}

حجب جائزة "وودهاوس" للرواية الساخرة لفشل المحكمين بالضحك

سناء عبد العزيز 24 مايو 2018

قد تفاجئنا أكثر الروايات مأساوية بقدرتها المدهشة على إغراقنا في نوبات من الضحك، منها على سبيل المثال السيرة الذاتية التي كتبها الفرنسي جون لوي فورنييه "أين نذهب يا بابا" وفيها يتناول رعب أن يكون لديك ولدان معاقان، واصفًا أدق مظاهر إعاقتهما التي ولا بد أن تستدعي نوبة مروعة من البكاء بحسٍ غاية في السخرية، كما استطاع أن يحقق ذلك باختيار عنوان عفوي يند من فم طفل في طرح سؤال وجودي لا يلتفت إليه القارئ إلا وهو متورط معه بالفعل في الضحك. بينما لا تستطيع روايات تبتغي الكوميديا في الأساس أن تفعل الشيء ذاته، وهو ما حدث هذا العام في جائزة "بولينجر إيفريمان وودهاوس" لأفضل رواية ساخرة. فبعد أن انتهت لجنة التحكيم من قراءة 62 رواية كوميدية قررت حجب الجائزة لهذا العام، لتصبح المرة الأولى التي يتم فيها حجب الجائزة منذ أن تأسست في عام 2000.

رويت لك مأساة؛ فلماذا تضحك!

تحت عنوان "أفضل كوميديا تجدها في الروايات الأكثر مأساوية" كتبت صحيفة الغارديان البريطانية أن لجنة تحكيم جائزة "بولينجر إيفريمان وودهاوس" لأفضل رواية ساخرة لم تنفِ تماما على الرغم من القرار الذي اتخذته بحجب الجائزة هذا العام، وجود حس كوميدي في معظم الروايات المقدمة، وذلك وفقا لما صرح به بعض أعضاء اللجنة ومنهم المحكم ديفيد كامبل. ذكر كامبل أن ثمة فكاهة في كثير من الروايات موضع الرفض؛ "لقد كنا نضحك أحيانا" ولكن لم يكن مجرد اغتصاب بعض الضحكات المقتضبة بين الحين والآخر، هو ما يسعى إليه المحكمون الذين ارتأوا أن الحصول على تلك الجائزة يستلزم تفجير نوبة من الضحك الجماعي كما كان يحدث في كل عام، وهو ما لم يحدث في عام 2018 ما حدا باللجنة إلى أن تنفي عنها صفة "روايات كوميدية" أصلا.

هل يعد حجب الجائزة بمثابة مؤشر إلى تراجع الكتابة الكوميدية بالفعل؟ يجيب كامبل على هذا التساؤل قائلا: إن هذا لا يعني أن الروائيين لم يعودوا يتمتعون بحس الفكاهة على الإطلاق، فهناك حس ساخر يبرز بقوة في أكثر الروايات مأساوية "خذ على سبيل المثال رواية "ابتسامة" لرودي دويل، تلك الرواية التي تدفعك عبر سلسلة من الأحداث إلى الضحك بصوت عال وبخاصة مع الحوار المنداح في طرافته، ومع ذلك فهي رواية عن إساءة معاملة الأطفال في المدارس الكاثوليكية الإيرلندية! أيضا من الروايات التي نشرت في الآونة الأخيرة وتمتعت بهذا الحس الفكاهي المنضبط رواية "اللا تماثل" للكاتبة ليزا هاليداي؛ فنصفها يصف علاقة غير متوازنة بين امرأة شابة وكاتب قديم مشهور. والنصف الآخر يدور حول احتجاز مواطن عراقي في مطار هيثرو – والذي لم يضحك للحظة واحدة. كذلك رواية "حين أسدد لك ضربة" لمينا كنداسامي، التي تعالج موضوعًا غاية في القتامة عن إساءة معاملة المرأة في الهند، ونفاجأ بالكوميديا السوداء تبرز من ثنايا سرد كنداسامي، وتجعل الأحداث أكثر ترويعًا. ولكن إعطاء هذه الروايات جائزة كوميدية حسب رأي المحكمين من شأنها أن تقوض خطورة مواضيعها والأهداف التي ترمي إليها. كما أن تلك الروايات ليست بالتأكيد بـ "روح وودهاوس".

