}

وديع سعادة يحصد جائزة الأركانة للشعر

أشرف الحساني 26 ديسمبر 2018
هنا/الآن وديع سعادة  يحصد جائزة الأركانة للشعر
وديع سعادة

 

أحيانا في الليل وأنا أذرع الطريق وحيدا أجر خلفي حزن العالم، يتملكني ذلك الشعور الأبدي بالغربة، فأستسلم دون وعي مني إلى كل الاستيهامات التي تخامرني. وفي لحظة ما أحس بنداء قادم  بقوة من دواخلي، تنتابني رغبة في التصدي له، لكنه عصي علي، فيخترق حنجرتي إلى الخارج. لم يكن ذلك، إلا صوت كل من وديع سعادة، عبد المنعم رمضان، أمجد ناصر، سركون بولص، عبد الله زريقة. شعراء عرب كبار ظلوا يقيمون في جسدي، منذ صباي. ألفتهم لدرجة ظننتهم صوتي. والحقيقة أنه لم يكن لا صوتي ولا صوتهم، وإنما صرخة العربي في المنافي والفيافي البعيدة، وهو مكبل بالسلاسل والأغلال... يستيقظ في كل يوم ذلك الجرح العربي، الذي حملناه في صمت تحت جلدنا ونحن نئن منذ 67، فتكثر  في الأسئلة القاحلة، فأزداد ليلا في الليل... ثمة حقا ما يشي بسحر غريب في أشعار  الشاعر اللبناني وديع سعادة، وهو يقلب جمرة النص مرمما به شروخ الذات وأوهامها  في لحظات التشظي والجنون، الذي نصاب به أحيانا تجاه واقعنا . "قل للعابر أن يعود، نسي هنا ظله" ، "غبار" ، "محاولة وصل ضفتين بصوت" ، "من أخذ النظرة التي تركتها أمام الباب؟" كلها عناوين شعرية متميزة صنعت مجد وديع سعادة، باعتباره أحد أهم وأبرز الشعراء العرب، الذين ضخوا في الشعرية العربية دماء جديدة حررتها من رتابة النموذج الكلاسيكي، بعد أن أقدم وديع على تمزيق قصائده العمودية الأولى، محققا بذلك ثورة فنية مائزة في صياغة واجتراح عوالم شعرية تتسم بالفانطاستيك في بناء مكثف ودقيق للمعنى ينفي من خلاله الشاعر الوجود ليعانق رحابة العدم والهامش والعابر والزائل وغيرها من الصور التي تستوطن في الغياب. النص الشعري عند وديع سعادة، نص كثيف المعجم ومغرق في نثريته، القارئ له مدعو إلى السفر والتنقيب في ذاكرته المشروخة. الطفولة، القرية، الفقدان، الخيانة، الحيرة..كل هذه الثيمات تجد صداها داخل المتن الشعري عند سعادة عبر لغة شعرية بسيطة وكثيفة أقرب إلى الكلام اليومي، يبني الشاعر من خلالها مواقفه ورؤيته الخاصة للعالم. إنها نصوص أشبه بالصرخة المؤجلة عن ذواتنا المكلومة، نصوص تكاد تشم فيها رائحة الغبن و البكاء والألم.. .

وقد قررت لجنة تحكيم جائزة الأركانة العالمية للشعر لهذه السنة قبل أيام بمدينة الرباط والمكونة من عبد الرحمان طنكول وخالد بلقاسم ورشيد المومني ومراد القادري وحسن نجمي.. . والتي يمنحها كل من بيت الشعر في المغرب وصندوق الإيداع والتدبير بشراكة مع وزارة الثقافة والاتصال منح الشاعر اللبناني وديع سعادة، جائزة الأركانة العالمية للشعر لهذه السنة، لما أبان عليه من قوة شعرية وجمالية هائلة منذ عمله الشعري الأول "ليس للمساء إخوة" . ويأتي هذا التتويج الخاص بجائزة الأركانة العالمية للشعر في دورتها الثالثة عشرة، كعربون محبة واعتراف للشاعر وديع سعادة بما قدمه طيلة نصف قرن لقصيد النثر العربية أو "النص الحديث" كما يسميها. وتبلغ القيمة المادية لهذه الجائزة اثني عشر ألف دولار أمريكي. مصحوبة بدرع وشهادة وحفل ثقافي كبير سيتم ضمن فعاليات المعرض الدولي للنشر والكتاب بمدينة الدار البيضاء / المغرب .

