}

إصدارات الصيف القاهرية: الغلبة ليست للرواية

إيهاب محمود 27 أغسطس 2018
هنا/الآن إصدارات الصيف  القاهرية:  الغلبة ليست للرواية
مكتبة البلد/ القاهرة

على الرغم من أن معرض القاهرة الدولي للكتاب يعتبر موسمًا ثريًا بالنسبة للمؤلف والناشر والقارئ، غير أنه في مصر يتم التعامل مع فصل الصيف أيضًا على أنه موسم للقراءة، وفترة من فترات ازدهار صناعة الكتاب خلال العام، إذ يتزامن مع انتهاء الدراسة في المدارس والجامعات، وانقضاء فترة الاحتفاء بإصدارات معرض الكتاب، ولذلك يحرص العديد من الكتاب على عرض إصداراتهم خلال الصيف، كموسم قراءة لا يُستهان به، ولا يبتعد كثيرًا عن معرض القاهرة للكتاب.

وخلال الصيف الحالي، صدرت أعمال كثيرة في مصر، وثمة ملاحظة تلوح، حيث إن الغلبة ليست للروايات كما هو سائد دائمًا، والقصد هنا فيما يخص التأثير الجماهيري والاحتفاء النقدي. ومن بين عشرات الكتب الصادرة خلال صيف 2018، فإن ثمانية كتب فقط تصدرت المشهد، منها روايتان فقط: "باب الخيمة" لمحمود الورداني وصادرة عن دار العين، و"حدث في برلين" لهشام الخشن، الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية. وبالنسبة للشعر يعد ديوان "الهائم في البرية" لعبد المنعم رمضان والصادر عن دار العين الأكثر شعبية وحضورًا حتى الآن، وهناك السيرة الذاتية للكاتب والباحث السياسي عمار علي حسن "مكان وسط الزحام"، والصادر عن الدار المصرية اللبنانية، وكذلك كتاب "خطابات محمد خان إلى سعيد شيمي" للمصور السينمائي سعيد شيمي، والصادر عن دار الكرمة، و"كتاب المواصلات" لعمر طاهر والصادر عن نفس الدار، ولكن يبقى كتاب "أولاد حارتنا.. سيرة الرواية المحرمة" للكاتب الصحافي محمد شعير، والصادر عن دار العين، هو الكتاب الأكثر حضورًا وتأثيرًا وإثارة على جميع المستويات.

"أولاد حارتنا.. سيرة الرواية المحرمة"

في العام 2011، وبالتزامن مع الذكرى المئة لميلاد نجيب محفوظ، نشر محمد شعير مقالًا في جريدة أخبار الأدب القاهرية، عن شكل القاهرة يوم ميلاد محفوظ: أبرز عناوين الصحف، عروض دور السينما، حالة الطقس، تصريحات السياسيين، وكل ما ينقل صورة القاهرة في ذلك اليوم. فكر شعير وقتذاك في تطوير فكرته، وعلى مدار سبع سنوات مضت قابل وبحث وسعى وراء كل خيط يمكن أن يساعده في رسم صورة كتابية لسيرة رواية محفوظ الأشهر "أولاد حارتنا" والتي كانت سببًا أساسيًا في منحه جائزة نوبل للأدب.

 ومساء الاثنين 13 أغسطس الجاري، توافد عشرات الكتاب ليحتفلوا مع شعير بإطلاق ومناقشة الجزء الأول من ثلاثيته التي أعدها عن محفوظ، والتي صدر الجزء الأول منها بعنوان "أولاد حارتنا.. سيرة الرواية المحرمة". كانت المناقشة حامية، زادتها سخونة مداخلة الدكتورة سيزا قاسم، التي قالت صراحةً إن نجيب محفوظ جبان، لم يكن صاحب موقف أبدًا، ولم يجرؤ أن يصرح بآرائه السياسية، ليبدو الاشمئزاز على الحضور، قبل أن تطلق سيزا جملتها التي أسكتت الجميع: "مستغربين ليه. في الحقيقة كل المثقفين المصريين جبناء". الغريب كان الصمت الذي خيم على الأجواء، هناك من ضحك، هناك من هز رأسه نفيًا لرأي سيزا، غير أن أحدًا لم يجرؤ على معارضتها علانية وبقوة، لا محمد شعير، ولا عبلة الرويني التي كانت تدير المناقشة. لم يكن سوى الدكتور حسين حمودة، الناقد الأدبي، الذي قال إن محفوظ عبر عن آرائه السياسية، ولكن يجب مراعاة الظرف التاريخي، والتوقيت الذي عاش فيه، إذ لم يكن مسموحًا بأكثر من ذلك. كما أكد حمودة أن روايات محفوظ فيها الكثير من السياسة، وفي النهاية ليس الأديب مجبرًا على أن يلعب أدوارًا سياسية، ويبقى كل إنسان حرًا في التعبير عن آرائه بالوسيلة التي تروق له.

