}

مثقفون عن نقل معرض القاهرة للكتاب: تاريخ يتهاوى

إيهاب محمود 20 أغسطس 2018
هنا/الآن مثقفون عن نقل معرض القاهرة للكتاب: تاريخ يتهاوى
معرض القاهرة للكتاب

منذ فترة، والقلق يستبد بالبعض إزاء أحاديث مثارة لنقل معرض القاهرة الدولي للكتاب من مكانه الحالي، في أرض المعارض بمدينة نصر، إلى منطقة التجمّع الخامس، حيث المكان البعيد عن العاصمة والجمهور والحياة، مكان لا يليق بمعرض مخصص لبيع الكتاب، وليس معرض كتاب مهنيا. غير أن القلق تأكد عندما أصدرت الدكتورة إيناس عبد الدايم، وزيرة الثقافة المصرية، قرارًا رسميًا بنقل مكان إقامة معرض القاهرة الدولي للكتاب، في يناير 2019، من أرض المعارض بمدينة نصر إلى منطقة التجمع الخامس.

إطلالة تاريخية

منذ انطلاقه للمرة الأولى في عام 1969، أقيم المعرض في مكانين يأتي التجمع الخامس ليصبح ثالثهما، إذ أقيم في محيط دار الأوبرا المصرية حاليًا، واستمر ذلك لمدة أربعة عشر عامًا، حتى عام 1983، عندما تغيّر المكان ليقام المعرض في مدينة نصر حيث تزايدت المطالبة بمكان أكبر مساحة، وبالنظر إلى أرض المعارض نجد مساحتها هائلة مقارنة بدار الأوبرا. استمر المعرض لأكثر من ثلاثين عامًا في مدينة نصر، التي تحولت مع الوقت إلى ما يشبه وسط البلد، ولم تتوقف دورات المعرض إلا مرة وحيدة عام 2011 بسبب الوضع السياسي وقتذاك، وتداعيات ثورة الخامس والعشرين من يناير.

هناك أحاديث كثيرة متداولة حول تفكير الدولة المصرية في تأجير أو بيع منطقة أرض المعارض، وهي مساحة ضخمة للغاية، لمستثمر عربي أو أجنبي، بحيث يتم تحويل تلك المنطقة إلى فنادق أو مؤسسات استثمارية، ومن ثم جاء التفكير في التجمع الخامس ليكون بديلًا لأرض المعارض. تصورات أخرى ترى أن حالة أرض المعارض السيئة للغاية، والتي لا تتناسب مع احتفالية ثقافية ضخمة كمعرض القاهرة الدولي للكتاب، الذي تم اختياره عام 2006 ليكون ثاني أفضل وأهم معرض كتاب في العالم بعد معرض فرانكفورت، حيث إن الحالة في أرض المعارض لا تناسب الاستخدام الآدمي، لا خدمات إنترنت، لا خدمات نظافة، دور النشر تنصب كتبها داخل خيام، المشهد لا يتماشى على الإطلاق مع أهمية الحدث وقيمته.


ردود أفعال عديدة واجهت القرار الرسمي بنقل المعرض إلى التجمع، وثمة سبب أجمع عليه الناشر والقارئ والمؤلف، حيث إن الدورة المقبلة التي تنطلق في يناير 2019، هي دورة اليوبيل الذهبي للمعرض الذي انطلقت دورته الأولى عام 1969، بالتالي تبقى الحاجة إلى تواجد الجمهور أساسية ولا غنى عنها، وبالتالي أيضًا سيفقد المعرض هذه الخاصية عندما يقام في التجمع الخامس، البعيد عن القاهرة، المحتفظ بصورة ذهنية أنه مكان الطبقة الأرستقراطية، الذي لا تدخله المواصلات العامة، ولا تحتمل شوارعه السير كبقية شوارع القاهرة وضواحيها، ثمة نكهة غير محببة للعامة عند سماع اسم التجمع الخامس أو تخيّل هذا المكان، إذ يبقى مجهولًا للغالبية العظمى..

