}

سلامة كيلة.. كرسيّ المعرفة ينثر حضوره العميق

محمد جميل خضر محمد جميل خضر 16 نوفمبر 2019
هنا/الآن سلامة كيلة.. كرسيّ المعرفة ينثر حضوره العميق
جانب من الندوة النقاشية حول طروحات المفكر سلامة كيلة
بخمسة اقتباسات تعكس رؤاه ومواقفه، أقيمت في مكتبة الأرشيف المتجلية، بوصفها جزءاً من مفردات المركز العربي للأبحاث ودراسات التنمية، في العاصمة الأردنية عمّان، ندوة نقاشية حول طروحات المفكر العربي الراحل سلامة كيلة وأفكاره ومعارفه، شارك فيها حضور الأمسية الاستذكارية المقامة بمناسبة مرور عام على رحيل كيلة.
بحديث وجداني عن علاقته بالراحل سلامة كيلة، استهل مدير مكتبة الأرشيف، د.عبدالله البياري، الجلسة النقاشية المستديرة التي وضع في مقدمتها كرسيٌّ رمزيّ الدلالة ملأه حضور الغائب كيلة، بفكره ومواقفه وخصوصيته، ووضعت خلف ذلك المقعد شاشة عرضت عليها الاقتباسات الخمسة: اقتباس حول الماركسية، آخر حول الثورات العربية، ثالث حول الإسلام السياسي، رابع حول سورية، واقتباس آخير حول فلسطين.
الرمزية الدلالية المحمّلة بالشجن لم تقتصر على الكرسيّ الموضوع له في غيابه الآسر، بل شملت، إلى ذلك، توزيع الجهة المنظمة (مكتبة الأرشيف) ثلاثة كتب لسلامة كيلة على الحضور بوصفها هدية منه: "من هيجل إلى ماركس" في جزئيْن؛ واحد حول "التطور المادي للنتائج"، في حين حمل الجزء الثاني عنوان "موضوعات حول الجدل المادي"، "ملكية الأرض في الإسلام" و"عصر الإمبراطورية الجديدة".

