}

فرنسا تعترف بمسؤوليتها عن اغتيال المناضل موريس أودان بالجزائر

محمد عبيدو 17 سبتمبر 2018
هنا/الآن فرنسا تعترف بمسؤوليتها عن اغتيال المناضل موريس أودان بالجزائر
جدارية موريس أودان

اعترف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في خطاب رسمي ألقاه أخيرًا، بمسؤولية السلطات الفرنسية عن تعذيب ومقتل واختفاء المناضل في الحزب الشيوعي الجزائري موريس أودان، 1932-1957، أستاذ الرياضيات في جامعة الجزائر، الذي تحمل إحدى أهم ساحات العاصمة اسمه، والذي عذبته القوات الاستعمارية واغتالته بتاريخ 11 يونيو/ حزيران 1957 لتعاطفه مع القضية الجزائرية.

وتوجّه الرئيس الفرنسي إلى منزل أرملة أودان، جوزيت، بعد الخطاب، وسلمها بيانا في هذا الصدد يعلن فيه "فتح الأرشيف المتعلق بقضايا اختفاء مدنيين وعسكريين من فرنسيين وجزائريين". واعتذر ماكرون لأرملة أودان وقال: "إن الشيء الوحيد الذي أقوم به هو الاعتراف بالحقيقة". واعترف ماكرون بذلك في سياق إقراره بقيام بلاده، خلال حرب الجزائر (1954-1962)، باللجوء إلى نظام استُخدم فيه التعذيب. كما تمنى فتح الأرشيف المتعلق بالمفقودين أثناء الثورة الجزائرية وفحصه بكل حرية.

وأضاف ماكرون أنه يعتقد أن أعمال بعض الأفراد لا يمكن أن توضع على ضمير كل من لم يرتكبها ولم يشترك فيها، مشيرا إلى أن الناس الذين يعرفون ظروف وفاة موريس أودان مدعوون للتعبير عن أنفسهم بحرية، من أجل تقديم شهاداتهم وتعزيزها مثل الآخرين حول صمت أو أكاذيب الشهود الرئيسيين الذين يعرقلون المسح.

وأودان فرنسي مولود عام 1932 بباجة في تونس وانتقل للعيش بالجزائر في الثلاثينيات.

وسبق قبل فترة أن أعدت الجريدة اليسارية l’humanité ملفا كاملا عن موريس أودان، تحت مانشيت عريض: "السيد الرئيس، اعترفوا بجريمة الدولة"، تضمن حوارات مع مؤرخين، ورسالة مفتوحة للرئيس الفرنسي موقعة من طرف 54 شخصية سياسية وثقافية فرنسية، تطالبه "باعتراف الدولة الفرنسية بجريمة اغتيال موريس أودان، الذي اعتبر مفقودا، ومعه الآلاف من الجزائريين، بعد أن تعرض للتعذيب"، رافضين تصديق فرضية الهروب الرسمية.

ومن بين موقعي الرسالة المفتوحة المؤرخون جيل ماسورون وبنجامين ستورا وألان روسيو ورافيال بلانش.

وتعود وقائع القضية إلى ليلة 11 إلى 12 يونيو 1957 حيث تم توقيف موريس أودان، الذي كان عضوا في الحزب الشيوعي الجزائري من طرف وحدة للمظليين بالعاصمة، ولم يظهر له أي أثر منذ تلك اللحظة في حين تذكر الرواية الرسمية- التي لم يصدقها أحد- فرضية هروبه وقفزه أثناء نقله من سيارة جيب عسكرية.. وظلت جوزيت أودان (87 عاما) أرملة موريس أودان وفية لزوجها، ولم تتزوج بعده، وهو الذي اغتيل في ربيع العمر (25 عامًا)، وبقيت تناضل من أجل الاعتراف بحقيقة مقتله وتعذيبه، إلى آخر رمق في حياتها. ورحبت وولداها ميشال وبيار بخطوة الرئيس الفرنسي مؤكدين أن "هذا الاعتراف سيدخل في إطار محاربة سياسة التعذيب التي استخدمت كأداة للقمع ونشر الرعب في العالم".

وفي كتاب "حقيقة موت موريس أودان" نشر الكاتب جان شارل دينيو اعترافات اللحظات الأخيرة للجنرال بول أوساريس، بطل التعذيب في حرب التحرير الجزائرية، عن حقيقة وفاة موريس أودان، فيما سماه بـ"جريمة دولة" قائلا: "لا، موريس أودان لم يتبخر هكذا من الطبيعة بعد هروبه في يونيو 1957 لكنه أعدم بقبول ورضى تامين من السلطات السياسية". وهو كشف مثير أضاف فصلا جديدا للروايات الرسمية وغير الرسمية لقضية شغلت المؤرخين السياسيين حوالي ستة عقود. كما تم تناول حياة أودان واستشهاده في كتاب تحت عنوان "السؤال" لهنري علاق، وهو مناضل شيوعي ومدير سابق لجريدة Alger répuplicain، وفي كتاب "قضية أودان" لفيدال ناكي، وهو مؤرخ ومناضل شيوعي من أجل استقلال الجزائر.

وفي مقال له نشرته جريدة لوموند لم يستبعد بنجامين ستورا كون تصريح ماكرون "سيترك أثرا لا يندثر أبدا" بالنسبة للأغلبية الساحقة من أولئك الذين عاشوا أيام الاحتلال.

من جهتها اعتبرت المؤرخة ومديرة البحث بالمعهد الوطني للبحوث العلمية بفرنسا (سي. أن. أر. أس)، سيلفي تينو، في مقال لها نشرته كذلك جريدة لوموند، أن تصريح الرئيس الفرنسي يعد قبل كل شيء تحررا للأرملة جوزيت وأسرتها. وأشارت المؤرخة إلى أن الأثر الآخر والذي لا يقل شأنا لهذا التعميم الممكن انطلاقا من حالة موريس أودان يكمن في أن "الاعتراف بمسؤوليات الدولة يثير قضية المسؤوليات الفردية في أعمال التعذيب".

واعترافا بنضال أودان ووقوفه بجانب ثورة التحرير وتضحيته سمت الجزائر ساحة وسط العاصمة على اسمه، وتقع بين البريد المركزي وشارع ديدوش مراد في قلب العاصمة، وأقامت فيها وزارة المجاهدين جدارية جميلة لهذا المناضل.

وكرّم الرسام محمد خدة موريس أودان بلوحة محفوظة في المتحف الوطني للفنون الجميلة، ليبقى أيقونة للنضال اليساري العالمي مع قضايا الشعوب المضطهدة.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.