}

ثكنة عسكرية داخل "الجامعة العبريّة" بالقدس

أنطوان شلحت أنطوان شلحت 5 أبريل 2019
هنا/الآن ثكنة عسكرية داخل "الجامعة العبريّة" بالقدس
علم إسرائيلي ممزق وفي الخلفية القدس القديمة (27/3/2019/فرانس برس)
أعلنت "الجامعة العبرية" في القدس أخيرًا أن 150 طالبة وطالبًا بالبزة العسكرية من قسم دراسات الشرق الأوسط سوف يشاركون، خلال السنة الدراسية المقبلة، في مشروع باسم "حفتسلوت" (نرجس) يشكل، طبقًا لموقعه في الشبكة العنكبوتية، "المشروع المركزي لسلاح الاستخبارات الإسرائيلي". وهذا يعني، بموجب تقارير صحافية متطابقة، أن أربعين في المئة من طلاب قسم الدراسات الشرق أوسطية سيكونون، ابتداء من السنة الدراسية القريبة (خريف 2019)، عساكر بالبزة العسكرية. وفي الصفحة الخاصة بمشروع "حفتسلوت" على موقع "ويكيبيديا"، أشير إلى أن "عملية تأهيل الخريجين تستغرق 36 شهرًا، وتجري في جلّها في ظروف ثكنة مغلقة داخل الحيّز المخصص للمشروع في الجامعة العبرية".
ووفقًا لأحد هذه التقارير، لا تستورد "الجامعة العبرية"، كبرى الجامعات الإسرائيلية وأقدمها، الآن جنودًا بالبزة العسكرية فقط، وليس في هذا أي جديد، فالجامعة تقيم سلسلة طويلة من أعمال التعاون مع الجيش، بل تستقدم أيضًا ما يشبه ثكنة عسكرية صغيرة حقيقية إلى داخل الحرم الجامعي.
وربط التقرير بين هذا المشروع، وبين عاصفة أثيرت قبل نحو ثلاثة أشهر حول مُحاضِرة من الجامعة نفسها، بادعاء أنها وبّخت إحدى الطالبات لأنها حضرت إلى الدرس بالبزة العسكرية. ومع أن المحاضرة كذبت هذا الادعاء، فإن هذا لم يحل دون شنّ حملة تحريضية ضدها، كما لم يحل دون نشر إدارة الجامعة بيان اعتذار خاصًا تحت العنوان "أهلًا وسهلًا بالطلاب بالبزة العسكرية!".
ونشرت مجموعة "أكاديميا من أجل المساواة"، التي أقامها أكاديميون إسرائيليون وتنشط أيضًا ضد عسكرة المجال الأكاديمي في إسرائيل، بيان تنديد شديد اللهجة بقرار الجامعة.
جاء في البيان: ينطوي مشروع "حفتسلوت" على إنشاء ما يشبه ثكنة عسكرية في حرم الجامعة، تُدار كأنها قاعدة عسكرية مغلقة ومسلحة، يقيم فيها الجنود وقادتهم العسكريون، وتكون شروط حراستها والرقابة عليها كتلك المعمول بها في الجيش. وتابع: يجري الحديث هنا حول مصادرة الحيّز الأكاديمي، أو جزء أساسي منه، ووضعه تحت السيطرة العسكرية المطلقة، التي تتناقض مبادئها التراتبية تناقضًا جوهريًا مع مبادئ إدارة الحيز الأكاديمي. وسيشمل هذا، على سبيل المثال، فرض الرقابة العسكرية على جميع الوافدين إلى هذا الحيز لأغراض شتى. ومثل
 هذه الرقابة تخلق، بالمؤكد، تمييزًا أكاديميًا وفق المتطلبات العسكرية. ويستطيع الجيش، وفق فهمنا، منع دخول عمال بحسب انتمائهم الإثني، أو بحسب معايير أمنية. وأدوات الرقابة، بما في ذلك التصوير والتسليح، اللازمة لحراسة وتأمين المنشأة عسكريًا، تشكل هي أيضًا مبعث قلق شديد في كل ما يتصل بضمان خصوصية الوافدين إلى الحرم الجامعي، والذين سيجري جمع تفاصيل عنهم، أو ستقوم الجامعة بتحويل مثل هذه التفاصيل عنهم إلى السلطات العسكرية.
