}

مثقفو اليمن ومبدعوه: تجاعيد الحرب والمجاعة والمنفى!

صدام الزيدي صدام الزيدي 8 يونيو 2018
هنا/الآن مثقفو اليمن ومبدعوه: تجاعيد الحرب والمجاعة والمنفى!
لوحة للفنان اليمني حكيم العاقل

هذه الحرب ستموت

من الجوع

"غدا/ وعندما ينفد مخزوننا من الأطفال/ والنساء/

والعجائز/ ستموت هذه الحرب من الجوع/ وستلد لنا الأرض سلاما يشبهنا:/ يتيما/ بدينا/ وبلا وظيفة"

ليس وحده الشاعر اليمني الشاب قيس عبد المغني، صاحب هذه الأبيات، يخوض معركة مع الحياة (في مدينة صنعاء التي تعيش حالة شلل ثقافية) في أتون سنوات عصيبة تشهدها بلاده، في مبتدأ عام رابع من الحرب، التي لا بارقة أمل في أن تضع أوزارها عما قريب. فمئات الأدباء والكتاب والمثقفين اليمنيين وجدوا أنفسهم في معركة مع الحياة، تشتد ضراوتها من عامٍ إلى آخر، ذلك أن الثقافة في غرفة إنعاش، وبات عليهم إما الاستسلام والضياع، وإما التصالح مع الحرب والتعايش معها.

ينهمك أدباء ومثقفون كثر في دروب مضنية، من أجل توفير لقمة عيش لأطفالهم، لكن ذلك لا يفي بمتطلبات الغذاء والكساء والإيواء، كما هو مطلوب منهم، في لحظة عاصفة، خلّفت الكثير من المآسي وندوب الوجع التي لا تندمل، في الوقت الذي وجد عدد منهم طريقًا إلى الخارج تاركين وراءهم عوائل تقض مضاجعها آلة الدمار، وينال منها البؤس والفاقة.

ما يزال قيس عبد المغني (كما هو حال كثير من أدباء ومثقفي اليمن) يحلم بسلام ستنجبه الأرض المحروقة، لكنه السلام اليتيم (الذي يشبه وجه اليمني اليوم) والبدين، أيضًا، ليس بسبب التخمة والرفاهية، إنما بسبب عاهات مستديمة، تركتها الحرب بعد أن (نفد مخزون البلاد من النساء والأطفال والعجائز) والتهمت شباب البلاد ورجالها.

شهدت اليمن، في ثلاث سنوات ونيف، انحسارًا كبيرًا لتفاعلات الشأن الثقافي؛ إذ نجحت أدوات الحرب في تغييب مشهد ثقافي، هو في الأصل، لم يكن في حالة من التعافي، لتداعيات سياسية ومجتمعية كثيرة.

"إنه مشهد كئيب وفاجع"؛ يقول الكاتب والباحث اليمني قادري أحمد حيدر، مشيرًا إلى أن "الحركة الثقافية تراجعت للخلف عقودًا من الزمن بل إن المتابع للمشهد الثقافي اليمني الآن، يكاد لا يرى من صورة ومعنى الثقافة شيئًا له معنى".

لكن حيدر تحدث عما أسماه "أشكال مقاومة ثقافية لـ(العفن السائد)، تكاد لا تنظر ولا ترى، لأن سواد الواقع يقترب من حدود العتمة، وصار يغطي صفحة الوطن بالكآبة والدمامة".

كما أن "سوادًا من لون غريب يستحق مقاربة نقدية شافية متأنية"؛ يضيف الباحث والكاتب قادري حيدر، وهو واحد من أهم مراقبي المشهدية الثقافية والسياسية اليمنية، في راهنها البائس والمعقد، والمنهار جدًا.

وينوه حيدر إلى "ثلاث سنوات لم يصل إلينا جديد أي كتاب أو مجلة، والصحف السيارة العامة للأحزاب والصحف الأهلية والخاصة متوقفة، وملايين العاملين (موظفو القطاع الحكومي) لم يتسلموا رواتبهم منذ سنتين تقريبًا، وهم القاعدة الاجتماعية لما نسميهم بالطبقة الوسطى، يعيشون في حد الكفاف، والمجاعة تتجول في الحواري والبيوت، بينما الحياة التعليمية تتدهور في كل ساعة حتى أنه يحق لنا القول إن التعليم بمستواه شبه الفاشل والذي لا يلبي احتياجات التنمية الإنسانية توقف نهائيًا، فعن أي حركة ثقافية يمكننا أن نتحدث، في أوضاع كهذه فائضة عن قدرة الناس على احتمالها".

