشعارات". وتؤكد "أن انقطاع أو تباطؤ الدعم الحكومي للمؤسسات الثقافية قطع عنها المورد الأساسي التي كانت من خلاله تموّل نشاطاتها ومنها طباعة ونشر الأعمال الشعرية، يضاف إلى هذا العامل أزمة القراءة والتي تكبر يوماً بعد يوم ككرة الثلج، والتي بدورها دفعت العديد من العاملين في مجال الأدب والنقد إلى ترك هذه المهنة والبحث عن مورد رزقهم في مكان آخر".
تؤكد يوسف وقوع مسؤولية هذا الخلل على الجميع "المبدع ومنتج العمل والمتلقي سواء أفراد أو مؤسسات رسمية حكومية أو مستقلة، وكل منهم له دور عليه أن يقوم به بكل جدية ولن يحدث ذلك من دون توفر التعليم القائم على أسس علمية والحرية بكافة أشكالها وتحسن الحالة الاقتصادية وكثير من التغييرات لا بد أن تحدث قبل أن تتحسن الأوضاع".



عصر الكتابات السريعة
السؤال السادس: هل تعتقد/ين أننا نشهد عصر انتهاء فكرة الكتابة التي تدوم وننتقل إلى الكتابة التي تبدو أشبه بالوجبات السريعة؟ أم أنها تقليعة جديدة لن تلبث أن تنسحب باختلاف شكل المستقبل؟
يقطع الناصري بأننا "لا يمكن أن نشهد نحن ولا غيرنا عصر انتهاء الكتابة حتى لو اختفى النشر الورقي، وهي فرضية يستحيل عليّ تخيّلها لأن النشر الإلكتروني سيظل في حاجة لكتّاب جادين حقيقيين وهو الأمر الثابت، أما الكتابة الخفيفة غير الجادة فهي مثلما لم تستمر من قبل فهي لن تستمر في المستقبل ولن تكون أكثر من فقاعات زائلة".
وتتفق يوسف على أن "الكتابة السريعة والصحافية والخواطر على الفيسبوك وغيره تبقى في هذا الإطار ولن تخرج عن ذلك أما العمل الإبداعي سواء رواية أو قصة أو قصيدة أو حتى كتابة مفتوحة دون تقيد بجنس محدد فسوف تبقى وتجد طريقها للوصول للقارئ أو المهتم لكن هناك حقيقة موجودة بالفعل بسبب التكنولوجيا هي أن القراءة وأشكالها والكتابة والتعاطي معها تتغير لأسباب كثيرة، وسوف يحدث التحول وتتم قراءة الكتب ومشاهدة الأفلام والمسلسلات وشراء الاحتياجات من خلال هذه الكترونياً، حيث يحدث هذا في العالم ونحن جزء منه". وتؤكد أننا "سوف نستغرق بعض الوقت والتكاليف للتحول إلى الرقمي لكنه قادم إلا أن الكتب بالتأكيد ستبقى وتستمر لفترة".

وتخلص كريدية إلى أننا "بعد فترة قصيرة وإذا ما استمر النمط الاستهلاكي سائداً، سوف نشهد بلا شك أزمة كتابة، لكنها سوف تبقى أزمة ولن تتحول إلى كارثة. صحيح أنه بات لدينا جيل يحسن القراءة وليس الكتابة، لكنه سيجد نفسه مضطراً إلى العودة للإمساك بالقلم وتدوين نتاجه كتابياً، فالتطور التقني الهائل والذي فاق أي تصور عقلي إنساني لن يستطيع أبداً الصمود أمام أي عامل طبيعي، وقد علمنا التاريخ بأن كل ما هو مدوّن سواء كان كتابياً أم نقشاً أم نحتاً نجح في الصمود أمام العوامل الطبيعية المتقلّبة والمتبدّلة خلال آلاف السنين، كما أن العاملين في المجال التكنولوجي يلجؤون دوماً إلى التدوين الكتابي الورقي لأنهم يعلمون تماماً بأن أي عطل فني قد يطيح بكل عملهم وجهدهم، وبالتالي فهم يحتاجون إلى أصل يعتمدون عليه للانطلاق من جديد".

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.