جائزة بروح وودهاوس

كان بيلهام جرينفيل وودهاوس (15 أكتوبر 1881- 14 فبراير 1975) من أشهر كتاب الكوميديا في القرن العشرين وعلى مر التاريخ. ففي ظروف معقدة كصعود الفاشية وحربين عالميتين، كتب عن إنكلترا التي "بلا هموم" مفجرا القهقهات في عز الأوقات الحالكة. وقد تم القبض على كاتب الكوميديا البريئة وودهاوس واعتقاله عدة مرات، إلى أن حدثت المفارقة حين استخدمته الدعاية النازية في إذاعة برلين باللغة الإنكليزية، ما أثار غضبًا وجدلًا حادًا في بريطانيا وتهديدًا بالملاحقة القضائية فضلا عن وصمه بالخيانة، وبخاصة أنه عاش فيما بعد حياة مترفة في أرقى البيوت والفنادق محاطًا بالخدم والرفاهية جراء تحالفه مع العدو النازي. فهل تعد الظروف المعقدة شرطًا لازمًا لتفجير الكوميديا؟ وهل يعد ارتباك اللحظة الراهنة سببا في تراجع الكوميديا وغموض السرد؟ ثمة عدم أريحية وجدها المحكمون في تدفق روح السخرية كما ينبغي في الروايات التي تقدم بها أصحابها بوصفها كوميدية، أضف إلى ذلك إشارتهم إلى بعض الروايات التراجيدية باعتبارها تحمل في طياتها سخرية جديرة بالفوز لولا تمسكهم بشرط الجائزة. 

يعترف كامبل، مع زملائه المحكمين ومنهم المذيع جيمس نوتيتي والكوميدي سايندو فيي، بأن كتابة رواية مضحكة بالفعل لهي مهمة صعبة: "وودهاوس كان رائعًا للغاية، إذ يدفعك إلى الضحك بصوت مدو. لكن هذا ليس بالأمر السهل على الإطلاق. كان هناك الكثير من الروايات الجيدة، لكن لا شيء مضحكا بشكل رائع ... لم يبرز شيء من هذا فيما قُدم لهذا العام. هناك بالفعل الكثير من الطرح المرح، ولكنها لم تكن روايات كوميدية. لقد غابت عنها كيمياء الضحك تماما. من هنا وجدنا أنه من الصعب أن نضم إلى لائحة الفائزين السابقين بالجائزة، من أمثال مارينا لييوكا وألكسندر ماكول سميث، عناوين لا ترقى إلى نفس المستوى، دون الكشف عن أسماء الكتاب أو عناوين الكتب المقدمة لنيل الجائزة هذا العام". ومن هنا جاء القرار غير المسبوق بالحجب. و"بعد الكثير من المداولات، خلص المحكمون إلى أنه على الرغم من وجود العديد من الكتب المسلية والمكتوبة بشكل جيد من بين الروايات الـ62، فإن أيًا منها لم يستوف المعايير التي تجعل جميع المحكمين يضحكون معًا كما ينبغي"، بحسب ما قاله المتحدث باسم الجائزة يوم الأربعاء (16 مايو الجاري).

خفّة الكاتب المحتملة

يقر أعضاء هيئة التحكيم أن هذا العام كان مخيبًا على كل الأصعدة. ويضيف كامبل "إننا نتطلع إلى منح جائزة أكبر في العام المقبل لكتاب أظنه سيكون غاية في الفكاهة". كما تضيف فيكتوريا كارفانتان، مديرة شركة بولينجر الداعمة للجائزة "إن القرار الذي اتخذه المحكمون هذا العام يشبه الطريقة التي تنتج بها شركتنا النبيذ، إنهم يبدعون حين يصل النتاج إلى توازن مثالي، ولن يصبح حصادًا عالي الجودة إلا حين يصير خمرا، نحن واثقون من أن عام 2019 سيقدم نتاجًا استثنائيًا من الروايات المضحكة، وسيحتفل الفائز بجائزة مضاعفة من الشركة".

يبدو الموضوع أكثر تعقيدًا من مجرد التبشير باحتمالية وجود كتابة أكثر خفة مع العام الجديد، لا سيما حين نضع روايات كوميدية غرضها الإضحاك فلا تحقق الهدف منها، جنبًا إلى جنب مع روايات مأساوية تتناول قضايا شائكة فيتفجر من بين سطورها الضحك، ما يجعلنا نتساءل عن السر في أن تتناول روايات قضايا كبرى في شكل هزلي وتنجح في إضحاكنا، منها مثلا رواية "الجندي الطيب شفيك" للكاتب التشيكي ياروسلاف هاشيك؟ وكيف يصبح موضوع الحرب قابلا لهذا الحد من السخرية؟  يتساءل كونديرا أيضًا في كتابه النقدي "ثلاثية الرواية" عن تلك الرواية: ما الذي حدث للحرب وأهوالها حتى تصير موضوع هزء؟

وحين نتأمل في موضوعات الروايات، التي طرحتها اللجنة كدليل على وجود الكوميديا في الرواية، نتساءل بدورنا ما الذي يثير الضحك في رواية تتناول مأساة زوجة كاتبة أو اغتصاب أطفال؟ هل هناك منطقة في الروح تتحرر فجأة من عقالها كلما أثقلتنا الكوارث، فنصبح أكثر خفة وقدرة على إثارة السخرية؟ وهل باتت القضايا الكبرى موضعا للهزء بعد أن فقد الإنسان القدرة على مجابهتها أو حتى احتمالها؟ وما الذي ينبغي على كاتب الكوميديا أن يتناوله ليتمكن بالفعل من تفجير موجة عارمة من الضحك تؤهله لاستحقاق الجائزة الوحيدة على مستوى العالم؟!

 

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.