من جهته، يقول الأكاديمي والناقد عبد الحكيم باقيس: "بالتأكيد للحرب آثارها السلبية الكبيرة على مختلف المستويات، بما في ذلك المستوى الثقافي"، مشيرًا إلى أن "شعبنا اليمني يعيش الآن محنة كبيرة لم يمر بمثيلاتها في تاريخه الحديث، وعلى الرغم من ذلك فإن كيمياء اﻹبداع عند اليمنيين تمنحهم القدرة على تجاوز اﻷلم، وربما تحويله إلى مادة للكتابة والإبداع، وعبر التاريخ اليمني الحافل بالغنى الفكري والثقافي لم يرتبط اﻹبداع بحياة الترف أو الرفاهية، فكان التطور والعطاء متصلا بمختلف الفنون الشعبية والأدبية، ومعبرا عن إرادة التحدي في مواجهة الحياة. صحيح أن عوامل الاستقرار والرفاهية توفر العناصر اللوجستية المساعدة على ازدهار اﻹبداعات وانتشارها، لكنها لا تخلق الحالة الظاهرة اﻹبداعية".

وينوه الأكاديمي بجامعة عدن الدكتور باقيس إلى أن "الغائب هو دور المؤسسة الرسمية أو اﻷهلية في الجانب الثقافي، لكن المبادرة الفردية في الكتابة والتعبير حاضرة بقوة في واقعنا، ويكفي أن نضرب مثلا بالكيانات الشبابية، والمناشط الثقافية التواصلية، وبمعدلات النتاج الأدبي الشعري والروائي المكتوب والمطبوع، وهناك تجارب تمنحنا ذلك اﻷمل في المستقبل، وهي اﻵن بحاجة فقط إلى الفضاءات المناسبة التي تساعد في نقل الإبداعات وانتشارها".

ويراهن الناقد باقيس على أن "تأثيرات الحرب ستولد في المدى القريب رغبة كبيرة في البوح عن التجارب الفردية والجماعية التي عشناها، ما سيشكل ظاهرة أدبية ليس بالضرورة أن تكون استجابتها مباشرة الآن، لكنها آخذة في التشكل.. ولسنا في ذلك حالة استثناء بين الشعوب التي حولت ألم الحرب ومعاناتها إلى مادة أدبية خالدة في تاريخها".

وأكد "إننا نعاني اﻵن من واقع الحصار الذي فرضته الحرب، ولا نعاني من شحة اﻹبداع، ومن هذه الزاوية يمكن النظر إلى آثار الحرب السلبية النفسية والثقافية التي أسهمت في تعميق عزلة اليمن عن العالم".

واقع ثقافي متخم بالفناء والموت

المحتم للإبداع وللمبدعين

يتساءل الكاتب والناقد صلاح الأصبحي، بنبرة منكسرة: "ماذا بوسعك أن تذكر في واقع ثقافي متخم بالفناء والموت المحتم سواء للإبداع نفسه أو للمبدعين بشكل عام؟، فالكل يتسابق للسقوط ولم يعد أحد يفكر بالعقلية التي فطر عليها هؤلاء المثقفون، والذين اعتادوا على إنتاج واقع ثقافي يجمل وجه الحياة ويتغنى بجمالياتها ويفتح شهيتها أو ينظر لها من زاوية فنية".

 واستدرك الأصبحي (كاتب وناقد من جيل الشباب): "نقف على واقع ثقافي متصحر وعدمي لا تجد فيه ما يبعث على تذكر مفردة ثقافة أو إبداع، وكأنهما من مفردات عالم آخر وليس من عالمنا".

