}

ناشر مصري يفوز من سجنه بـ"جائزة فولتير لحرية النشر"

هنا/الآن ناشر مصري يفوز من سجنه بـ"جائزة فولتير لحرية النشر"
المصري خالد لطفي يفوز بجائزة فولتير لحرية النشر (فيسبوك)
من موزع للكتاب، إلى وسيط بين دور النشر والمكتبات الكبرى، ومشارك في المؤتمرات بطاولة صغيرة يرص عليها كل ما يملك من كتب، تدرج الناشر المصري خالد لطفي في تحقيق حلمه الذي تجسد أخيراً في تأسيسه لـ"مكتبة ودار تنمية للنشر" في شارع هدى شعراوي بمنطقة وسط البلد عام 2011. وفي غضون أعوام قليلة، كان بمقدور الاسم الذي أطلقه صاحبه على حلمه أن يشير إلى مسماه بجدارة، إذ تمكنت "تنمية" من توفير النسخ النادرة من الكتب للقارئ المصري، سواء من الترجمات المهمة لأعمال الكتاب الكبار، أو الكتب العربية الأصيلة، بما في ذلك نسخة للأطفال من قصيدة محمود درويش "فكر بغيرك"، والتي فازت بـ"جائزة اتصالات لأدب الطفل العربي"، وكذلك أعمال سعود السنعوسي، وبثينة العيسى. وفي لفتة ذكية من خالد، المسجون حالياً، قام بإصدار طبعات مصرية شعبية للكتب الأعلى مبيعاً، في محاولة لتوفيرها بسعر معقول عقب السعار الذي اجتاح كل شيء في مصر بعد ثورات الربيع العربي، وطال أسعار الكتب بشكل لا يحتمل.

جاسوس أم صانع سلام؟
بدأت قضية مكتبة ودار نشر "تنمية" عام 2017 حين اتفقت ضمن مشروعها مع دار النشر اللبنانية "الدار العربية للعلوم ناشرون"، على نشر طبعة مصرية مخفضة السعر من كتاب "الملاك: الجاسوس المصري الذي أنقذ إسرائيل" تأليف الكاتب الإسرائيلي يوري بار يوسف، وهو الكتاب المتداول بالفعل بنسخته العربية في بلدان عدة، فضلاً عن أن منصة "نتفليكس"

حولته إلى فيلم سينمائي، ما يعني أن "تنمية" تتبع نفس خطتها في نشر الكتب غير المتاحة للقارئ المصري بحس تجاري يخلو من أي إساءة أو ادعاء بطولة ما، وأكبر دليل ما ذكره بعض العاملين بالمكتبة من اتباعهم الإجراءات المعهودة عند نشر كتاب، حيث تم إرسال نسخة إلى الرقابة للحصول على الموافقة بتداولها ولم يتلقوا ردا بالرفض وهو ما يعتبر ضمنا قبولا بالنشر، وبناء عليه تم طبع وتوزيع الكتاب في المكتبات.
والكتاب المذكور يتناول معلومات خطيرة أفشاها صهر الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر المدعو أشرف مروان (1944 - 2007) المتهم حسبما ورد في الكتاب بالتجسس على مصر لصالح إسرائيل أثناء حرب أكتوبر 1973، وهو ما نفاه المسؤولون المصريون بشكل قاطع، مبررين ذلك بإقامتهم جنازة رسمية لصهر الرئيس في القاهرة بعد وفاته في لندن في يونيو/ حزيران 2007، والتي حضرها عدد كبير من المسؤولين الكبار وشيع جثمانه ملفوفا بعلم مصر!
لكن ثمة وجهة نظر مختلفة يطرحها الكتاب أيضا بين طياته وهي أن الجاسوس المذكور كان مخادعا كبيرا لإسرائيل ضمن خطة الخداع الاستراتيجي المصري، وقد ظهرت تلك الرؤية أيضا في الفيلم المأخوذ عن الكتاب على منصة  "نتفليكس"، إذ قدم مروان بوصفه "صانع سلام".

كواليس قضية خالد
ذات يوم بعد أن أعلن خالد عن افتتاح فرع جديد لمكتبة "تنمية" في المعادي عبر صفحته الشخصية اختفى تماما عن الأنظار ولم يشاهده أحد حتى تسرب الخبر الذي آثرت أسرته كتمانه لفترة طويلة أثناء التحقيقات.
ففي نيسان/ أبريل 2018 تم القبض عليه بتهمة إفشاء أسرار عسكرية وذلك بقيام الدار التي يترأسها بإعادة طباعة الكتاب الذي ألفه بار يوسف وحكم عليه بالسجن خمس سنوات. وتفاجأ العاملون مع خالد في سبتمبر/ أيلول 2018، بزيارة من لجنة المصنفات الفنية والتي قامت بتحرير محضر ضد الدار وقبضت على أحد العاملين فيها، وجدد حبسه مرتين قبل أن يُخلى سبيله. وفي الرابع من فبراير/ شباط 2019، أيّدت محكمة عسكرية الحكم العسكري الصادر ضده، وتم حرق جميع النسخ المتاحة من الكتاب في السوق.