الجميع أكد على أهمية الكتاب، والبحث الضخم كان مثار إعجاب وتقدير، إذ لم يعتمد شعير فقط على الأرشيفات الحكومية في جريدة الأهرام أو الأخبار أو مجلة الهلال فقط، بل ذهب وسأل وبحث في أرشيفات خاصة منجزًا عملًا، بشهادة الحضور، لا تقوى عليه مؤسسة حكومية كاملة.

والكتاب لا يرصد سيرة أولاد حارتنا، بقدر ما يتخذ منها تكأة للانطلاق نحو رسم صورة للحال الثقافي والسياسي لمصر عبد الناصر، علاقات المثقفين وتفاعلاتهم مع الرواية، والاستقبال الأزهري لها، وتفسيرات الشيوخ، والمردود الشعبي الذي يعبر عن حالة المجتمع وقتذاك، وبكلمات أخرى، هي سيرة مصر الثقافية والسياسية والاجتماعية وقتذاك، لا سيرة الرواية فقط.

"الهائم في البرية"

بحفاوة بالغة استقبل الوسط الثقافي الديوان العاشر لعبد المنعم رمضان، والصادر عن دار العين للنشر، ويحاول فيه رمضان أن يخلق ومضات تترجرج بين عوالم المحسوس والخيال السينمائي والحكائي، حيث عوالم تترجرج بين الضفاف ولا تستقر عند حدود، وبحسب خالدة سعيد، فإن كتابة عبد المنعم رمضان أشبه ما تكون بكتابة سرية، والحضور الجسدي مرئي، مهما كان سريع الزوغان، لا يسلمها إلى التجريد.

وفي الندوة التي أقامتها دار العين لمناقشة الديوان، كان الحضور كثيفًا، وذلك لسببين: الأول هو أن أي ديوان جديد لرمضان يعتبر مناسبة جديرة بالاحتفاء والاحتفال، والثاني كان حضور الشاعر السوري أدونيس، الذي لا يتوقف عن إطلاق العبارات الرنانة والتصريحات المدوية، إذ أكد خلال الندوة أن "الثقافة العربية لم تنتج معرفة منذ سقوط بغداد في يد التتار".

"مكان وسط الزحام"

وتعتبر السيرة الذاتية للروائي والباحث في علم الاجتماع السياسي عمار علي حسن، الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية بعنوان "مكان وسط الزحام"، إضافة مهمة لنوع لا يقبل الكتاب العرب عليه كثيرًا، يهابونه، ولا يحمّلون أنفسهم مشقة السير في طريقه المتعرجة، الوعرة جدًا، حيث فضيلة الاعتراف التي تحتاج إلى جرأة مُفتقدة عند الغالبية العظمى منا.

أصدر عمار سيرته وحكى فيها عن رحلته مع الكتابة والإبداع والعمل العام، حكى عن العقبات التي واجهته، عن النجاح الذي لم يتحقق بسهولة، وعن المعاناة التي لا بد أن يدفعها المرء كضريبة لا غنى عنها من أجل تحقيق النجاح الذي يريد. بالتأكيد لعمار مواقف سياسية واضحة من النظام المصري، هو لا يرفض وجوده، ولكن ينتقد سياساته في إدارة الدولة بشكل عنيف، لديه الكثير من علامات الاستفهام، وهو ما جعله ضيفًا غير مرغوب فيه على شاشات الفضائيات بعد أن كان زائرًا شبه يومي على هذه الشاشات.

عمار ظهر، مؤخرًا، مع الإعلامي محمود سعد على فضائية النهار ليسرد بعض حكايات سيرته، على وعدٍ بلقاء ثانٍ لاستكمال ما بدأ، غير أنه يوم عرض الحلقة الثانية، وقبل الموعد بقليل، اعتذر، عبر حسابه بفيسبوك، عن عدم الظهور، لأسباب قال إنها خارجة عن إرادته، وعن إرادة الإعلامي محمود سعد، وعن إرادة مالك القناة أيضًا، لتثير كلماته حالة شديدة من الصخب والجدل، بسبب استمرار النظام الأمني في تضييق الخناق على المجال العام بشكل يعود بنا لعقود سابقة ظننا أنها اندثرت ظهيرة الخامس والعشرين من يناير 2011، ولكن على ما يبدو أنها عادت بشراسة وبقوة أكثر مما كانت. بالتأكيد استفاد عمار من الواقعة في خصوص كتابه، وبالتأكيد احتل الكتاب موقعًا متقدمًا في خريطة المكتبات في مصر، وبحسب دار النشر، فإنه يحقق مبيعات جيدة جدًا منذ أيام، أي بالتزامن مع إلغاء حلقته التلفزيونية.

