}

هل الأدب الصيني يتغيّر؟

مي عاشور 2 أبريل 2018
هنا/الآن هل الأدب الصيني يتغيّر؟
عمل للفنان الصيني أي ويوي

أدب الإنترنت

في مترو بكين أمواج من البشر تسير بخطى عاجلة، أنجرف معها من دون توقف، وفجأة يقع بصري على كشك صغير يبيع بعض الجرائد والمجلات، أتمهل، أدنو قليلًا، فأجد مجموعة من المجلات الأدبية المختلفة، أشترى بعضها وأمضي.

في الليل أتصفح باي دو(1) وويتشات(2)، فيظهر لي عدد كبير من النصوص الأدبية المتنوعة، من شعر ونثر ومقتطفات من روايات، ومقالات، ومنها المسجل صوتيًا أيضًا.

لا يمكن لأي شخص متابع للشأن العالمي ألا يلاحظ تقدم الصين السريع في جميع المجالات، وأنها تبدلت وأصبحت بلدًا آخر خلال 69 عامًا، منذ قيام جمهورية الصين الشعبية عام 1949 وحتى يومنا هذا. سمعت قصصًا من الذين زاروا الصين في الثمانينات والتسعينات والذين كرروا زيارتهم مع مطلع الألفية الحالية، ليجدوا صين جديدة تمامًا غير التي رأوها في السابق. ولا يمكن أن يَسلَم الأدب من ذلك التطور والتقدم الذي يتخلل كل شيء، لأنه في النهاية لا يمكن فصل الأدب عن الحياة بشتى صورها، والحياة في الصين ذات طابع مختلف، عملية جدًا، وسريعة الإيقاع، تدخل التكنولوجيا في كل شيء وفي كل جانب من جوانبها، وربما ساهم هذا بشكل كبير في ظهور ما يعرف بأدب الإنترنت خلال العشرين سنة الأخيرة.

في الصين تشكل نسبة متصفحي شبكة الإنترنت 45.6%، بينما يصل عدد قراء الأدب على الهواتف الجوالة إلى 304 ملايين قارئ. ويتعدى عدد مرات تصفح المواقع والصفحات الأدبية على الإنترنت 1.5 مليار مرة يوميًا، وفي عام 2016 بلغ حجم إنتاج سوق أدب الإنترنت في الصين 500 مليار يوان صيني.

ووفقًا لما ورد في صحيفة "جوانغ مينغ" اليومية، كان عام 2017 بمثابة عام حصاد وفير لأدب الإنترنت، وأظهر تطورًا جديدًا لوضعه وحالته، كما خلق العديد من النقاط اللامعة، وكشف الستار عن وجود نقاط تحول ملموسة نحو تغير شكله.

وتشير الإحصائيات في الصين بشأن ذلك العام إلى أن عدد متصفحي أدب الإنترنت قد تخطى الـ 360 مليون شخص. ووصل عدد الكتاب والذين يدونون على الإنترنت إلى 13 مليونًا، أما عدد الروايات الأصلية الموجودة على 40 موقعا أدبيا مختلفا فقد وصل إلى 14 مليون رواية.

من خلال تنوع الكُتاب، وعدد الأعمال، والقراء، وقوة تأثير المجتمع، يمكننا أن نرى أن أدب الإنترنت قد غير أسلوب ونمط تطور الأدب الصيني المعاصر عند مرحلة بعينها.

ووفقًا لما ورد على موقع كُتاب الصين، فإن عام 2017 هو بمثابة درجات صعود لدخول أدب الإنترنت حقبة جديدة وعصرا ذهبيا، كما يرى المتخصصون أن هذا النوع من الأدب في طريقه إلى الواقعية، وذلك بسبب ظهور مجموعة كبيرة من الأعمال المتميزة والرائعة له، والتي تحمل أفكارًا أكثر عمقًا، وتتميز بمستوى فني أعلى مقارنة بالأعوام السابقة، كما أن هذه الأعمال حازت على قبول وإعجاب شريحة عريضة من القراء ونالت تقييمًا مرتفعًا من قبل المتخصصين. والشيء المبهج أن المواضيع الواقعية للأعمال في تزايد مستمر، بل إن جودة محتواها ترتفع بشكل ملحوظ. ويعتقد بعض النقاد أن شكل أعمال أدب الإنترنت بدأ يتغير فعليًا، بينما كان منحصرًا في البداية في الأعمال الخيالية الفانتازية.