جائزة فولتير
قبل يومين، في صباح 2 مايو، أعلن الاتحاد الدولي للناشرين في جنيف فوز الناشر المصري خالد لطفي بـ"جائزة فولتير لحرية النشر" لهذا العام، لما وصفوه بأنه "شجاعة مثالية في دعم الحريات وتمكين الآخرين من ممارسة حريتهم في التعبير".
وجاء قرار لجنة التحكيم بمثابة تكريم لشجاعة الناشر في محبسه بالرغم مما انطوت عليه

تجربته من مخاطر. وصرح كريستين إينارسون، رئيس لجنة حرية النشر، بأن الاتحاد الدولي للناشرين يقف متضامنا مع خالد لطفي. وأكد أن عليهم دعم كل زملائه الناشرين "حتى لا يؤدي حبسه إلى الخوف والرقابة الذاتية في بلد مثل مصر يتسم بهذا التراث الأدبي الثري". وناشد خوسيه بورغينو، الأمين العام لاتحاد الناشرين، الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إصدار عفو رئاسي عن خالد. كما وجه الروائي المصري يوسف زيدان رسالة إلى رئيس مصر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يدعوه لإصدار عفو رئاسي عن الناشر المحبوس منذ سنة لمجرد أنه أصدر كتاباً، مؤكداً على سرعة إصدار هذا العفو، حيث "لا مستقبل لبلد يُسجن فيه ناشرون لأنهم نشروا أو مؤلفون لأنهم ألّفوا، فهذا من خطايا زمنٍ بائسٍ قد انقضى". وفي نفس الصدد تساءلت الكاتبة المصرية عبلة الرويني في جريدة "الأخبار" الرسمية "هل يمكن أن نطالب بعفو رئاسي عن شاب لا حول له ولا قوة، كل جريمته أنه قام بإعادة طبع كتاب مترجم ومنشور ومتداول "!!
كما علق محمود شقيق خالد على الجائزة قائلا "نأمل أن تساهم الجائزة في حصوله على عفو رئاسي وإسقاط حكم الحبس، لأنها دليل جديد على السمعة الحسنة التي يتمتع بها ومساهمته في خدمة القارئ".

أكبر سجون الصحافيين في العالم
في نفس الوقت من العام الماضي فوجئ المسؤولون في مصر أيضا بفوز المصور الصحافي المصري محمود أبو زيد، المعروف باسم "شوكان"، بجائزة "يونيسكو/غييرمو كانو العالمية لحرية الصحافة"، وهو الفوز الذي أثار ردود فعل متضاربة، فضلا عن استياء وتنديد المسؤولين في مصر بهذا الاختيار، فقد كان شوكان آنذاك رهن الاعتقال جراء تصويره لقوات الأمن المصرية وهي تقوم بتفريق مناهضي الحكومة في اعتصام رابعة المعروف. وهي الجائزة التي انبثقت من البيان الذي وضعه الصحافيون الأفارقة في عام 1991 لمبادئ حرية الصحافة

وأطلقوا عليه اسم "إعلان ويندهوك"، وذكروا فيه عددا من النماذج المؤسفة لوسائل القمع والإرهاب المنتشرة في جميع أنحاء أفريقيا من قبل الأنظمة الحاكمة. واتُفق على اعتماد تاريخ الإعلان، 3 مايو/ أيار، يوماً عالمياً لحرية الصحافة، ومنح جائزة "يونيسكو/غييرمو كانو العالمية لحرية الصحافة" للأشخاص والمنظمات ممن يدافعون عن حرية الصحافة، وعلى وجه الخصوص هؤلاء الذين يجابهون المخاطر لأجل تلك الغاية. وتحمل الجائزة هذا الاسم تكريماً لغييرمو كانو إيسازا، الصحافي الكولومبي الذي اغتيل أمام مقر صحيفته "إسبيكتادور" في بوغوتا عام 1986.
وفي هذا العام جاء ترتيب مصر في المركز 161 بين 180 دولة بمقياس حرية الصحافة العالمي، الذي تعده منظمة صحافيون بلا حدود في باريس، مسجلة تراجعاً ملحوظاً عن العام السابق. ووصفت وقتها المنظمة مصر بأنها "أحد أكبر سجون الصحافيين في العالم"، وتم وضع مصر إلى جانب سورية في القائمة السوداء.
أما عن "جائزة فولتير" التي تبلغ قيمتها المالية 10 آلاف فرنك سويسري فتحمل اسم الكاتب والفيلسوف الفرنسي فولتير الذي عُرف بنقده الساخر وآرائه الجريئة، وهي جائزة فريدة من نوعها في دعمها لحرية النشر، الذي بدونه يستحيل تحقيق حرية التعبير في أي بلدٍ كان. وإن كان شوكان قد اتهم وقتها بالتآمر والإرهاب وحيازة أسلحة وجملة من قضايا أخرى، فهل تنحصر تهمة خالد في مجرد إعادة طبع كتاب متداول بالفعل؟ وكيف للناشر الذي يتيح للمؤلف الوسائل اللازمة لنشر أفكاره أن يتعرض لنفس المخاطر التي يتعرض لها الكاتب نفسه، سواء أكان ذلك من الحكومات أو السلطات الأخرى أو المصالح الخاصة؟ وهل تستجيب السلطات المصرية لمناشدة الجميع بالإفراج عن خالد صاحب مكتبة ودار نشر تنمية ليتسلم جائزته في الحفل الذي يقام في 21 يونيو خلال معرض سيئول الدولي للكتاب بكوريا الجنوبية؟

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.