يقول مراد القادري رئيس مؤسسة بيت الشعر في المغرب وأحد أفراد لجنة تحكيم الجائزة لموقع         ضفة ثالثة   " لا أخفي عليكم أننا سعِدنا في بيت الشعر في المغرب بنيْل الشاعر وديع سعادة لجائزة الأركانة العالمية للشعر. وقد تضاعَف فرحُنا الشّعري عندما لاحظنا الابتهاج الكبير الذي خلّفه هذا التتويج المُستحق لدى مختلف المنتسبين لعالم الكتابة و الشعر، ممّن يُدركُون جيّدا الدور التحديثي البارز الذي نهَضت به قصيدةُ وديع. قصيدةٌ في تمْجيد الغبار والغياب والعبور. قصيدةٌ تسعى للعوم لاكتشاف ما تحت الماء. قصيدةٌ تنتصر للصمت، هو الذي كتب يوما "إذا كان هناك من يريد فعلاً أن ينقذ البشرية فليأمرها بالصمت". لذلك، أعتبر أن جائزة الأركانة العالمية للشعر أضافت اليوم إلى سجّلها شاعرا جديرا بالإقامة بين ظلال هذه الشجرة المتفردة التي ندعوها الأركانة، والتي لا تنبث إلا في المغرب، ما يجعلها كما قصيدة وديع رمزا للاستثنائي والمختلف و المدهش.

سيتسلّم الشاعر وديع سعادة دِرع وشهادة الجائزة في المكتبة الوطنية بمدينة الرباط يوم 6 فبراير القادم، فيما سيُحيي أمسية شعرية خاصة به ضمن فعاليات المعرض الدولي للنشر والكتاب لمدينة الدار البيضاء يوم السبت 9 من نفس الشهر. هذا المشي من مدينة أخرى، هو ما سنحتفي به أثناء وجود وديع بيننا في المغرب، بين أصدقائه من شعراء وكتاب ومثقفين وإعلاميين. كأنه مشيٌ  بحثًا عن موطن، عن وهم. عن غياب. مرحى بالشاعر وديع سعادة في نادي الشعراء الذين نالوا هذه الجائزة وشرّفونا بالانتماء لأفقنا الشعري، الذي دافع دومًا على تكْريم وجُوه الشّعر العالمي ممن يغُنون يوما الوجدان الإنساني، ويدافِعُون عبر الكلمة الشعرية عن حقّنا في الوجود والحياة، وعن حاجتنا إلى الحُلم ومُعاكسة صورة الذات في مرآة الكون والآخر" .

 

صدر لوديع سعادة جملة من المجاميع الشعرية التالية :

  • ليس للمساء إخوة / 1981
  • رجل في هواء مستعمل يقعد ويفكر في الحيوانات / 1985
  • مقعد راكب غادر الباص / 1987
  • بسبب غيمة على الأرجح / 1992
  • محاولة وصل ضفتين بصوت / 1997
  • غبار / 2001
  • قل للعابر أن يعود، نسي هنا ظله / 2012

 

يقول :

في هذه القرية

تُنسى أقحواناتُ المساء

مرتجفةً خلف الأبواب.

في هذه القرية التي تستيقظ

لتشرب المطر

انكسرتْ في يدي زجاجةُ العالم. 

 

هذه المياه

تَفتحُ أقنيةَ الليل في الجسد.

هذه المياه وهذه المراكب

نقودُ عميانٍ

نسوا أنفسَهم على أرصفة الضوء

ونسوا

أن يرفعوا شبكة العمر

 

ستخرجون بقميصٍ صارخةٍ لتقابلوا اعتزالاتكم.

في الليل أو في النهار

ستخرجون

وعلى حدةٍ يقابل كلُّ واحد اعتزالاتِه

ينقّب طويلاً في مزارع الحقول

ولا يجد كنز حياته

في الليل أو في النهار

ستثقب المحيطاتُ بدلاتِكم

وتبحثون عبثًا عن إبرة الشمس.

 

 

 

 

 

 

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.