روايات الواقع الاجتماعي

يقول منغ فانغ خوا، الأستاذ بجامعة شين يانغ ونائب رئيس معهد الأبحاث الأدبية المعاصرة في الصين، إن روايات الواقع الاجتماعي تعد من أهم التيارات الأدبية في الأدب الجديد، بل ومن أكثر الأشكال الأدبية نجاحًا وتأثيرًا منذ عام 1978.

وظل هذا التيار الأدبي ينبض بحيوية وفاعلية كبيرتين، حتى بعد هيمنة الثقافة والحضارة الغربية، وهذا متعلق بالبيئة الاجتماعية الصينية، وفهم الكتاب لكل من دور ووظيفة الأدب.

وحتى في أكثر العصور حرية في التعبير عن الأدب، تظل روايات الواقع الاجتماعي هي الأغنى والأغزر في الإنتاج. لكن الآن بسبب ظهور وسائل الإعلام الحديثة، فاقت سرعة تطور الأخبار الاجتماعية حدًّا يفوق خيالنا وتصورنا، بل إن المشكلة الأكثر تشابكًا هي أنه بات من الصعب لأي رواية أن تواكب حجم الأخبار العاجلة والمثيرة المتعلقة بالواقع الاجتماعي ومشكلاته.

على كل حال الأدب هو عالم إبداعي خيالي، يعالج نفس الإنسان، وتفكيره، وعالمه الروحي والفكري. من هذا المنطلق ما زال الأدب يحتل مكانة بارزة وحيزًا وإمكانية كبيرتين. والمسائل الفكرية المعقدة هي جانب من مشكلات المجتمع، ورغم ضخامة حجم المعلومات والأخبار التي تنقلها شبكات الإنترنت والويتشات، فهي ما زالت عاجزة عن الوصول إلى مرتبة الأدب، وهذا يُعدّ سببًا قويًا لوجود حاجة ماسة إليه في يومنا هذا.

يقول منغ فانغ خوا أيضًا إنه يرى أن الكاتب الشاب شه يي فنغ سيكمل مسيرة روايات الواقع الاجتماعي، كما أنه لن يرث تقاليد هذا النوع من الأدب وحسب، لكنه أيضًا سيرتقي به وسيقوي بشكل كبير من مضمونه ومحتواه. و"بمجرّد أن ندخل في قلب الأدب، سرعان ما سنكتشف أن أدبنا ما زال متلاحمًا مع الواقع، وأن كل تفصيل في الحياة المعاصرة يتم التعبير عنه بشكل كامل وشامل، مما يعني أن الأدب يظل بارومتر حياة العصر، والكتاب هم مدونوها. وكما يقول الكاتب الكبير جيا بينغ وا: بصفتي كاتبًا، فمهمتي هي أن أكون مدونًا للعصر".

 

الأدب الصيني غير

منحصر في الرواية

كمترجمة أرى أنه يستحيل حصر الأدب الصيني في الرواية فقط، فما زالت هناك أشكال مختلفة ومتنوعة منه، من إبداع النثر، وسحر الشعر، ورونق القصة القصيرة جدًا، والتي تعرف أيضًا بقصة الدقيقة الواحدة وقصة المئة رمز. وبرأيي الأدباء في الصين على وعي تام بالمجتمع من حولهم، يفهمون كيفية التواصل مع قرائهم، لا يعزلون أنفسهم داخل غرفة مغلقة للكتابة، وألمس أن هناك تفاعلًا كبيرًا بين كبار الكتاب والشباب الصيني، فيذهب الكتاب إلى المكتبات الصينية والجامعات المختلفة لمناقشة كتبهم والمواضيع المختلفة معهم، ورأيت من قبل صورة لإحدى المكتبات الجامعية التي كانت تستضيف الكاتب والفيلسوف الصيني جو جوه بينغ، والطلاب يقفون على بابها طابورًا طويلًا أشبه بذيل تنين، وكأنهم يقطعون تذكرة لفيلم.

في الفترة الأخيرة، ومذ أن صرت أقرب إلى الأدب الصيني، تعرفت إلى عدد لا بأس به من الكتاب الصينيين، الذين ينتمون إلى خلفيات وتخصصات مختلفة، فلمست هذا التنوع الأدبي المنعكس في شخصياتهم وأفكارهم، مثلما لمسته تمامًا في مؤلفاتهم.

هوامش: 

(1) باي دو: أكبر محرك بحث صيني، وهو يعادل محرّك جوجل.      

(2)  الويتشات: تطبيق يستخدمه الصينيون مؤخرا، يشبه الواتس آب لكنه أقرب إلى المدونة، ومن خلاله يمكن تتبع صفحات مختلفة.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.