ويضيف: "ما نشهده على المستوى العام من تداعيات طفيفة تنبئ عن صدور بعض الأعمال الأدبية أو إقامة بعض الفعاليات الأدبية هنا وهناك ما هي إلا مجرد خربشات لا معنى لها ولا تحمل قيمة في ذاتها وإنما هي من قبيل الالتزام والحماس اللذين ما زالا ينبضان عند بعض المهتمين بالمشهد الثقافي ولا تستوعب الشواغل الفكرية والإنسانية التي يزخر بها الواقع اليمني لكنها لا تلبي احتياجاته ولا تمتص الغضب الممتطي صهوته، وهذا يعني أننا نقف بين براثن ركود تام وتلاشٍ متشعب يبسط قوته على مختلف معطيات الحياة اليمنية ويشعر بأساها كل فرد في اليمن، ولذا لا عتب على ركاكة ما ينتج في هذه اللحظات الحالية من واقعنا، وكما ذكرت فإننا محاصرون داخل منفى من الفراغ والعتمة الذي فقدنا داخله كل ما يمت بصلة لكوننا مثقفين أو مبدعين من نوع ما".

قبل أسابيع، عرض الشاعر محمد القعود (في منشور فيسبوكي أثار تفاعلًا ووجعًا كبيرين لدى الوسط الأدبي اليمني) مكتبته الشخصية، التي تحتوي قرابة ثمانية آلاف كتاب، للبيع، بسبب ضائقة ديون والتزامات مالية، من أهمها تراكم ايجار شقة متواضعة مؤجرة له يقيم فيها هو وزوجته وأطفاله وسط صنعاء، غير أن ما منع ذلك استجابة سريعة من رئيس الحكومة الشرعية في عدن، بصرف مساعدة عاجلة للشاعر والكاتب القعود الذي يرأس اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين فرع صنعاء، وفي الوقت نفسه كانت وما تزال مئات من أسر الأدباء والمبدعين في صنعاء وغير مدينة يمنية تمر بذات الضائقة، مع تعدد مضامينها بين الجوع والفاقة وتهديدات بـ"إخلاء المنزل" من قبل مالكي الشقق والبيوت السكنية، بعد عامين من انقطاع رواتب الموظفين. 

منذ آذار/ مارس 2015، وحتى الآن، تفاقمت المجاعة والبطالة واتسعت دائرة الفقر، بشكل أفضى إلى تعثر الفعل الثقافي، ونتج عن ذلك إغلاق منابر ثقافية، وتوقف ملاحق ثقافية والصحافة التي تعنى بالآداب والفنون وقضايا الثقافة والإبداع، وتوقف حركة المطابع الأهلية ودور النشر، وتوقف الفعاليات الثقافية، وغياب الدوريات والمجلات والكتب التي كانت تأتي من المحيط الخارجي بسبب إغلاق المنافذ الحدودية، واستحالة إقامة معارض الكتاب الدولية في صنعاء وعدن وغيرهما، وتوقف الدوريات والمجلات العلمية المحكّمة الصادرة عن الجامعات باستثناء جامعة عدن التي عاودت في الآونة الأخيرة إصدار عددين متأخرين من مجلتي الآداب والتواصل لعامي 2014 و 2015، والزج بكتاب ومثقفين في السجون لأسباب سياسية، وتوقف أنشطة اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين وفروعه لظروف تشغيلية منذ ما قبل الحرب في عام 2014 تحديدًا ناهيك عن تشظي قيادات الاتحاد بين صنعاء وعدن وعواصم عربية، وإغلاق معظم بيوت الفن التشكيلي.  

مبادرات خجولة

غير أنه ثمة مبادرات خجولة، هنا وهناك، تحاول، في واقع بائس أنهكته الحرب، إنجاز فعل ثقافي بجهود ذاتية.

ففي صنعاء تنتظم فعالية أسبوعية، كل أربعاء، يقيمها "إل مقه" نادي القصة (الذي يرأسه الروائي محمد الغربي عمران)، وفعاليات مماثلة تقوم بها مؤسسة بيسمنت الثقافية (تديرها الناشطة شيماء جمال)، وفعاليات غير منتظمة لمنتدى الحداثة والتنوير الثقافي (كيان أدبي تأسس قبل أشهر)، تسعى جميعها إلى اشاعة ضوء في مشهدية ليست بخير، في المجمل. 