"باب الخيمة"

بعد تسع روايات، يصدر الكاتب الصحافي والروائي محمود الورداني روايته الجديدة "باب الخيمة" عن دار العين، لتصبح الرواية الأكثر لفتًا للانتباه خلال الصيف، وذلك لقيمة الورداني الأدبية، وفنيات كتابته، وخاصة لأن هذه الرواية تقترب كثيرًا من الباب الخلفي لكواليس مهنة الصحافة، التي يمتهنها الورداني، وهو هنا يقترب بدرجة لم يصل لها من قبل، حيث عالم الدكاكين والوكالات والمكاتب الصحافية وصحف الحكومة. وتتميز كتابة الورداني عمومًا، كما قال عنها الكاتب الراحل علاء الديب، بأنها عذبة ورائقة تلمس العقل والقلب معًا، حيث اكتملت عنده الجملة الأدبية بأمانة ووعي، وأصبح يستطيع في سهولة بالغة أن يصيغ مادته الإنسانية ببساطة يحسد عليها.

"حدث في برلين"

على الرغم من صدورها منذ أسابيع قليلة، إلا إن رواية "حدث في برلين" للروائي هشام الخشن، والصادرة عن الدار المصرية اللبنانية، تحقق مردودات رائعة، جماهيريًا ونقديًا، خاصة أن الروايتين الأخيريتين للخشن حققتا نفس المردود، وهما "جرافيت" و"تلال الأكاسيا"، غير أن هذه الرواية ربما تتفوق فيما يخص مبيعاتها التي ترتفع يوميًا.

وبحسب الخشن، فإنه استلهم قصة الرواية من قصة دكتور ألماني نازي، كان مجرمًا يقوم بقتل اليهود بعد حقنهم، وقد جاء إلى مصر هربًا من ملاحقة اليهود له بعد انهيار ألمانيا وسكن بمنطقة الحسين باسمه المصري طارق، وعندما توفى بمرض بالسرطان، اتفق ابنه على دفنه في مدافن الصدقة باسم وهمي، وهو الأمر الذي حال دون وصول اليهود إلى جثته، ومن ثمّ بحث الخشن في قصص النازيين، الذين أتوا إلى مصر وبدأت رحلة السير وراء خيط الرواية.

"خطابات محمد خان إلى سعيد شيمي.. الجزء الأول"

أصدرت دار الكرمة مؤخرًا الجزء الأول من رسائل المخرج الراحل محمد خان إلى صديقه التاريخي المصور السينمائي سعيد شيمي.

الناقد والصحافي محمود عبد الشكور قال إننا أمام دراما هائلة تمثل قصة حياة محمد خان في سنوات الشباب، مكتوبة بصراحة مطلقة، وكأن كل سنة هي فصل مثير، تتخلله لحظات صعود وهبوط، وأمل وإحباط، متابعًا: "إننا تقريبًا أمام مذكرات عقل ووجدان وعين شاب مصري رأى وسمع وشاهد، ونحن أيضًا أمام وثيقة مدهشة عن جيل يكتشف معنى الفن والحياة، ويحاول في نفس الوقت أن يكتشف نفسه وقدراته، لكي يعبر بهذه القدرات من عالم الهواية إلى دنيا الاحتراف، من شغف الفرجة، وهي أساس كل شيء، إلى حلم صناعة الأفلام، وبهجة تحقيق السينما".

بامتنان كبير، تعامل الوسط الثقافي مع الحدث، والامتنان يعود طبعًا لسعيد شيمي، إذ إن الكتاب يحوي صورًا نادرة، وهو لا يتعلق بخان والشيمي، بقدر ما ينقل صورة عن حال وحالة السينما بشكل عام، خصوصًا في تلك الفترة، تمامًا كالمنطق الحاصل مع كتاب محمد شعير عن نجيب محفوظ، حيث الكتاب الناقل لصورة وسيرة حقبة زمنية مهمة وفارقة، لا من عين المؤرخ، بل من زاوية الفنان، حيث يتبدى الفن كوسيلة لقراءة التاريخ، واستلهامه، وهذا هو الرابط بين الكتابين، بالرغم من اختلاف موضوعيهما، كما يتفقان في نقطة أخرى هي النجاح الجماهيري الواسع.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.