وكتب قادة "أكاديميا من أجل المساواة": إنها معايير غير مقبولة في المؤسسات الأكاديمية الحرّة، وتضع تقييدات شديدة على قدرة الجامعة على المحافظة على حرم جامعي حرّ ومفتوح. فالجامعة ليست قاعدة عسكرية، داخلية عسكرية، أو منشأة تدريبات عسكرية، وبرغم رغبة الجامعة في انخراط جنود بالبزة العسكرية أيضًا في الدراسة الأكاديمية، فإن هذه الرغبة لا يمكن تحقيقها بواسطة تغيير النظام الداخلي فيها وتحويله من نظام حرّ إلى نظام عسكري صارم.
ويتطرّق البيان كذلك إلى الأبعاد الاجتماعية في هذا القرار، فيؤكد: "إذا كان فهمُنا سليمًا، فإن هذا المشروع يمنح الجنود المُنخرطين فيه أفضلية على الطلاب العاديين. والجامعة التي لا تمتلك سياسة شاملة لدفع مجموعات مُستَضعَفة وتعاني الإقصاء التاريخي من الأكاديميا، تختار منح الأفضلية لبرامج عسكرية، ترشح إليها في نهاية المطاف المجموعات السكانية الأقوى في إسرائيل، التي تأتي من مستويات اجتماعية ـ اقتصادية مرتفعة ولا يعترض طريقها إلى التعليم الجامعي أي عائق أصلًا. وهذه الفئات القوية، بالذات، هي التي تحظى بالأفضلية في التسجيل للمساقات المختلفة، وفي السكن في مساكن الطلبة، وفي صوغ المناهج التعليمية".
ويشير البيان إلى أنه حتى الانتقال المخطط لمشروع "حفتسلوت" إلى حرم "الجامعة العبرية"، كان يعمل في جامعة حيفا منذ عام 2004. وهي أعوام غير قليلة من تجربة متراكمة كان من شأنها أن ترسم صورة مروّعة بشأن معاني هذا الحضور العسكري في قلب الحيّز الأكاديمي. ويمضي قائلًا: "فهمنا من زملائنا في جامعة حيفا أن تفعيل المشروع كان مصحوبًا بالفعل بخروقات فظّة لعدد من الشروط الأكاديمية الأساسية والحيوية. فقد أدّت مجموعات كبيرة من الطلاب بالبزة العسكرية إلى إقصاء الطلاب الآخرين عن مساقات عديدة، وإلى وضع شروط غير متساوية في التسجيل إليها. وتسبّب وجود مجموعة الجنود الكبيرة والطاغية في هذه المساقات بتغيير واقع التدريس فيها وفقدان إمكان التعبير النقدي الحرّ في إطارها. وكانت هناك بضع حالات حضر فيها إلى الصف الدراسي قائد هذا المشروع العسكري، وهو ضابط برتبة عقيد، وقام عمليًا بمهمة الرقابة غير الرسمية على ما يُقال فيه".
حول هذا البرنامج، كتبت الباحثة والمترجمة أورلي نوي تقول: "قبل أكثر من عشرين عامًا كنت أدرس في قسم الدراسات الشرق أوسطية في الجامعة العبرية. كان ذلك المكان الأول الذي أتيحت لي فيه فرصة ليس فقط للدراسة إلى جانب طلاب فلسطينيين بصورة مباشرة، إنما أيضًا لفهم حقيقة الفضاء الشرق أوسطي الذي كنا نتعلم عنه في الحصص التدريسية، من خلال أعينهم هم وعبر منظور كان حيويًا جدًا، ولولا حضورهم ومشاركتهم في المناقشات لكان ناقصًا جدًا. وفي إحدى الحصص التعليمية، التي ناقشت مسألة الاشتراكية والوحدة العربية على ما أذكر، كان حضور خريجي كلية الإدارة والقيادة العسكرية، وجميعهم من الضباط، حضورًا طاغيًا. وسرعان ما توقف الطالبان العربيان الوحيدان في المساق عن حضور الحصص التعليمية. أنا أيضًا تركت هذا المساق في نهاية الأمر، ليس من منطلق الاحتجاج السياسي، بل لأن الحصص التعليمية أصبحت مُملة تمامًا. ولو أنني كنت أعلم أن أربعين في المئة من زملائي على مقاعد الدراسة سيعتادون على الحضور إلى الحصص التعليمية بالبزة العسكرية لما كنت تسجلت إلى هذا القسم أصلًا على الأرجح؛ فلكي تدرس الشرق الأوسط من خلال المنظار العسكري لا حاجة لأن تنتسب إلى الجامعة، بل يكفي أن تفتح أي صحيفة أو أن تسمع/ تشاهد أي نشرة إخبارية عرَضية".