محاولة لقتل المدينة

"هي محاولة لإفراغ القاهرة، تدريجيًا، من روحها"، يقول الكاتب عزت القمحاوي، موضحًا أن المسألة لا تتوقف على نقل معرض الكتاب للتجمع، بقدر ما ينصبّ الموضوع على قتل المدينة تمامًا. يوضح: "هناك عاصمة إدارية جديدة، ودعوة إلى عقد مجمعات ثقافية خارج القاهرة، والآن نتحدث عن المعرض، وغير مستبعد أن نشاهد متاحف تنقل في قادم الأيام. هي محاولة لأن تبدو المدينة جوفاء من معالمها وروحها أيضًا، رأس المال يتوحش، سمعنا عن رغبة في تأجير المكان لمستثمرين، لا بأس، ولكن ليفعلوا ذلك بعيدًا عن الكتاب، ليتركوا لنا متنفسًا، أما هذا الخنق للمجال العام، وتفريغ المدينة من محتوياتها أمر مؤسف، ربما الغضب العارم عند الكثيرين جدًا يرتبط بالأساس ببُعد التجمع الخامس، وكذلك الاعتياد على أرض المعارض في مدينة نصر، ولكني أتحدث بخصوص المكان نفسه، قيمة المكان وأثره ودلالاته، التي على ما يبدو أنها إلى زوال".


ويرى الشاعر إبراهيم داوود، رئيس تحرير مجلة إبداع، أن نقل المعرض للتجمع يعني، في المجمل، عدم اكتراث القائمين على أمور الثقافة بالجمهور: "الناس لم يصبحوا رقمًا في معادلاتهم. والثقافة عمومًا لم تعد أمرًا ذي خطر كما كانت في سنوات طويلة مضت" يقول داوود.

بالنسبة لداوود، فإن مبيعات الكتب ستنخفض تمامًا، وسيعاني الناشرون على نحو غير مسبوق خلال الدورة المقبلة للمعرض: "هذا موسمهم، ينتظرونه كل عام لتسويق كتبهم، ولكنهم سيخسرون هذه الإيجابية، وسينحسر التواجد الجماهيري بدرجة كبيرة، وسيبدو المعرض كمكان أنيق لا تدخله إلا نخبة منتقاة، وهي نخبة لن تكون هدفًا بالطبع لمعرض كتاب مخصص بالأساس لبيع الكتب".

في نظر الكاتب وحيد الطويلة، فإن قرار نقل المعرض يؤكد أننا أمام موجة عاتية لن يصمد الكتاب أمامها، موضحًا أنه يرفض القرار شكلًا وموضوعًا، خاصة أنه يأتي في توقيت خاطئ حيث دورة اليوبيل الذهبي لواحد من أهم معارض الكتب على مستوى العالم، وفق كلامه.

يتابع الطويلة: "لا أستسيغ فكرة نقل المعرض كي تتم إقامته في مكان أكثر أناقة وأبهة. نحن شعب ينتمي في الأساس للطبقة الشعبية، البسيطة، التي تتعامل وفق طبيعتها غير المتكلفة، بلا حسابات، بلا تعقيدات كثيرة. المشاهد الرائعة للأسر التي تذهب للمعرض كأنه نزهة، والطوابير أمام بوابات الدخول، كلها مناظر سنفقدها بهذا القرار، وهي مشاهد، في الحقيقة، تدفع الكتاب للأمام، وتربي جيلًا كاملًا على حب القراءة والشغف بها، غير أن ما يحدث يقتل كل ما تبقى من جمال".

بكلمات أخرى، يؤكد الشاعر زين العابدين فؤاد، أن التوقيت لم يكن مناسبًا على الإطلاق كي تتخذ وزيرة الثقافة قرارها، غير أنه يستدرك قائلًا: "هي خطة معدة سلفًا، والوزيرة ليست إلا أداة للتنفيذ، في الحقيقة لا يسعها أن تعترض، هناك من أملى عليها قرارها، وسواء كانت مقتنعة أو غير ذلك، فإن القرار سينفذ لنهايته، ووفق الرغبة السياسية للدولة، وما وزارة الثقافة إلا مؤدٍ لدور مرسوم سلفًا. تمنيت فقط لو تأجل التنفيذ لما بعد الدورة المقبلة، أي خلال العام 2020، حتى لا نفقد التواجد الجماهيري خلال دورة اليوبيل الذهبي، وهي حدث ثقافي استثنائي، يجب تسويقه عالميًا، لا محليًا أو عربيًا أو إفريقيًا. ما أتأكد منه يقينًا أن القائمين على المعرض سيندمون للغاية بسبب التراجع الكبير والجذري في عدد جمهور وزوار المعرض الذي كنا نتباهى بصوره أمام أبواب المعرض في الدورات السابقة".

