}

مثقفون مصريون عن دراما انتخابات الرئاسة:هذه أناشيد الديكتاتور

إيهاب محمود 8 فبراير 2018
هنا/الآن مثقفون مصريون عن دراما انتخابات الرئاسة:هذه أناشيد الديكتاتور
لوحة للفنان المصري عادل السيوي

لن تجد عنوانًا أفضل من اسم مسرحية الكاتب الإيطالي لويجي بيرانديللو "ست شخصيات تبحث عن مؤلف" لوصف ما جرى على أعتاب انتخابات الرئاسة المصرية 2018، لأحمد قنصوه، وأحمد شفيق، وخالد علي، وسامي عنان، والسيد البدوي، وموسى مصطفى موسى. هؤلاء كانوا ست شخصيات أساسية في دراما الانتخابات، غير أن المؤلف لم يجهد نفسه بكتابة نص يمنحه تصفيق المتابعين.

كان ممكنًا أن يصاغ النص الدرامي لانتخابات الرئاسة المصرية أفضل مما جرى، بدا الأداء باهتًا ومكررًا ومعدوم الخيال، وكشف عن مؤلف فقير يحمل على كتفيه دماغًا أفلس، للدرجة التي جعلته يخرج نصًا مهترئًا، أو بالأحرى يكتب عبثًا، إذ إن المسرحية كلها عبثية في المقام الأول، على الرغم من أننا بهذا التصنيف نسيء إلى مسرح العبث.

أربع سنوات مرّت على حكم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي توقّع الجميع أن يتقدم لفترة ثانية وهذا حقه الدستوري، وارتأى كثيرون أنه سيفرض إيقاعه الخاص على مسار العملية الانتخابية، ولكنه، للحقيقة، لم يفرض إيقاعًا، بل نعرات شائهة.

كانت البداية منذ شهرين، وتحديدًا في التاسع والعشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، عندما نشر العقيد طبيب أحمد قنصوه فيديو له على موقع يوتيوب يعلن فيه ترشحه لانتخابات الرئاسة المصرية 2018، كاشفًا عن غضبه واستيائه بسبب رفض القوات المسلحة قبول استقالته التي قدمها منذ أربع سنوات، وطلب قنصوه علانية قبول الاستقالة ليتمكن من الترشح، ولكن بعد ثلاثة أيام فقط كان قنصوه نزيلًا عند القوات المسلحة يواجه اتهامات عدة أبرزها خرق القوانين العسكرية، وفي 19 ديسمبر/ كانون الأول حكم عليه بالسجن ست سنوات.

وفي السابع من يناير/ كانون الثاني 2018 أعلن الفريق أحمد شفيق تراجعه عن قراره السابق بالترشح للرئاسة، معللًا ذلك بأنه أدرك عندما جاء إلى مصر أنه لن يكون الرجل المناسب لشغل المنصب، مشيرًا إلى أن وجوده في الإمارات لسنوات أضعف قدرته على التحليل الدقيق والمتابعة الأمينة لمجريات الأمور في مصر، بدا التبرير ساذجًا ومستخفًا بعقول الناس الذين يدركون جيدًا أنه تعرض إلى ضغوطات من النظام الحالي ليتراجع ولكي لا تبدو المؤسسة العسكرية كأنها منقسمة على نفسها وأن أبناءها ليسوا على قلب رجل واحد. تراجع شفيق، وهو الرجل الذي لم يترك مناسبة إلا وتحدث فيها عن ظلمه في انتخابات 2012 التي فاز فيها الرئيس المعزول محمد مرسي، وأنه سيترشح لا محالة في انتخابات الرئاسة ليسترد حقه في شغل منصب رئيس الجمهورية.

وفي الحادي عشر من يناير/ كانون الثاني أعلن المحامي خالد علي ترشحه، وهو الذي خاض معركة شرسة مع النظام الحالي بسبب قضية تيران وصنافير، وفي التاسع عشر أعلن الرئيس السيسي ترشحه، وبعد ساعات أعلن الفريق سامي عنان رئيس أركان حرب القوات المسلحة الأسبق ترشحه في مقطع فيديو استمر خمس دقائق أحدث دويًا رهيبًا في مصر وخارجها، إذ أشار إلى أن النظام الحالي ورّط القوات المسلحة في السياسة وشغلها عن دورها، وطالب عنان جميع مؤسسات الدولة العسكرية والمدنية بالتزام الحياد.

ثلاثة مرشحين.. انتخابات حقيقية!