حضور الجلسة الوجدانية المعرفية، من كتّاب ونقّاد وباحثين وناشطين، أشبعوا كل اقتباس من هذه الاقتباسات الخمسة نقاشاً ومراجعة وتبادل وجهات نظر.
يرى كيلة، الذي تنقّل خلال مسيرة حياته بين فلسطين والأردن وسورية ومصر، أن ماركس "ربط بين فهمه الماديّ للواقع والتاريخ، وبين الديالكتيك". وفي حين، بحسب كيلة، "اكتشف هيغل القوانين العامّة للحركة في الفكر"، فإن ماركس رأى أنّها "انعكاس للقوانين العامّة للحركة في الواقع". وبهذا بات الجدل الماديّ، بحسب ما يستخلص كيلة: "منظورَ فَهْمِ الواقع والتاريخ والقوانين العامّة التي تحكم الذّهن في بحثه في الواقع والتاريخ".
"كلّ شيء ينحكم للجدل، والصيرورة هي الواقع في حركته الجدليّة. والواقع متعدّد المستويات، كما أنّ التاريخ متعدّد أنماط الإنتاج. وللبحث في الواقع والتاريخ، هنالك "ترميزات"، أو مصطلحات تحدّد عناصر الواقع لا بدّ منها لفهم الصيرورة. ولا شكّ في أنّ كلّ المصطلحات التي أشرت إليها من قبل أساسيّة كترميزات أثناء البحث في الواقع، لكنّها ترميزات يجب أن تخضع لمنطق الجدل الماديّ. فالواقع يبدأ في الاقتصاد، حسب ماركس والماركسيّة، رغم الخلط الذي شاب ذلك، وفرض الانحراف الاقتصادوي في الماركسيّة، وهو ما حاول إنجلز مواجهته منذ البدء، حين أشار إلى أنّ الاقتصاد هو العنصر المحدِّد "في التحليل الأخير"، أي دون أن يبخس العناصر الأخرى فاعليّتها. وعلى أساس الاقتصاد، تتشكّل الطّبقات وتصارعها، وعليهما معاً تقوم الدّولة وتتشكّل الأفكار".
الاقتباس المتعلق بالثورات العربية فرض نفسه واحداً من أكثر اقتباسات الجلسة تحفيزاً للعصف الذهني، وقراءة من الحضور لمآلات واقع الحال في سورية وبلدان عربية أخرى، وتحليلاً لآليات الأنظمة الديكتاتورية في سياق دفاعها عن بقائها، مهما بلغت كلف هذا البقاء، والأهم من كل هذا وذاك أن نقاشات هذا الاقتباس شهدت تحليلاً عميقاً لمواقف من يدّعون أنهم ماركسيون/ ليبيراليون/ علمانيون من ثورة الشعب السوري، وكيف سمحوا لأنفسهم تأييد مبدأ ولاية الفقيه تحت ذرائع من مثل المقاومة والممانعة.
يقول كيلة في اقتباس الثورات العربية:
"في كل البلدان التي شهدت حراكاً، أو ثورة، كان السيناريو يقوم على مستويين: الأول: يتم فيه تعميم فكرة وجود مدسوسين وعملاء و"طرف ثالث" يريد الوقيعة، وبالتالي نشر حديث المؤامرة. والثاني: تمارس الأنظمة فيه بكل أجهزتها القمعية والأمنية، وحتى الجيش، كل العنف الممكن.. إذ ليس من إمكانيةٍ لوقف الثورة إلا عبر هذا العنف.. والمبرِّر هنا هو هذا الاتهام الذي يبدأ بتسريب "معلومات" عن وجود مندسّين، مخرّبين، وعملاء، وصولاً إلى الحديث عن مؤامرة.
وبهذا بات حراك الشعوب (مؤامرة)، وربما بات أكثر من ذلك؛ إنه إرهاب. هذا ما فعله النظام في سورية الذي تحدث عن ملايين الإرهابيين، ولا شك في أن مصلحة النظم تفرض هذا "الكذب"، لأنها تريد مبرّراً للقتل والتدمير لسحق الثورة.
فهذه الأنظمة أعدت مسبقاً قوى قمعٍ و"مرتزقة" متماسكة ومدربة لمعرفتها أن نهجها الاقتصادي يقود إلى تمرد الشعب - وهي لن تعترف بذلك -، وبالتالي تقمعه بكل عنف وحشي وتخترع "نظريةً" متكاملةً عن مؤامرة بات كل نظام يقلِّد الآخر في تكرارها".
كيلة يخلص إلى القول: "ليست المشكلة هنا.. بل في "النخب"؛ "اليسارية" خصوصاً، التي تكرّر الخطاب ذاته، وتتبنى نظرية المؤامرة".
الاقتباس الثالث يتعلق بالإسلام السياسي، ومنهجية اقتناص الفرص عند سدنته، وصولاً إلى تحوله إلى سلطة جديدة، بعد أن يقطف ثمار ثورات الشعوب.
كيلة يرى أن الإسلام السياسي سعى إلى تغيير الفئة الحاكمة، وليس تغيير الأنظمة، كما طالبت الشعوب العربية. ويذهب إلى أن النظام القديم أسهم، في حالات بعينها، بتمكين الإسلام السياسي، إما من باب المناورة، أو لتفريغ الثورة من شعبيتها.
متناولاً تجربة مصر، يرى كيلة في الاقتباس الذي كتبه عام 2012، أن سياسات الإسلام السياسي الاقتصادية القائمة على الإيغال في تطبيق شروط صندوق النقد الدولي، ستدفع إلى الثورة من جديد.
في الاقتباس الرابع حول سورية، يرى كيلة أن عنصرين أساسيين عملا على تسهيل (أسلمة) الثورة السورية، رغم شعارات الشباب السوري المعاكسة بوضوح لتلك الصورة:
العنصر الأول: أنه حين تحول الصراع إلى العمل المسلح، صار الشباب في مواجهة الخوف من الموت يميلون أكثر إلى التمسك الأصولي بالدين، لكن ليس هذا هو الأمر الحاسم، فكثير ممن يقاتلون في صفوف الثورة هم متدينون، لكن ليسوا أصوليين، ولا وهابيين، لكن العنصر الحاسم في عملية الأسلمة هو العنصر الثاني: وهو أن النظام ركز على نخب الفئات الوسطى أثناء حملاته القمعية، فحين كان يعتقل عضو تنسيقية من تنسيقيات الثورة، ويعتقل شخصًا آخر مسلحًا، كان يعذب الأول، وربما يقتله من التعذيب، بينما لا يعذب الثاني ويفرج عنه، حيث قام النظام بتصفية الطبقة الأولى والثانية والثالثة والرابعة من التنسيقيات؛ تلك التنسيقيات التي تمثلت فيها النخب الشبابية المنتمية للطبقات الوسطى، والجزء الكبير منهم كان علمانيًّا.
كما أن تراجع الطبقات التي دفعت باتجاه الحراك في سورية إلى الخلف، وكانت بغالبيتها فئات وسطى حداثية، وتقدم الفئات الشعبية المفقرة الصفوف في مواجهة الرصاص الحي أسهم بشكل أو بآخر في هذه الأسلمة.
اقتباس فلسطين: "على من يريد تحرير فلسطين أن يعود أدراجه إلى أساس نشوء الثورة الفلسطينية، بالتالي أن يتخلّى عن البرنامج الذي بدأ بالنقاط العشر، ووصل إلى حصر فلسطين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وأبدل إنهاء الدولة الصهيونية بوهم دولة فلسطينية مستقلة في تلك المناطق. من يرفض أوسلو حقيقةً يجب أن يتخذ هذه الخطوة، وإلا ظل يعيش في كنف "أوسلو"، على الرغم من كل الصراخ ضدها. الكارثة هنا، حيث غرق الكل في "أوسلو" بطرق مختلفة، ولا أحد يريد التراجع عن ذلك.