بنك معلومات: "الأكاديميا المُجنّدة"
أعلنت مجموعة "أكاديميا من أجل المساواة" لدى تأسيسها أنها تعكف على إعداد "بنك معلومات" باسم "أكاديميا مُجنَّدَة" يشمل مواد وتقارير إخبارية، من وسائل الإعلام الإسرائيلية

والأجنبية، ووثائق وتقارير رسمية صادرة عن الجامعات، ويرمي أساسًا إلى كشف زيف الادعاء الإسرائيلي بأن الجامعات في إسرائيل "هي جسم مستقل ومتنوّر وتقدمي"، وهو الادعاء المركزي المستخدَم، عادة، في مقاومة مبادرات المقاطعة التي تنضم إليها جامعات متعددة في أنحاء العالم ضد الجامعات الإسرائيلية، وذلك من خلال كشف وتأكيد الدور العميق الذي تقوم به الجامعات الإسرائيلية في تكريس الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 1967، من خلال تعاونها الوثيق مع المستوطنات والمشروع الاستيطاني، ومع الجيش والصناعات الحربية، ومع الجهد الإعلامي الإسرائيلي ضد حركة المقاطعة الدولية.
وقالت نتالي روتمان، أستاذة التاريخ في جامعة تورنتو، وإحدى المبادرات إلى تأسيس مجموعة "أكاديميا من أجل المساواة"، إن الفكرة الأساسية من وراء مشروع "بنك المعلومات" هي الرغبة في الكشف عن الممارسات العديدة المتنوعة التي تلجأ إليها الجامعات الإسرائيلية في قمع الآراء والمواقف المعارضة، والتمييز المنهجي والمُمأسس ضد الطلاب والمحاضرين الفلسطينيين من مواطني إسرائيل، إلى جانب الدور العميق الذي تؤديه في خدمة الاستيطان والاحتلال. وتؤكد أن "بنك المعلومات" سيزوّد الأكاديميين في إسرائيل، وفي العالم، بالأدوات اللازمة والملائمة لفهم كيفية تعاون الجامعات الإسرائيلية تعاونًا تامًا مع الاحتلال، على عكس الصورة المرتسمة لها دوليًا، وكأنها تشكل جبهة معارضة ومقاومة للسلطة اليمينية الحاكمة. وتوضح أيضًا أن "الأكاديميا الإسرائيلية، من مجلس التعليم العالي (المسؤول عن الجامعات)، وحتى التنظيمات الطلابية المختلفة، تتعاون تعاونًا وثيقًا مع الاحتلال بطرق شتى. ولذلك كان من المهم جدًا توثيق هذا التعاون، وكشف خيوطه ومجالاته، سعيًا إلى البحث عن طرق جديدة مناسبة لمواجهته والتصدّي له".
ولا يقتصر الهدف من وراء إنشاء "بنك المعلومات"، بحسب روتمان، على تفنيد ودحض المفاهيم المغلوطة عن الأكاديميا الإسرائيلية فقط، بل يتعداه إلى "وضع علاقاتها مع الحكومة والاحتلال في دائرة الضوء، وكشف طابعها الحقيقي". وتضيف: "صحيح أن ثمة مجموعة صغيرة من المعارضين السياسيين في الأكاديميا الإسرائيلية، بيد أن هذه المؤسسات تقيم منظومة من التعاون الوثيق مع النظام على أساس يومي. ولذا ثمة فرصة أمامنا الآن لكشف حقيقة هذا التعاون الذي يسبغ الشرعية على ما لا يجوز شرعنته"!
