}

حرب 1967: من الأفضل إطلاق صفة هزيمة

إيهاب محمود 9 أبريل 2018
هنا/الآن حرب 1967: من الأفضل إطلاق صفة هزيمة
أسرى عرب في حرب حزيران (غيتي)

قبل خمسين عامًا وأشهر، كان الصحافي المصري الأشهر يصوغ خطابًا تاريخيًا ليلقيه الرئيس جمال عبد الناصر أمام شعبه المفجوع بهزيمة الخامس من يونيو/ حزيران 1967، الهزيمة التي سماها هيكل نكسة تخفيفًا من وطأة الحدث، والتي تحول مدلولها الحدثي بمرور السنوات لتصبح الهزيمة اليوم أقل تأثيرًا على السياق العام للتلقي، فيما ارتفعت النكسة لتحتل صدارة التوصيفات الأكثر وضوحًا، وقسوة أيضًا.

هذه المقارنة بين النكسة والهزيمة أشار إليها الكاتب تامر وجيه، المشرف على النشر بدار المرايا للإنتاج الثقافي التي أصدرت مؤخرًا كتاب "في تشريح الهزيمة، حرب يونيو 1967 بعد خمسين عامًا" واشترك في تأليفه ستة باحثين: خالد منصور، خالد فهمي، سامح نجيب، بلال علاء، محمد العجاتي، مصطفى عبد الظاهر.

وفي الندوة، التي أعدها معهد جوته بالقاهرة لمناقشة الكتاب، قال وجيه إن الزمن أقوى من التاريخ، بمعنى أن ثمة مصطلحات يمكن تضمينها في سياق تلق عام لتعبر عن الواقع بما يخدم مصالح سلطة قائمة، غير أن السنوات في تواليها يصاحبها صعود وهبوط للسياقات العامة وبالتالي للمصطلحات الأكثر قدرة على الوصف والتعبير. وأضاف: "عندما استخدم هيكل لفظة نكسة أراد أن يبدو الأمر وكأن قافلة تسير باتجاه طريقها بكل نجاح وانتظام ثم حدثت لها انتكاسة أفقدتها توازنها لبعض الوقت وسرعان ما ستعود سريعًا إلى سابق عهدها، ولكن الآن تحول الوصف وأصبح أكثر قسوة، وبات من الأفضل إطلاق كلمة هزيمة لوصف ما جرى صبيحة الخامس من يونيو/ حزيران 1967".

نقص الديمقراطية

في الكتاب يفترض اثنان من الباحثين الستة المشاركين، خالد منصور وخالد فهمي، أن نقص الديمقراطية هو السبب المباشر لما جرى من هزيمة نكراء وانهيار لمشروع عبد الناصر ونظام يوليو بالكامل. ويؤكدان أن ناصر كان يعوزه فقط بعض المرونة للسماح بممارسة بعض الحريات بما يمكن المشروع من الاستمرار والرسوخ.

لكن سامح نجيب، من موقعه كباحث مشارك في الكتاب أو متحدث في الندوة، يرفض ذلك. ويفسر: "لو سمح ناصر ببعض الديمقراطية لانهار أسرع مما حدث. فشل نظام يوليو الرهيب يتمثل في أنه عجز عن الاختيار بين أن يكون ديكتاتوريًا خالصًا أو ديمقراطيًا خالصًا، هناك ديكتاتوريات نجحت في تحقيق تنمية كبيرة وتقدم اقتصادي كبير وملموس في مقابل تقويض الحريات، هذا مفهوم ولكن في المقابل لديك شيء ما تستطيع أن تراه أمامك، كما لم يسر ناصر في طريق الديمقراطية بما يسمح بتعدد الأصوات والرؤى والانتقادات من داخل وخارج مؤسسات الدولة. لا أعترف باللون الرمادي والسماح ببعض الديمقراطية، ولكن ما يعاب على ناصر هو أنه لم يكن ديكتاتورًا مع الجميع، كان مهزوزًا، وهذا ما حرمه أن يحقق نجاحًا كبيرًا، فلننظر إلى تعامله مع كبار الإقطاعيين لنتأكد أنه لم يتبنَّ سياسة واضحة للنهاية، بل كانت لديه سياستان متناقضتان طوال الوقت، وقانون الإصلاح الزراعي دليل على ذلك".

هنا يتدخل أحد الحضور ليؤكد ما قاله نجيب، حيث إنه أثناء عمله في إحدى الجمعيات الزراعية، زمن عبد الناصر، وجد أن 73% من المصريين لا يملكون مترًا واحدًا، كما أن كبار الملاك لا تزال بحوزتهم مساحات شاسعة تقدر بمئة فدان: "هؤلاء لم يقترب منهم ناصر، ولم يكن مسموحًا له أن يقترب ولا أن يأخذ منهم أكثر مما أخذ. قانون الإصلاح الزراعي وهم، وناصر رقص على السلم، لم يترك الأرض كما هي، ولم يوزعها بحسم وقوة ومساواة على الجميع".

