}

رأس توت عنخ آمون.. وسلسلة التفريط بالآثار المصرية

سارة عابدين 25 يوليه 2019
هنا/الآن رأس توت عنخ آمون.. وسلسلة التفريط بالآثار المصرية
قناع توت عنخ آمون في كلاين أوليمبياهل/ ميونيخ/ ألمانيا(2/4/2015/Getty)
تعد الآثار المصرية مطمعاً دائماً للتجار ولصوص الآثار منذ قرون بعيدة، أقدمها العصابات التي انتشرت في عصر الأسرة 20 والأسرة 21 في مصر القديمة، والتي كانت تتكون من العبيد الفقراء بتحريض من كبار رجال الدولة. في العصر الحديث لم تتوقف سرقة الآثار المصرية أو نهبها سواء عن طريق بعثات التنقيب الأثرية، أو لصوص وتجار الآثار، أو حتى عن طريق الإهداء للملوك والرؤساء، خاصة مع وجود عدد كبير من القطع الأثرية والتماثيل الصغيرة غير مسجلة أو موثقة في مخازن وزارة الآثار المصرية.
يعتبر تمثال رأس الفرعون المصري توت عنخ آمون آخر الآثار المصرية التي أثير حولها جدل بهذا الشأن بعد بيعه في مطلع الشهر الجاري، بقاعة كريستيز للمزادات بلندن بمبلغ 4.75 مليون دولار. وبعد بيعه أعلنت الحكومة المصرية عزمها إقامة دعوة مدنية تسعى من خلالها إلى استعادة الآثار المصرية القديمة والتي يعتقد أنها نهبت من معبد الكرنك في سبعينيات القرن الماضي.
تم بيع الرأس الذي يصور الإله أمون مع ملامح الفرعون الصغير في صالة كريستيز بالرغم من الاعتراضات المصرية التي بدأت منذ عرض التمثال للبيع. وأثارت مصر فكرة عودة التمثال بموجب القانون المصري الذي ينص على أن أي قطعة أثرية تم التنقيب عنها بعد عام 1983 هي حق لمصر.
تبقى ظروف اكتشاف الرأس غامضة، لكن مساره التاريخي المعروف بدأ مع تاجر نمساوي يقال إنه اشتراه بين عامي 1973- 1974، ثم باعه لمجموعة أعمال فنية في ألمانيا
متخصصة في الفن المصري القديم، ثم وصل إلى كريستيز التي باعته بدورها لمالكه الحالي، وهو جامع أعمال فنية غير معروف.
لا يعتقد خبراء الآثار المصريون أن كريستيز تمتلك شهادات الملكية القديمة للتمثال، لذا طالبت وزارة الخارجية المصرية بإزالة جميع العناصر المصرية من صالة كريستيز حتى تتمكن الدار من تقديم شهادات ملكية سارية، وقد صرح زاهي حواس عالم الآثار المصري ووزير الآثار السابق أن التمثال غالباً غادر مصر بعد عام 1970، لأنه في ذلك الوقت سرقت قطع أثرية كثيرة من معبد الكرنك.
نحت التمثال المذكور من حجر الكوارتز البني، بارتفاع 11 بوصة، ويمثل الملك تون عنخ آمون مرتديا تاج الإله آمون، وهي الطريقة المصرية لربط الملك بالإله. التاج الملكي للفرعون الصغير مدون عليه اسم الإله آمون، وعمره أكثر من 3 آلاف عام، ويذكر أن صورا مماثلة لآمون مع ملامح وجه توت عنخ أمون كانت منحوتة على جدران معبد الكرنك بجنوب مصر.
في حديث لها قالت المتحدثة باسم دار كريستيز للمزادات "لا يمكن تتبع الأشياء القديمة عبر آلاف السنين، لذلك من المهم للغاية تأسيس ملكية حديثة، وحق قانوني في البيع. وهو ما فعلناه بوضوح، ولن نعرض أي شيء للبيع، قد يكون مصدر قلق بشأن الملكية أو التصدير". وبالرغم من أن تصريحها يبدو منطقيا، لكنه يحمل بداخله اعترافا ضمنيا بأن الدار لم تتبع
بالفعل المسار الأصلي للتمثال.



معابد فرعونية خارج مصر
ليس رأس توت عنخ آمون هو القطعة الوحيدة التي أثير الجدل حولها، وهناك مئات وربما الآلاف من القطع الفرعونية المعروضة حول العالم، تتراوح بين مسلات فرعونية، وتماثيل كاملة، أو تماثيل نصفية لملوك، أو أجزاء من جداريات، أو حتى معابد نوبية كاملة.
بعد إنقاذ معبد أبو سمبل من الغرق في واحدة من أكبر مبادرات إنقاذ التراث صعوبة، تخلى الرئيس عبد الناصر عن أربعة معابد نوبية للبلدان التي ساهمت في عملية الإنقاذ، ويبقى حتى الآن السؤال الجدلي الأكبر: هل من حق عبد الناصر أو غيره من الحكام أن يهب التراث المصري القديم أم لا؟