وبدأت مجموعة "أكاديميا من أجل المساواة" عملها على إنشاء "بنك المعلومات" انطلاقًا من مجموعة مقالات جمعها الباحث الاقتصادي الإسرائيلي شاي حيفر، تكشف وتوضح مجالات التعاون الاقتصادي ما بين الجامعات من جهة، والمستوطنات والجيش والصناعات الحربية من جهة أخرى. ثم انتقلت المجموعة لاحقًا إلى جمع مقالات ووثائق حول قمع الأكاديميين الفلسطينيين في إسرائيل وفي الضفة الغربية.
وتتوزع المواد في "بنك المعلومات" ـ وجميعها مواد علنية منشورة ـ على أربعة أبواب: الأكاديميا العالمية، والتمويل الدولي، والأكاديميا الإسرائيلية، والأكاديميا الفلسطينية.
ويتيح "بنك المعلومات" للمتصفحين متابعة ورصد حالات انتهاك الحريات الأكاديمية في الجامعات الإسرائيلية. كما يتيح متابعة ورصد الوجهات المركزية في الأكاديميا الإسرائيلية في الوقت الراهن، مثل العدد المتزايد من البرامج الرامية إلى "مقاومة محاولات نزع الشرعية عن إسرائيل في العالم"؛ العنصرية المُمأسسة ضد الطلاب الفلسطينيين في الجامعات والكليات الإسرائيلية، بدءًا من شروط القبول، مرورًا بمنع استخدام اللغة العربية، وانتهاء بالرقابة المفروضة عليهم، وتضييق حريتهم في التنظيم والنشاط السياسي؛ ازدهار "البرامج والمساقات الخاصة" التي توفرها الجامعات الإسرائيلية المختلفة لجنود الجيش الإسرائيلي وعناصر الأجهزة الأمنية الأخرى "من خلال خفض جدي للمعايير والمتطلبات الأكاديمية، في كثير من الأحيان"؛ التعاون الزاحف ما بين مؤسسات التعليم العالي داخل "الخط الأخضر" والكليات في الضفة الغربية والجولان المحتلين؛ التعاون بين الجامعات الإسرائيلية ومؤسسات رسمية في مشاريع عسكرتارية، مثل المشاركة في تسويق الصناعات العسكرية الإسرائيلية.
ويشمل باب "الأكاديميا الفلسطينية" توثيقًا واسعًا للاقتحامات العسكرية الإسرائيلية للجامعات ومؤسسات التعليم الفلسطينية في الضفة الغربية، بما يتخللها من اعتقالات للطلاب وأعضاء السلك التعليمي، إلى جانب القيود المشددة على حرية الحركة والتنقل المفروضة على الطلاب في قطاع غزة. مع التأكيد، من خلال مقالات ووثائق وتقارير عديدة، على صمت رؤساء

وكبار رجالات الأكاديميا الإسرائيلية المُطبق حيال القمع الذي يعاني منه زملاؤهم الفلسطينيون.
ويدور في الأعوام الأخيرة سجال حول غايات الهجوم الذي تشنّه السلطة اليمينية الإسرائيلية على الجامعات، وأجّجه على نحو مُسبق البرمجة وزير التربية والتعليم في حكومة بنيامين نتنياهو المنتهية ولايتها، وكان بمثابة تصعيد لجولات هجوم أخرى خلال ولايات حكومات يمينية سابقة.
وتمثلت آخر تجليات هذا التصعيد في العمل على سنّ قانون جديد يرمي إلى تخويل "مجلس التعليم العالي الإسرائيلي" صلاحية تقليص الميزانيات الحكومية المرصودة لأي مؤسسة من مؤسسات التعليم العالي (جامعات، أو كليات، أو معاهد أكاديمية) إذا ما كان بين طاقم المحاضرين فيها مَن يؤيد مقاطعة المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية أو يدعو إليها.
وسيُعدّل هذا القانون الجديد قانونًا قائمًا يُسمى "قانون المقاطعة"، جرى سنّه في تموز/ يوليو 2011، ويفرض سلسلة من الإجراءات والعقوبات على أشخاص، أو تنظيمات، تدعو إلى مقاطعة دولة الاحتلال، والمستوطنات في الضفة الغربيّة.