بدت الأمور تأخذ إطارًا مختلفًا، هناك انتخابات حقيقية، وهناك ثلاثة مرشحين لكل منهم خلفيته وطبيعته وظروفه، وفي مؤتمر "حكاية وطن" بدا الرئيس السيسي قلقًا وأكد أنه لن يسمح للفاسدين بتزييف الحقائق وتشويه الحياة السياسية والإساءة للوطن، وذلك بعد إعلان عنان ترشحه. وكانت هذه إشارة للقوات المسلحة التي أصدرت بيانًا في الثالث والعشرين من يناير/ كانون الثاني، وبعد ثلاثة أيام فقط على ترشح عنان، لتعلن فيه عن استدعاء الفريق عنان للتحقيق معه لأنه لم يستأذنها في الترشح، ولأنه زوَّر أوراقًا تخص عمله بالقوات المسلحة، وألقي القبض عليه في اليوم نفسه ليحاكم عسكريًا. بعد ساعات وفي 24 يناير/ كانون الثاني انسحب خالد علي من سباق الرئاسة. وفي 26 يناير/ كانون الثاني أعلن السيد البدوي رئيس حزب الوفد عن نيته خوض انتخابات الرئاسة على الرغم من تأييده ترشح السيسي لولاية ثانية حتى أيام قليلة ماضية، وفي اليوم الثاني 27 يناير/ كانون الثاني رفضت الهيئة العليا للحزب ترشح البدوي وأعلنت تأييدها للرئيس السيسي!

خلا المشهد من منافس، النظام يحتاج الآن إلى من "يحلل" فوز الرئيس، إلى مرشح كارتوني، حمدين صباحي لن يكرر لعبة 2014، والنظام يركل المرشحين الجادين بقدميه، في هذه اللحظة ظهر رجل اسمه موسى مصطفى موسى يقول عن نفسه إنه رئيس حزب الغد، ويعقد مؤتمرًا صحافيًا يعلن فيه خوضه انتخابات الرئاسة المصرية أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي، وإذا تصفحت حساب الرجل على "فيسبوك" ستجده يضع صورة السيسي كصورة غلاف له، ولكنه أزالها بعد إعلان الترشح. كان هذا يوم التاسع والعشرين من يناير/ كانون الثاني. إذن، السيسي يواجه موسى مصطفى موسى في انتخابات الرئاسة المصرية 2018، وهي نهاية تليق بنهايات أفلام المنتج المصري محمد السبكي الذي برع في إنتاج أفلام تقدم اللاشيء لجمهور غائب فقد إحساسه بالزمن وبالتاريخ.

"أنا ربكم الأعلى".. بدت الآية القرآنية تليق بالحدث كأنها مصممة خصيصًا للسيسي، الذي لم يتوقع أكثر المتشائمين أن يعهد لمؤلف بهذه الضحالة لصياغة نص يحمل هذا القدر من الركاكة الإبداعية إن جاز التعبير.

النظام الحالي فقد رأسه

يقول الكاتب عزت القمحاوي "لكن هذا ليس نصًا لكي يحتاج إلى مؤلف، ولو كان هناك من كتب هذا فعلينا أن نبحث عنه لنقتله فورًا، وأنا شخصيًا جاهز للقيام بالمهمة!".

ويتابع: "النظام الحالي فقد رأسه، وطرح أسئلة منطقية بخصوص ما جرى من دراما سخيفة خلال التحضير للانتخابات لا أراها أسئلة موفقة، لأنك تطلب من أعمى أن يبصر، تحكي قصة لأصم وتنتظر منه أن يخرج بدروس وعبر. لا مجال هنا لأي منطق أو نقاش".

يرى القمحاوي أنه كان من الممكن أن يتاح لأكثر من مرشح المنافسة، وبما أن النظام سيقوم بـ"تستيف" أوراقه، فإنه يقدر أن يمنح هذا بعض الأصوات وهذا بعضًا آخر، فيما يحتفظ لنفسه بالملايين من الأصوات التي تؤيده، "وكان المشهد سيكون مقبولًا أكثر".

ما جرى مع سامي عنان وخالد علي يكشف عن جهل وغباء سياسيّين لم ير القمحاوي مثله من قبل: "كنت أظن أن نظام مبارك غبي سياسيًا ومع الإخوان زاد الغباء، ولكن هذا النظام نسف كل ما قبله وصنع لنفسه مجدًا خاصًا من الغباء".

الشاعر عبد المنعم رمضان لا يرى غرابة في ما يحدث، ولا يلوم النظام لأنه نظام مستبد يحكمه ديكتاتور وهذه الطريقة في الحكم معروفة ولا مفاجآت تحملها التجربة.

يقول: "هذه أناشيد الديكتاتور، فأين أناشيدنا؟ نحن المثقفون ضيعنا أنفسنا وبدلًا من أن نعي دقة اللحظة وخطورة المرحلة بتنا نعدو وراء الحلول السهلة بما يضمن حياة مستقرة، ونسينا ما قرأناه وما عرفناه، لا نناقش الديكتاتور في قناعاته، بل علينا إنتاج قناعاتنا أو إعادة إنتاجها بما يلائم الظروف الجديدة. النظام الحالي لا يفكر أصلًا، وما جرى من دراما مقيتة، إن اعتبرناها دراما، حدث بالصدفة البحتة، هذا نظام بلطجي لا يفكر إلا بعضلاته فقط. يعتقل عقيدًا ويسجنه ست سنوات، ويعتقل رئيسًا أسبق للأركان، ويضيق الخناق على خالد علي. أنا هنا لا أنحاز لأشخاص بل أناقش طريقة إدارة الموقف، لا، لا أناقش، العبث هو مناقشة هؤلاء، ولن أسقط في هذا الفخ. دعنا نرى ونضحك، وربما هذا هو الأسلوب الأمثل عندي للمواجهة، فالضحك يمنحنا لحظات سعيدة، وسيكون جيدًا أن يمنحنا هؤلاء أي شيء بعيدًا عن الدم ورائحة الموت وصور الجدران المصمتة وأصوات السجان".

