}

الروائي العراقي عباس خضر يكتب "الألمانيّة للجميع"

عارف حمزة 2 مارس 2019
هنا/الآن الروائي العراقي عباس خضر يكتب "الألمانيّة للجميع"
عباس خضر وكتابه "اللغة الألمانية للجميع"
قبل أيام قليلة، صدر للروائي العراقي عبّاس خضر، عن دار هانزه الشهيرة، كتاب "اللغة الألمانيّة للجميع". وجاء على غلاف الكتاب عنوان فرعيّ بأنّ الكتاب هو "الكتاب التعليميّ النهائيّ" لتعلّم هذه اللغة التي يجد كثيرون صعوبة في تعلّمها وإتقانها.
قبل صدور الكتاب طبعت دار النشر كتيّباً صغيراً للمكتبات والقرّاء كإعلان عن قرب صدور هذا الكتاب، وظنّ الكثيرون أنّه عبارة عن كتاب ساخر نوعاً ما؛ من خلال تدخّله في تغييّر القواعد اللغويّة الإعرابيّة لهذه اللغة كي تصبح سهلة التعلّم، وكذلك لكي يُصبح من السهل التفكير من خلال هذه اللغة في الكتابة. ولكن ظهر أنّه كتاب لا ينتمي إلى الكتب الساخرة تماماً، بل يذهب إلى شرح المعاناة اللغويّة المستمرّة، خاصة تلك التي يتكبّدها الوافدون الجدد لألمانيا، خاصّة من اللاجئين أو العمال أو الطلبة، ويقترح حلولاً للمشاكل العديدة التي يوردها، وصولاً إلى اقتراح حذف أحرف معيّنة من الأبجديّة الألمانيّة! للوصول إلى "اللغة الألمانيّة الجديدة"!

الصدمات اللغويّة
قسّم خضر الكتاب إلى تسعة أقسام تقدّم الصدمات اللغويّة التي تلقاها شخصيّاً، ويتلقاها مَن يُريد تعلّم الألمانيّة، أو الإقامة في ألمانيا، سواء في أدوات التعريف، وأدوات التنكير، للأسماء، أو في التراكيب المعقّدة للكلمات والمصطلحات وتصاريفها، وكذلك في لا جدوى وجود أحرف معيّنة في أبجديّة هذه اللغة، وخاصة أحرف العلّة، أو الأحرف الصوتيّة التي يعلوها التنقيط فيتغيّر نُطقها عن نطقها الأصلي من دون تنقيط، وبالتالي قد يُلاقي المستمع صعوبات في كشف ذلك الحرف خلال نقله من السمع إلى الكتابة.. ويُقدّم خضر حلولاً لتلك المشاكل اللغويّة.
ما يُحسب لصالح اللغة الألمانيّة أنّ الشخص يكتب الكلمة مثلما ينطقها، أي أنّه لا توجد أحرف زائدة، أو مخفيّة النطق، يجب على الشخص كتابتها في نهاية الكلمة، كما في الفرنسيّة مثلاً. لكن الأحرف الصوتيّة التي تعلوها النقاط، أو أوملاوت، تُغيّر نطق الحرف الأصلي، وتجعله أقرب إلى نطق حرف آخر، أو حرفين آخرين كمقطع صوتيّ، وهنا يجب على الشخص معرفة مصدر الفعل أو الصفة كي يعرف أصل الحرف... وهكذا يتساءل أحدنا، لماذا نستخدم هذه الأحرف الصوتيّة طالما هناك أحرف صوتيّة أخرى، من دون تنقيط، تقوم بعملها الواضح والصريح؟

علي بابا
توجد في اللغة الألمانيّة أدوات تعريف ثلاث، للمذكّر والمؤنث والمحايد، والمحايد هو الذي لا نعرف جنسه، يتعلّق كلّ الإعراب بتلك الأدوات، حيث تتغيّر تلك الأدوات في حالات الرفع عنها في النصب أو الجر. وفي الوقت الذي لا توجد أدوات خاصة بالتنكير في كثير من اللغات، فإنّ الألمانيّة تضع أدوات لتنكير المذكر والمؤنث وكذلك المحايد، وتتغير هذه الأداة في الحالات الإعرابيّة المختلفة. يقترح خضر أن تُخصّص أداة تعريف واحدة لجميع الأسماء، وأداة تنكير واحدة كذلك، بينما تبقى نفس أداة التعريف لحالة الجمع في الأسماء كما هي عليه، ولكن يقترحها كأداة تنكير أيضاً في الجمع.
ليس كلّ الحالات يتدخّل فيها هذا الكتاب، وإلا لكان حجمه قد تضاعف ربّما عشرات المرّات

عن حجمه الحالي، الذي جاء في أقل من 130 صفحة من القطع الصغير. لكنّه لا يذهب فقط لفكرة تغييّر أدوات التعريف والتنكير فحسب، بل أيضاً لتغيير الترتيب المتعارف عليه في الجملة الألمانيّة عند استخدام أدوات ربط معيّنة، والتي تجعل الفعل يأتي في آخر الجملة، ويستفسر خضر هنا عن معنى قداسة هذه التراتبيّة، ولماذا يجب أن يأتي الفعل في نهاية الجملة الفرعيّة أو الجانبيّة. ويُقدم أمثلة على ذلك، والطريف أنّ الفاعل، الذي يستخدمه خضر طوال هذا الكتاب، هو "علي بابا"!
يذهب الكتاب إلى التصاريف والأزمنة والأفعال، العادية والشاذة والانعكاسيّة، والأسماء والصفات وتركيب الجملة وأحرف الجر وضمائر الملكيّة... ويُحاول "تلطيف" هذه اللغة التي شكّلت، وما زالت تشكل، كابوساً متواصلاً لمئات الآلاف الذين لجؤوا إلى ألمانيا، والتي تشكّل عائقاً كبيراً لهم لمواصلة العيش العادي هناك. أو يحاول الكتاب تخفيف الترويع الذي يحصل في الشارع وفي العمل لأولئك الذين فقدوا التعامل بلغتهم البسيطة.