الكاتب والمترجم أحمد شافعي، يقول إن ثمة ذكريات كثيرة، وصورًا لا تنسى، ستذهب أدراج الرياح مع تنفيذ القرار، حيث ارتبط المعرض لدى جيله بالكامل بمنطقة أرض المعارض بمدينة نصر، حيث أقيم على مدار أكثر من ثلاثين عامًا كاملة.

يوضح شافعي: "كان الأجدى أن يتم إصلاح وترميم منطقة أرض المعارض في مكانها الحالي، التي ارتبطنا بها، ولدينا معها ذكريات كثيرة. بمجرد سماع القرار والتأكد منه، شعرت بحنين غامض، حنين لتلك المشاهد وهذه الصور، على الرغم من أنه لم ينقل حتى الآن، غير أن هذا الحنين الجارف تغلغل داخلي، وهو ما يدفعني لأن أقول لك إنني لن أذهب للمعرض بالتجمع، بالنسبة لي فالمعرض انتهى العام الماضي، حيث كانت آخر دورة أحضرها بمدينة نصر".

الروائي وجدي الكومي ينظر للمسألة من وجهة نظر شعبية وجماهيرية بحتة، يقول إنه لا يشغله الأمر ككاتب أو مثقف، ولكن بالنسبة للجمهور، ماذا سيحدث، وحتى لو افترضنا أن الجهة المنظمة ستوفر وسائل مواصلات، فإن الأمر سيبدو عبثيًا للغاية، لأن الكثير من الأمور لن يمكن ضبطها بنجاح، ولن يحكم المشهد سوى العشوائية.

يضيف الكومي: "هيئة الكتاب ووزارة الثقافة يسيران في المشروع بلا تخطيط، بلا رؤية، دون أدنى استجابة للأصوات الرافضة، المهم هو التنفيذ، وألا يحدث اعتراض على مخطط تريد له الدولة الاستمرار، حتى لو كان وبالًا على الثقافة وعلى صناعة الكتاب في مصر عمومًا. بكل تأكيد سيفشل المعرض القادم وستخرج دورة اليوبيل الذهبي فاشلة على المستوى الجماهيري، وهي في الأساس ليست ناجحة فيما يخص إدارة الندوات وتنظيم الفاعليات الثقافية، وبالتالي سيكون الفشل شبه مؤكد ".

 توقيت خاطئ وجمهور مفقود

لا يفهم شريف جوزيف رزق، مدير دار التنوير بمصر، الكثير من الإجراءات والممارسات الثقافية التي تتبعها وزارة الثقافة في مصر، هو لا يرى لها ضرورة أصلًا، لأن القائمين على إدارة الثقافة في مصر، في ظنه، غير معنيين بها من الأساس، ولا يكترثون لها أو للمهتمين بها، وما نقل معرض الكتاب للتجمع إلا إجراء وسط حزمة إجراءات تمارسها الدولة لتضييق الخناق على الثقافة، أو بالأحرى، تنفير الناس منها وإبعادهم عنها، ذلك أنه لا رغبة حقيقية في تثقيف الناس، بل الأفضل، بما هو واضح، أن يبقوا للنهاية على حالهم، لا يفقهون شيئًا مما يحدث.

بالنسبة للناشر محمد البعلي، صاحب دار صفصافة للنشر، فإن المعلومات المتوافرة حول عملية نقل المعرض شحيحة، وبالتالي فإن تكوين نظرة عامة لن يكون سهلًا. يتابع: "القرار، طبعًا، مؤسف، ومربك، وغير جماهيري، وتوقيته خاطئ، ولكن ثمة نقطة إيجابية قد تلوح في الأفق، حيث إن ما نعرفه من معلومات هو أن المكان الجديد في التجمع الخامس يحتوي على خدمات راقية للغاية، تفوق بمراحل ما يحدث في أرض المعارض، حيث نعاني من عدم وجود دورات للمياه، وعدم وجود مكان لوضع الكتب، هل يعقل أن ننصب الخيام لنرص كتبنا؟ ما أعرفه عن المكان الجديد هو أن المعرض فيه سيقام وفق فورمات عالمي، ولا وجود للخيام، بل قاعات إسمنتية على طراز جيد، ولكن في كل الأحوال سنفقد عاملًا في غاية الخطورة والأهمية هو عامل الجمهور، وبالنسبة للدورة الـ50 للمعرض، فإن الأمر سيبدو في غير محله، سيبدو مجحفًا للحق التاريخي لمعرض القاهرة للكتاب في أن تخرج دورة اليوبيل الذهبي منه على نحو استثنائي، كما يليق به".