قاد مسار التسوية إلى دمار الثورة، وتهميش تنظيماتها، وحصارها في مناطق محدودة، في الوقت الذي كان التفاوض يعطي الوقت للدولة الصهيونية لترتيب سيطرتها وإكمال مشروعها، وليظهر أن حل الدولتين كان لعبة تلهت بها المنظمات الفلسطينية، ومن ثم السلطة الفلسطينية.
كان واضحاً أنّ المنظور الصهيوني سيصل إلى هذه النقطة التي أخذت تُترجم إلى قرارات تصدر عن الكنيست. بالتالي كان واضحاً كذلك أن انحراف النقاط العشر الذي تقرَّر في المجلس الوطني الفلسطيني سنة 1974 لن يفضي سوى إلى دمار الثورة. لكن أظهر الواقع كم ابتلى الشعب الفلسطيني بقيادات غبية وهزيلة، وربما أكثر من ذلك.
لهذا يجب أن يُعاد بناء التصور الذي ينطلق من أن الصراع مع الدولة الصهيونية، بما هي جزء من المنظومة الإمبريالية، هو صراع حدّي، لا حل وسط ممكناً فيه. أظن أن كل الأشكال القديمة للعمل السياسي، الفصائل والأحزاب، لم تعد صالحةً في الوضع الجديد. ووجود سلطتين متصارعتين على 20% من فلسطين هو عار، خصوصاً أن ذلك يعرقل المشروع الوطني. لهذا لا بدّ من إعادة بناء جديدة، وأعتقد أن الشباب الجديد هو القادر على ذلك، وأدعوه إلى التخلص من آثار الماضي، وأن يؤسس لذاته بديلاً".

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.