أما بالحديث عن عدن، فثمة نادي السرد وتفاعلات إبداعية خجولة، نشطت - هنا وهناك- في الآونة الأخيرة، رفقة مبادرات أكاديمية وشبابية، سلطت الضوء على مشهد عصفت به الحرب، لا سيما تداعيات 2015 الذي شهد اعتداءات طالت معالم ثقافية، حين امتدت يد الخراب إلى معالم دينية ومتاحف وغيرها. في الوقت الذي باتت أرضية يملكها اتحاد الأدباء بعدن، في طريقها إلى المصادرة إلى ملكية نافذ يملك المال ولم تشفع بيانات ومناشدات وعرائض إدانة يُوقعها، تباعًا، أدباء البلاد، في إيقاف الاعتداء على مقر اتحاد الكتاب ورمزيته الوطنية. على أنه في موضوع أكثر رعبًا وقسوة، بات أدباء وكتاب ومفكرون في عدن وغيرها من مدن البلاد عرضة للتكفير، وصولًا إلى رسائل تهديد مبطنة وصلت البعض منهم، تهددهم بالتصفية والقتل، في مسرحٍ عبثي استشرت فيه أدوات التطرف وغابت فيه الكثير من ملامح الحياة الآمنة الكريمة للمبدع في بلدٍ تتطاير أشلاؤه في الهواء.

وبالاتجاه شرقًا، تداعت نشاطات وانتظمت دوريات ثقافية، بحال أفضل مما هي عليه في بقية المحافظات، بسبب بُعد حضرموت عن مناطق الصراع، لكن ذلك لا يعني أن حراكًا ثقافيًا بخير تمامًا هناك.

وفي تعز أحيا مكتب الثقافة، في الآونة الأخيرة، حزمة فعاليات: مهرجانات ثقافية وفنية، مسابقات شعرية، احتفاء بالمسرح، معرض مصغر للكتاب، بينما يؤكد مدير ثقافة تعز عبد الخالق سيف العمل مستقبلًا على إحياء ملامح تعز الثقافة والإبداع، على الرغم من اشتداد المواجهات هناك.

ويكاد كثير من مبدعي وأدباء اليمن لا يتذكرون متى كان آخر معرض للكتاب شهدته صنعاء، لكن مبادرات التأمت منذ بداية 2018 الجاري، حين أقامت بيسمنت الثقافية معرضا مصغرا يحتفي بالكتاب بالتعاون مع ناشط يدير متجرًا الكترونيًا لبيع الكتب. 

وفي عدن نجحت ثلة من الشباب في إطلاق مشروع لبيع الكتب الكترونيًا، مطلع العام، غير أن دور نشر في صنعاء وحضرموت نفذت قبل أسابيع أكثر من معرض للكتاب (معارض مصغرة) أعادت الروح إلى ما يشبه معرض الكتاب المفقود. وغير بعيد، كانت وزارة الثقافة في عدن نجحت، بعد غياب ثلاث سنوات عن معارض دولية، في أن يكون لليمن حضور في معرض الرياض الدولي للكتاب 2018.

ومع بداية العام الجاري، انطلق، في القاهرة، مشروع "المئة كتاب"، كثمرة لاتفاق موقع بين وزير الثقافة مروان دماج من جهة، ورئيس مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر هاني الصلوي من جهة أخرى، ووجد عدد من الإصدارات في مجالات معرفية وإبداعية يمنية وعربية، طريقه إلى النور.

عن المبادرات التي تقام هنا وهناك، احتفاءً بالكتاب حتى وإن كانت رمزية، يرى الناقد والأكاديمي اليمني عبد الحميد الحسامي أنها "مبادرات مهمة لأنها تحيي قيمة الاهتمام بالكتاب كقيمة إنسانية حضارية كبرى، في زمن الحرب". لكنه يشدد على سؤال محوري مهم: "أين هو الكتاب الذي ينبغي أن نحتفي به وأين هو القارئ الذي ينبغي أن يحتفي بالكتاب؟".

أما عن الإصدارات على مستوى المشهد اليمني، فيذهب الحسامي إلى القول إنها "إصدارات جيدة ومهمة رغم ما يعيشه المشهد اليمني من أزمة حقيقية داخليًا وخارجيًا". 

