}

"ماذا نُهدي شاعرة منتحرة؟"

مناهل السهوي 11 فبراير 2018
هنا/الآن "ماذا نُهدي شاعرة منتحرة؟"
سيلفيا بلاث وتيد هيوز

هناك ضوء يسميه بعضهم آخر النفق، وآخرون يرونه ضوء شارع وحسب، أما أمثالنا فيرونه تنهداً طويلاً. أتنهد الفزع، أتنهد الطريق الطويل نحو ذراعي الموت، هل تفزعنا الحياة؟ نحن اللواتي ينقصهن الشعر في كل صباح، ينقصهن أن يصفعهن الحزن فيتلوين بذعر أمام أنفسهن. 

 في كلّ مرة تنتحر شاعرة ينتصر الشعر على العلم والطب والعبث، فلنضحك معاً أنا وأنتِ على الهراء الذي نقنع به أنفسنا كل صباح، على الرجال الذين أحببنا فيهم جهلنا، وذعرنا من البحث عن أيديهم في العتمة دون أن نجدها، فلنضحك على حبّ كان ليجعل حياتنا مقنعة، وأقل كارثية، فلنضحك على الآباء المكسورين مسبقاً، المنقادين نحو فراغ الأكف، حيث تركوا خلفهم جوع مئات السنين، ككرة أرضية عاشت وحيدة في عتمة الأبد، قبل أن يخطر للعدم أن ينجب ضوءاً مذعوراً. فلنضحك على الحياة التي تتكاسل في الشتائم وتبدو مهذّبة أكثر مما ينبغي، هل تظنين أن كلتينا نضجت بما فيه الكفاية، هل حقاً نعرف النضج بعد وقت طويل من تمثيله، هل نوده أم نتعلمه وحسب! كدرسٍ قاسٍ للقبلِ غير المكتملة، للرجال الذين ذابوا على مواقد أفكارنا دون أن نتمكن من الإمساك بهم للحظة واحدة، وأن نكبر بكلّ هذه الوحدة، بكلّ هذا الاستسلام لفقدانٍ سيدعونا يوماً لفعلها دون تردد، مرحباً أيتها الحياة، تستحقين أن نجدك عزيزة ولو لمرة واحدة!

يقولون يا سيلفيا بلاث إن هناك كثيرات من المهووسات بشعرك، بحياتك وبخيباتك، أتساءل دوماً هل أنا واحدة منهن، هل أنا من تلك النساء المهووسات بشاعرة منتحرة؟ يبقى الأمر مربكاً، لكني في النهاية أعرف أخطاءك وأحبك، أعرف أن بإمكانك أن تكوني أكثر قوة، وأعرف أنك كنتِ لتسأليني ما معنى أن نكون أكثر قوة، والموت ينخر رغبتنا دوماً في الحب والحياة والكتابة! أعلم أني سأكون أضعف منك حين أتهمك بالمخطئة والهشة، لن أنتصر على الانتحار، من يود ذلك أصلاً؟ أعلم أن شعركِ يجعلني في كلّ مرة أسامحك على فعلتك بعد أن أشدّ على يدك وأقول لكِ "فلتفعليها"، في نهاية المطاف، كلتانا تعرف كيف تتمدد لتراقب السماء من قبور نتخيلها فوق أسرّتنا، بين أذرع من نحب، أتذكر جيداً أول بيت جعلني أغرم بشعرك "يشبهني أكثر أن أستلقي

وأخوض مع السماء محادثة مفتوحة"



وهكذا صرنا نمشي سويّة، ماذا تحتاج الشاعرات غير قصيدة ليتعرفن على بعضهن بعضاً، وعلى ماضيهن وحياتهن! صرنا نعرف كيف نلمس زغب معرفتنا ليرتعش ويحوّل جسدنا إلى نهر من القشعريرة، ولذلك أنا وحدي التي كانت تراقب جسدك الممدد ورأسك المغروز في الفرن، وحدي التي كانت تراقب المطبخ الهادئ بعد موتك وتنظر من النافذة نحو البعيد، كلتانا عرفت الأخرى وتركت لديها شيئاً عزيزاً للغاية، لدينا ذكريات مشتركة بما يكفي لأبتسم للحزن في عينيكِ وأمضي، ولتضميني في فزعي وتبتسمي دون خشية من الفرح وإطلاق التعاويذ خشية فرح يجلب المصائب، هنا يعتقدون ذلك، لذلك يصعب علي أن أشرح لك مقدار فزعي لرؤية الفرح في عينيكِ.

منذ بداية العام تذكرتك بشدة وعلمت أنّه يجب أن أفعل شيئاً لك، أن أكتب قصيدة، أن أعيد قراءة أحد كتبك أو أن أستسلم لوجهك الهادئ في الصور، لكنّي كلما كتبت شيئاً، شعرتُ بعجز أكبر، لا يكفي، لا شيء يكفي هذا النهر المرتعش الذي نتشارك ضفتيه!

ماذا نهدي شاعرة منتحرة؟ بعض الكلام، حزمة من الموت مربوطة بشريط أنيق، فستاناً من التراب، أم رجلاً لا يحزن ولا يخاف الشعر والنساء المهووسات، هل نهديها مقبض باب يفتح نحو حقيقة واحدة؟ فكّرت كثيراً بكِ، بشكل غُرتك القصيرة، شعركِ المعقوص للخلف ولؤمك حين تودين امتلاك شيء، كم نحن نساء سيئات ولكن حقيقيات بصورة لا تصدق.

لن يسمعوا أحاديثنا وأنا أراقبك تغلقين فتحات المطبخ، لتتذكري فجأة حادثة قديمة، تخبريني بها وما زلتِ تكملين عملك، تضعين قطعة القماش في الفرن، أجلس القرفصاء وأراقبك كطفلة يثير دهشتها العالم، تتحدثين عن الشعر وعن الرجال والحب والمقاومة الساخرة لهذه الحياة، تفتحين أسطوانة الغاز وتتمددين فنبتسم لبعضنا وتغمضين عينيكِ، أقف مجدداً وأنظر من النافذة.

في الحادي عشر من شباط سأكتفي بمتابعة النظر من نافذة المطبخ نحو البعيد بهدوء مرعب كامرأة نضجت في بضع دقائق ملأتها رائحة الغاز، بينما ما زلتِ ممددة خلفي. رأسك محشور في الفرن وقدماك مغروستان في نهاية الألم.



*شاعرة من سورية

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.