وفي كانون الأول/ ديسمبر 2016، عيّن هذا الوزير أحد المحاضرين الجامعيين لإعداد توصيات تُحدّد "آداب المهنة" في مؤسسات التعليم العالي، وتشكل "دستورًا أخلاقيًا" لها، وخاصة في "النشاط السياسي والأكاديمي"، الذي يعني كل ما يتعلق بتفوهات سياسية تصدر عن أساتذة جامعيين، وأعلن أن الهدف هو تقليص ما أسماه "التأثير السياسي لليسار في الجامعات"! ورفع المحاضر توصياته وجرى إقرارها في ربيع العام الفائت.

السلطة والمعرفة
لعلّ جانبًا مهمًّا في محور العلاقة بين الجيش/ المؤسسة العسكرية والأكاديميا هو ذلك المتعلّق بتحكّم السلطة في المعرفة.
وسبق أن توقفنا ("ضفة ثالثة"، 7 مايو 2017) عند هذا الجانب من خلال قراءة في كتاب المؤرخ الإسرائيلي النقدي إيلان بابيه "فكرة إسرائيل - تاريخ السلطة والمعرفة"، الذي صدر في ذلك العام بترجمة عربية عن "المؤسسة العربية للدراسات والنشر"، و"مكتبة كل شيء- حيفا"، وقدّم فيه جبلًا من القرائن على تحكّم السلطة بالمعرفة في دولة الاحتلال، لاسيما خلال الفترة الأخيرة، وأساسًا في سبيل ترسيخ "فكرة إسرائيل" ضمن قالب مُسبق الأدلجة "يجب" أن تقف في جوهره بصورة مطلقة "قصة الخلاص والبطولة وعدالة التاريخ"، وأنها (الفكرة) هي "التمظهر الحتميّ الناجع لتاريخ الأفكار الأوروبي"، وذلك في مقابل الفكرة المُضادة القائلة بأنها تمثّل كل ما هو متعلّق بالاضطهاد والتهجير والكولونيالية والتطهير العرقي. وفي حين تعتمد دولة الاحتلال، كما كان شأنها أولًا ودائمًا، على الجيش والموارد الاقتصادية والقوة السياسية، فإن الفكرة تظل بحاجة إلى "تدعيم معرفيّ" توفره الأكاديميا، على ما يؤكد بابيه، الذي يضيف أن الترويج لـ"شرعية الفكرة" السالفة خاصة على المستوى الدوليّ لا يكفيه الاعتماد على قوة المال أو اللجوء إلى الابتزاز الأخلاقي، إذ يلزم أيضًا إثبات عدالة الفكرة وصحتها. وهذا ما تتطلع إسرائيل إليه، وما تعكف عليه رسميًا، بالأساس من خلال الاعتماد على نخبة مفكريها وأكاديمييها بقصد إضفاء الشرعية على 

"الدولة".
كما قدمنا قراءة في كتاب الباحث الفلسطيني، مهند مصطفى: "المؤسسة الأكاديمية الإسرائيلية: المعرفة، السياسة والاقتصاد"، الذي صدر عام 2014 عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية - مدار، والذي يؤكد فيه أن الأكاديميا تقاطعت مع المشروع الصهيوني منذ إنشاء "الجامعة العبرية في القدس"، ومعهدي "التخنيون"، و"زيف" ("معهد وايزمان" لاحقًا)، في عشرينيات القرن العشرين الفائت. وجرى تسخير هذه الأكاديميا لخدمة المشروع الصهيوني في فلسطين قبل النكبة وبعدها، وعمل باحثوها على تزويد المشروع الصهيوني بالنظريات والآليات العلمية لتثبيت وهيمنة المشروع الصهيوني في فلسطين في كل المجالات. فمثلًا، كان هنالك دور واضح للأكاديميا والإنتاج المعرفي الإسرائيلي الأكاديمي في قضايا التخطيط والبناء، والاستيطان، وتزويد ما تطلب من معرفة وأدوات على المستويين العسكري والمدني، وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية وعشية حرب فلسطين. وتمكنت الأكاديميا الصهيونية، كما يؤكد الكتاب، من أن تموضع نفسها كإحدى المؤسسات المهمة على المستوى الإسرائيلي، وعلى المستوى العالمي، سواء في إنتاجها المعرفي والبحثي، أو في دورها في بناء دولة الاحتلال، وخاصة في حالة مجتمع هذه الدولة، كمجتمع مهاجرين وأقليات، وما يحمله ذلك من تحديات كبيرة على دولة ناشئة.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.