حركة مقاومة

"الحركة الثقافية اليمنية، تعيش حالة من الارتباك، والتهميش، والتشظي، بسبب الحرب الراهنة التي طالت كل شيء جميل، ومارست، ولا تزال، كل أشكال القبح ضد حياتنا جميعًا"؛ يقول ضياف البرّاق (شاعر يمني من جيل الشباب)، غير أن ضياف بدا متفائلًا بعض الشيء، إذ يعتقد أن "هذه الحركة، رغم كل هذا الخراب في عموم الوطن، تحاول أن لا تخضع للموت حتى اللحظة. إنها تسعى بكل ما لديها من إرادة باتجاه الغد المضيء. كما أنها، في الوقت ذاته، تحاول أن تقاوم كل ما لحق بها من سوء، وبهذا نستطيع أن نحكم عليها بالبقاء المشرف والعظيم، لأنها لم تختفِ كثيرًا من المشهد العام، ولم تيأس أيضًا".

ويتابع ضياف (ابن تعز وطالب القانون الذي أنجز قصيدة نثر رائعة ويوميات تدون للحرب وتجاعيدها من داخل غرفة متواضعة تغيب عنها خدمات الكهرباء والماء يتشاركها مع زملاء له يدرسون في جامعة صنعاء): "آلت الحركة الثقافية اليمنية، في الظرف الراهن، إلى مآلات كثيرة تجعل منها حركة مُقاوِمة عنيدة".

أما الكاتب أحمد ناجي النبهاني، فيذهب إلى القول إن "هناك تنوعًا ثقافيًا وهناك إصدارات.. وبين فترة وأخرى، يحتفي الوسط الثقافي في صنعاء بإصدار ثقافي أو أكثر. وكذلك في عدن هناك أنشطة متنوعة لنادي السرد واتحاد الأدباء وهناك شراكة بين وزارة الثقافة ومؤسسة أروقة في مشروع المئة كتاب".

واعتبر النبهاني "الحركة الثقافية اليمنية اليوم في مهمة مقاومة لظروف الجفاف والتصحر الناتجة عن الحرب التي أكلت الأخضر واليابس".

ملامح منفى جديد

وبينما تأخذ الحرب اللعينة البلد إلى منعطفٍ ملغوم بمآلات الضياع والتشرد، يرى متابعون ملامح منفى يمني جديد، بدأت في التشكل، بالنظر إلى هجرة كثير من الأدباء والمبدعين، يتناثرون بين عواصم ومدن عربية وعالمية، على أن منفى أكثر عبثيةً أمسى واقعًا يعيشه المثقف في الداخل؛ كلما أراد أن يذهب إلى المستقبل، تداركته قوى الظلام إلى الماضي.

واستمرارًا لمأساة مبدعي اليمن ومثقفيه، سافر الشاعر والناقد عبد الودود سيف، صاحب الديوان الأشهر "زفاف الحجارة للبحر"، إلى القاهرة، مؤخرًا، للعلاج، في منحة طارئة رتبت لها الحكومة ووزارة الثقافة في عدن، بعد حملة مناشدة نفذها أدباء في مواقع التواصل الاجتماعي، إثر تعرضه لجلطة ثانية (إلحاقًا بجلطة سابقة كانت ألمت به قبل ثلاث سنوات) نتج عنها مضاعفات صحية أوشكت أن تنهي حياته على فراش المرض في منزله، بصنعاء.

أما الشاعر والكاتب محمد نعمان الحكيمي، فهو الآخر منذ سنوات يرقد في منزله بمدينة تعز (غرب البلاد) بينما يواصل أدباء حملة تضامن تدعو إلى توفير منحة علاجية إلى فرنسا أو اليابان، لمداواته من توسع غريب ونادر في شرايين تثقل رأسه، وتضاعف من آلامه. ومؤخرًا أطلقت حملة تضامن مع الشاعر فيصل البريهي، بعد أن ألمّ به مرض عضال.

وبين أن تنجح مناشدات وبيانات استغاثة الوسط الأدبي في إنقاذ حياة زملاء لهم ينهش المرض أجسادهم، تتزايد مواجع الأدباء والكتاب، وتضيق بهم الحياة على اتساعها، ذلك لأن الكتابة والإبداع أصبحا كابوسًا يجثم على الروح ويؤرق مهجعها، عند مفترق طرق: أحدها يذهب إلى المنفى، وأحدها تطوعه أطراف الصراع بالطريقة التي تجعل منه ناطقًا باسم ضباع الألفية. وللمأساة فصول كثيرة.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.