}

دراما حول الدراما الرمضانية في تونس

لم يحدث منذ بدايات الدراما التونسية أن وقع جدل حولها مثلما حدث هذه السنة بشأن بعض الأعمال التلفزية الرمضانية في تونس. وتستحوذ البرمجة الرمضانية في التلفزيون على اهتمام المشاهد التونسي، خاصة عند وقت الذروة ساعة الإفطار وما بعدها، وهو ما جعل المنتجين يتسارعون ويتدافعون من أجل الظفر بالنسبة الأوفر من المشاهدين، بتقديم أعمال مختلفة (درامية، تنشيطية، وعظية، مطبخية...)، والغاية منها أساسا المزيد من الربح في سياق تنافسي بين القنوات بما جعل الأمر شبيها بساحة وغى، وهو ما يتكرر كل سنة مع دخول القنوات الخاصة على الخط، لكن ما ميز هذه السنة هو الجدل المثير الذي صاحب عملين، الأول درامي، والثاني ترفيهي.

أما الأول فهو سلسلة درامية بعنوان "شورب"، وهو عمل تقوم فكرته على استعادة شخصية تونسية عاشت في أواسط القرن الماضي، في أحد أهم الأحياء الشعبية التونسية "الحلفاوين"، واشتهرت بسلوكياتها الإجرامية.

وهذه الشخصية هي علي شورب، الذي عاش بلطجيا متنقلا بين السجون، بسبب ما اقترفه من جرائم سرقات واغتصاب وقتل وكان مصدر ترويع ورعب في تونس العاصمة حتى نسجت حوله الأساطير واختلفت الآراء بشأن موته. وقام أحد المنتجين في تونس بتحويل سيرته إلى عمل درامي تلفزيوني، وسبق أن قدمه المخرج التونسي فريد بوغدير في الفيلم الشهير "عصفور السطح". وأدى الممثل الكبير عيسى حراث دور علي شورب بشكل أكثر من لافت ومميز.

ومدار الجدل الذي أثير حول هذه السلسلة الدرامية كان بسبب مؤاخذة أغلب المتابعين لشأن الدراما التونسية المنتج في ضعف الإخراج الفني والتسرع في إنجاز العمل، مما أوقع المخرج في أخطاء ما كان عليه أن يقع فيها، مثل عدم تناسب الملابس مع الفترة الزمنية، كذلك اللغة المستعملة التي لا تعكس نوعية التخاطب في الفترة الزمنية التي تدور فيها الأحداث، إضافة لضعف أداء بعض الممثلين وأخطاء المونتاج، بما نزل بالمستوى الفني للعمل إلى أدنى مستوياته. والأمر الذي أثار الجدل هو قيمي بالأساس، إذ اعترض الكثيرون على تقديم هذه الشخصية في التلفزيون بما قد يسببه ذلك من انعكاسات سلبية على الأطفال القصر، خاصة أن هذه الشخصية تفتقد أي قيمة إيجابية، عدا ما تمتلكه من جرأة التعدي على القيم الإنسانية من خلال سلوكياتها ذات البعد الإجرامي، غير أن تقديمها بهذا الشكل حوّلها إلى شخصية بطولية تتملك بوعي المتلقي وتدفعه للتشبه بها، وهذا ما جعل من هذه الدراما محل جدل في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي.

ونفس الشيء حدث بالنسبة للسلسلة الترفيهية "الكاميرا الخفية"، وهي سلسلة دأبت القنوات التلفزية التونسية على تقديمها كل شهر رمضان، لما قد تحتويه من حيل تبعث على الضحك والترفيه في المتلقي، غير أن سلسلة هذا الشهر فاجأت الجميع لموضوعها الحساس جدا، ألا وهو التطبيع مع الكيان الصهيوني. عنوان السلسلة "شالوم"، وتقوم فكرتها على استدراج أحد الشخصيات التونسية المعروفة (سياسيا، رياضيا، ثقافيا) للتحاور معه في شأن ما، وإذا به يجد نفسه أمام فريق إسرائيلي يدعوه إلى التعامل معه مقابل أموال ضخمة ووعود بمنصب حكومي هام، وهو ما جعل البعض من المدعوين يقعون في الفخ ويوافقون على التعامل مع الفريق الإسرائيلي، معبرين عن عدم وجود مشكلة لديهم في التطبيع مع الكيان الصهيوني، لكن وبعد عرض الأجزاء الأولى من هذا البرنامج اتضح أولا الضعف الفني والتقني الواضح، كما اتضح أن هناك من تم الضغط عليه خارج وداخل البرنامج للمشاركة فيه، حتى إن عبد الرؤوف العيادي، وهو معارض سياسي، تقدم بشكوى في الغرض إلى النيابة العمومية، وهو ما دفع نقابة الصحافيين التونسية إلى إصدار بيان تشير فيه إلى ضرورة الالتزام بالأخلاق المهنية الصحافية، وتؤكد فيه على عدم أهلية هذا البرنامج، خاصة أنه خلال إحدى الحلقات تم عرض علم إسرائيل والنجمة السداسية، وهي سابقة في التلفزيون التونسي، أضف إلى ذلك ما تحدّث عنه البعض من شبهات حول مقدمه وليد الزريبي.

لكن في المقابل هناك من استحسن العملين وأثنى عليهما واعتبرهما دليلا على تطور الدراما التونسية ومدى ما تنعم به البلاد من حرية في هذا الشأن، واعتبروا الأمر مؤشرا صحيا لمدى تقدم تونس في المجال الديمقراطي، فلم تعد هناك ممنوعات ولا تابوهات، بل إنه زمن الحريات.

هي إذًا دراما على دراما؛ دراما تلفزية كشفت مدى تمزق الوعي التونسي وانجراره بسهولة وراء القضايا المفبركة والبالونات الفارغة، خاصة في وقت تعاد فيه النظر في وثيقة قرطاج، وهو ما قد يعصف بهذه الحكومة ويدخل البلاد في دوامة جديدة قد تعصف بالاستقرار المشوب بالحذر الذي تعيشه.

مقالات اخرى للكاتب

شعر
12 أغسطس 2020

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.