الهزيمة في 1967 كانت استثنائية، بوصف تامر وجيه، ويقصد أنها كانت استثناءً على كل المستويات، سياسيًا وعسكريًا وتنظيميًا. وتابع: "كانت الهزيمة متوقعة ومنتظرة في أي وقت، وهذا ما تؤكده معطيات الواقع في التاريخ السابق على الهزيمة، غير أن الشكل التي تمت به كان غير متوقع، والآن نعيد إنتاج الماضي ولكن على نحو أكثر فجاجة، والنتيجة لن تكون مفاجأة، ولكن الدهشة ستكون في الشكل الذي ستحدث به".

ويتساءل: "كيف تعاملنا بكل هذا الغباء والفشل والتخبط والعمى في تقدير الأمور في 1967؟ لا قرار سياسيًا واحدًا تم اتخاذه بشكل صحيح، والقرارات العسكرية كانت كارثية، كلها كارثية، وكل قرار منها يكفي لأن يودي بصاحبه لحبل المشنقة، التخطيط كان مثالًا ونموذجًا على مستوى الفشل. أنت تتخذ قرارًا بخوض معركة مع عدو تسانده أقوى دولة في العالم، في حين أن الجيش الثالث كله تقريبًا يحارب في اليمن دون أن نعرف فائدة واحدة لهذه الحرب، والعداء بين رئيس الجمهورية وقائد الجيش يستعر ويصل لمراحل خطرة، والجيش يسيطر على كل ذرة هواء في البلد، الهزيمة كانت طبيعية جدًا، ولكن ليس بهذه الدرجة من الفشل الاستثنائي، لدينا وضع مشابه الآن، والأيام القادمة تحمل الكثير".

هنا تدخل أحد الحضور ليطرح تساؤلًا مهمًا حول كلام وجيه عن الفائدة التي عادت على مصر من دخولها حرب اليمن، حيث تمثل التساؤل في أهمية كشف الأرشيف المصري ووثائق المرحلة، كي نفهم حقيقة ما جرى.

يجيب وجيه: "الأرشيف المصري لغز، كل تاريخنا أسرار عسكرية غير قابلة للاقتراب أو التصوير، غير مسموح لنا أن نقرأ وثائق حرب 1967، أو حرب أكتوبر، ماذا حدث في اليمن، كم فقدنا من المال والأرواح. الأرشيف المصري تقريبًا غير موجود، أو موجود ولكنه غير متاح على الإطلاق، طالما لست عسكريًا فأنت خارج دائرة الثقة وبالتالي سيكون خطرًا عظيمًا أن تقرأ صفحة واحدة. هكذا يفكرون".

غياب الوثائق

ربما يكون كلام وجيه إجابة على أحد الانتقادات التي وجهتها القاعة للمتحدثين ومؤلفي الكتاب، حول غياب الوثائق وخلو الكتاب منها، وعن مدى دقة الاعتماد على الشهادات فقط في قراءة التاريخ وكتابته. من الأكيد أن الوثائق تؤكد التحليل وتفتح أبوابًا مغلقة غير أن التعتيم عليها لا يعني أن نتوقف عن قراءة وتحليل وإعادة كتابة التاريخ، وفي نظر وجيه نحن نجتهد في حدود المتاح أمامنا وبأقصى قدراتنا في البحث والدرس والوصول، ولا نُلام على تقصير لا دخل لنا فيه.

ثمة ملاحظة التفت إليها الكاتب أحمد شوقي علي، الذي تولى إدارة الندوة، تتعلق بانتهاج النظام الحالي لنفس الوسائل في الممارسة السياسية والتمكين الاقتصادي، فاعتمد السادات مثلًا على القروض الأجنبية وتحويلات المصريين من الخارج، ولم يسمع إلا نفسه، وعلى نفس الشاكلة فعل السيسي الذي اقترض ملايين لا يعرف قيمتها أحد، كما جعل تحويلات المصريين من وسائل الخروج من العثرة التي تمر بها مصر، أما عن سلطة الفرد وغياب الرأي الآخر فحدث ولا حرج.

الكتاب يمكن التعامل معه، بلا مبالغة، كأنه متابعة صحافية لما يجري الآن، ومرور خمسين عامًا لم يكف ليغير العسكري وسائله في استخدام السلطة وإدارة البلاد، لم تتغير نظرته للأمور وحكمه عليها، وبالتالي جاءت ردود الفعل الشعبية لتعبر عن مجتمع توقف عقله عن العمل لما يزيد عن نصف قرن، وهناك الآن نسبة كبيرة من مؤيدي الرئيس السيسي تقتنع أن مصر في حاجة إلى يد من حديد، سلطة مطلقة، ديكتاتورية، حكم شمولي، لتعبئة الموارد من جديد، ثم البدء في تفريغ الطاقات وإعادة البناء، وهي النظرية التي اقتنع بها الناس في زمن ناصر، غير أنها فقدت فعاليتها، وباتت قديمة قدم الحداثة نفسها.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.