}

رائحة تحرش جنسي تفوح من الأكاديمية السويدية مانحة "نوبل"

سناء عبد العزيز 10 أبريل 2018

على الرغم من الانتقادات التي وجهت إلى حملة "MeToo"، التي أطلقتها الممثلة الأميركية أليسا ميلانو ضد التحرش الجنسي، ودعت إليها النساء من جميع أنحاء العالم في محاولة جريئة لتعرية هذا الجانب المظلم من حياة الأنثى على مدار حياتها، فإن الكثير من الفضفضات- وإن لم تكن مستغربة في مجملها- أسهمت في كشف النقاب عن بعض الفضائح الجنسية لشخصيات لها ثقلها في الحياة السياسية والثقافية. وكان منها ما تداولته الصحف العالمية منذ أيام عقب استقالة ثلاثة من أعضاء الأكاديمية السويدية المانحة لجائزة "نوبل"، وعلاقة ذلك برئيس مركز ستوكهولم الثقافي المتهم بسوء السلوك الجنسي، وما أعقبه من ضجة واسعة في الأوساط الأدبية في السويد.

تواطؤ داخل الأكاديمية السويدية

بادرت صحيفة "داغينز نيهيتر" السويدية إلى نشر جوانب مهمة عن الخبر، وأرفقتها بشهادات من 18 امرأة، زعمن أنهن تعرضن للاعتداء، أو للاغتصاب، على يد أحد أكثر الشخصيات تأثيرًا في المشهد الثقافي في ستوكهولم. واستمرت التداعيات في التصاعد إلى أن تم إبلاغ الملك كارل غوستاف السادس عشر بكافة التطورات.

ومن جانبه أعرب المدير العام لـ"مؤسسة نوبل"، لارس هايكينستين، عن قلقه إزاء "الوضع الخطير والصعب" للمؤسسة. كما صرح بيورن ويمان، محرر الثقافة في الصحيفة السويدية المذكورة أعلاه، بأن الاستقالات بمثابة "كارثة مدمرة" للأكاديمية، التي تجابه منذ فترة وابلًا من الانتقادات، وإن كانت هذه المرة تتعلق بفضيحة من مثل هذا النوع!

ربما لم يرد اسم الرجل المشتبه فيه صراحة، إلا إن وسائل الإعلام تمكنت من تحديد هويته بالإشارة إلى علاقته الوثيقة بالشاعرة والكاتبة المسرحية كاتارينا فورستنسون، العضو في الأكاديمية السويدية، وبالتنويه بإدارته لقاعة معارض وعروض فنية ترتادها النخبة الثقافية، وتشارك الأكاديمية في جزء من تمويلها، وهو ما جعلها تتورط في الفضيحة بدورها، وبخاصة بعد أن تقدم بعض أعضائها، وزوجاتهم وبناتهم، فضلا عن شخصيات أخرى بشهادات تفيد بتعرضهن لجرائم اغتصاب وتحرش جنسي ما بين عامي 1997 و2017، أي على مدى عشرين عاما، مصحوبة بقرائن ملموسة!

على إثر ذلك، قامت الأكاديمية بتكليف مكتب للتحقيقات في أواخر العام 2017 بالتحري عن ملابسات المزاعم المذكورة، وأكدت أنها ستجري تحقيقًا داخليًا، لمعرفة مدى تأثير المعني بالأمر على دورها، سواء فيما يخص منح الجوائز في الأعوام السابقة، أو فيما يتعلق بكافة المنح والتمويلات منها إلى الشخصية المشار إليها بأصابع الاتهام، وأعلنت- كخطوة مبدئية لتبرئة ساحتها- عن قطع أي علاقة بينها وبينه.

حول تلك الواقعة، أدلى كل من كلاس أوسترجرين، وكجيل إسبمارك، وبيتر إنغلوند، بتصريحات إلى وسائل الإعلام السويدية دونما التطرق إلى تفاصيل تذكر عن فضائح التحرش التي اضطرتهم لإجراء تحقيق داخلي.

وكتب إنغلوند في خطابه إلى صحيفة "إفتونبلاديت" أن قرار استقالته مرتبط بقرار الأكاديمية السويدية، في أواخر العام الماضي، بشأن قطع العلاقات مع الشخص المعني بالأمر. وصرح العديد من وسائل الإعلام السويدية، بما في ذلك "إفتونبلاديت"، أن خلفية الحدث جاءت أثناء تصويت جرى في الأكاديمية، حول استبعاد الشاعرة كاتارينا فورستنسون، وذكرت الصحيفة أن من تقدموا باستقالتهم أرادوا إخراج فورستنسون وتم رفض رأيهم. كما أكد العضو أندرس أولسون للإذاعة العامة SVT أن مثل هذا التصويت قد حدث بالفعل: "نعم، كان هناك تصويت.. وتوصلنا إلى نتيجة مفادها أنه لا ينبغي استبعاد أي شخص". وذكر أيضًا أن الأعضاء الذين تقدموا باستقالتهم كان لهم رأي آخر، فهم ضمن الأقلية التي ارتأت ضرورة استبعاد الشاعرة وأعتقد أن هذا هو السبب الرئيسي وراء استقالتهم.

 أنا خارج اللعبة

 أرسل الأعضاء الثلاثة في خطابات موجهة لبعض الصحف عبارات تنتقد طريقة الأكاديمية في إدارة الأزمات، ومدى توافقها مع قوانينها الخاصة ومبدأ الشفافية دون النظر لاعتبارات أخرى كما يجدر بجهة مانحة لجائزة عالمية بقيمة "نوبل".

