}

حائزة "جائزة أميرة أستورياس": النسوية شكل عميق من الإنسانوية

أحمد عبد اللطيف 25 مايو 2019
هنا/الآن حائزة "جائزة أميرة أستورياس": النسوية شكل عميق من الإنسانوية
سيري هستفيدت
كانت مفاجأة بالنسبة إلى الكاتبة الأميركية سيري هستفيدت (64 عاماً) إعلان اسمها فائزةً بـ"جائزة أميرة أستورياس" الإسبانية المرموقة لعام 2019 عن مجمل أعمالها. كانت السيدة تتجول في لندن للدعاية لروايتها الجديدة "ذكريات المستقبل" حين جاءها الخبر يوم الأربعاء الماضي، فتلقت دعوة سريعة من معهد ثيربانتس بالعاصمة البريطانية لحضور مؤتمر صحافي نظمه المعهد، قالت فيه وهي مبتسمة: "الجوائز تأتي من السماء".
أضافت سيري في كلمتها المرتجلة: "كان أبي يقول، وهي فكرة قريبة من الفكرة اللوثرية عن النعمة، إن النعمة شيء لا تستحقينه ولن تفوزي به بالضرورة، لكن الإجابة الصحيحة هي كلمات الشكر. وهذه الجائزة أحد أشكال النعم الصغيرة والأكثر إنسانية، وإجابتي هي الامتنان والمفاجأة والسرور".
بدأت سيري حياتها الأدبية بالشعر، ولم تنشر روايتها الأولى حتى بدايات التسعينيات، وكانت في السابعة والثلاثين. روايتها "العيون المحظورة" كانت مقدمة لعالمها السردي الذي ستتميز به، لعبة المرايا: كانت البطلة تدعى إريس (تحوير لاسم سيري) ولقبها فيجان، اسم أم الكاتبة أيام عزوبيتها، وكانت قادمة من غرب الولايات المتحدة، وتسعى لتفتح لنفسها طريقاً كطالبة في نيويورك.
في عام 1978، وصلت هستفيدت، البنت الكبرى من أربع بنات، وابنة لأستاذ الأدب النرويجي بسانت أولاف كوليدج ولأم مكتبية، إلى نفس هذه المدينة لتنجز أطروحة الدكتوراة في جامعة كولومبيا. وفي عام 1981، عند خروجها من قراءة شعرية تتصادف مع الكاتب بول أوستر، وبعد عام يتزوجان، ويغدوان أكثر زوجين جذابين في العالم الثقافي ببروكلين. فازت هستفيدت بمكانة متزايدة في البانوراما الأدبية الحالية - كما أشارت إلى ذلك لجنة التحكيم التي
اجتمعت في مدينة أوبييدو لتمنحها جائزة قدرها 50 ألف يورو-، مع ذلك يتكرر عليها سؤال: هل يضايقك أن يشيروا إليك كزوجة بول أوستر؟؛ سؤال أجابت عليه الأربعاء الماضي بقولها: "لا يحمل السؤال شيئاً شخصياً، أتفهم ذلك"، وأضافت: "إنها مسألة مرتبطة بالرجل والمرأة والجنسانية، وبالفكرة المستمرة بأن هوية المرأة تتشكل وترتبط بهوية الرجل، بطريقة لا تخطر ببالهم. في حالتي، الاعتراف بالنجاح يساعد على هزيمة هذه الفكرة، لكن ذلك لا يعني أنها ستختفي. حتى لو اختفت في حالتي، فلن يحدث نفس الشيء لنساء أخريات يعملن في هذا السياق".
ورغم سوء الظن حولهما، فلعبة هستفيدت الأدبية وزوجها (وهما والدا المطربة صوفي أوستر) متكررة، وكررت الكاتبة كثيراً أن الكتابة جزء أساسي في زواجهما. وأعلنت في عام 2009 لجريدة الباييس "كل منا دائماً ما كان القارئ الأول للآخر". وخير مثال على ذلك، حالة إحدى شخصيات سيري التي أنقذها أوستر في أحد كتبه. الآن يُفتح فصل جديد في الحبكة الدرامية للزوجين بحصول سيري على نفس الجائزة التي فاز بها زوجها عام 2006، لتنضم بذلك إلى قائمة الكاتبات البارزات اللاتي فزن بها، مثل سوزان سونتاج، مارجريت أتوود، دوريس ليسينج، وفريد بارجاس، التي فازت بها في دورتها السابقة.
زرعت هستفيدت اليوم ومن جديد علماً للنسوية، لكنها لم تضيع فرصة التوقف أمام رجلين كانا هاجسين لها، خيراً أو شراً. الأول تشارلز ديكنز، الكاتب الإنكليزي الذي أنجزت حوله أطروحة الدكتوراة، والثاني هو الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وعلقت: "ترامب رجل سايكوباتي، بالمصطلح الطبي. الأزمة أن هناك ملايين المواطنين الذين يصوتون له".
روايتها "كل شيء لأني أحببت" صدرت عام 2003 على مستوى عالمي. كتبتها سيري بصوت ذكوري ووضعت أبطالها في مناخ نيويوركي ثمانيني فني. في نفس هذا المناخ وضعت بطلتها الجريئة في "العالم المشرق"، التي قررت في نضجها أن تقدم عملها الفني كأن من أنجزه رجل. العلاقة بين ما هو أنثوي وما هو رجولي، التلقي المختلف من جانب الجمهور للعمل الأدبي بحسب الجندر، كان سؤالاً مركزياً في كتابها اللامع "المرأة التي تنظر إلى الرجال الذين ينظرون إلى النساء". تعلق سيري: "نحتاج إلى النسوية لأن التاريخ لم ينته، ولأنه شكل شديد العمق من أشكال الإنسانوية. إنه طريقة للتحرر من القيود التي يفرضها الجندر". 