الناشر أحمد رشاد، المدير التنفيذي للدار المصرية اللبنانية، يرى أن نقل معرض الكتاب للتجمع سيخلق شريحة جديدة من القراء نحن نحتاج إليها ولم نتعرف عليها بعد.

يضيف: "لدي رؤية مختلفة بعض الشىء، القرار سينُفذ، ولذلك أرى إيجابيات هذا القرار، وفي الواقع أنا متحمس له تمامًا، وأراه في الصالح العام، لأن المكان الجديد سيضمن إقامة المعرض وفق فورمات عالمية تليق بالمكانة التاريخية للمعرض، وبالنسبة للجمهور فإن نقل المعرض عام 1983 من مكانه بدار الأوبرا إلى مدينة نصر كان صادمًا وغير مرغوب فيه، ولكن تعود الناس مع الوقت، ولدينا أكثر من 4 مليون زائر خلال دورة 2018، بالطبع سينخفض العدد بصورة واضحة، ولكن سيتواجد الجمهور، وسيحرص على الحضور، وبمرور الوقت سيصبح الأمر واقعًا لا مفر منه، وسيذهب الناس للتجمع الخامس في يناير من كل عام لزيارة معرض الكتاب، حيث الخدمات المتوافرة التي نعاني من الحرمان منها في مدينة نصر. يكفي أننا لا نستطيع دخول دورات المياه هناك لأنها لا تناسب الآدمية في أبسط صورها".

تتمنى الناشرة كرم يوسف، صاحبة دار الكتب خان للنشر، أن يكون المكان الجديد بديلًا جيدًا لأرض المعارض. في نظرها، فإن أرض المعارض ليست مكانًا لائقًا بالمرة، ولكن من الممكن إصلاح ما فيه من عيوب، والتعامل معه، كحل أكثر إيجابية من التفكير في حل سهل وبسيط وهو نقل المعرض للتجمع الخامس.

تقول كرم: "كنت أرى أن التحدي يكمن في التعامل مع المشكلة، مع الأزمة ذاتها، أن تحاول الدولة إصلاح عيوب أرض المعارض، بدلًا من الهروب، كالعادة، والتخفي وراء حل سريع، تمامًا كالمريض الذي يتعاطى المسكنات بدلًا من إجراء جراحة عاجلة وناجزة. بالتأكيد المسكنات تسعفه وتريحه لبعض الوقت، غير أن الخطر يبقى موجودًا، والمرض يتغلغل في جسده بقوة، وفي النهاية سيموت، أو يجري الجراحة مرغمًا، ووقتها قد تنجح وقد تفشل".

يقول الناشر إسلام عبد المعطي، صاحب دار روافد للنشر، إن الأزمة لا يجب أن تنحصر فقط في التفريق بين مدينة نصر والتجمع الخامس، موضحًا: "نحن لدينا "سويقة" اسمها معرض الكتاب، مجرد ساحة خربة تتراص فيها الكتب وأصحابها. علينا التفكير فيما هو أهم وأجدى، حيث نحتاج لفعاليات ثقافية حقيقية خلال المعرض، نحتاج لاستضافة كتاب عالميين، نحتاج لتطوير شكل المعرض وعدم اقتصاره على البيع للجمهور فقط، فالبيع والمكتبات متاحة طوال العام، ونتمنى أن يأخذ المعرض بعض خصائص معرض فرانكفورت من ناحية معرض الكتاب المهني هناك، حتى يجمع معرض القاهرة بين بيع الكتب، والاتفاقات مع الناشرين والمؤلفين والمترجمين، وقتها يمكن أن ننظر للفعالية على أنها معرض كتاب، أما ما يحدث أمامنا في يناير من كل عام مجرد سوق أو بالأحرى "سويقة" للكتاب تسيء إليه أكثر مما تظهره في صورة أفضل".

 

 



الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.