الألمانيّة المُرعبة
الكثير من الكتّاب، غير الألمان، كتبوا أو تحدّثوا عن المشاكل التي أعاقتهم عن الكتابة باللغة الألمانيّة، في الوقت الذي كتب، ويكتب، العديد من الكتّاب العرب وغير العرب، المقيمين في ألمانيا، أعمالهم باللغة الألمانيّة مباشرة، ومنهم الروائي عباس خضر صاحب هذا الكتاب.
"اللغة الألمانيّة المرعبة" كان عنوان الكتاب الذي حوى مقالات ساخرة للكاتب الأميركي الساخر مارك توين (1835 – 1910) رغم أنّ زمناً كبيراً مرّ على صدور هذا الكتاب (صدر باللغة الإنكليزيّة في عام 1888، بينما تُرجم إلى الألمانيّة في عام 1891)، وبالتالي تغيّرت أشياء عديدة في هذه اللغة، ولكنّها ما زالت مرعبة وصعبة على الكثيرين. وكان توين قد تعلّم العديد من اللغات واستطاع التحدّث والكتابة بها، وزار ألمانيا لكي يتعلّم اللغة الألمانيّة، وليجرّب الكتابة بها فيما بعد، لكنّه شعر بالصدمة الكبيرة من عدم القدرة على تعلّمها وإتقانها. "بإمكان إنسان موهوب أن يتعلّم اللغة الإنكليزيّة في ثلاثين ساعة، والفرنسيّة في ثلاثين يوماً، والألمانيّة في ثلاثين عاماً"!، وهي سخرية واضحة من صاحب مغامرات "توم سوير" تجاه اللغة الألمانيّة، توّجها بقوله المأثور "الحياة قصيرة للغاية من أجل تعلّم الألمانيّة"!

26 حرفاً بدلاً عن 30
يصل الكتاب إلى حدّ المطالبة بتقليص أحرف اللغة الألمانيّة من ثلاثين حرفاً، كما هي عليها الآن، إلى 26 حرفاً في "اللغة الألمانيّة الجديدة" كما كتب خضر. حيث طالب بحذف الأحرف الصوتية المُنقّطة، وهي:
Ä – Ö – Ü، وكذلك بحذف الحرف ß، الذي هو حرف "س" بشكل مضاعف، فيمكن الاستعاضة عنه بتكرار حرف "س". وبالتالي حذف أربعة أحرف لا لزوم لها.


الكتاب جاء نقديّاً لتلك الحجارة التي لا تغادر اللغة التي يتكلّم بها نحو 130 مليون شخص في العالم، ومحاولة لتبديد الصعاب أمام المبتدئين، وكذلك الدارسين لها، وما يُميّز هذا الكتاب أنّه جاء سلساً ومبسّطاً، جاداً وساخراً، وبأنّه جاء من المكان المعاكس لمفهوم الاستشراق.
وفي كلّ الأحوال فقد لقي الكتاب صدى واسعاً عند الإعلان عنه، وسيشهد حملة تسويقيّة كبيرة له ولكاتبه، كما سيُثير نقاشاً في الصحف والبيوت حول أهميّة، أو عدم أهميّة، الأفكار اللغويّة والقواعديّة والإعرابيّة والتبسيطيّة التي يطرحها كتاب جديد للغة ألمانيّة جديدة، كتبه كاتب عربيّ.

أعمال وجوائز
عباس خضر شاعر وروائي عراقي ولد في بغداد في عام 1973، وغادر العراق في عام 1996، بعد قضاء سنتين من السجن، في عهد صدام حسين، بسبب آرائه السياسيّة، وظلّ متنقلاً بين العديد من الدول حتى وصوله إلى ألمانيا في عام 2000، حيث درس الأدب والفلسفة في جامعة ميونيخ.
أصدر عباس خضر عدّة أعمال روائيّة باللغة الألمانيّة، وكانت روايته الأولى قد صدرت في عام 2008 بعنوان "الهنديّ المزيّف"، ثم رواية "برتقالات الرئيس" في عام 2011، ثمّ رواية "رسالة إلى جمهوريّة الباذنجان" في عام 2013، التي حصل بسببها على العديد من الجوائز والمنح الأدبيّة. بينما صدرت روايته الأخيرة بعنوان "الصفعة" عن دار هانزه في عام 2016.
كما صدرت لخضر باللغة العربيّة في عام 2002 مجموعة شعريّة بعنوان "تدوين لزمن ضائع"، عن المؤسسة العربيّة للدراسات والنشر في بيروت، ثم مجموعة شعريّة بعنوان "ما من وطن للملائكة" عن دار الحضارة للنشر في القاهرة. بينما صدر له كتاب نقديّ بعنوان "الخاكيّة" عن دار الجمل في عام 2005.
نال عباس خضر، الذي يقيم حالياً في العاصمة برلين جائزة شاميسو في عام 2010، وجائزتي هيلدا دومين ونيلي زاكس في عام 2013.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.