الفلسفة والعلم
بطول يصل إلى المتر وثمانين سنتمتراً، أنيقة وبملامح نرويجية، تهتم هستفيدت بفلسفة كيركجارد وفيتجشتاين. وفي رواياتها ودراساتها عادة ما تمزج تأملاتها حول العملية الإبداعية والنقد الأدبي، بل وحتى ملحوظات علمية حول الطب النفسي وعلم الأعصاب. لم تخش قط من إدخال عناصر من حياتها إلى كتاباتها، وفي "المرأة المرتجفة أو حكاية أعصابي" كُتِبت لتبحث من كل النواحي ومن وجهات النظر المختلفة صداعها النصفي الشهير، الهالة، والتطورات العصبية. بدأت هستفيدت بسماع أصوات وهي في الحادية عشرة، وفي العشرين كانت مصابة

بهلاوس أقزام ورديين قبل أن تعاني من الصداع النصفي الفظيع.
في روايتها الأخيرة "ذكريات المستقبل"، تحاول البطلة اكتشاف ما الذي يربطها بالشابة الجذابة والساذجة التي كانتها ذات مرة. ومرة أخرى، ولو سريعاً، يعود الفن من جديد والتذكير بالمبدعات المتجاهلات، مثل السيدة دادا، البارونة إلسا فون فريتاج، الواقفة وراء فازة زهور دوكامب، ولماذا من الصعب منح سلطة ثقافية وإبداعية للفنانات والكاتبات؟ ولماذا لم يتم الاعتراف بتأثير لي كراسنر على جاكسون بولوك خلال عقود؟ ولماذا نسبوا أفكار سيمون دي بوفوار إلى سارتر؟ وكل هذه أسئلة سيري في مقال نشر لها بمارس الماضي.
وسيري، برغم طولها الملحوظ، تعلم جيداً صعوبة أن تكون المرأة مرئية وأن تهرب من ظل الرجل الطويل.
لقد انشغلت سيري على طول حياتها بقضايا أساسية حول الأخلاق المعاصرة والإبستمولوجيا، كما عرفت بنسويتها. لقد شاركت بأعمالها في الحوار المفتوح بين العلم والإنسانيات، ونشرت العديد من الدراسات والمقالات في مجلات أكاديمية وعلمية مثل Contemporary Psychoanalysis, Seizure, European Journal of Epilespsy.
ومن خلال 32 محاضرة ومقالة منطوقة ومكتوبة بين 2005 و2011، يمكن ملاحظة تخصصها العميق والواسع في العديد من حقول المعرفة. وفيها تتطور بعض مواضيعها المفضلة، المرتبطة بالأدب والفلسفة وعلم النفس والتحليل النفسي وعلم الأعصاب.
من بين أعمالها الشهيرة أيضاً "سحر ليلي دال"" 1996، "مرثاة لرجل أميركي" 2008، "صيف بلا رجل" 2011، "عالم مشرق" 2014، "أقرأ لك" 2007.
حصلت سيري على الدكتوراة الفخرية من جامعة ستندال دي جرينوبل عام 2015، وفي 2004 فازت بجائزة مكتبات كيبيك عن عملها "كل شيء لأني أحببت"، والجائزة العالمية جابرون في الفكر والإنسانيات لعملها البحثي ولأفكارها المتقدمة حول الفلسفة وعلم الأعصاب وعلم النفس.
و"جائزة أميرة أستورياس" مخصصة للتفوق العلمي والأدبي، وتمنح سنوياً لكل من ساهم بعمل علمي، تقني، ثقافي، اجتماعي وإنساني، وتمنح للمؤسسات والأفراد ومجموعة من الأفراد أو المؤسسات على المستوى العالمي. وبناء على ذلك، فالجائزة تمنح في مجال الأدب لكاتب أو كاتبة استطاع/ت تقديم إبداع أدبي جدير بالاستحقاق.
في هذه الدورة، تم ترشيح 28 شخصاً من 17 دولة. وتقدر قيمة الجائزة بـ 50 ألف يورو، وتمثال لجوان ميرو وشهادة تقدير وميدالية. وتسلم الجائزة في الخريف المقبل في مدينة أوبييدو الإسبانية، في حفل مهيب تحضره العائلة الملكية وكبار المثقفين.
وتلقت الصحف الإسبانية والمنصات النسوية الخبر بكثير من الارتياح، ليس فقط لما تمثله سيري من قيمة أدبية، وإنما لما تمثله من قيمة نسوية كذلك.

(عن الباييس وتيريبونا فيمينيشتا).

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.