معبد دندور بنيويورك
بالرغم من صغر حجم المعبد مقارنة بالمعابد المماثلة له في مصر، فإن معبد دندور تتوفر فيه كل العناصر الأساسية في المعبد: البوابة وبهو الدخول، وغرفة القرابين والهيكل الذي تعلو أعمدته تيجان نباتية.
تم بناء المعبد في حوالي القرن 15 قبل الميلاد، بتكليف من الإمبراطور الروماني أوغسطس

قيصر، كأداة دعائية من الإمبراطور ليظهر للمصريين أن الحكم الروماني سيكون إيجابيا ولن يمس الثوابت الدينية المصرية، ولن يدمر الثقافة المحلية، لذلك كرس المعبد للإلهة المصرية إيزيس التي تعد من أكثر المعبودات شعبية في مصر القديمة.
لقرون طويلة وقف المعبد على ضفاف النيل، حتى مع التغيرات المختلفة التي طرأت على التاريخ المصري. في الستينيات بدأت الحكومة المصرية في البحث عن طرق للسيطرة على فيضان النيل، فتم بناء السد العالي، وبحيرة ناصر لتتجمع بها مياه الفيضان، لكن البحيرة كانت ستغرق العديد من المواقع الأثرية القديمة، فبدأت اليونسكو "الحملة الدولية لإنقاذ آثار النوبة"، وفي النهاية تم نقل 22 معبدا وحفظها. وبسبب الدعم المالي والأكاديمي الكبير للولايات المتحدة، قرر ناصر إهداءها معبد دندور الذي يستقر حالياً في متحف المتروبوليتان في قلب منهاتن.



معبد طافا بهولندا
يتميز المتحف الملكي للآثار في ليدن بمظهر أوروبي معاصر وهادئ، ولذا فأن يوجد معبد مصري قديم بداخل المتحف فكرة غريبة وغير متوقعة. بني المعبد الأصلي من كتل الحجر الرملي عام 25 قبل الميلاد، بعد الفتح الروماني للنوبة، وهو مكون من بهو يؤدي إلى قاعة بأربعة أعمدة من الغرانيت، ثم غرفة للآلهة، وهو مكون بالكامل من 650 قطعة بوزن 250 طناً. بسبب حساسية الحجر الرملي تم إعادة بناء المعبد بداخل المتحف بغرفة مقاومة لعوامل

الطقس المختلفة، وليس بمكان مفتوح كما كان في مصر، بسبب اختلاف طبيعة الجو في هولندا، والذي قد يؤثر سلبا على بناء المعبد.
تظهر على جدران المعبد بعض الصلبان والنقوش الرومانية ما يشير إلى استخدام المعبد كمكان عبادة مسيحي بعد بنائه. ووفقا لبعض المهتمين بالآثار المصرية في ليدن بهولندا، يمكن حتى الآن استئجار القاعة الموجود فيها المعبد لإقامة شعائر دينية خاصة.



معبد ديبود بمدريد
تم بناء المعبد في الأصل في القرن الثاني قبل الميلاد، على بعد 15 كم جنوب أسوان، بالقرب من أماكن عبادة الإلهة إيزيس في فيلة. بدأ المعبد كغرفة صغيرة للتعبد للإله آمون، وخلال حكم البطالمة تم توسعة الغرفة من جهاتها الأربع لتتحول إلى معبد صغير، بمساحة 12 مترا في 10 أمتار، وقد أكمل كل من الإمبراطور أوغسطس قيصر وتيبريوس تزيين المعبد.
يبدأ المعبد برصيف، أمامه طريق مواكب طويل، يمر من خلال ثلاث بوابات حجرية تقود إلى فناء مفتوح، وينتهي المعبد بقدس الأقداس المبني من الغرانيت الوردي، وفي النهاية يوجد الهيكل الذي أقيم للإله آمون. يستقر المعبد حاليا بحديقة "ديل أويستي" بالقرب من القصر الملكي بمدريد، وتم فتحه للزيارة عام 1972، ويعتبر من أهم المعالم السياحية بمدريد.



معبد إليسيا
بني معبد إليسيا من قبل الملك تحتمس الثالث حوالي عام 1450 قبل الميلاد، وهو مخصص للإله حورس وزوجته. وتمثل النقوش على جدرانه الملك يقدم عرضاً ويؤدي الطقوس الدينية أمام الإله. وبالرغم من تآكل بعض النقوش بسبب المياه، فإن النقوش المحفوظة تعطي فكرة كبيرة عن الفن المصري القديم من الأسرة الثامنة عشرة.
يذكر تقرير اليونسكو أن المعبد تم إنقاذه بما يشبه معجزة، بسبب ارتفاع درجة الحرارة في ذلك الوقت بالنوبة إلى ما يقرب 50 درجة في الظل، مع الأرضيات الطينية الزلقة، ما جعل التجربة بمثابة تعذيب حقيقي لكل من عايشها. تم تحميل قطع المعبد وأعمدته التي يتراوح وزنها بين طن أو أكثر على بارجة معدنية ضخمة، خلال 20 يوما من العمل المتواصل. في نهاية الأمر تم تحميل 66 قطعة بالكامل على البارجة ثم جرى شحنها إلى إيطاليا، وهو موجود حاليا بمتحف إيغيزيو بتورينو.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.