ومنها مثلا ما ذكره إنغلوند عن استقالته بسبب طريقة تعامل الأكاديمية مع الأزمة قائلا: "القرارات التي اتخذت لا يمكنني أن أؤيدها ولا أن أدافع عنها، ولذلك قررت عدم المشاركة بعد الآن في العمل". بينما ذكر أوسترجرين، في بيان مكتوب لصحيفة "سفينسكا داجبلاديت"، أن الأكاديمية كانت تواجه مشاكل خطيرة منذ فترة طويلة "وحاولت الآن حلها بطريقة تضع اعتبارات غامضة على حساب قوانينها الخاصة. لذلك قررت عدم المشاركة بعد الآن في أنشطتها. سأترك الطاولة، وأخرج من هذه اللعبة". كما ندد بما اعتبره "خيانة لمؤسسها"، الملك غوستاف الثالث في عام 1786، وكذلك للمخترع السويدي ألفريد نوبل الذي خصص للمؤسسة جزءًا من ثروته. ونوه بفشل الأكاديمية في أن ترقى إلى مستوى قانونها الخاص، ولكنه رفض أن يرد على طلب بالتعليق.

 وأبدى إسبمارك في حديثه مع وكالة رويترز كامل تأييده لآراء إنغلوند بشأن هذه المسألة. وذكر في رسالته إلى "سفينسكا داجبلاديت" و"داغينز نيهيتر": "إن النزاهة هي شريان الحياة للأكاديمية السويدية. عندما تضع الأصوات الرائدة الصداقة وغيرها من الاعتبارات غير ذات الصلة قبل هذه النزاهة، لا يمكنني المشاركة في العمل".

صمت الحملان

جاء على لسان إحدى ضحايا فضيحة "نوبل" أن الجميع كان يعلم منذ وقت طويل باعتداءات الرجل على فتيات وسيدات في شقة في حي راق بستوكهولم، لكن ضحاياه اخترن الصمت بدلًا من تعريض سمعتهن للأقاويل.

فلماذا إذن صمت الجميع؟ عادة ما يتم التعامل مع قضايا من مثل هذا النوع باعتبارها "تابو"، إما بإيعاز من ذوي الضحية، وإما اتقاء الضحية لنظرة المحيطين بها، مفضلة أن تدفن رأسها في الرمال. حتى إن حملة "أنا أيضًا" تعرضت لكثير من التشويه، واتهمت بالمبالغة وخدش الحياء من الأنثى نفسها، ومنهن على سبيل المثال الممثلة الفرنسية بريجيت باردو التي وصفت سلوك الممثلات اللاتي تجاوبن مع الحملة وروين ما تعرضن له من انتهاكات بأنه محض "نفاق"، وبأن أغلبهن يسعين لذلك بهدف اقتناص المزيد من الفرص.

وعلى الجانب الآخر، نفى الرجل المعني بهذه الاتهامات ما نسب إليه، مؤكدا لصحيفة "داغينز نيهيتر" براءته من التهم الموجهة إليه، الأمر الذي كرره محاميه بيورن هورتيج قائلا: "موكلي ينفى هذه المزاعم برمتها".

التحقيق الداخلي

لم تعلن الأكاديمية السويدية حتى الآن نتائج التحقيق الداخلي الخاص بها. لكن إنغلاند قال، في مدونة يوم الجمعة، إن صدعًا قد نما في الجسم يفوق التحقيق والتدابير التي اتخذها السكرتير الدائم للأكاديمية في القضية. كما أشار إلى أن التقييمات التي أجراها أظهرت "اهتمامًا كبيرًا بالفرد، وقليلًا جدًا بالنسبة للقوانين".

كذلك أعربت إليكا باه كوهنكي، وزيرة الثقافة السويدية، عن أسفها لأنها منحته في العام 2015 ميدالية النجم القطبي الملكية، وهي الميدالية التي يتم منحها لأعضاء العائلة المالكة السويدية أو لشخصيات أخرى.

وذكرت "التايمز" أن الأكاديمية تعرضت من قبل لحادثة مشابهة، حين استقال ثلاثة من المحكمين في عام 1989، لدى رفضها إدانة آية الله الخميني، على إهداره دم صاحب "آيات شيطانية" سلمان رشدي، على الرغم من أن اللجنة التي يتم تعيينها من 18 عضوا يعدون أعضاء دائمين، وغير مسموح لأي عضو منهم بتقديم استقالته من الناحية الفنية. وفي هذا الصدد ذكرت سارة دانيوس، الأمينة الدائمة، أن الأكاديمية ستعمل في الفترة القادمة على تغيير هذه القاعدة، بغية إتاحة الفرصة للأعضاء بالتنحي بعدما راودتها هي نفسها الرغبة في تقديم استقالتها.

كما ذكر العضو أندريز أولسون أن الاستقالات كانت مفاجئة ومؤسفة وأن التصويت بشأن استبعاد فروستنسون لم يلق قبول غالبية الثلثين.

ما يتضح من الواقعة السابقة، فضلًا عن كتابات المرأة نفسها وما أفضت به عبر تاريخها، أن ظاهرة العنف ضدها لا ترتبط برقيّ المجتمعات، كما كان يُظن من قبل، ما يجعل طموح البعض-وبخاصة في البلدان النامية- بحظ أوفر للأجيال القادمة، بمثابة حلم عصي المنال. وربما يحمل الأمر في طياته نوعًا من الحسم لمصير الأنثى في عالم أبوي بامتياز. ففي بلد مثل السويد تتمتع المرأة بكافة الحقوق الممنوحة للرجل، وتقف معه على قدم المساواة، نتفاجأ بمثل هذه الظواهر، ونصطدم برد فعل المرأة تجاهها، وتفضيلها الصمت والكتمان!

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.