أما الشاعر زين العابدين فؤاد فيرى أن أنظمة الحكم التي تقوم على سلطة الفرد، ولا ترى إلا نفسها، تقتات دائمًا على ما لديها من جهل، وتسوّق منتجها القمعي بالصورة التي تنتج لها خطابًا ينشر اليأس في نفوس الناس ويصدر لهم مشاعر متداخلة تخلص جميعها إلى الرضى بالواقع والإيمان باستحالة تبديله أو عدم الجدوى بالأساس.

يضيف زين: "في الحقيقة، وعلى الرغم من كل شيء، فإني لم أتوقع مطلقًا ما حدث، توقعت مشاهد منه، غير أن الإخراج فاق كل توقع، وعندما اكتملت الصورة في النهاية وددت لو أذهب إلى المؤلف والمخرج لألعنهما، وأخبرهما أني غير معترض على كتابة دراما للانتخابات بقدر ما أنا مستاء من كل هذا الاستخفاف والاستسهال والغباء".

نظام يتسلح بالجيش

في السياق يرى الشاعر والكاتب فتحي عبد السميع إن المؤسسة العسكرية التي تدير كل شيء الآن في مصر لا تسمع إلا صوتها، على الرغم من أن الشعب المصري يحرص أشد الحرص على عدم المماس بهذه المؤسسة واحترامها، ولكن في المقابل فإنهم يديرون الأمور بقمع وبلا رؤية.

يضيف صاحب "الشاعر والطفل والحجر": "لا يستطيع أحد أن يقف أمام النظام الحالي الذي يعتمد على الجيش بالأساس وهذا يضع الأمور داخل إشكالية كبرى حيث ستبدو الأمور وكأنها صراع بين الشعب والجيش. في الأخير والأكيد أيضًا فإننا نعاني من غياب السياسة أصلًا، وبالتالي فإن الأمور لو سارت بتخبط وعشوائية لا نستغرب لأن هذا طبيعي في ظروف استثنائية كالتي نعيشها اليوم".

الدكتور عمرو الشوبكي، الكاتب والباحث السياسي، يحمل النظام السياسي ما جرى خلال الانتخابات، لأنه ببساطة يفتقر لفلسفة واضحة، حيث لا يوجد إطار حاكم وواضح.

يتابع: "اختفت الأنظمة الشمولية تقريبًا من العالم، وكانت الأنظمة المصرية قبل السيسي تسمح بهامش للمعارضة، وفي ما يخص الانتخابات كانت تحتاج لمرشح أو أكثر تمنحهم ما يقارب 30% مثلًا من الأصوات في مقابل فوز مضمون ولكن لائق أيضًا للمرشح الفائز سلفًا، أما النظام الحالي فلم يعتمد في إدارته للمسألة إلا على العشوائية لتسيطر تمامًا على المشهد".

وسواء انسحب مرشحون لأن المناخ لا يسمح بممارسة سياسية فاعلة، أو تم إجبارهم على الانسحاب، فإن النظام حدد ما يريده مسبقًا وهو البحث عن مرشح كارتوني. في نظر الشوبكي فإن ذلك يجعل الحراك السياسي مكتوم وغير ظاهر وغير متوقعة ردود أفعاله، في مقابل الصراع السياسي المفتوح الذي يعكس تفاعلات داخل المجتمع ويمنح النظام فرصة ليرى، أما حاليًا فلا توقعات محددة يستطيع النظام أن يتعامل على أساسها: "هو لا يسمع إلا نفسه. والأجهزة الأمنية التي تدير المشهد في مصر تفهم أن السماح ببعض الممارسات للتعبير ستصل بالنظام الحالي إلى الهاوية ويكون مصيره ما جرى في يناير 2011 حيث سقط مبارك ونظامه. للأسف هم لا يفهمون أن إدارة الأمور وفق رؤيتهم سيعقد كل شيء وربما جاءت النهاية أسوأ".


ثقافة الاستبداد

من جانبه لفت الدكتور عمرو هاشم ربيع، نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إلى أن النظام الحالي لا يفهم إلا ثقافة الاستبداد ولذلك تأتي الممارسات عشوائية ومتخبطة وتخلو من السياسة.

وأوضح ربيع أن النظام يقصد أن تجري الأمور على هذا النحو المضحك المبكي: "هم يريدون مرشحًا ديكورياً، لأنهم ظنوا أن ما أسقط نظام مبارك كان سماحه بهامش حرية، أو شبه انتخابات، ولذلك فإن إدارة الأمور الانتخابية باستقدام مرشح لا يعرفه أحد وبلا تاريخ سياسي في لحظة درامية بامتياز هي نتيجة طبيعية وثمرة لهذا التفكير".

 

 

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.